( فقه المعاملات )
(42)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب اللعان )
مسألة :
من قَذَفَ زوجَتَه بالزنا ، فالبيِّنَة وإلا حدٌّ في ظهره ، أو يلاعن . وصفة اللعان مذكورة في القرآن ، ويجب التقيد بما جاء فيها ، وإلا لم يصح .
الشرح :
من قَذَفَ زوجَتَه بأنها زنت ، فإنه يحضر الشهود حتى يقام عليها الحدُّ ، فإن لم يحضر الشهود فإنه يقام عليه الحد وهو حدُّ القذْفِ ، فإنْ أبى القذْفَ فيقال له : تلاعن .
وما هي الملاعنة ؟
أن يحلف بالله عز وجل أربع مراتٍ أنه ما كذب عليها وأنه هو الصادق
ويحلف الخامسة أن عليه لعنة الله إن كان كاذبًا ،
ثم المرأة تدرأ عنها الحدَّ بأن تحلف بالله عز وجل أربع شهاداتٍ ،
ثم تحلف الخامسة أنَّ غضبَ الله عليها إن كانت كاذبة . قال الله تعالى :
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{5} وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ{7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ{9}
ويجب
أن يتقيد بكل ما ورد في الآية وإلا لم يصحَّ اللعان فلو أنها سبقته فى الإيمان لم يصحَّ . لو أنه قدَّم ما في
الخامسة في الأولى ، بأن قال : عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين في أول الشهادات فلا يصحّ وكذلك يجب أن يقول : أشهد بالله . وتقول أيضًا : أشهد بالله فلا بد أن يتقيد بما جاء في كتاب الله عز وجل من صفة اللعان وإلا لم يكن اللعان صحيحًا .
مسألة :
من لم يعرف اللغة العربية ، فبلغته .
الشرح :
إن كان يعرف اللغة العربية ، فلا بد أن يتقيد بما في الآية ، لكن إن كان لا يعلم ولا يعرف ، فبلغته .
مسألة :
شروط اللعان .
أولاً :
أن يكون بين زوجين مكلَّفَين .
الشرح :
أن يكون بين زوجين مكلَّفيْنِ ، فإن لم يكونا زوجين فلا لعان ، لأن اللعان لا يكون إلا بين الزوجين وأن يكونا مكلَّفيْن . لِمَ ؟
لأنَّ في اللعان أيْمَانًا ، والأيْمَانُ إنما تكون من المكلفِين ، فلو لم يبلغوا فلا لعان ، أو لم يبلُغ أحدهما فلا لعان .
مسألة :
ثانيًا : أن يرْمِيَها بالزنا في قُبُلٍ أو دُبُرٍ .
الشرح :
وذلك بأن يقول : زنت في دُبُرِها ، زنت في قُبُلِهَا . أما لو قال : قبلت أو زنت بين فَخِذَيْهَا ، فإنه لا يكون لعانًا .
مسألة :
ثالثًا : أن تكذبه إلى انقضاء اللعان .
الشرح :
أن تُكَذِّبَه إلى أن ينقضيَ اللعان ، فلو أنها صدَّقَتْهُ قبل أن ينتهيَ اللعان ، فإنه لا لعان ويقام عليها حدُّ الزِّنَا .
مسألة :
رابعًا : أن يتمَّ بحُكْمِ حاكمٍ .
الشرح :
لأنه r أمر بهما فجاءا ، فحلفا عنده r .
مسألة :
الأكثر على صحة اللعان لنفي الولد .
الشرح :
لو أنه قال : أنا أريد أن أبرئ ذمتي . لا أريد أن أرميها بزنًا ، ولكن هذا الولد ليس مني ، فصحيح أنه يصحُّ اللعان لنفي الولد ، فيقول : أنا أبرأ إلى الله عز وجل أن أرميها بزنًا لكنني أُلاعنُ على نفي الولد . الولد ليس ليَّ .
مسألة :
يشترط الموالاة في اللعان .
الشرح : يشترط الموالاة في اللعان ، فلو أنه شَهِدَ خمسَ شهاداتٍ ، ثم جاءت بعد يومين فَشَهِدَتْ ، فلا يصحُّ فلا بُدَّ أن يكون اللعان متوالِيًا .
مسألة :
إذا تمَّ اللعان سقط الحدُّ عنه إن كانت محصَّنَةً ، أو التعزير إن كانت غير محَصَّنَةٍ .
الشرح : إذا تمَّ اللعان ، فإنَّ الحدَّ يسقط عنه إن كانت محصَّنَةً ، لأنَّ حدَّ القَذْفِ إنما يُقَامُ على القاذف إذا قَذَفَ محصنةً ، لكن إن كانت زوجته غير محصنةٍ فإنه يعزَّرُ تعزيرًا يمنعه من أن يلاعِنَ أو أن يرميها .
