( مختصر فقه المعاملات) [49] (كتاب الجنايات) [2] ( باب شروط القصاص )

( مختصر فقه المعاملات) [49] (كتاب الجنايات) [2] ( باب شروط القصاص )

مشاهدات: 817

( فقه المعاملات )

(49)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

( كتاب الجنايات )

[ 2 ]

 (  شروط القصاص  )

مسألة :

 يستحق وليُّ القتيل القصاص بشروطٍ أربعةٍ . أولاً : عِصْمَةُ المقتول . فلو قتل زانيًا محصنًا فلا يضمن لا بقصاصٍ ولا بديةٍ .

الشرح :

يستحق وليُّ القتيل القصاص بشروطٍ أربعةٍ ،

فإذا لم تتوفر هذه الشروط فإنَّ أولياء المقتول لا يستحقون شيئًا .

أولاً :

 أنْ يكون هذا القتيل معصومًا

ولذا لو أنَّ شخصًا قَتَلَ زانيًا محصنًا ، فإنَّ هذا الزاني المحصن حَدُّه الرجم ، فهو ليس في الأصل معصومُ الدمِ فلا يستحق ديةً ولا كفَّارةَ عليه ولا قصاصاً ، لكنه يُعَزَّرُ لأنه تَعَدٍّ على حقوق وليِّ أمر المسلمين

ثانيًا : أن يكون القاتل مكلَّفًا ، فلا قصاص على النائمِ و المغمى عليه .

الشرح :

حتى الصبيَّ والمجنون – كما سبق – فإنَّ عمدهما خطأ ، فلا بد أن يكون هذا القاتل حتى يستوفى منه أن يكون مكلَّفًا لو أنَّ نائمًا انقلب على شخصٍ فمات فإنَّه لا يستحق القصاص وكذلك لو أنَّ مغمًا عليه سقط على شخصٍ فمات هذا الشخص فإنه لا قصاص عليه ،وفرقٌ بين القصاص وفرقٌ بين إلزامه بديةٍ كما سيأتي

مسألة :

 ثالثًا : المكافأة بين القاتل والمقتول في الدين والحريَّة حال جنايته ، ولا يؤثر ما عدا ذلك كالقبح .

الشرح :

 المكافأة بين القاتل والمقتول لقوله r :

 ( لا يُقْتَلُ مسلمٌ بكافرٍ ولا حُرٌّ بعبدٍ )

فالمكافأة تكون في الدين وفي الحريَّة حال الجناية ، فلو قتل حُرٌّ حُرًّا فإنه يُقْتَلُ به ،  ولا يؤثر ما عدا ذلك من قُبْحٍ ونحوه فالمكافأة تكون في الدين وتكون في الحريَّةِ حال جنايته ، فقول النبي r : ( لا يُقْتَلُ مسلمٌ بكافرٍ ولا حُرٌّ بعبدٍ )

تُشْتَرَطُ المكافأة بمعنى :أن يكون القاتل والمقتول حُرَّيْنِ وأن يكونا في الدين سواء .

مسألة :

 رابعًا : عدم الولادة وإنْ نزل من الابن أو البنت . ونظّر شيخ الإسلام رحمه : تعَدِّ الحكم إلى من هو أعلى من الأم والأب .

الشرح :

 قال النبي r : ( لا يُقْتَلُ والدٌ بولدِه ) وإن نزل بمعنى : أنَّ الجدَّ قتل ابن ابنه فلا يقتل هذا الجدّ . وشيخ الإسلام رحمه الله يرى : أنّ في هذا نظر ، وأن الحكم منوطٌ بالأم والأب فقط ، أما من هم أعلى منهم فإنهم لا يدخلون في هذا الحكم .

مسألة :

 شروط استيفاء القصاص . أولاً : أنْ يكون مُسْتَحِقُهُ مكلَّفًا . واختار الشيخ السعدي : أنَّ الوليَّ يقومُ مقامه إنْ رأى المصلحة .

الشرح :

شروط استيفاء القصاص . لا بُدَّ أن يكون مستحقه مكلَّفًا . واختار الشيخ السعدي – رحمه الله – أنَّ الوليَّ يقومُ مقامها إن رأى المصلحة يعني : مقام الصبيِّ ومقام المجنون ، فلو كان هناك صبيٌّ أو مجنونٌ فإنَّ القصاص يُنَفَّذُ .

ما سبق شروط استحقاق الوليِّ لدمِ القاتلِ .

