( مختصر فقه المعاملات) [63] (كتاب القضاء) [2] ( باب القسمة – باب الدعاوى والبينات )

( مختصر فقه المعاملات) [63] (كتاب القضاء) [2] ( باب القسمة – باب الدعاوى والبينات )

مشاهدات: 570

( فقه المعاملات )

(63)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

(  كتاب القضاء  )

 ( 2 )

(باب القسمة – باب الدعاوى والبينات )

القسمة نوعان :

قسمة تراضي ولا بد أن يتفق عليها جميع الشركاء كالدُّور الصِّغيرة وهي تأخذ حكم البيع بحصول الضرر وضابطه أن تنقص القيمة بالقسمة سواءً أمكن انتفاعهم بها مقسومة أم لا ومتى طلب أحد الشركاء بيع هذا المشترك أُجْبِرَ المُمْتَنِعُ فإن أبى باعه الحاكم .

الشرح :

 القسمة نوعان :

قسمة تراضٍ وقسمة إجبارٍ ،

 فإذا كان بين أشخاصٍ شراكة في دارٍ صغيرةٍ فإنه لا يقسمها القاضي بينهم إلا إذا تراضوْا .

لِمَ ؟

 لأنَّ في قسمة الدُّورِ الصغيرة والمحلات الصغيرة ضررٌ فقد ينتفع بها لو قسمها ، لكن الضرر يحصل في نُقْصَانِ قيمتها ،

فإذا اتفق الشركاء فإن القاضي يحكم بقسمتها وتأخذ حكم البيع يعني : لو وجد بها عيبًا أو ما شابهه فإنها تأخذ حكم البيع فيما سبق ، لكن إن لم يتراض الشركاء على قسمتها لوجود الضرر فإنه لا يقسمها القاضي

ولكن لو قال أحد الشركاء : أريد حقي . فيقول القاضي للآخر : تبيع هذه الدار ويعطى فلانٌ نصيبه . فإن أبى وقال : لن أبيع . فإن القاضي يتدخل ويبيع عليه .

مسألة :

 ثانيًا : قسمة إجبارٍ :

 فيُجْبَرُ المُمْتَنِع بثلاثة شروط كالدُّور الكبيرة .

 أولاً : مُلْكُهُم لها .

ثانيًا : عدم الضرر .

 ثالثًا : أن يمكن تعديل السهام في العين المقسومة من غير شيء ٍ يُجْعَلُ فيها ،

فإن كان غير مكلف قام عنه وليه وإن كان غائبًا فالحاكم وهذه قسمة إفراز لا تأخذ حكم البيع .

الشرح :

 هذه هي قسمة الإجبار بمعنى أن الشريك إذا طلب أن تُقسم يُجبر الشريك الآخر على القسمة وذلك مثل الدُّور الكبيرة – ما مضى الدُّور الصغيرة –

فيُشترط في جواز هذه القسمة من القاضي وهي قسمة الإجبار شروطٌ ثلاثة :

أولاً :

أن يكون هذا مُلْكًا لهم ، لأنَّ ما لا يملكه الإنسان لا يتصرف فيه .

ثانيًا :

 عدم الضرر . فإن حصل ضررٌ في قسمتها فإنه لا يُجبر .

ثالثًا :

أن يمكن تعديل السهام فيها من غير شيءٍ يُجْعَلُ فيها

بمعنى أنه إذا قسم الدُّورَ يقسمها بحيث يأخذ كلُّ شخصٍ مكانًا مساويًا للآخر دون أن يُجعل مع نصيب الآخر شيئاً

 فإن كان الشريك غير مكلف فيُقال لوليه كوليّ اليتيم تحل محله في القسمة فإن كان الشريك غائبًا فإنَّ الحاكم يقسم وهذه قسمة إفراز ليست بيعًا ولذلك لا يُتعلق بها حكم من أحكام البيع .

