( فقه المعاملات )
(32)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب النكاح )
[ 3 ]
باب : في المحرمات في النكاح
باب : في المحرمات في النكاح
الشرح :
هنَّ اللواتي يحْرُم الزواج بهنَّ .
وهنَّ قسمان .:
أولاً :من تحرم تحريماً مؤبداً .
سبعٌ بالنسب كما في قوله تعالى :
{ حُرِّمت عليكم أمهاتكم }
و كل امرأةٍ حرُمت بالنسب يحرمُ مثلها بالرضاع وكذا تحرم الملاعنة .
الشرح :
من تحرم تحريماً مؤبداً هنَّ سبعٌ بالنسب . المذكورات في قوله تعالى :
{ حُرِّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخِ وبنات الأختِ }
هؤلاء من النسب ، وكذلك مثلهن من الرضاع لقوله e في الصحيحين :
{ يحرمُ من الرضاع ما يحرمُ من النسب }
وكذلك تحرم الملاعِنة – كما سيأتي معنا – في باب اللعان وذلك عافانا الله وإياكم أن يقذف الزوجُ زوجَتَهُ .:
يجدُ شخصاً يزني بها ليس معه شهود إذا أراد أن يتبرّأ من هذا الحمل ومن هذا الفعل ، فيقذفها عند الحاكم ويتلاعنا كما قال عز وجل في سورة النور :
{ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين .. }
فإذا حصلت هذه الملاعنة فإنه يفرق بين الزوج و زوجته تفريقاً مؤبداً ، لا يعود أحدهما إلى الآخر .
مسألة : أما من تحرم بالمصاهرة :
فأربع .
ثلاثٌ منهنَّ بمجرد العقد
، وهي : زوجة الأب وإن علا ولو من رضاع .
ثانياً : زوجة الابن وإن نزل ولو من رضاع . ثالثاً : أم الزوجة وإن علت ولو من رضاع . رابعاً : الربيبة وبنات أولادها .
الشرح :
أربعٌ يحرمنَ بالمصاهرة . ثلاثٌ بمجرد العقد :
زوجة الأب وإن علا ، فزوجة أبيك بمجرد العقد تحرم عليك ، و العقد يتم بإيجابٍ وقبولٍ ولو لم يدخل بها . فقلنا : لمجرد العقد ولو لم يدخل بها .
فزوجة أبيك و زوجة جدك و زوجة جدك العاشر لا يجوز أن تتزوج بها ولو كان هذا الجدُّ جداً من الرضاع والدليل قوله تعالى :
{ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } .
وأما الثانية :
زوجة الابن ولو من الرضاع وإن نزل . لقوله تعالى :{ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم }
فزوجة ابن ابنك أو زوجة ابن ابن ابنك ، أو زوجة ابن ابن بنتك . فلا يجوز أن تتزوج بها متى ما عقد عليها الابن ولو كان هذا الابن من الرضاع .
والثالثة
: أم الزوجة وإن علت ولو من الرضاع . فمتى ما عَقَدّتَ على امرأة فإن أمها تحرم عليك بمجرد العقد وإن علت ولو من الرضاع .
رابعاً :
الربيبة وبنات أولادها ذكوراً أو إناثاً وإن نزلت من نسبٍ أو رضاعٍ في حجره أولا إن دخل بالأم ، ولا تحرم على أبنائه أو آبائه .
الشرح :
قال تعالى :
{ وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم }
فالربيبة : هي بنت الزوجة ، فلو تزوجت بامرأة ولها بنت من غيرك فهي ربيبة لا يجوز أن تتزوج بها بشرط أن تدخل بالأم ،
ولذا لو عقدت على الأم ولم تدخل بالأم فلك أن تتزوج ابنتها ولو أن هذه الربيبة لها بنات أو أولاد ونتج من هؤلاء الأولاد أو البنات بنات ،
فكذلك وإن نزلوا سواءٌ كان من نسبٍ أو رضاعٍ ، ولا تحرم على أبنائه أو بناته . ماذا قال عز وجل ؟
قال : { وربائبكم }
ولم يقل : وربائب أبنائكم أو ربائب آبائكم .