هنا شروط استيفاء القصاص إن تمَّت الشروط هنا . هل يُسْتَوْفى منها أو لا ؟ فإنْ كان الوارثُ لهذا الدم طفلاً أو مجنونًا فإنه ينتظر بالقاتل حتى يعقلَ المجنون وحتى يكبر الصبيُّ فيطالب أو يعفوَ . واختار الشيخ السعدي رحمه الله أنّ الوليَّ على هاذين إنْ رأى المصلحة في القصاص أو العفو فله ذلك .

مسألة :

 على القول الأول يُعْفو إلى الدية لمصلحةِ المجنون إن احتاج إلى النفقة .

الشرح :

 القول الأول :

أنه لا بُدَّ من بلوغ الصبيِّ ، ولا بُدَّ من عقل المجنون لكن يقولون : في حالة المجنون يجوز للوليِّ أن يَحِلَّ محلَّ المجنون إذا احتاج المجنون إلى النفقة . لِمَ فرّق بين المجنون والصبيِّ ؟ لأنَّ الجنون مدته قد تطول ولا يُعْرَف لها نهاية . هذا على القول الذي يخالفه الشيخ السعدي ، أما على رأي الشيخ السعدي فهو جائزٌ .

مسألة :

 ثانيًا : اتفاق الأولياء على استيفاءه ، فينتظر قدوم الغائب والتكليف .

الشرح :

 لا بُدَّ أنْ يتَّفِقَ الأولياء ، ولذا لو أنَّ أحدهم أسقط حقه سقط القصاص ، ولذا ينتظر قدوم الغائب وينتظر أن يبلغَ المكلَّف أن يبلغ العاقل وأن يفيق المجنون .

مسألة :

 هل العفو لجميع الورثة أو الرجال فقط  .

الشرح :

هل العفو عن القصاص لجميع الورثة من رجالٍ ونساءٍ أو الرجال فقط ؟

 قولان لأهل العلم ،:

 وشيخ الإسلام – رحمه الله – يرى أنَّ العفوَ لا يكون إلا للرجال ، لأنَّهم أهل العقل والمشورة .

والنساء قد يُسْتَمَلْنَ بالمال فقد يأتي أهل القاتل ويستميلون المرأة بدفع المبالغ الطائلة حتى تعفوَ عن حقها من القصاص ، لأنَّها إذا عَفَتْ سقط القصاص ،ويمكن أن يُقال على حسب ما يراه الحاكم من المصلحة وإلا فإنَّ الأصل أنَّ الورثةَ كلهم لهم الحق في هذا الدم ،

لكن إن رُؤِيَ أنَّ هناك تفشِّيًا للشرٍّ وللقتل ، بسبب دخول الناس إلى النساء وعفوهنَّ إلى الدية . يمكن أن يُقال برأي شيخ الإسلام رحمه الله .

مسألة :

ثالثاً : أن يؤمن في الاستيفاء أن يَتَعَدَّ إلى غير الجاني كالحامل .

الشرح :

إذا كانت القاتلة حاملاً فلا يجوز أنْ يُنَفَّذَ فيها القصاص . لِمَ ؟

لأنَّ الموت سيسري إلى من في بطنها وهو بريءٌ ، ولذا النبي r لمَّا أتته المرأة التي اعترفت بأنها قد زنت ، وكانت حاملاً . قال : ( اذهبي حتى تضعي ما في بطنِكِ ) .

مسألة :

 إنْ كان الوليُّ – وليُّ المقتول – يُحْسِنُ الاستيفاء ، فله ذلك , وإلا وكَّل وأجْرَتُهُ قيل : من مال الجاني . وقيل : من بيت المال . وكلُّ ذلك تحت إشراف الإمام .

الشرح :

 الحدود يقوم بها الحاكم أو مَنْ يُنِيبُهُ ، أما في القصاص لأنَّ مبناه على التَّشَفِّي فلأولياء المقتول أن يقتلوا القاتل بأنفسهم إذا كانوا يُحْسِنون القتل ، وكُلُّ ذلك تحت إشراف الإمام فإن لم يُحْسِنُوا يُوَكِّلُونَ شخصًا . وأجرة هذا الشخص على مَنْ ؟ على مالِ الجاني لأنَّه هو السبب أم على بيت مال المسلمين ؟ قولان والأظهر أنه : من مال بيت المسلمين .

مسألة :

الصحيح أنه يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه إلا إن قتله بمحرم فالسيف . ولهم أن يقتصروا فيما مضى على السيف .

الشرح :

 قال تعالى :

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ } النحل126

فلو أنه جدع أنفه ويده ، ثم قتله يُفعَلُ بالجاني كذلك ، وهذا هو القول الصحيح . وإن شاء أولياء المقتول بالسيف فلهم ذلك إلا إنْ قَتَلَه بمُحرَّمٍ ، كأن أسقاه خمرًا فمات فإنه لا يُسْقَى هذا القاتلُ خمرًا وإنما يقتل بالسيف .