مسألة :
ثانيًا : ثبوت الفُرْقَةِ بينهما أبدًا ولا يحتاج إلى طلاقٍ أو فسخٍ ، حتى ولو أكذب نفسه ، ويُحَدُّ للمرأة والرجل ويثبت نسب الولد .
الشرح :
إذا تمَّ اللعان فإنَّ الفُرْقَةَ تكون بينهما مؤبدًا – ومرَّ معنا – التحريم المؤبَّد أن يلاعن الرجلُ زوجته وإذا تمَّ اللعان فإنَّه يحصل الفراق ، وبالتالي لا يحتاج لفسخ حاكمٍ أو إلى طلاق .ٍ بمجرد انتهاء اللعان تثبت الفُرْقَةُ بينهما حتى لوأ كذّبَ نفسَه . لو تمَّ اللعان وقال : لقد كذبت عليها . نقول : الفرقة حصلت وتُحَدُّ حدَّ القذفِ للمرأة و للرجل الذي رَمَيْتَهَا به ، كأن يقول : زنا بها فلانٌ أو مكَّنَت فلانًا من نفسها . ويثبت نسب الولد له ، ويكون الولد ولده ، وأما إذا لم يكذِّب نفسه بعد تمام اللعان ، فإنَّ الفُرْقَةَ تحصل بينهما .
والولد لا يكون ولدًا له ، فيكون ولدًا منفيًا باللعان ينسب إلى أمه ، كمن زنت فَحَمَلَت ، فإنَّه يُنْسَبُ إليها .
مسألة :
إنُ سبق ما يدل على إقراره به كأنْ هُنِّأَ به ، فسَكَتَ لم ينفِ عنه .
الشرح :
لو أنَّه بُشِّرَ بالولد . قيل : يا فلان جاءك ولد . فسَكَتَ ، فأراد أن ينفِيَه . فلا يكون هناك نفيٌ للولد . لِمَ ؟ لأنه دلَّ أمرٌ وهو السكوت على أنَّ الولدَ وَلَدُه .
مسألة :
الأقربُ صحَّةُ نفيِهِ قبل الوضع ، وكذا عدمُ اشتراط ذِكْرِه .
الشرح :
هذا هو القول الراجح .
فإنَّ بعض العلماء قال : لا يصحُّ أن ينفيَ الولدَ إلا إذا وضَعَتْهُ ، ويجب إنْ أراد أنْ ينفيَ الولدَ عنه أن ينفيَهُ أثناء اللعان وإلا لا يُنْتَفَى عنه ولدٌ بعد التفريق بينه وبين أمه ، ولكن الصحيح أن النبي r لم يشترط ذكر الولد في اللعان حتى يُنفى ، وكذلك لاعن الرجل زوجته قبل أن تضع بمحضر النبي r ،
مسألة :
الصحيح أنها لو نكَّلَت تُحَدُّ .
الشرح :
لو أنه شَهِدَ خمس شهاداتٍ بالله ، ثم قيل لها : اشهدي . فنكَّلَت فإنها تُحَدُّ حَدَّ الزنا ، وهذا هو القول الراجح . وهو قول شيخ الإسلام – رحمه الله – خلافًا لمن قال إنها تُحْبَس حتى تُقِرُّ .
مسألة :
سنن اللعان :
أولاً : أن يتلاعنا قيامًا .
الشرح :
هذه هي سنن اللعان ، فالسنَّة في المتلاعنيْن أن يكون اللعان وهما قائمان لتعظيم الأمر .
مسألة :
ثانيًا : أن يكون اللعان في وقتٍ ومكانٍ فاضلين بحضرةِ جماعةٍ ، أربعة ٌ فأكثر .
الشرح :
أن يكون في مكانٍ فاضلٍ ، مثل : المدينة ، أو مكة لترهيب الزوجين . ولذا قال r : ( الله يعلم أن أحدكما لكاذب ) وأن يكون في حضرة جماعةٍ أربعةٌ فأكثر ، لأنَّ الشهادة في الزنا يُطالبُ فيها بأربعةِ شهودٍ .
مسألة :
ثالثاً : أن يأمر الحاكمُ من يضع يده على فمهما عند الخامسة .
الشرح :
أن يأمرَ الحاكمُ أحدًا يضع يده على فمها عند الخامسة ، لأنها الموجبة ، يُقال له : اتقِ الله ، فإنها الموجبة وإن كنتَ كاذبًا عليها . ويقال لها أيضًا : اتقِ الله إنَّها الموجبة .
مسألة :
إنْ مات أحدهما قبل الملاعنة ، فهي زوجته والولد ولده .
الشرح :
لو أنه رماها بالزنا ، وقيل : لاعِن . فقال : سأُلاعِنُ ، ثم مات أو ماتت هي . فإن الولد ولدُهُ ، لأنَّ الأصل بقاء الولد له . وكذلك هي زوجته فلو أنه مات قبلها فإنها ترثه ، ولا فًرْقَةَ بينهما ولا نفيَ للولد إلا بعد تمام اللعان ، ولم يتم لعان .