( فقه المعاملات )
(38)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب الطلاق )
[ 1 ]
( أحكام الطلاق )
مسألة :
يكره من غير حاجة ،
ويباح عندها ،
ويستحب إذا كرهته ،
ويجب إن كانت غير مستقيمةٍ وكذا في الإيلاء .. ويحرمُ في الحيض . وفي النفاس عند الأكثر ،
وفي طُهْرٍ جامعها فيه ولم يتبيَّن حملها . وكذا إن طلَّقَها ثلاثًا .
وهذه أنواع الطلاق البدعي .
الشرح :
يُكْرَهُ الطلاق من غير حاجة ، لأن في ذلك تفريقاً للأسرةِ ، وتركًا لأمره r بالزواج . وأما حديث :
( أبغض الحلال عند الله الطلاق ) فمختلفٌ فيه ، حتى إنَّ في متنه نكارةٌ لأنَّ الحلال ليس بغيضاً عند الله عز وجل .
(ويباح عند الحاجة ). فمتى ما احتاج الزوجُ فيباح . وقلنا : إن الأفضل له إذا كرهها أن يصبر وأن يبقيها .
(ويستحب إذا كَرِهَتْهُ) فإذا كرهته يستحب له أن يطلِّقَهَا ، فإذا لم ترده فالأفضل أن يُطَلِّقَها ولا يأخذَ عليها عوضاً .
(ويجب الطلاق إن كانت غير عفيفةٍ) ، وقد سبق معنا كلام شيخ الإسلام – رحمه الله – : لا يجوز أن يبقِيَهَا ما دامت زانية .
وكذلك( يجب الطلاق في الإيلاء) ، وسيأتي معنا باب الإيلاء . فالطلاق يجب في الإيلاء . كيف يجب ؟ سيأتي إن شاء الله في بابه.
(ويحرم الطلاق في الحيض ). يحرم أن يطلق الزوج زوجته وهي حائض .
وأنكر النبي r على عبد الله بن عمر كما في الصحيحين ، وقال لعمر : ( مُرْهُ فليراجعَهَا حتى تطهر ثم تحيض ، ثم تطهر . فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ) .
وقاس أكثر العلماء النفاس على الحيض ، ومرَّ معنا : أن الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – يرى أن الطلاق في النفاس ليس بمحرم ، لأنَّ المرأة لا تعتدُّ به . وكذلك في طهرٍ جامعها فيه ولم يتبيَّن حملها . فلو أنها طهُرَت من الحيضة ثم جامعها ،
فلا يجوز له أن يطلقها ، إلا إذا كان حملها قد استبان . فلو أنه جامعها في طُهْرٍ وقد استبان حملها فيجوز ، لأنَّ عدَّتَها في هذه الحال لا تكون بالحيض ، وإنما تكون بوضع الحمل .
وكذلك يحرم الطلاق ( البدعيُّ في العدد ) عندنا :
طلاقٌ بدعيٌّ في الزمن :يكون
أولاُ :في الحيض ،
ثانياً: في النفاس عند الأكثر ،
ثالثاً:في طُهْرٍ جامعها فيه ولم يستَبِنْ حملها .
وأما الطلاق البدعيُّ في العدد :
أن يطلقها ثلاثًا . ولذا قال r لمّا طلَّق رجلٌ ثلاثًا . قال : أيُلْعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظْهُرِكُمْ ) .
وإنما الطلاق في الحيض ممنوعٌ لأن المرأة سترتاب : هل تعتد بهذه الحيضة التي طُلِّقَت فيها أم لا ؟ وسيأتي معنا شيءٌ من هذا .
مسألة :
من زال عقله بغير اختياره فلا طلاق ، وأما إن كان باختياره كالسكران . فقولان .
الشرح :
من زال عقله بغير اختياره فلا طلاق عليه ، فلو أنه أُشْرِبَ المسكرَ من غير اختياره فطلَّقَ في حال سكره فلا شيء عليه . لكن لو أنه أقدم على المسكرِ عامداً متعمداً فطلّق حال السكر . فقولان لأهل العلم . وقد كان الإمام أحمد – رحمه الله – يرى أن طلاقه واقع ثم رجع ، لأن النبي r قال : ( لا طلاق في إغلاق ) يعني : في إكراه . فهو في حال السكر عقله ليس معه .
مسألة :
طلاق الموسوس والمكره بغير حقٍ لا يقع على الصحيح .
الشرح :
طلاق الموسوس :
الذي به وسوسة لايقع، وإن ارتاب بأنه طلّق زوجته ويوسوس في ذلك ، فهذا لا يقع منه ، لأنه شبيه بمن زال عقله .