مسألة :

 إن عَفَوْا فلا يُعَزَّرُ .

الشرح : إنْ عَفَوْا عن القاتل فلا يُعَزَّرُ لا بقولٍ ولا بغيره .

مسألة:

 إن هلك الجاني فالديةٌ مِنْ تركتِهِ .

الشرح :

لِمَ ؟

لأنَّ الدِّيَةَ تجب على القاتل في العمد . تجب في ماله فلما مات تجب في تركته فتكون ديْنًا في تركتِهِ تُقَدَّمُ على حق الورثة .

مسألة :

مَنْ أُقِيدَ في النفس أ قِيدَ في الأطراف والجروح بنفس الشروط السابقة .

الشرح :

من أُقِيد في النفس أو قيد به في الأطراف وفي الجروح . إنسانٌ جَرَحَ شخصًا أو قطع عضوًا منه فلا بد من توفُّرِ الشروط السابقة حتى نَقْتَصَّ منه ، فإذا أردنا أن نجرحه أو أن نقطع يده فلا بُدَّ من توفر الشروط السابقة التي يُقْتَصُّ فيها في النفس . قال تعالى:

{ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } سورة المائدة – 45

مسألة :

مُوجِبُ القصاص فيها هو العمد .

الشرح :

موجب القصاص في الأطراف والجروح هو العمد ، كما هو في النفس فقتل الخطأ وقتل شِبْهِ العمد لا قصاص فيه ، كذلك قطع الأطراف أو الجرح للعضو لا يكون إلا في العمد ، أمَّا شِبْهُ العمدِ وقتل الخطأ فلا قصاص .

مسألة :

 يشترط في الاستيفاء ثلاثة شروطٍ .

الشرح : يُشترط في الاستيفاء في القصاص في الأطراف ما مضى في النفس

مسألة :

أولاً : الأمن من الحَيْفِ ، فيكون القطع من مفصلٍ أوله حدٌّ ينتهي إليه فلا قصاص في الجائفة ولا كَسْرَ العظم إلا السِّنَّ .

الشرح :

 الأمن من الحَيْفِ ،  فإن كان الطرف الذي يقتصُّ فيه لا حدَّ له ، فلا قطع ويعزره مثل من أمر شخصا عالما بالقتل ، فقتل فإنه يقتل ، وأما هذا الآمر فإنه يعزر بما يراه الإمام ،

لو أنه أمر شخصًا جاهلاً ففعل فإنه يكون القتل على الآمر ، ولو  أنَّ آمرًا أمر صبيًّا أو مجنونًا بقتل شخصٍ فإنَّ القتل يكون على الآمر .

و (الجائفه) كأن يضربه في بطنه في الجوف أو في ظهره  هذه جائفة  فلا يمكن أن يقتص . لِمَ ؟

 لأنَّه لو اقْتَصَصْنَا منه لا نأْمَنُ أن نزيد، ولا في العظم لا يمكن أنْ نَقًصَّ في العظام ، لأنَّه لا حدَّ لها ينتهي إليه إلا السِّنَّ . السِّنُّ يمكن أن يُبْرَدَ بَرْدًا ).

 

مسألة :

 يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت .

الشرح : لو أنَّ اثنين أحدهما أمسك بشخصٍ والآخر قتله ، فيقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت .

مسألة :

 لو تمالأت جماعة فقطعوا منه عضوًا أو جرحوه اقْتُصَّ منهم إن لم تتميز أفعال بعضهم عن بعض .

الشرح :

لو تمالأت عليه جماعةٌ فقطعوا يده أو رجله فإنه يُقْتَصُّ من الكل إنْ لم تتميز أفعالهم بعضهم عن بعضٍ فلا قصاص .

مسألة :

 أثر المضمون مضمون فسراية الجناية على النفس وما دونها له حكم الجناية فلو قطع أصبعه ثم سَرَتْ إلى اليد ، قطعت اليد .

الشرح : لو أنَّ شخصًا قَطَعَ أصْبُعَ شخصٍ ، فَسَرَت هذه الجناية فتأثرت اليد فقطع يده .

  فإن تأثر مع اليد بقيَّةُ الجسم حتى هلك فإنَّ هذا الجاني يكون ضامنًا لهذه النفس كلها .

لو أن شخصاً أمر شخصاً لم يكرهه وإنما أمره فإن هذا المأمور إذا قام فإنه يضمن اليد .

