( فقه المعاملات )
(54)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب : الحدود )
( 2 )
( باب حد القذف – باب حد السكر )
( حد القذف )
وهو الرمي بالزنا أو اللواط . إن قذف المكلَّفُ المختارُ من هو محصنًا جُلِدَ ثمانين جلدةً ، والعبد على النصف .
الشرح :
ما سبق معنا أن الشهود إذا لم يأتوا بما اشترط أنهم قَذَفَة يُحدَّون حدَّ القذف فلو أن صبيًّا قَذَفَ شخصًا فلا شيء عليه ،
لأنه سبق من شروط وجوب الحدِّ أن يكون (مكلفًا )فلو قذف الصبيُّ شخصًا أو قذفَ المجنونُ شخصًا فلا حدَّ (وأن يكون مختارًا )فلو أنه أكره قيل له : يا فلان اقذِف فلانًا وإلا قتلتك . فَقَذَفَهُ فإنه لا حدَّ عليه .
فإذا قَذَفَ المكلفُ المختارُ من هو محصنًا –
من هو المحصن في حدِّ القذف ؟
سيأتي معنا – فيجلد هذا القاذف ثمانين جلدةً .قال الله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }النور4
والعبد على النصف يجلد (أربعين جلدةً) .
مسألة :
المحصن فى القذف هو الحُرُّ العاقل المسلم العفيف الذي يجامع مثله .
الشرح :
قذف إنسانٌ حُرٌّ عبدًا فلا حدَّ ، والمسلم لو قذف الكافرَ فلا حدَّ على المسلم ،
لو قَذَفْتَ مجنونًا فلا حدَّ ، لو قَذَفْتَ من هو معروفٌ بزنا فلا حدَّ ، لو قَذَفْتَ شخصًا مثله لا يجامع وهو من دون عشرِ سنواتٍ فإنه لا قتل ،
لكن لو قَذَفْتَ شخصًا قد بلغ عشر سنينٍ فأكثر فيكون قذفاً .
وبعض العلماء يقول : لا قذف عليه إلا إن كان هذا المقذوف بالغًا ،
لِمَ اشتًرِطَت هذه الشروط ؟
لأنَّ أمثال هؤلاء لو قُذِفوا لا يلحقهم عارٌ ، بعضهم لا كرامة له فعندك العبد لا يلحقه عارٌ ، والمسلم ضده الكافر فالكافر قد ارتكب ما هو أعظم من الزنا ، والمجنون لا يصيبه عارٌ .
إذا قذف (العفيفُ )من ضده؟ غير العفيف ، فإنه لا يتورَّع عن الزنا فلا يلحقه عارٌ ، والذي مثله لا يجامع لا يلحقه عارٌ . فإذا كان لا يجامع فكيف يزني ؟
مسألة :
يُعَزَّرُ مَنْ قَذَفَ غير محصنٍ .
الشرح : يعزَّرُ مَنْ قَذَفَ غير محصنٍ ، فلو قذف عبدًا لا حدَّ ، ولو قذف مجنونًا لا حدَّ ، ولو قذف كافرًا لا حدَّ ، ولو قذف من لا يتورَّعُ عن الزنا لا حدَّ ، ومن قذف مَنْ هو دون عشر سنين ، أو قذف صغيراً فلا حدَّ ، لكنَّه يُعَزَّرُ حتى يرتدع عن قول هذه الألفاظ ، فيُعَزَّرُ بما يراه الإمام من ضربٍ أو حبسٍ أو نحوهما.
مسألة :
هو حقٌ للمقذوف ويسقط بعفوه ولا يقام إلا بطلبه فينتظر الغائب و بلوغ الصبيِّ .
الشرح :
هو حقٌّ للمقذوف يسقط بعفوه فإن عفى سقط ولا يقام عليه إلا بطلبه ، ولذا إذا لم يطالب المقذوف بحدِّ القذف ، فلا يُحَدُّ القاذف ،ومن ثَمَّ إذا قذف الغائب فينتظر عودته هل سيطالب بالحدِّ أم لا ؟ وكذلك من هو بالغٌ عشرَ سنينٍ فأكثر ؟ على القول ألآخر فإنه إذا قُذِفَ يُنتظَرُ حتى يبلغ فإن بلغ فهو مخيَّرٌ إن شاء طالب به وإن شاء عفى .
مسألة :
( من عُفِيَ عنه يُعَزَّرُ القاذِفُ) .