ولذا لو كان أبوك قد تزوج بامرأةٍ لها بنت . يجوز لك أن تتزوج بهذه البنت لأنها ربيبة أبيك وليست ربيبتك ، ولو تزوجت بامرأةٍ لها بنت ، فلأبيك أن يتزوج بها مع أنها ربيبتك فله أن يتزوج بربيبة ابن ابنه .
مسألة :
تحرم بنت أخيه من الزنا ، وكذلك من قتل زوجَهَا ليتزوج بها ، وكذا إن أفسدها على زوجها قول شيخ الإسلام رحمه الله .
الشرح :
لو أن شخصاً – عافانا الله وإياكم – زنا بامرأة فحصل من هذا الزنا وضعٌ لبنت ، فلا يجوز لأخ الزاني أن يتزوج بهذه البنت لأنها ولو لم تكن بنت أخيه شرعاً فإنها بنت أخيه من الماء ،
وكذلك لو أن شخصاً قتل زوج امرأة ليتزوج بها فإنها تحرم عليه . معاملةً له بنقيض قصده ، وكذلك لو لم يقتله وإنما خببها يعني : أفسدها . فحاول أن يُفسد بينهما ليتزوج بها .
مسألة :
التحريم المؤقت نوعان :
النوع الأول .
الشرح :
مضى التحريم المؤبد ، وهنا نتحدث عن التحريم المؤقت . تحرم عليك بعض النساء في وقت معيّن ، وفي غير هذه الأوقات فيجوز لك أن تتزوج بهنَّ .
النوع الأول : محرم .
من أجل الجمع وضابطه : لا يجمع بين امرأتين لو كانت رجلاً ماصح له أن يتزوجها ، ويستثنى من ذلك من تزوج امرأةً رجلٍ . وببنتٍ له من غيرها . إذاً اشترط في الجميع انقضاء عدتها .
الشرح : ما يحرمن من أجل الجمع :
قال النبي r :
(( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ))
وهنا ضابط : وهو أنه لا يصح الجمع بين امرأتين لو كان إحدى هاتين المرأتين رجلاً ، لما صح أن يتزوج بها . مثال ذلك : لو تزوجتَ بامرأة وتَزَوّجتَ بابنة أخيها . فإنه لا يجوز هذا الجمع ، لأنه لو قلبنا إحداهما رجلاً لما جاز الزواج .
لو جمعت بين ابنتين لعَمَيْنِ لك أو لخَالَيْنِ لك . خالك ( محمد ) وخالك ( فهد ) تزوجت بابنتيهما . هل يجوز الجمع بابنة كل واحد منهما ؟
يجوز الجمع ، لأنه لو قلبنا إحداهما رجلاً لجاز الزواج . لكن في هذا الضابط تستثنى مسألة ،
وهي المسألة المذكورة هنا ،
هي لو تزوجت بامرأة قد تزوجت من رجلٍ سابقٍ ، وله بنت من زوجةٍ أخرى غير هذه الزوجة فالأصل لو قُلبت لكانت ربيبة ، فيستثنى من ذلك هذه المسألة ، فيجوز أن تتزوج بامرأة رجلٍ وأن تجمع معها ابنته من غيرها ، ولا بد في ذلك كله انقضاء العدة .
مسألة :
يحرم أكثر من أربع نسوة ، فإن طلَّق إحداهنَّ انتظر حتى تنقضي عدتها .
الشرح :
بعض الصحابة لما أسلم كان تحته ثمان نسوة فقال النبي r :
(( اختر أربعاً منهنّ ))
فإذا كان لدى الإنسان أربع نسوة فطلّق إحداهنّ ليتزوج برابعة . فيقال له : تحتك الآن ثلاثٌ ورابعةٌ في عدّتك إذا انقضت عدتها فلتتزوج بأخرى ، ولا يجوز أن تتزوج وهذه الرابعة في عدّتكَ فلتَعّتدَّ معها .
مسألة :
وطء الشبهة تجري عليه أحكام الوطء الصحيح . مثاله : من وطئ أخت زوجته بشبهة ، فلا يطئ زوجته حتى تنتهي العدة .