مسألة :

يجوز لهم أن يقسموه بأنفسهم أو يُنَصِّبُونَ أحدًا فإن اقتسموا لَزِمَت . فإن ادَّعوا غلَطًا لم يُلْتَفَت إليه وإن قسمه حاكمٌ أو قاسمٌ نصَّبَاه قُبِلَ بيمينه وإلا حلف المنكر .

الشرح :

 يجوز لهم أن يقسموه بأنفسهم وهي قسمة التراضي أو يُنَصِّبوا قاسمًا ليقسمه فإن نَصَّبُوا أحدًا أو قَسَمُوه لَزِمَت ، لكن لو أنهما قسما هذا الشيء ثم ادَّعى أحدُهما أنه قد غَلِطَ فإنه لا يُقْبَل .

 لِمَ ؟

 لأنهما قسما هذا الشيء بأنفسهم ، لكن لو كانت القسمة حصلت من القاضي أو حصلت من شخصٍ نصَّبَاه للقسمة فإنَّ المُدَّعِي الذي ادَّعَى بأنه قد غَلِطَ في حقه يُقَال له : لِتَأْتِ بالبيِّنَةِ على أن هناك غلطاً . فإن لم تكن له بينة ، فإنَّ صاحبه يحلف .

مسألة :

تعديل السهام يكون بالأجزاء إن تساوى المقسوم كالمكيل ويكون بالقيمة إن اختلفت الأجزاء فيُجعل السهم من الرديء أكثر من السهم من الجيد فإن لم يمكن بالأجزاء ولا بالقيمة عُدلت بالرد فيُجعل لمن يأخذ الرديء أو القليل الدراهم .

الشرح :

تعديل السهام يكون بالأجزاء وذلك أن يكون هؤلاء قد اشتركوا في مكيلٍ أو موزونٍ مثل أرُزٍ ونحوه فإنه يُقسم بالكيل ،

لكن إن لم يمكن كأن يكون التقسيم غير ممكن فإن السهم الرديء كأن يكون هذا المكيل منه رديء ومنه غير رديء

فإن لم يمكن فإنه السهم من الرديء أكثر من السهم من الجيد فإن لم يمكن بالأجزاء ولا بالقيمة عُدلت بالرد فيُجعل لمن يأخذ الرديء أو القليل يُجْعَل معه دراهم .

مسألة :

إن ظهر في نصيبه عيبٌ قد جهله خُيِّرَ بين الفسخ والإمساك مع الأرش .

الشرح :

 كما مرَّ معنَا . لِمَ ؟ لأنها بيع . ففي قسمة التراضي تأخذ حكم البيع ، أما قسمة الإجبار فليست بيعًا وإنما هي إفراز فإن حصل في قسمة التراضي عيبٌ فإنه يعود إليه . يُخيَّر بين الفسخ وبين إمساك حصته مع الأرش ، والأرش سبق الحديث عنه .

مسألة :

قال ابن القيم رحمه الله : البينة كل ما يُبيِّنُ الحقَّ

الشرح :

البيِّنَةُ : كل ما يُبَيِّنُ الحقَّ . وليست منحصرة في الشهود ، بل إنَّ اللوث والعداوة وما شابه ذلك قد تكون من البيِّنَةِ .

مسألة :

 المُدَّعِي :

 هو الذي إذا سكت تُرِك . والمُدَّعى عليه هو الذي إذا سَكَتَ لم يُتْرَك .

الشرح :

هذا ضابط المُدَّعِي من إذا سَكَتَ تُرِكَ ، لأن الحق معه وهو الذي طالب بالدعوى . أما المُدَّعَى عليه لو سكت فإنه لا يُتْرك .

مسألة :

 يُشترط لصحة الدَّعْوى والإنكار أن يكون من جائز التصرف .

الشرح :

 لا بد أن يكون كلاٌ من المُدَّعِي والمُدَّعى عليه جائزى التصرف . وجائز التصرف قد مرَّ معنا : من توفرت فيه أربعة شروط .