الشرح :
إذا عفى المقذوف فلا يترك القاذف هكذا ، فيُعَزَّرُ كما سبق .
مسألة :
( ألفاظ القذف) إما صريحةٌ وإما كنايةٌ ، والصريح لا يُقْبَلُ منه تفسيره بغير القذف .
الشرح :
ألفاظ القذف إما صريحة لا يُقبَل أن يفسرها بغير القذف ،
فلو قال : يا زاني يا لوطي . هذه عندنا صريحة .
لو قال : أريد كذا أو كذا . فلا يُقْبَل قوله ، ولكن لو قال لامرأةٍ : (يا قحبة ).
فقد تفسر بمعنى : أنها تتعرض للرجال دون أن يحصل منها زنا ، فهذه هي ألفاظ القذف .
إما صريحةٌ وإما كنائية ، فإن كانت كنائية : ففسرها بغير الزنا واللواط ، فيُقْبَل منه فلا يكون قاذفاً .
مسألة :
يثبت بشهادة رجلين أو إقراره مرةً .
الشرح :
لو أن القاذف أقرَّ على نفسه مرةً واحدةً . ثبت حدُّ القذف بينما في الزنا أربع مراتٍ في الإقرار ، وكذلك يثبت حدُّ القذف إذا شهد عليه اثنان ، وأما في الزنا فأربعة شهودٍ .
مسألة :
إنْ قَذَفَ جماعةً لا يُتَصَوَّرُ منهم الزنا عادةً عُزِّرَ ، وإن كان يُتَصَوَّرُ منهم فهل يُحَدُّ مرةً واحدةً أو لكلٍ منهم حدٌّ ؟ فقولان .
الشرح :
إذا قذف جماعةً لا يُتَصَوَّرُ منهم أن يزْنوا فإنهم لا يلحقهم عارٌ لو قال : أنتم يا أهل البلدة زناةٌ . فلا يلحقهم عارٌ فلا حدَّ هنا وإنما يُعَزَّرُ حتى يرتدع عن قول هذه الألفاظ ،
لكن لو أنه قذف جماعةً يُتَصَوَّرُ منهم الزنا .
لو قذف أربعةً أو خمسةً أو ستةً فيكون قاذفًا .
فهل يلزمه بقذف هؤلاء الخمسة أن يُحدَّ خمس مراتٍ بمعنى أن يجلد أربعمائة جلدة لكل واحدٍ منهم ثمانون أمْ أنَّه حدٌّ واحدٌ ؟
اختلف العلماء في ذلك ، وإذا رأى القاضي المصلحة في التعدد فله ذلك .
مسألة :
قذف نساء النبي r كَفَرَ .
الشرح :
من قذف إحدى نساء النبي r فقد كفر ، لأن الله عز وجل برَّأهُنَّ وطهَّرَهُنَّ ، فمن قذف واحدةً منهنَّ فكأنه كذّب الله عز وجل ومن يُكذِّب الله عز وجل فقد كفر .
مسألة :
إن علم به المقذوف لم تصحّ توبته وإلا صحَّت ودعا له واستغفر عند الأكثر ولا يجب له الاعتراف لو سأله ولو مع استحلافه ويعرض ، أما إن لم يتبْ فتعريضه كذبٌ ويمينه غموسٌ .
الشرح :
إن علم به المقذوف لم تصح توبته. إنسانٌ قذَفَ إنسانًا فإن علم به المقذوف لمْ تصحَّ توبته ، لا بد أن يستبيحه فإن لم يرضَ إلا بالحدِّ فيُحَدُّ ، لكن إن لم يعلم المقذوف بأنَّ فلانًا من الناس قد قذفه .
إنسانٌ قَذَفَ إنسانًا ولم يصل إلى المقذوف خبر القذف ، فإنَّ القاذف يُقال له لتستغفر الله عزَّ وجلَّ وتُكثِرُ لهذا الرجل الدعاءَ ،
ولو أنَّ المقذوف بعد توبة القاذف شعر أو وصل إلى سمعه أنَّ فلانًا قد قذفه ، لكنَّه غير متأكِّد من وصول الخبر فلو جاءه وقال : يا فلان أقَذَفْتَنِي ؟
فله أن يُورِّي ويقول : لم أقذفكَ . لو قال : احلف . فله أن يحلف ، لأنَّه تاب ومن تاب تاب الله عليه ، لكن إنْ لم يتب فإنه لم يصدق فقد كذَبَ وإنْ حلف فيمينه غموسٌ .
