البلاغة
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكما أسفلنا وما أكثر ما أسلفنا من أن البلاغة ترتكز على ثلاثة علوم :
علم المعاني ، علم البيان ، وعلم البديع
ولازلنا في علم المعاني وعلم المعاني يرتكز على أساسين :
المسند وهو المحكوم به ، والمسند إليه وهو المحكوم عليه
مما يأتي من مسائل أو فوائد هنا في البلاغة في هذا العلم علم المعاني :
في الفائدة السابقة ماذا قلنا: الأصل في الفعل أن يكون مبينا للمعلوم ولا يبنى لما لم يسمى فاعله إلا لأغراض
وذكرت تلك الفائدة هنا ، الأصل : أن المفعول به يتأخر عن الفعل الذي وقع عليه
تقول : أكرم زيد عمرا
أكرم : فعل ماض
زيد : فاعل مرفوع
عمرا : مفعول به
فالفعل أكرم تقدم وهو الأصل ، وعمرا وهو المفعول به تأخر
وهذا هو الأصل ولا يتأخر الفعل عن المفعول به ، فلا يتقدم المفعول به إلا لأغراض ذكرها البلاغيون:
من بين هذه الأغراض : التخصيص والحصر :
مثاله قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
لو كان في غير القرآن : نعبدك ونستعين بك
فهنا قدم المفعول به { إِيَّاكَ } على الفعل { نَعْبُدُ } وعلى الفعل { نَسْتَعِينُ } من باب حصر العبودية لله جل وعلا ، ومن باب حصر الاستعانة بالله جل وعلا
ومن أغراض تقدم المفعول به على الفعل : مراعاة فواصل الآيات
فقول الله : { ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ } لو كان في غير القرآن صلوه الجحيم
لكن هنا تقدم المفعول به الجحيم على الفعل صلوه { ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ }
مراعاة لرءوس الآيات
ومن الأغراض : التبرك
ولذلك بعض الناس فيما يقول : إذا قال في كلمة ما : واللهَ أسأل
الأصل : أسأل الله لكن قدم المعمول هنا والله أسأل من باب التبرك
ويمثلون له بقول الله تعالى : { وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ } فهذا من باب التبرك
ومن الأغراض كما ذكروا : التلذذ
وهؤلاء هم أهل اللغة والتلذذ عندهم باب واسع يصدق على ما هو نافع وعلى ما هو ضار
كما مثلوا : الحبيب قابلتُ ، الأصل قابلت الحبيبَ
الحبيبَ قابلت ولاشك أن هذه المحبة إن كان المقصود منها ما هو لله فهي محمودة ، وإن كان المقصود العشق كما هو في كلامهم فإنه لا تلذذ وإنما هو حسرات فهي لذة وهمية وقتية وإذا بالحسرات تتبعها
كما قال ابن القيم: كم لذة جرت على صاحبها الويلات والحسرات
التلذذ لا يكون إلا بما أمر به جل وعلا وشرعه
وقد تكون هناك أغراض أخرى مثل :
من الأغراض : التقبيح ، التقبيح والتشنيع بالشيء
اللصَ ضربتُ
ومن الأغراض : التكريم
الوالدَ أكرمتُ ، يعني : أكرمت الوالدَ
ومن الأغراض : الشفقة
اليتيم أكرمته
{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) }
ومن الأغراض : الاعتناء بالشيء
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }
والأغراض كثيرة
وكما قال البلاغيون لا يفهم البلاغة إلا من عنده تذوق وكل يقيس تذوقه لابد من القراءة في لغة العرب ؛ لأن الأصل إذا تعلم طالب العلم الأغراض السابقة التي مرت معه مثلا كالدعاء ، الاستفهام ، في تقديم المسند والمسند إليه تعريف المسند إليه تعريف وتكير المسند
هنا : وقتها سيتذكر الأشياء الكثيرة ، لو أنه تعلم الأصول التي نطرحها الآن هنا بإمكانه أن يتأمل ويتدبر وإن لم يرجع وإن رجع لاشك أن في كتبهم مزيد فائدة تختلف عما أخذه وحصل عليه .