مسألة :

إن ادَّعَيَا عينًا وهي بيد أحدهما فهي له مع يمينه ويُسمى الداخل والآخر يسمى الخارج فإن أقام كلٌ منهما بينةً . هل يقض بها للخارج أم للداخل ؟

 الأكثر على الثاني ،

 وإن تداعيا عيْنًا ليست بيد أحدهما ولا بينة تحالفا وقُسِمَت بالسوية وإن دلَّت قرينة لأحدهما عُمل بها كما لو تنازع الزوجان في قماش البيت فما يصلح للزوج يكون له وما يصلح للزوجة يكون لها وإلا فَلَهُمَا .

الشرح :

 إن ادَّعَيَا عينًا وهي بيد أحدهما فالملك أو وضع اليد على الشيء تعد قرينة على أنَّ هذا الشيء لمن وضع يده عليه

فلو ادَّعَى اثنان ،:

 أحدهما يقول : هذا الجهاز لي .

 والآخر يقول : هذا لي .

فإن القاضي يحكم به لمن هو في يده ، لكن مع يمينه ويسمى بالداخل ، وأما الآخر الذي ليس المُدَّعَى به ( السلعة ) في يده يسمى بالخارج ، لأنَّه أتى على الشخص فإن أقام كلٌ منهما بينةً . هذا الذي معه الجهاز في يده معه بيِّنَة ، وذلك الذي يقول : إنها لي . معه بينة .

 فلِمَن يُحْكَمُ ؟

 اختلف العلماء :

 قالr:

 ( البيِّنة على المُدَّعِي ، واليمين على من أنكر ) فيُحْكم بهذا الجهاز لهذا الخارج . ولكن أكثر العلماء يقولون : يحكم بها للداخل لمن وضع يده عليها ، وهذا هو الصحيح :

لأن وضع يده عليها دليلٌ قويٌّ على أنه مالكٌ لها .

وإنْ ادَّعَيا عينًا ليست بيد أحدهما .

 كلٌ منهما يقول : هذا الشيء لي . وليس في يدِ أحدهما فإنه يُقال : أين البينة .

فإن لم تكن هناك بينة لأحدهما تحالفا وقُسِمَت بينهما بالسوية كلٌ منهما يحلف أنها له ، ثم تُقسم بينهما بالسوية ،

 لكن لو دلَّت قرينةٌ مع عدم البيِّنَة على أن هذا الشيء لأحدهما . كما لو اختصم الزوجان في شيءٍ وهذا الشيء مشترك بينهما يمكن أن يكون مُلْكًا للزوجة ويمكن أن يكون للزوج فإنه والحالة هذه يُقْسَمُ بينهما

مسألة :

 الصحيح لا يُشترط في أداء الشهادة لفظُ ( أشْهَدُ ) فلو قال : رأيت أو سمعت . قُبِلَ .

الشرح :

 لو أن البينة لم تقل : أشهد بأن الحق مع فلان . لو قال الشاهد : رأيت كذا أو سمعت كذا . فإنه يُقْبَل على الصحيح .

مسألة :

 تُحَمَّلُ الشهادة في حقوق الآدميين فرض كفاية وإلا تعينت ومتى تحملها وجبت كتابتها ويحرم أخذ أجرة عليها إلا إن عجز عن المشي أو تأذَّى به فله أجرة مركوبٍ .

الشرح :

تحمل الشهادة ليس الأداء

وإنما التحمل وذلك أن يتحملها لكي يُثبت الحق لأهله ( فرض كفايةٍ ) يجب على من حضر إذا رأوْا أن هناك خصومة بين اثنين ويعلمون بأن الحق مع أحدهما يجب أن يتحمل إثبات الحق أحد الحاضرين ،

فإن لم يفعلوا أثِمُوا ، ومتى تحملها فإنه يكتبها حتى لا ينساها ،

فإذا طلبها منه القاضي يكون قد ذكرها

ولا يجوز له أن يأخذ أجرةً عليها إلا إن عجز أو تأذَّى بالمجيء كأن يكون بعيدًا وتأذّى بالمجيء أو عجز عن المجيء فإنه يوفر له مركوبًا لكي يوصله فإن لم يكن هناك عجزٌ ولا أذيَّةٌ فلا يجوز له .