مسألة :
إن قال إن : اقْذِفْنِي يُعزَّرُ القاذِف .
الشرح :
لو قال شخصٌ – نسأل الله العافية – : يا فلان اقذِفْنِي . فقذفه فلا حدَّ ، ولكن يُعَزَّرُ القاذف .
مسألة :
إن مات المقذوف ولم يطالب به سقط وإلا فلجميع الورثة ولو عفى بعضهم .
الشرح :
لو أنَّ شخصًا قذف شخصًا فمات المقذوف فإنْ كان هذا المقذوف قد طالب به قبل موته ، فيُقام حدُّ القذف على القاتل ، لكن لو أنه لم يطالب به فإنه يسقط لو أنه طالب به ثمَّ مات . فقال بعض الورثة : عَفَوْنَا . ولم يعفُ شخصٌ واحدٌ فعفى الكل إلا شخصٌ واحدٌ . فهل يسقط ؟ لا يسقط . لِمَ ؟ لأنَّ العار يلحقُ الجميع فلو عفى الكل فإنَّ العار باقٍ في حقِّ هذا الشخص .
مسألة :
لا يرث الولد حدَّ القذف على أبويه كما لو قذفه .
الشرح :
لو أن الأب قذف ولده فلا حدَّ ، وكذلك لو أن الأب قذف شخصًا فورثه فمات هذا الشخص بعد مطالبته به وَ ورثه الابن ورِثَ القذف فإنه لا يطالب به .
مثال ذلك : لو أنه قذف خال ابنه يعنى قذف أخًا لزوجته فمات هذا الأخ بعد مطالبة فمن يرثه ؟ فورثته زوجته – زوجة هذا القاذف – فماتت هذه الزوجة فورثها ابنها فلاحد .
مسألة :
إن قذف شخصًا مراراً فحدٌّ واحدٌ إذا لم يُحَدّ على الأول .
الشرح :
لو أنَّ شخصًا قال لشخصٍ : يا زاني ، ثم بعد حينٍ : يا لوطي . ثم قال بعد حينٍ : يا لوطي . فإنَّ حُدَّ عن الألفاظ الأولى فلا بد من حدودٍ أخرى لكن لو أنَّه لم يُحدَّ عن القذفين السابقين فيُحَدُّ حدًّا واحدًا .
مسألة :
من قَذَفَ ميِّتًا حُدَّ بطلبِ وارثٍ محصَنٍ ، ولو كان الميِّت غير محصنٍ .
الشرح :
لو أنَّ شخصًا ميِّتًا قال شخص عنه : (هذا زاني ) حتى لو كان هذا الميِّتُ صغيرًا ، فإنَّ حدَّ القذف يُقام على القاذف إذا كان الوارث لهذا الميِّت محصنًا . لِمَ ؟ لأنَّ هذا الوارث يلحقه العار لقَذَفَ مورثه .
مسألة :
(حدُّ المسكر) . ضابط المسكر : هو كل ما خامر العقل وسَتَرَه . كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
الشرح :
كل ما خام العقل وسَتَرَه وغَطَّاه فهو خمرٌ بقطع النظر عن نوعيَّتِه على القول الصحيح .
مسألة :
( الحشيشة ظهرت في المائة السادسة .)
الشرح :
ظهر الحشيش في المائة السادسة من الهجرة كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
مسألة :
لا يجوز شربُ الخمرِ لا للذةٍ ولا للتَّداوي ولا لعطشٍ إلا إن غصَّ بلُقْمَةٍ ولم يحضره غيره ، وأما إن شربه لعطشٍ فلا . بل يُقدَّمُ عليه بولٌ ويُقدَّمُ عليهما ماءٌ نجسٌ .
الشرح :
لا يجوز شرب الخمر لا لتداوٍ لقوله r : ( ليست بدواءٍ إنما هي داءٌ ) ولا لعطشٍ ، لأنها تزيد من عطش الإنسان إلا إن غصَّ الإنسان بلقمةٍ وأصبح في حالة الضرورة فله أن يشرب جُرْعَةً ليدفع هذه اللقمة التي غصَّ بها إذا لم يحضره غيره ، ولذا لو أحضره غيره فيُقدَّم غيره عليه ، لكن لو حَضَرَهُ بولٌ وكان عنده خمرٌ فقد قال الفقهاء يُقدَّم البول ، ولو حضَرَه الخمر والبول وماءٌ نجسٌ ؟ قال العلماء : يقدَّمُ الماء النجس على الخمر والبول
مسألة :
إذا شرب خمرًا أو ما خُلِطَ به عالمًا أن كثيره يُسْكِرُ . مختارًا ، فيُجْلَد ثمانين جلدة مصلحةً وإلا فالأصل أربعون جلدةً .