 

مسألة :

ثانيًا : التماثل بين عضويهما في الاسم والموضع فلا تؤخذ يمينٌ بيسار ، ولا أصليٌّ بزائدٍ ولو تراضا .

الشرح :

 لو قطع يده اليمنى تقطع يده اليمنى ولا تقطع يده السرى إن كانت اليد أصلية والأخرى زائدةٌ ، فلا قصاص ولو تراضيا . لِمَ ؟ لأنَّ هذه الأطراف حقٌّ لله عزَّ وجلَّ ، وملكٌ لله فلا تسقط برضاهما .

مسألة :

 ثالثاً : استواؤهما في الصحة والكمال ، فلا يؤخذُ يدًا صحيحةً بيدٍ شلّاء ، ويجوز العكس وإنْ لم يرضَ فَدِيَةٌ .

الشرح :

 لو أنَّ شخصًا اعتدى على شخصٍ فقطع يده المشلولة وهي اليمين ، فلا تُقْطَعُ اليد الصحيحة لهذا الجاني ، وإنْ كان العكس : لو أنَّ الأشَلَّ قطع يدًا صحيحةً فإنَّه يُقال للصحيح : اقْتَصَّ منه من يده الشَّلَّاء . فإن قال : لا  يدي صحيحة ويده شَلَّاء . نقول لك : إذًا الدِّيَة .

مسألة :

 لا يُقتَصُّ إلا من جُرْحٍ ينتهي إلى عظْمٍ .

الشرح :

 لو أنه جرحه . فكما قال تعالى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } فيُقْتَصُّ منه لكن لا بُدَّ أن يكون هذا الجرح إلى عظمٍ ينتهي إليه .

مسألة :

 (القصاص في الضرب) . هل هناك قصاصٌ أوتعزيز في الضربِ  ؟

قولان ، والصحيح الأول .

الشرح :

 اختلف العلماء:

 لو أنَّ شخصًا لطَمَ شخصًا أو ضربه هل يُعَزَّرُ هذا الضَّارب أم أنه يُفْعَلُ به مثل ما فُعِلَ بالمجني عليه ؟ قولان لأهل العلم ، وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه ضربةً بضربةٍ وأنَّ لطمةً بلطمةٍ لقوله تعالى

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ }

وهو الراجح .

مسألة :

يقتص على الصحيح من الجماعة للواحد بشرط أن يصلح فعلُ كلِّ واحدٍ منهم للقتل لو انفرد به إلا إنْ تمالوا على القتل . فيُقْتَلوا .

الشرح :

يقتص من الجماعة إذا قتلوا شخصًا واحدًا . عمر – t – لمَّا قتلت جماعةٌ من اليمن رجلاً قال : لو تمالأ عليه أهل اليمن لقتلتهم به .

لكن بشرطٍ أن يكون فعلُ كلِّ واحدٍ منهم صالحاً للقتل

.بمعنى : أن تكون ضربة كلِّ واحدٍ صالحةً للقتل بدون ضربة الآخر . هذا إنْ لمْ يتواطئوا ، لكن إن تواطئوا فإنَّ من ضربه ضربةً يسيرةً يُقْتَلُ مع أقرانه وأصحابه .

ولماذا يُقتل الجماعة بالواحد ؟ حتى لا يتفشَ الشر ، فلربما لا يرغب في شخصٍ فيتفق جماعةٌ على أنْ يقتلوه ، فحَسَمَ الشرعُ باب هذا الشرِّ

مسألة :

 يجب القصاص على المُكْرِهِ بالمُكْرَهِ .

الشرح :

 لو أنَّ شخصًا قال لشخصٍ : اقتل فلانًا وإلا قتَلْتُكَ . فقام فقتله فإنَّ المُكْرِهَ والمُكْرَهَ يقتلان سواءً .

مسألة :

لا يجوز أن يُقْتَصَّ عضوٌ أو جُرْحٌ قبل بُرْءِهِ ، فإن اقتص ثم سَرَت فهدر .

الشرح :

 لو أنَّ شخصًا جرح شخصًا ، فيُقال للمجروح : انتظر حتى تبرأ . ولا يجوز أن نقتصَّ منه فلو استعجل فقال : اقتصوا لي منه . فنقتصُّ له منه فسرت هذه الجناية على المجني عليه حتى مات فإنَّ جنايته هدرٌ ، لأنَّه أبطل حقه .

ولذا لمَّا ضربَ أو جرَحَ رجلٌ رجلاً في عهد النبيِّ r في قدمه فسارع بأن يقتصَّ منه ، فاقتصَّ له منه ثم أصبح أعرج فقال النبي r : ( أبطل الله عرجك ) أو كما قال r .