الشرح :
وطء الشبهة تجري عليه حكام الوطء الصحيح على القول الصحيح ،
ولذا لو وطأت امرأة تظن أنها زوجتك ، فحصل أولادٌ فهؤلاء الأولاد أولاد شرعيّون ليس كالزنا . لو وطأت أختَ زوجتِكَ بشبهة تظن أنها زوجتك فهنا تعتدّ. يقال لك : لا تقرب زوجتك . لمَ ؟
لأن أختها في عدةٍ منك تعتدُّ حتى تسْتَبْرِئ رحمَها ، فربما حصل من هذا الوطء حملٌ وقد انشغل رحمانِ بمائِكَ ،
ولا يجوز الجمع بينهما لأنهما أختان فيجب أن تعتدّ فلا تقرب زوجَتَكَ حتى تستبرأ هذه الموطوءة بشبهة .
مسألة :
الموطوءة بشبهة لا يجوز الزواج بها في عدتها إلا من صاحبها .
الشرح :
لو وطأ رجلٌ امرأةً بشبهةٍ ، فلا يجوز لأحدٍ أن يتزوجَ بها في عدّتِها لأنها معتدة لهذا الرجل ولا يجوز أن يتزوج بها في العدة لقوله تعالى :
{ ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } لكن لو أن صاحب العدة – دعوا عنكم مسألة الأختين هذه مسألة أخرى – لو أن صاحب العدة أراد أن يتزوج بها في عدتها فيصح لمَ ؟ لأن الماء الذي في رحمها ماءه ، فلو تزوج بها وَ وطئها فإن الماء هو الماء
مسألة :
إنْ عَقَدَ على أختين . بَطَلَ المتأخر وإن استويا بطلا .
الشرح :
لا يجوز الجمع بين أختين قال تعالى :
{ وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف }
ولذا لو أنه عقَدَ في لحظةٍ واحدةٍ في وقتٍ واحدٍ على أختين . :
بطل العقدان لكن لو أنه عَقَدَ على ( فاطمة ) ثم بعد دقيقةٍ عقد على ( عائشة ) فالمتأخر هو الباطل ، فيكون عقد ( عائشة ) هو الباطل .
مسألة :
الأحكام السابقة تشمل الإماء ، فلو ملك أختين فلا يطأ إلا واحدةً .
الشرح :
الأمَةُ يجوز أن توطأ من سيدها، لكن لو أنك ملكت أختين . فيجوز هذا الملك . يجوز أن تملك أختين من الإماء ، لكن لا يجوز أن تطأهما جميعاً ، فإذا وطأت إحداهما فلا تطأ الأخرى .
= النوع الثاني :
من المؤقت ما حرم لعارض المعتدة الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها وكذا المبانة بينونةً كبرى حتى يطؤها زوجٌ آخر بنكاحٍ صحيح .
الشرح :
من المحرمات تحريماً مؤقتاً الزانية ، فلا يجوز أن يتزوج بالزانية ، والنكاح باطلٌ حتى تتوب . قال تعالى :
{ الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحُرِّمَ ذلك على المؤمنين }
يعني حرم النكاح ، فإذا تابت وانقضت عدتها فيجوز النكاح بها وكذلك المبانة بينونة كبرى .
يعني : من طلقها زوجها ثلاث تطليقاتٍ فإنها لا تعود إليه إلا بزوج بزوجٍ آخر إذا تزوّج بها وعقد عليها نكاحاً صحيحاً ودخل بها – كما سيأتي – إذاً المحرمة لعارض الزانية حتى تتوب و تنقضي عدتها وكذلك المبانة بينونة كبرى حتى تتزوج بزوجٍ آخر بنكاح صحيح ،
فإذا نكحها آخر بنكاحٍ صحيحٍ ودخل بها وجامعها ثم طلقها ، فللأول أن يتزوج بها .
مسألة :
من كانت زوجته تزني ، فلا يجوز أن يمسكها .
الشرح :
وهذا هو قول شيخ الإسلام – رحمه الله – يقول : لا يجوز له أن يمسك زوجته إذا علم بأنها تزني . فهو ديُّوث .
مسألة :
يحرم نكاح المحرمة ، والكافر بمسلمة ، والمسلم بكافرة إلا الحرّة الكتابية .
