مختصر فقه المعاملات
[2]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب البيوع )
( 2 )
( باب شروط البيع )
مسألة :
شروط البيع ، وهي من الشرع ، ولا يجوز إسقاطها ، ولو رضي الطرفان فمتى اختل شرط منها لم يصح البيع وهي سبعة :
الشرح
الشروط في البيع ، والشروط للبيع ،
وهذه مسألة مفيدة تأتينا في شروط النكاح ، في شروط القرض ، في شروط الرهن ،
الشروط التي للبيع :
هذه من الشارع أي من الشرع لا يجوز إسقاطها ،
أما الشروط في البيع :
فهذه من المتعاقدين ، ويجوز لأحدهما أن يسقطها ، عندنا شروط في الشيء ، وشروط للشيء ، الشروط التي للشيء ممن ؟ من الشرع ،
الشروط التي في الشيء ؟
من المتعاقدين .
ومن ثم التي للبيع فهي من الله لا يجوز إسقاطها ، والتي في البيع من المتعاقدين يجوز إسقاطها ،
وهي سبعة شروط حسب التتبع والإستقراء :
أولاً :
[ التراضي من البيعين ، إلا إن كان مكرهاً بحق فيصح البيع ]:
الشرح :
التراضي بينهما ، فإذا لم يكونا متراضيين فلا يصح البيع لقوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم )
وقال صلى الله عليه وسلم :
( إنما البيع عن تراض ) ،
ولذا لو أنه عقد معك البيع حياءً من غير رضا ، وأنت تعرف أنه حياء فإن البيع لا يصح ، وكذلك لو ألزمته فلا يصح البيع ، إلا إن كان اللازم بحق وذلك كأن يكون لدى الإنسان عقارات وعليه ديون ، وأصحابها يطلبونها فهنا يكرهه القاضي على بيع هذه العقارات ،
ويكون هذا البيع صحيحاً
لِمَ ؟
لأنه إكراهاً بحق .
ثانياً :
[ أن يكون كل منهما حراً ، بالغاً ، عاقلاً ، رشيداً ] :
الشرح :
أن يكون كل منهما :
: حراً
، بالغاً ،
عاقلاً ،
رشيداً ، إذاً بالغ ،
عاقل ،
رشيد ،
ثلاثة أشياء ، فحر ، بالغ ، عاقل ، رشيد ،
أربعة أشياء هذه أوصاف لعبارة تأتي معنا كثيراً في المعاملات :
وهي جواز التصرف
، فالشخص لا يكون جائز التصرف في المعاملات إلا إن كان : حراً ، بالغاً ، عاقلاً ، رشيداً ،
فلو كان عبداً:
لا يصح بيعه إلا إذا أذن سيده ،
إن كان مجنوناً:
ـ لأن ضد العاقل المجنون ـ فإن كان مجنون أو مهذري لا يصح بيعه ،
قلنا بالغاً:
فالصغير لا يصح بيعه أو شراؤه ، إلا بما جرت به العادة فيتسامح به ، فلو أتاك طفل معه خمسمائة ريال فاشترى منك شيئاً فلا يجوز أن تبيعه ، لأن العرف لم يجري بذلك ،
وأن يكون رشيداً :
فالسفيه المبذر الذي ينفق أمواله في أمورٍ محرمة ، أو فيما لا فائدة ، فهذا يعتبر سفيهاً .
إذاً :
ضد الحر:
العبد فلا يصح بيعه .
ضد العاقل :
المجنون لا يصح بيعه .
ضد البالغ :
الصغير فلا يصح بيعه ، إلا فيما اقتضاه العرف .
ضد الرشيد :
السفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله .
ثالثاً :
[ أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة ولا ضرورة ] :
الشرح :
أن تكون العين مباحة النفع ،
فالعين التي لا منفعة منها ، فإنها محرمة ولا يجوز بيعها ، الخمر فيه نفع :
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }البقرة
219
لكن منفعته محرمة ، لابد أن تكون العين المباعة مباحة النفع من غير حاجة ولا ضرورة ،
لو قال قائل :
الكلب الذي لصيد فيه منفعة مباحة ،
نقول :
نعم فيه منفعة مباحة ولا يجوز بيعه
لِمَ ؟
لأن منفعته ليست مطلقة ، وإنما مقيدة للحاجة ، لو قال قائل : أكل الميتة منفعتها مباحة في حالة الضرورة ،
هل يجوز بيعها ؟
نقول : لا . فالمراد أن تكون العين مباحة النفع مطلقاً فلا يأتي آتٍ فيقول : ندخل عليكم أيجوز بيع الكلب الذي لصيد ؟ نقول : لا ، لأن منفعته مباحة في حالة الحاجة ، إذا قال الميتة ؟ نقول منفعتها مباحة في حالة الضرورة ليست مباحة في جميع الأحوال .
