التفسير المختصر الشامل ( 2)
تفسير سورة البقرة
من الآية (1) إلى الآية (20)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة البقرة
{ الم } :
هذه تُسَمَّىٰ عند العلماء بالحروف المقطّعة ، واختُلِفَ فيها اختلافًا كثيرًا .
بعض العلماء قال :
الله أعلم بِمُرادِه بها ، فهي من المُتَشابِه
وبعضهم قال :
لها معنى ، واختلفوا في ذلك . هل هي أسماء للسُّوَر ؟ هل هي تدلّ على اسم الله الأعظم ؟ هل هي تدلّ بكلّ حرف من حروفها على اسمٍ مِن أسمائه عزّ وجلّ ؟ هل هي قَسَم ؟ أقوال .
والذي عليه المحقّقون :
كشيخ الإسلام رحمه الله ( مِن أنّها حروف هجاء ) أتى بها الله عزّ وجلّ لِيتحدّى الكفّار الذين يقولون إنّ القرآن اختلَقَه محمّد ، فيقول لهم هذا القرآن مِن مِثل هذه الحروف ، فَأْتوا بِمِثله . ولذلك إذا ذُكِرَت هذه الحروف المقطّعة ، ذُكِرَ بعدها القرآن :
{ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ }
{ الـمص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ }
{ الـمر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ }
وهكذا .
{ ذَلِكَ الْكِتَابُ } :
أي القرآن . وليس التوراة ولا الإنجيل كما قيل . السياق يدلّ على أنّ الكتاب هو القرآن .
{ ذَلِكَ الْكِتَابُ } :
أشار إِلَيْهِ بِالبُعد ؛ لِعُلُوّ منزلته ، ولذا قال تعالى :
{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }
ويشير به أحيانًا إلى القُرب ؛ باعتبار أنّه قريبٌ وسَهْلٌ ومُيسّر :
{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }
{ لَا رَيْبَ فِيهِ } :
أي لا شكّ فيه ولا تُهمة ولا اعْوِجاج ، ولذا قال تعالى :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا ..}
وقال تعالى :
{ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
ويَتضمّن النَّهي عن الرَّيب فيه ، أي لا ترتابوا ولا تشُكّوا فيه . وهذا يدلّ على كمال هذا القرآن ؛ فإنّه مِن لَدُن حكيم عليم .
{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } :
وهو هُدًى للناس ، أُنزِل هدايةً للناس كلّهم . قال تعالى :
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ }
لكن لمّا كان المُنتَفِع به ، لمّا كان المُتَّقون هم الذين انتفعوا به خُصُّوا بالذِّكر { هُدًى للمتّقين } خبر ثاني أو حال ، يعني حالةَ كَونه هُدًى للمتّقين .
ثمّ وصف هؤلاء ( المُتَّقِين ) :
{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } :
بكلّ ما غاب عنهم فيشمل كلّ ما قاله المفسِّرون ممّا غاب عنهم ( الله ، وما يكون في يوم القيامة ، وما يكون في القبر )
{ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } :
وَلَمْ يَقُل يُصَلُّون ، يقيمون الصلاة بأركانها وواجباتها وشروطها ، ويشمل الصلاة المفروضة والنوافل .
{ وَمِمَّا } :
( مِن ) للتبعيض ، مِن بعض ما { رَزَقْنَاهُمْ } ، فَالرِّزق منه جلّ وعلا ، لَم يَرزُقوا أنفسهم ، قال تعالى :
{ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ }
{ يُنفِقُونَ } :
يبذُلون ويشمل هذا الزكاة الواجبة ، وصدقة التطوّع . ينفقون في ماذا؟ ، ينفقون ويبذلون في جميع وجوه الخير .
{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } :
أتى بالواو ، مع أنّ الصفات كلّها في حقّ صنف واحد ، مِن باب تِعداد مَحاسِن ومَناقِب هؤلاء .
{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } :
وهو القرآن ، ودلّ هذا على أنّ القرآن مُنزَّل غيرُ مخلوق .
{ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } :
أي ويؤمنون بما أُنزِل مِن قبلك مِن الكُتُب السابقة ، وهذا يدلّ على أنّ الكُتُب السابقة مُنَزَّلة مِن عند الله عزّ وجلّ ، وليست مَخلوقة .
{ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }:
يُوقِنُون بِيوم القيامة . وسُمِّي بالآخرة أو بالآخِر لأنّه لا يومَ بعده . فهُم يوقِنون بهذا اليوم . واليقين هو العِلْم التامّ الذي لا شكّ فيه ، ويَستَلزِم العمل . وهذا هو اليقين الذي يُفيد ، لأنّ الكفّار إذا أتَوا يوم القيامة ، فعندهم يقين ، لكنّه يقين بعد ما انكشفت الحُجُب ، فلا يُفيد .