لِمَ ؟

 لأن هذا واجب شرعيٌّ يجب عليه أن يؤديَه . قال الله تعالى :

{ ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه } وتحمل الشهادة إنما هي في حقوق الآدميين

أما حقوق الله عز وجل فمبنيةٌ على الستر .

فما يتعلق بحقوق الله عز وجل لا يكون فيها تحمُّلٌ للشهادة لأن من عصى الله عز وجل فينبغي أن يُسْتَرَ عليه ما لم يكن معروفًا بالفُحْشِ والفُجُور .

مسألة :

 يحرم كِتْمَانُهَا ولا ضمان . وخَالَفَهُ ابن القيم رحمه الله .

الشرح :

 يحرم كتمانها لقوله تعالى :

{ ولا تكتموا الشهادة }

لكن لو أن الشاهد كتمها وضاع الحق ثم تبيَّن أن الحق قد بُخِسَ منه صاحبه .

فهل نُغَرِّم هذا الشاهد الذي كتم ؟

قال فقهاء الحنابلة : لا يُغَرَّم .

 وقال ابن القيم رحمه الله : بل يُغَرَّم ، لأنه هو السبب وهو الصحيح .

مسألة :

 أداء الشهادة فرضُ عينٍ .

الشرح :

 تحملها كما سبق فرض كفاية أما أدائها فهو فرض عينٍ على الشخص الذي تحمَّلَها .

مسألة :

يُعْتَبَر في وجوب التحمل والأداء انتفاء الضرر عن الشاهد سواء كان ضرراً في نفسه أو عِرْضِهِ أو ماله أو أهله .

الشرح :

 قال الله تعالى :{ ولا يُضَارَّ كاتِبٌ ولا شهيد }

 فإذا كان الشاهد سيُلْحَقُ به الضرر في نفسه أو في ماله أو في أهله أو في عرضه من قِبَلِ الخصم فإنه لا يشهد ، ( لأن الضرر لا يُزال بضرر ) .

مسألة :

 يجب أن يكون عالمًا بما يشهد به إما بسماعٍ أو رؤيةٍ أو بسماعه عن طريق الاستفاضة إذا بلغت عددًا يقع بهم العلم فيما يتعذر علمه بدونها غالبًا كالنسب والموت .

الشرح :

يجب أن يكون عالمًا بما يشهد به لقوله تعالى :

{ إلا من شَهِدَ بالحق وهم يعلمون }

 ولذا جاء حديث ولكنه ضعيف وهو في المعنى صحيح تؤيده النصوص الشرعية :

( على مثلها – يعني الشمس – فاشهد أو دَعْ )

ويكون عالمًا إما بسماعه للخصومة وإما برؤيته للخصومة وإما بسماعه عن طريق الاستفاضة بأن يستفيض الخبر بين الناس فيما لا يمكن أن يُعْرف إلا عن طريق الاستفاضة بشرط أن يكون هؤلاء المخبرين عن طريق الاستفاضة عددٌ يبلغ به العلم كأن يُسْتَفَاض بأنَّ فلانًا يكون لفلانٍ ، فَشَهِدَ بأن فلانًا ابنٌ لفلانٍ لأن الاستفاضة والخبر بين الناس قد جرى بذلك وكذلك لو شهد بأن فلانًا من الناس قد مات فَشَهِدَ بأنه قد مات بناءً على الخبر الذي شاع بين الناس .

مسألة :

من رأى شيئًا بيد إنسانٍ يتصرف فيه مُدَّةً طويلة فله أن يشهد بأن هذه الأرض ملكٌ له لأن من يعمل في هذه الأرض مدةً طويلة كأنه متصرِّفٌ كتصرُّفِ المُلّاك ولكن الوَرَع أن يقول : أشهد بأن فلانًا يتصرَّف فيها منذ مدة طويلة .