الشرح :
يحرم نكاح المحرمة – لما مر معنا في كتاب الحج – قال r عند صحيح مسلم :
(( لا يَنكح المحرم ولا يُنْكح ))
وكذلك يحرم نكاح الكافر بالمسلمة .
قال تعالى :{ ولا تُنكِحوا المشركين حتى يؤمنوا } وكذلك لا يجوز للمسلم أن يتزوج بالكافرة
ويستثنى من ذلك الحرة الكتابية ، فإن كانت هناك كتابية يهودية أو نصرانية وكانت حرة ليست بأمة ، فيجوز للمسلم أن يتزوج بها . قال تعالى :
{ وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنَّ أجورهنَّ } .
مسألة :
يحرم على الحرِّ المسلم أن يتزوج أمةً مسلمةً إلا إن خاف الزنا ، ولم يقدر على مهر الحرة أو ثمن الأمة وإن لم تكفيه واحدة زاد ولو إلى أربع .
الشرح :
الحرُّ المسلمُ لا يجوز له أن يتزوج بمسلمة رقيقة .
لمَ ؟
لأنه يعرِّضُ أبناءه للرّق لأن الأولاد يتبعون أمهاتهم حريّةً ورقاً ،
فلا يجوز إلا في حالتين : إذا لم يجد مهراً للحرة أو لم يجد ثمناً لشراء أمَهْ . فلا يجوز أن يتزوج بالأَمَةِ قال تعالى :
{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}
إلى قوله :
{ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } وهذا هو الشرط الثاني وهو خوف الوقوع في الزنا فإذا تزوج بأمة ولم تكفيه فله أن يتزوج بثانية ، فإن لم تكفِهِ فله أن يتزوج بثالثة فإن لم تكفِه فرابعة .
مسألة :
يحرم على العبد أن يتزوج سيدته ، والسيدُ مملوكَتَهُ ولو أعتقها وجعل عِتْقَهَا صداقَهَا جاز من دون وليِّ ولا مهرٍ ولا شهودٍ ولا رضاها .
الشرح :
يحرم أن يتزوج العبدُ سيدَتَه لأن فيه تعارضاً ، وعقد المِلْكِ أقوى من عقد الزواج كذلك لا يحق للسيد أن يتزوج أمته ، لأن عقد ملك اليمين أقوى من عقد الزواج ، لكن له أن يتسرَّ بها ، وكذلك يحرم أن يتزوج العبد سيدته لأن الزوج له ولاية ، فيتعارض العقدان في لها ولاية عليه بمقتضى المِلْك وله ولاية عليها بمقتضى الزواج فلا يصح هذا . ولو أن السيدَ أعتق أمَتَه وجعل عتقها صداقها لصح ، كما فعل e مع صفيَّة .
وإذا جعل عتقها صداقها فلا يشترط لا وليّ ولا مهر ولا شهود ولا رضاها .
مسألة :
من حرم وطأها بعقد . حرم بملك اليمين من باب أولى ، فإن ملك أختين فله وطء إحداهما ، وتحرم الأخرى حتى يخرج الوطء عن ملكه بزواجٍ بعد استبراءٍ أو بيعٍ .
الشرح :
ما حرم وطأه بعقد يحرم بملك اليمين ، فلو ملك أختين إحداهما اسمها ( فاطمة ) والأخرى ( عائشة ) فوطأ ( فاطمة ) فلا يجوز له أن يطأ ( عائشة ) لكن يجوز له أن يطأ ( عائشة ) في حالةٍ من حالتين : إما أن يُخرجَ ( فاطمة ) عن ملكه ببيع أو أن يزوجها ، فتكون ( عائشة ) مباحةً له .
مسألة :
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – لا يحرم في الجنة زيادة عدد ولا الجمع بين المحارم .
الشرح :
فيقول شيخ الإسلام رحمه الله :
الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس فلا يتقيد بأربع وقد أخبر النبي r لما سُئِل . أَنَصِلُ إلى نسائنا ؟ قال : إنَّ أحَدَكم لَيَصِلُ إلى مئة عذراء في اليوم ، فلا يحرم الزيادة في العدد في الجنة وكذلك الجمع بين المحارم فو أن أختين دخلتا الجنة فلا يحرم أن يكون زوجهما واحداً .