قال تعالى :
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ }
لكنّه لا فائدةَ مِن هذا .
ما الثمرة لهؤلاء ؟
{ أُولَئِكَ } :
أشار بِالبُعد لِعُلُوّ مكانتهم ومنزلتهم
{ عَلَى هُدًى } : فهُم مُهتدون .
وانظر إلى أوّل السورة : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } فإنّهم لمّا أخَذوا بهذا القرآن وتَمَسّكوا به وصلوا إلى الْهُدَى . بَل قال : { عَلَى هُدًى } بحرف ( على ) لأنّهم عَلَوا بالهدى . ولا عُلُوَّ للإنسان ولا للأُمّة إلّا بالتمسُّك بهذا القرآن ، وبهداية من الله عزّ وجلّ .
{ مِّن رَّبِّهِمْ } :
هذا الْهُدَى مِن رَبِّهِم الذي أكرمهم بهذا الهُدى ، لا مِن حَولهم ولا مِن قوَّتِهم .
وفي هذا رَدٌّ على القَدَريَّة ، الذين يقولون إنّ العبد يخلُق فِعل نفسِه ، فيَخلُق الطاعة لِنَفسِه مِن نفسه ، وهذا ضلال مبين .
{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }:
أتى بحرف العطف ، و كرّر ( أولئك ) لِتعداد مَحاسنهم ومناقبهم ،
{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } :
الذين حصل لهم المطلوب ونَجَو مِن المكروب . وهذا هو حقيقة الفلاح .
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } :
لمّا ذَكَرَ صِنف أهل الإيمان والتُّقى سَيَتَبادَر إلى الذِّهن أنّ ما يُقابِلُهم مَنْ ؟ الكُفّار . ولذلك لَمْ يأتِ بحرف الواو
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } :
سواء كان كفر شكّ أو عِناد أو نِفاق أو إعراض
{ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ }
يستوي أنَّكَ أنذرتهم وخوّفتهم أو لَم تخوّفهم { لَا يُؤْمِنُونَ } حَكَم الله عليهم بِعَدَم الإيمان .
كثيرٌ من المفسِّرين يقول : هؤلاء في قومٍ مخصوصين عَلِمَ اللهُ أنّهم لن يؤمنوا .
ولكنَّ الأظهر هو قول شيخ الإسلام رحمه الله قال : هي في حقّ كلّ مَن عاندَ لمّا أتاه الحقّ ، فإنّه يُخشى عليه أن تُسَدّ عنه أبواب الإيمان .
ولذلك قال بعدها ، لمّا قال : { لَا يُؤْمِنُونَ }
ما السّبب ؟
{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } :
والختم :
هو الاستيثاق مِن الشيء بِحيث لا يَدخل إِلَيْهِ شيء ولا يَخرج منه شيء .
{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } :
والقلب محلّ الهُدى والنور ، فقلوبهم لا تَفْقَه مع أنّ قلوبهم موجودة .
{ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } :
أي وخَتَمَ على سمعهم . وأفرَدَ السمع هنا ، بينما القلوب جَمَعَها ؛ لأنّ السمع مصدر ، يستوي فيه المفرد والجَمع .
{ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } :
إذَن الختمُ على القلب وعلى السمع ، وَأَمَّا الغشاوة وهي الغطاء فعلى الأبصار . وهذا يُناسِب . وذلك لأنّ الختم إنّما يكون على الوِعاء ، فالقلب وِعاء ، والسمع وِعاء ، لكنّ البصر ليس وعاءً .
وهذا هو القول الذي تدلّ عليه الأدلّة مِن أنّ الختمَ على القلب وعلى السمع ، والغِشاوة على الأبصار .
قال عزّ وجلّ :
{ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً }
{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } :
عذاب عظيم لمّا عَظُمَ كُفرُهم وإعراضُهم ناسبَ أن يكون هذا العذاب عَذَابًا عظيمًا ، عظيم من حيث النوع ، ومن حيث الكثرة ، ويشمل العذاب الذي يوقِعُه الله عزّ وجلّ بأعدائه في الدنيا وفي الآخرة .