مسألة :
لا يجوز بيع الميتة ، ويجوز الإنتفاع بها .
الشرح :
: لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :
( إن الله حرم بيع الميتة والخنزير ، قالوا : يارسول الله أرأيت لحوم الميتة فإنه يدهن بها ، ويطلى بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟
قال : لا هو حرام ))
ومن ثم اختلف العلماء :
هل قوله هو حرام شامل للبيع والمنفعة ، أو أنه مختص بالبيع ، وأن المنفعة جائزة ، ؟
بمعنى :
عندك ميتة لا يجوز بيعها ، لكن يجوز الانتفاع بها ، كأن يطلى بها شيء ، كأن يستصبح بها ، تجعل وقوداً للنار ، خلاف بين العلماء فبيعها محرم ، لكن الانتفاع بها مختلف فيه ، لكن الصحيح أنه جائز ، وأما حديث ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب ) فهو حديث ضعيف ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
مسألة :
بيع الهر يحرم على الصحيح ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه .
الشرح :
: لو قال قائل الهر فيه منفعه مباحة مطلقا ، فهل يجوز بيعه ؟
نقول على قاعدتنا يجوز بيعه ، ولذا قال به بعض العلماء ، ولكن نقول قاعدتنا قد يأتي الدليل بإخراج شيء معين ، والدليل جاء كما عند مسلم ، وهو ( نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الهر) ، فيكون بيع الهر خارجاً من القاعدة .
مسألة :
يجوز بيع الحمار والبغل على الصحيح .
الشرح :
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يركبه ، وكذلك الصحابة ويتم بيعه وشرائه فيصح بيعه على الصحيح .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يجوز بيع المصحف على الصحيح :
الشرح :
المصحف اختلف العلماء في بيعه ، أيجوز أن يباع أم لا ؟
والصحيح أنه يجوز أن يباع ، لأن البيع إنما يقع على الورق ، وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما :
( وددت أن الأيادي تقطع في بيعه )
فهذا محمول على حالة يحتاج الناس فيها إلى المصاحف فيتغالى الناس في أثمانها ، وإلا لابد من بيعه حتى ينتفع الناس به .
مسألة :
يصح بيع السباع التي تصلح للصيد على الصحيح
الشرح :
هناك أشياء غير الكلاب تصلح للصيد ، فما صلح للصيد من السباع فيجوز بيعه على الصحيح ، لكن الكلب الذي رُبي على الصيد لا يجوز بيعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ،
وأما حديث عند النسائي :
( نهى عن بيع الكلب إلا كلب الصيد )
فهو حديث شاذ ، ولذا فالصحيح أن السباع التي تصلح للصيد كأن يكون هناك ذئب يصلح للصيد يجوز بيعه ، لو قال قائل :
ما الفرق بين الكلب وبين هذه ؟
نقول الدليل فرق في هذا .
رابعاً :
[ أن يكون المبيع مملوكاً للبائع ، أو مأذوناً له فيه حال العقد للوكيل ] :
الشرح
: لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام لما قال : يارسول الله إن هناك من يشتري مني من غير أن تكون السلعة معي ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تبع ما ليس عندك )
ولذا لو لم تكن مالك للسلعة فلا يجوز أن تبيعها ، وما يجري الآن في بعض البنوك ،
أو عند من يمارس النشاط التجاري التقسيطي هذا غلط ، يأتيه إنسان
ويقول : أريد سيارة بمبلغ خمسين ألف ريال ، فيقول : سأعطيك سيارة بهذا المبلغ بسبعين ألف مؤجلة ، كل شهر بألفين ريال مثلاً ، ثم يتم التفاوض والتعاقد بينهما قبل أن يتملك هذا الرجل هذه السيارة ، فهذا لا يصح
لم ؟
لأنه لم يمتلك السيارة ، فإذا امتلك السيارة وحازها ، هنا المشتري هو مخير إلى الآن غير ملزم ، هو مخير بين أن يتم المعاملة ، وبين أن ينسحب ،
أو أن يكون مأذوناً له مثل الوكيل ، فالوكيل ليس مالكاً لسلعة ، لكن موكله أذن له في بيعها ، وذلك كأن تعطي مثلاً سيارتك لأخيك ووكلته في بيعها ، فأخوك لا يملك السيارة لكنه يملك التصرف فيها بإذن منك ، أو مثلاً ولي اليتيم قد يكون اليتيم بعد أن ورث من أبيه سيارات فالوكيل له أن يبيعها إذا رأى المصلحة في ذلك .