وكذلك : من أكره بغير حقٍ . كأن تقول المرأة لزوجها : طلِّقني وإلا قتلتكَ . أو قال شخص : إن لم تطلِّق زوجتَك قتلتكَ .
فهذا مكره بغير حقٍ . فلا يقع طلاقه ،
لكن إن كان مكرهاً بحق فيقع الطلاق .
متى يكون مكرهًا بحقٍ ؟
في الإيلاء . كما قلنا يجب الطلاق في الإيلاء ويكرهه الحاكم ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
مسألة :
أما إن كان بحقٍ كالإيلاء أو زوجها وليَّان في وقتٍ واحدٍ ، فيلزم بالطلاق .
الشرح :
مثال: كأن يزوجها وليَّان في وقتٍ واحدٍ
( أخ شقيق لها ، وأخ شقيق لها )
في وقتٍ واحدٍ .
يعني : لم يتقدم أحدهما على الآخر . فزوَّج ( محمدٌ ) فلاناً عليها ، وزوَّج ( خالدٌ ) فلاناً عليها . وهو شخصٌ آخر في وقتٍ واحدٍ .
فهنا لا يصح لأننا لا نعلم المتقدم من المتأخر . وهذه أشياء يفرضها الفقهاء ، وإن كانت لا تقع إلا قليلاً ،
لكن الفقهاء يدرِّبون أذهان طلاب العلم على المسائل من جهة ،
ومن جهة أخرى : ربما تقع هذه الحالة ولو في ألف سنة مرةٍ . فإذا زوَّجها الوليّان في وقت واحدٍ فيلزم كل من الزوجين أن يطلِّق .
مسألة :
وضابط الإكراه بظلمٍ : أن يعذبه ، أو يعذِّب قريبه أو أضرَّه في ماله أو هدده وهو قادرٌ على تنفيذه ، ويقع الطلاق بائناً في نكاح فاسد ، ولا يقع في نكاحٍ باطلٍ ، ولا خلع فيهما .
الشرح :
ضابط الإكراه بظلم : أن يعذبه بضرب ونحوه . أو يعذب قريبه ، كأن يعذب أولاده و أطفاله . قال : إن لم تُطَلِّق فسَأُلْحِق الضرر بهؤلاء . أو أضرَّه في ماله . قال : سآخذ منك مالك إن لم تطلِّق . وفيه ضرر عليه . أو هدده بهذه الأشياء وهو قادر على تنفيذ ما هدده به . فهو يعلم بأن هذا الرجل إذا هدد فعل . وهو قادر على ذلك فهذا هو الإكراه الذي لا يقع معه الطلاق .
ويقع الطلاق بائنًا بنكاحٍ فاسدٍ ، فالنكاح الفاسد لا بد فيه من الطلاق ، وإذا طلق الزوج فتكون المرأة بائنةً منه . ولا يقع في نكاحٍ باطلٍ ، لأنَّ وجوده كعدمه كمن تزوج خامسة .
ولا خُلْعَ فيهما : لا خلع في الفاسد ولا في الباطل . لمَ ؟ لأن الواجب أن يكون هناك فراق . فإذا قلنا : إن هناك خُلْعًا . أثبتنا أن هناك زوجية ، ولكن لا زوجية صحيحة هنا .
مسألة
يقع من الهازل ، لأنه قَصَد التلفظ به .
الشرح :
لقوله r عند ابن ماجة : ( ثلاثٌ جِدُهُنَّ جِدّ ، وهزلُهُنَّ جد ) ذكر منهنّ ( الطلاق ) فلو قال شخصٌ لزميله : يا فلان طلِّق زوجَتَك . فقال : هي طالق . وهو يريد الهزل والمزاح . فتطلق زوجته ، لأنه قصَدَ التكلم به ولم يكن قاصداً الطلاق ، لكنه قَصَدَ التكلم به .
مسألة :
لا طلاق لفقيه يكرر ، ولا لحاكٍ عن نفسه .
الشرح :
الفقيه لو ضرب الأمثلة في الطلاق على نفسه ، فإن زوجته لا تطلق . وكذلك الحاكي عن نفسه ، كأن يحكي طلاقاً وقع منه على زوجته وراجعها ، حكى هذا الطلاق فإنّ زوجته لا تطلق .
مسألة :
وكيل الزوج كهو ، فلو وكَّل مميزاً يعقل صحَّ ، وكذا الكافر ، وكذا لو وكَّلَها .