الشرح :
إذا شرب خمراً عالمًا أن كثيره يُسْكِرُ . جُلِدَ ثمانين جلدةً أو لو أنه خلَطَ هذا الخمر بشيءٍ كما لو خلطه بعجينٍ فإنه يُجْلَد ثمانين جلدةً كما صنع عمر t وكان الجَلْدُ في عصر النبي r أربعين جلدةً ، لكن عمر t لمَّا فشى شُرْبُ الخمرِ في عصره زاد ، ولذا إذا رأى الإمام المصلحةَ في ثمانين فيُجْلَدُ شُرَّاب الخمر ثمانين جلدةً وإلا فالأصل أربعون .
مسألة :
يثبت بإقراره مرة أو بشهادةِ عدلين .
الشرح : كالقذف .
مسألة :
إن رجع عن إقراره قُبِل .
الشرح :
كما سلف في الزنا لو أنه رجع فإنه يقبل ولا سبيل عليه .
مسألة :
الصحيح مَنْ وُجد منه رائحة الخمر يُحَدُّ إن لم يدعِ شبهة .
الشرح :
كما سلف في المرأة التي حملت ولا زوج لها ولا سيد فإنها تُحَدُّ حدَّ الزنا ما لم تدعِ وطأ شبهةٍ ، وكذلك هنا من انبعثت منه رائحة الخمر ولم يدعِ شبهةً في شربه لهذا الخمر ، كأن يدَّعِيَ أنَّ هناك من أجبره على شربه فإنَّه يُحَدُّ .
مسألة :
لا يُجْلَد شارب الخمر حتى يصحوَ .
الشرح :
لأنَّ المقصود من الجلد أن يُردَعَ وفي حال سكره لا ردع ، فيُنتَظَرُ حتى يصحوَ .
مسألة :
يحرم عصيرٌ غُلِيَ كغليان القدر ، بأن يُقذَفَ بزبده ولو لم يُسْكِر وكذا إن لم يُغلى وأتت عليه ثلاثة أيامٍ بلياليهن .
الشرح :
كانوا يضعون في الماء تمرًا وزبيبًا حتى يحلوَ ، فإن مضت عليه ثلاثة أيامٍ بلياليهن فلا يجوز أن يُشْرَبَ ، لنهي النبي r عن ذلك .
لكن يشربه إلى مساء الليلة الثالثة ،
لكن لو في اليوم الأول بدأ يغلي الزبد كغليان القدر فلا يجوز أن يُشْرَبَ ولو لم يمضِ عليه إلا ليلة واحدة ، ولذا أبو هريرة – t – قال : تحيَّنْتُ فِطْرَ النبي r فأتيته بنبيذٍ يغلي . فقال r : ( اضرب به عرض الحائط . هذا شرابُ مَنْ لمْ يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ) .
مسألة :
يُكْرَهُ الخليطان أما وضع نوعٍ واحدٍ كتمرٍ في ماءٍ ، فلا يُكْرَه ما لم يشتدُّ أو تأتي عليه ثلاثة أيامٍ ولا عبرة بالفقاعات إنْ لَمْ يَشْتَدَّ .
الشرح :
يُكْرَه الخليطان .
يعني : يُكْرَه أن يوضع في الماء تمرٌ و زبيبٌ ، لأنَّه في الغالب يسارع في اشتداده ، وغليانه
لكنه لو فعل لا حرج بشرط أن لا يُسْكِر ،
لأنَّ المنهي عنه هو المسكر ولذا الأفضل أن يضع نوعًا لوحده كتمرٍ أو زبيبٍ لوحده ما لم يشتد – كما سبق – إنْ اشتدَّ وغلى وأصبح يقذف بزُبْدِهِ .
فلا ،ولو لم يمضِ عليه إلا ساعة واحدة ، لكن إن لم يشتدَّ فإنه يُشْرَبُ في ثلاثة أيام حتى لو كان فيه فقاعاتٌ .
أهم شيءٍ ألا يغلي كغليان القدر ،
أما الفقاعات وإن كانت قرينةً على اشتداده لكن لا يجوز أن يُشْرَبَ .