خامساً :
[ أن يكون قادراً على تسليمه ، وإلا فلا يصح بيعه كالطير في الهواء ] :
الشرح :
أن يكون قادراً على تسليمه لأنه لو باع شيئاً لا يقدر على تسليمه أفضى ذلك إلى النزاع والشقاق ، فقد لا يتمكن المشتري من الإمساك به كأن يقول : بعتك هذه الطيور التي لي وهي في السماء ، أو السمك في الماء ،
أو يقول إن عندي جملاً شارداً سأبيعه لك ، فلا يجوز هذا ولا يصح
لِمَ ؟
قد يبيعه بأقل من الثمن الذي له
لِمَ ؟ لأنه غير موجود في يده فلربما أن المشتري يتحصل عليه فيصاب هذا بغبن ، ولربما أن المشتري لا يتحصل عليه فيحصل النزاع والشقاق ، فلا بد أن يكون المبايع مقدوراً على تسليمه .
مسألة :
لا يجوز بيع المغصوب ، إلا إذا باعه على غاصبه ، أوإلى من له ولاية على الغاصب .
الشرح :
إنساناً ذو قوة اجتماعية أو ما شابه ذلك ، فاغتصب ساعة من الساعات الثمينة ، فلو أنه اغتصب منك هذه الساعة ، فلا يجوز أن تبيعها
لِمَ ؟
لأن هذا المشتري قد لا يتحصل على هذه الساعة فيحصل النزاع والشقاق ، أو يتحصل عليها فيحصل الغبن والشقاق ، ويحصل الغبن من جهة البائع ،
لكن يجوز أن تُباع على غاصبها لأنها في يده فهو قادر على تسليمها بل هي في يده ، أومن له ولاية على الغاصب فقد يكون البيع مثلاً على والد الغاصب ، وله قدرة على ابنه فيجوز أن تبيعها لِمَ ؟ لأن الشرط هنا قد تحقق وهو القدرة على التمليك والاستلام ،
وإلا فالأصل في المغصوب لا يجوز بيعه إلا على غاصبه أو من له قدرة على أن يأخذها من غاصبها .
سادساً :
[ أن يكون البيع معلوماً برؤية أو صفة ، ومن هنا فلا يجوز بيع حمل في بطن أمه منفرداً ، أما لو بيع تبعاً لأمه دون أن يفرده بعقد فجائز ] .
الشرح :
أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو صفة
كأن يقول : بعتك سيارتي هذه يصح البيع ، أوبصفة كأن يقول : بعتك سيارتي التي لونها كذا ، وموديلها كذا ، وصناعتها كذا ، فيصفها وصفاً دقيقاً فيصح البيع مع أنه لم يرى السيارة ، فإذا وصفت له فيصح البيع فهذا هو القول الراجح ، وبعض العلماء يتجاوز في هذا ،
ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة ، وهو الذي في بطن أمه : فلو قال عندي هذه الناقة حامل أبيعك ما في بطنها بألف ريال فلا يجوز لِمَ ؟ لأنه غرر يؤدي إلى الجهالة والنزاع بين المتعاقدين ،
فلربما لا تضع شيئاً حياً وإنما تضعه ميتاً
ألا يحصل نزاع ؟
بلى ربما تضع أكثر من واحد ، ألا يحصل نزاع ؟ بلى ، ولو أنه باع الناقة الحامل
فهنا يجوز للقاعدة : ( يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً )
فهنا الحمل دخل ضمن بيع أمه ، أما الأولى فالحمل قد انفرد بعقد ، لكن لو قال : أبيعك هذه الناقة بألفين ، وأبيعك ما في بطنها بألف فلا يجوز ، نقول إذا أردت أن يكون البيع صحيحاً فقل هذه الناقة بثلاثة آلاف ريال بقطع النظر عما في بطنها .
سابعاً :
[ أن يكون الثمن معلوماً ] :
الشرح :
أن يكون الثمن معلوماً فلو قال قائل : بعتك هذا الجهاز ـ جهاز الجوال ـ فقال بكم ؟
قال : لا يحتاج إلى ذلك فلدينا معرفة سابقة فلا خلاف بيننا ، فلا يجوز هذا لِمَ ؟ لأنه لو تم البيع فسيؤدي في المستقبل إلى نزاع وشقاق ، ربما يقول البائع قيمته كذا فلا يرضى المشتري فيحصل النزاع ، ولذا كما أسلفت في أول الدرس أن المعاملات مبنية على ما ذكر ، إما أن يكون هناك جهالة ، أو نزاعاً ، أو ربا ، أو وسيلة إلى ربا .