الشرح :
وكيل الزوج كهو ، فو وكَّل مميزًا يعقله . فقال لمميِّزٍ : طلِّق زوجَتِي ، أنت وكيلي في طلاق زوجتي . فطلَّقها فإنها تطلق ، وكذلك : لو وكَّل المسلمُ كافرًا في تطليق زوجته فيقع لأن طلاق الكافر يقع على زوجته ، وكذا لو وكَّلَها بـ لو قال : أنتِ وكيلى في طلاق نفسك ، متى شئتِ طلِّقي نفسَكِ . فإذا طلَّقت نفسها فيقع الطلاق .
مسألة :
إن وطِئَها بطلَت الوكالة .
الشرح :
لو أنه وكّل هؤلاء ، ثم قبل أن يطلِّقوا وطِئ زوجته بطلت الوكالة ، لأنه بوطئه لها تبيَّن أنه راغبٌ في إرجاعها ، والوطء حالة من حالات إرجاع الزوجِ زوجته .
سألة :
لو طلَّقها الوكيلُ . فقال الزوج : قد رجعت مسبقًا وقع إلا إن أتى ببينة .
الشرح :
لو أن الوكيل طلَّقها ، ثم قال الزوج : لقد أرجعتها قبل أن تطلِّقَها . فيُقال : لا اعتداد بقولك . يقال له : إلا إن أتيت ببينة على أنك راجعتها قبل أن يقع الطلاق من وكيلك .
مسألة :
الطلاق بثلاثٍ أو أكثر هل يقع ثلاثًا أو واحدةً ؟ قولان ، ورجَّح شيخ الإسلام : واحدةً .
الشرح :
لو قال : أنتِ طالقٌ بالثلاث . أو قال : أنتِ طالقٌ طلاقًا لا رجعةَ فيه . أو : أنتِ طالقٌ مليونَ طلقةٍ .
فهل تُعَدُّ طلقةً واحدةً ؟ أو تعدُّ ثلاثًا ؟
اختلف العلماء في ذلك :
، ويرجِّح شيخ الإسلام رحمه الله أنها تكون طلقةً واحدةً ، وما زاد على الواحدة فإنها لغوٌ وذلك ، لأن النبي r (كان الطلاق في عهده بالثلاث واحدةٍ )، وكذلك في عهد أبي بكر وفي صدر عهد عمرَ – رضي الله عن هما – فلما أسرف الناس في الطلاق . قال عمر t إني أرى أن الناس قد استعجلوا في أمرٍ كان لهم فيه أناةٌ ، فلو أمضينا عليهم الثلاث ؟ فوافقه الصحابة رضي الله عنهم .
مسألة :
الطلاق البدعي من حيث الوقت . هل يقع مع الإثم ؟
قولان . واختار شيخ الإسلام – رحمه الله – عدم الوقوع . ويجب أن يردها إلى عصمته ويمسكها حتى تحيض ثم تطهر .
الشرح :
لو أنه طلَّقها وهي حائض : هذا طلاق بدعي في الزمن . والمسألة السابقة : طلاق بدعي في العدد . لو أنه طلَّقها طلاقًا بدعيًا في الزمن : في حيضٍ أو في طهرٍ جامعها فيه ، ولم يتبين حملها .
فهل يقع الطلاق أم لا ؟
قولان لأهل العلم : ويختار شيخ الإسلام – رحمه الله – أنه لا يقع لقوله r عند مسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) يعني : مردود على صاحبه .
وأما قوله r لعمر :
( مُرْهُ فليراجعها )
فالمراجعة هنا :
هي الردّ . وليست الرجعة التي تعقب الطلاق ، ولذا أفتى ابن عمر – الذي وقعت له القضية – أفتى لشخصٍ طلَّق في الحيض : أنَّ زوجته لم تطلق ، لكن ما ورد عنه أنه أثبتها على نفسه طلقةً . هذا من باب الاحتياط لنفسه .
مسألة :
مَنْ عِدَّتها بغير الحيض كالصغيرة والآيسة ، و غير مدخولٍ بها ، ومن بان حملها فلا بدعة في الزمن لهنَّ .
الشرح :
مَنْ عِدَّتها بالحيض : لا يجوز أن يطلقها في الحيض ولا في طهرٍ جامعها فيه . فالصغيرة عِدَّتها : بالأشهر ، وكذلك الآيسة قال تعالى :
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} .
وغير المدخول بها : فإنه لا عدّة لها . وذلك : لو أن الرجلَ طلَّق زوجَتَه قبل أن يدخل أو يخلوَ بها فإنه لا عِدّةَ عليها له . لقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }الأحزاب49 .
وكذلك من بان حملها : فإن عِدّتها بوضع الحمل . فلو أنه طلَّقها في هذه الأحوال . فمثلاً : الصغيرة لو أنه جامعها ثم طلَّقها ، وكذلك الآيسة فإنه لا بدعة لهنَّ في الزمن .
مسألة :
من طلَّق في غضبٍ قد زال عقله فلا يقع ، وإن كان عادياً فيقع ، وإن كان بين بين . فقولان : والصحيح عدم الوقوع . كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
الشرح :
قال النبي r : ( لا طلاق في إغلاق ) ولذلك : لو أن الزوج طلَّق في حالة غضبٍ أصبح فيها كحالة المجنون . فإن طلاقه لا يقع .
وأما إن كان عاديًا بحيث يكون يسيرًا يتمكن فيه من نفسه ولم يسيطر عليه الغضب ، فإنّ الطلاق يقع . وأما إن كان بين بين . يعني : يستطيع أن يملك نفسه ، لكن المرأة جرَّته إلى أن يطلِّق بسبب تصرفها . فهذا بينَ بينَ ، واختلف العلماء في ذلك . وشيخ الإسلام – رحمه الله – يرى عدم الوقوع للحديث السابق.
مسألة :
من قال : أنتِ طالقٌ ، أنتِ طالقٌ ، أنتِ طالقٌ . بجُمَلٍ ، فتَبِينُ بينونةً كبرى عند الأكثر إلا أن أراد تأكيدًا أو إفهامًا . وقال شيخ الإسلام : لا يكون الطلاق إلا بعد نكاحٍ أو رجعةٍ .
الشرح :
لو قال لزوجته : أنتِ طالقٌ بالثلاث – سبق معنا – لكن هنا مسألة تختلف .
وهي لو قال لزوجته في مجلسٍ واحدٍ : أنتِ طالقٌ ، أنتِ طالقٌ ، أنتِ طالقٌ ، فتَبِينُ عند الأكثر بينونةً كبرى .
بمعنى : أنها تطلقُ ثلاثًا .
فيقولون : تطلق ثلاثًا . اللهم إلا إن أراد تأكيدًا . كأن يريد بالجملتين الأخيرتين أن يؤكد الأولى ، فتقع واحدة .
أو أراد إفهاماً : أراد أن يُفْهِمَ الزوجة وأن يوصل إليها الجملة الأولى ، فكرر الجملتين الأخيرتين إفهامًا لها . فكذلك لا تقع إلا واحدة ،
وشيخ الإسلام – رحمه الله – يقول : لا تقع إلا واحدةً ولو لم يقصد التأكيد ولا الإفهام . لمَ ؟ قال : لأن الطلاق لا يكون صحيحاً إلا بعد نكاحٍ أو رجعةٍ لقوله تعالى :
{ الطلاق مرَّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان }
مسألة :
لا يقع بالنيّة طلاقٌ .
الشرح :
لقوله r في الصحيحين :
( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثَت به أنفسَها ما لم تعمل أو تتكلم )
فلو أنه نوى أن يطلِّق فعدل . وهو لم يتكلم فلا طلاق
مسألة :
الطلاق المعلق على شرطٍ محضٍ يقع الشرح :
لو قال : إن طَلَعَت الشمس فأنتِ طالقٌ وطلوع الشمس لا بد أن يقع ، لا بد أن تطلع الشمس . فإذا طلعت الشمس طلُقَت ، هذا شرطٌ محضٌ ليس شرطاً يراد منه المنع أو الترهيب أو الترغيب .
مسألة :
إن كان على شرطٍ غير محضٍ ، فتحقق الشرط فيقع إن نوى الطلاق وإن قصد التخويف والمنع فيمينٌ عند شيخ الإسلام رحمه الله .
الشرح :
إن كان على شرطٍ غير محضٍ كأن يقول : إن ذهبتِ إلى أهلكِ فأنتِ طالقٌ إن لم تُعِدِي طعامًا لضيوفي فأنت طالق هنا شرطٌ غير محضٍ ، فإن كان قد نوى بذلك الطلاق فإنها تطلق . والمسألة مسألة خلافية بين أهل العلم ، لكن هذا هو رأي شيخ الإسلام – رحمه الله – إن قال هذا القول ويريد الطلاق فيقع الطلاق . وإن لم يُرِد الطلاق وإنما أراد أن يخوِّفَهَا وأن يعظم لها الأمر فإنه لا يقع ، فيكون يمينًا . يكفِّرُ كفارةَ يمينٍ .
مسألة :
إن رجع قبل وقوع الشرط فلا ينفع ، ومثل المعلق : الحلف بالطلاق .
الشرح :
لو رجع قبل وقوع الشرط . لو قال : إن ذهبتِ إلى أهلكِ فأنتِ طالقٌ . ثم ندم وأراد أن تذهب إلى أهلها . فلا ينفع هذا الندم ،
وكذلك لو قال : عليَّ الطلاق . وهو ما يسمى : بالحلف بالطلاق
. وليس المراد : أن يحلف بغير الله ، وإنما المراد : أنه يمنع نفسه بكلمة الطلاق عن هذا الشيء . فلو قال : عليَّ الطلاق أن تأكل ذبيحتي . وهو يريد الطلاق ، فإن الطلاق يقع . وإن أراد أن يُرهِّبَهُ فلا يقع .
وقولنا : الحلف بالطلاق مثل المعلَّق . بمعنى : أنه لو لم يرد الطلاق ، فيُعَدُّ يمينًا ويُكَفِّر كفارة يمين.
مسألة :
قوله : أنتِ عليَّ حرامٌ . هل هو ظهارٌ ، أم ؟ قولان . وإن كان معلَّقًا فإن نوى طلاقًا فطلاقٌ . وإن نوى منعها فهو يمينٌ ، وإن نوى تحريمها فهو ظهارٌ ، وإن لم ينوِ شيئًا فهو ظهار .
الشرح :
إن قال : أنتِ عليَّ حرامٌ . هكذا مطلقًا لم يعلِّقها بشرطٍ . فقد قال بعض فقهاء الحنابلة : إنه ظهارٌ . ويلزمه ما يلزم المظاهر من زوجته .
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله – لو قال لزوجته : أنتِ عليَّ حرامٌ فليس بظهارٍ ، فليس كقول : أنتِ عليَّ كظهر أمي . فهو أراد بذلك أن يمنع نفسه ، فتكون يمينًا وتلزمه كفارة يمين .
قال : وهذا هو المفتى به عند أكثر الصحابة – رضي الله عنهم – هذا هو المنجز في قوله : أنتِ عليَّ حرامٌ . لكن المعلِّق
كقوله : أنتِ عليَّ حرامٌ إن ذهبتِ إلى أهلكِ .
هذا معلَّقٌ بشرطِ ، فعند شيخ الإسلام – رحمه الله – : إن ذهبت فهو يمين ، لكن عند من يرى أن المنجز أنه ظهار يقولون : لا بد أن نعرف نيَّتَه .
فإن قال : أنتِ عليَّ حرامٌ إن ذهبتِ إلى أهلكِ . فَذَهَبَت فيقال له :
ماذا تريد ؟ وهذا على القول الآخر ؟
قال :
فإن نوى طلاقًا فهو طلاق ، وإن نوى يمينًا فهو يمين وإن نوى ظهارًا فهو ظهار . وإن لم ينوِ شيئًا قال : لم أنوِ شيئًا . فيكون ظهارًا .
مسألة :
من حرَّم غير زوجته ، فيمين .
الشرح :
لو قال : هذا الطعام عليَّ حرامٌ . أو : هذه الفاكهة عليَّ حرامٌ . فَنَدِمَ ، فله أن يأكل منها ويكفِّرَ كفارةَ يمين . لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التحريم1
فجعل تحريم الحلال يمينًا .
مسألة :
يجوز الخُلْعُ زمن الحيضِ .
الشرح :
لأن الخُلْعَ ليس بطلاقٍ ، فيجوز أن يخالع زوجته في حال الحيض ، ولذا لم يسأل النبيُّ r المختلعة التي أرادت أن تختلع من زوجها ، وإنما قال : ( أتردين عليه حديقته ) قالت : نعم يا رسول الله . ولم يسأله : هل هي حائضٌ أم غير حائضٍ ؟
مسألة :
قال الفقهاء : يجوز أن يطلِّق زمن البدعة بسؤالها . وفيه نظر !
الشرح :
هذا قول الفقهاء . يقولون : لو إن المرأة قالت لزوجها : طلقني في الحيضِ ، أو : طلقني في هذا الطهر الذي جامعتني فيه . فإنَّ له أن يُطلِّق لأنها أسقطت حقها ، والصحيح : أنه يحرم . لماذا ؟ لأنه حقٌ لله – عز وجل – فلا يجوز له أن يطاوعها ، فليس حقاً لها من كل وجهٍ . بل لله – عز وجل – فيه حق .