وفي هذه الآية :
دليل على إثبات القَدَر ، فالله عزّ وجلّ قدّر على هؤلاء أنّهم لا يؤمنون ، بسبب إعراضهم ، وما ظلَمَهم الله عزّ وجلّ ، ولذلك قال تعالى :
{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }
{ وَمِنَ النَّاسِ } :
هذا صنف ، وهو صنف أهل النِّفاق ، ولذلك لمّا لَم يكونوا صُرَحاء وصَرِيحِي المنهج كالكفّار أتى بحرف الواو { وَمِنَ النَّاسِ } وأكْثَرَ من ذِكْر صفات هؤلاء المنافقين ؛ لأنّ أمثال هؤلاء قد يَلْتَبِس أمرُهم على أهل الخير .
وهذا هو الشأن في كلّ زمن .
فعَلى أهل السنّة أن يَحذَروا مِن أهل النِّفاق ، وأن يَحذَروا مِن أصحاب المناهج الفاسدة ، ولو أظهروا الصلاح والخير .
فأمثال هؤلاء لا يُؤتَمَنون ؛ لأنّ الشُّبهةَ بِهم تَعْظُم
{ وَمِنَ النَّاسِ } :
وهو صنف النِّفاق وأهلِ النِّفاق : { مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ } مُجرّد قَول يقولونه
قال عزّ وجلّ :
{ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } :
وأكّدَ ذلك بحرف الباء الزائد الذي يدلّ على التوكيد .
{ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } :
أتى بالباء { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } وهذا يدلّ على فساد عقيدة الكرّاميّة ( الذين يقولون إن الإيمان قول باللسان ) وهذا ضلال مبين ، بل هو بريد النِّفاق والشِّقاق .
فالإيمان ليس قولًا فقط
الإيمان :
( قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) ولذلك لمّا قالوا :
{ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ } كذّبهم الله عزّ وجلّ .
{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا } :
خِداع هؤلاء يدلّ على أنّهم أصحاب جُبن ، وأنّه لا ثقةَ عندهم في نفوسهم ، وأنّهم أصحاب رأي مُتَذِبذِب ، لأنّ هذا هو وَصْف أهل الخِداع .
{ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ } :
فَوَبال خداعهم يَعُود إليهم . لِمَ ؟ لأنّ الله عزّ وجلّ مُطّلع على خداعهم ، فَيُعاملهم جلّ وعلا على هذا الخِداع ، ويُطلِع اللهُ جلّ وعلا رسولَه صلّى الله عليه وآله وسلّم على خِداعهم .
{ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ } :
صاحب الخِداع إمّا أن يوقِعَ الخِداع بِمَن يريد أن يوقِع به أو أنّه يَسلَم ، لكن هُنا الخِداع يعود عليه .
لِمَ ؟
لأنّه يُخادع الله ويخادع أولياءه .
{ وَمَا يَشْعُرُونَ } :
وما يَعلمون أنّهم يَخدعون أنفُسَهم ، وأنّ خداعَهم راجعٌ إليهم .
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } :
هذا هو السّبب { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } مرض ماذا ؟ ( النِّفاق )
لأنّ المرض في كتاب الله عزّ وجلّ نوعان :
( مرض شُبهة ) كما هنا
و ( مرض شهوة ) :
{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } يعني شهوة
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } : مرض النِّفاق الشَّكّ والشِّقاق .
{ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } : فزادهم الله مرضًا .
وهذا يدلّ على ماذا ؟
يدلّ على أنّ الشرّ يُوَلِّدُ شُرُورًا . فالله عزّ وجلّ يزيدهم على مرضهم مَرَضًا ونِفاقًا وشَكًّا .
وهذا يدلّ عليه سِياق الآيات ، خِلافًا لِمَنْ قال إنّه دُعاءٌ عليهم .
وَمِمَّا يدلّ على ذلك قوله تعالى :
{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) }
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } :
وَصَفَ العذاب هنا بأنّه أليم ، أي مُؤْلِم وأيضًا مُؤْلَم ، يعني مَن يَقَعُ عليه يتعذَّبُ به . مُؤْلِم لأنّهم يتلذّذون بأفعالهم هذه ، إذ يُخادعون الله والذين آمنوا فعاقبهم جلّ وعلا مِن جِنس ما في قلوبهم ، فقال :{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
السبب :
{ بِمَا } :
( الباء ) سببيّة و ( ما ) مصدريّة
{ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } :
أي بِكَذبِهم . وهذه صفة أخرى مِن صفات المنافقين ، فهم أهل خِداع وأهل كذب .
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } :
بِشَتّى أنواع الفساد ( الحِسّيّ والمعنويّ ) وأعظم الفساد ، أن يُفْسَدَ في الأرض بالكفر والبدع والمعاصي .
ولذلك قال :{ فِي الْأَرْضِ } لأنّ هذه الأرض ما خَلَقَها جلّ وعلا إلّا مِن أجل أن يُعبَدَ الله عزّ وجلّ فيها ، لا أن يُفسَدَ فيها .
{ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } :
مع فسادهم وإفسادهم يُزَكّون أنفسهم ، وهذا إن دلّ يدلّ على أنّ القلوب طُبِعت وخُتِمَ عليها ، ولذلك قالوا :{ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } فَقَلَبوا الحقائق ، فجعلوا الفسادَ والإفسادَ إصلاحًا ، بل إنّهم أبلَغوا أنفسهم مرتبةً أعلى .
لَمْ يقولوا ( إنّما نحن صالحون في أنفسنا ) بل قالوا : { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } فردّ الله عزّ وجلّ عليهم .
{ أَلَا } :
مِن باب التنبيه والتأكيد { إِنَّهُمْ } وأكّدَ ذلك أيضًا بـ( إنَّه )
{ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ } :
لا يشعرون : أي لا يَعلمون بِالأمور الخفيّة ، لا يشعرون بمعنى لا يَعلمون لكنّه أخصّ . كما يُقال للشاعر مِن أنّه شاعر ، لأنّه يَعلم بِخفايا أوزان الشعر ما لا يَعلمُها غيره .
ولذلك قال هنا : { وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ } بإنّ ما هُم عليه فساد وإفساد .
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ } :
أي مَن آمَن مِن الصحابة رضي الله عنهم ، وليس الْمَعْنَىٰ كلّ الناس . فَتُطلَق كلمة الناس على طائفة مُعيَّنة { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ }
{ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ } :
فيجعلون الإيمان سَفَهًا – نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ – وهذا مِن فساد القلوب .
ومَن بَعُدَ عن دين الله عزّ وجلّ فَهُوَ سَفِيه ، قال تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }
فرَدّ الله عزّ وجلّ عليهم فقال :
{ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ } هُم { وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ } ختمَ الآية هنا بجملة :{ لَّا يَعْلَمُونَ } ، بينما الآية السابقة :
{ لَّا يَشْعُرُونَ }
لأنّ السَّفَه واضح وظاهر لا يَخفى على مَن لَدَيهِ أدنى عِلم . وهذا القول منهم إنّما هو بينهم ؛ لأنّهم يُخفون الكُفر ، وليس معنى ذلك أنّهم أظهروه لِأهْل الإيمان ، وإنّما فيما بينهم .
{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا } : لِنِفاقِهم
{ قَالُوا آمَنَّا } : وهذا نوع مِن أنواع المُخادَعة منهم . مُخادعة مَن ؟ المؤمنين .
{ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } :
{ خَلَوْا إِلَى } : { إِلَى } بمعنى ( مَعَ ) عند بعض المفسِّرين ، والصواب : أنّ ( إلى ) تَبقى على حالها ، ويُضَمَّن الفعل ( خَلَوا ) فعلًا آخر . وفي هذا إكثار مِن معاني القرآن { وَإِذَا خَلَوْا } يَتضمّن :
( انطلقوا )
كما قال عزّ وجلّ :
{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } عَينًا يشرب بها . هل العين يُشرَبُ بها ؟ فَـ { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا } الشُّرب يَتضمّن فعلًا ( أي يرتوي بها )
{ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } :
أي إلى رؤسائهم ، وهذا يدلّ على أنّ في الإنس شياطين كما إنّ في الجنّ شياطين . قال تعالى :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }
{ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ } :
أكّدوا ذلك لرؤسائهم { إِنَّا مَعَكُمْ } ثمّ أكّدوا ذلك { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } بالمؤمنين .
بينما لمّا قالوا لأهل الإيمان ، { قَالُوا آمَنَّا } فقط ، ولم يؤكّدوا ذلك ، حَتَّىٰ لا ينفضحَ أمرُهم إذا أكّدوا ، ولأنّ أهل الإيمان يأخذون بالظاهر . بينما أكّدوا معَ رؤسائهم مِن باب التوثيق ( مِن أنّهم على دين رؤسائهم وشياطينهم )
{ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } :
والاستهزاء بِمَن هُوَ أهلٌ لِأَن يُستَهزَأ به ( عَدْلٌ وليـسَ ظلمًا ) بل هو مَدح . ولذلك من صفاته عزّ وجلّ ( صفة الاستهزاء ) بِمَن يستهزئ بِدِينه أو بِشَرعه ، ولا يُطلَق فيُقال مِن صفات الله ( الاستهزاء ) هذا خطأ .
هذه مِن ( الصفات المُقَيَّدة )
الله يستهزئ بِمَن يستهزئ بِشرعه . مِثل المكر :{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ }
ومِثل الخِداع :
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }
فهذه الصفات لا تُطلَق على الله وإنّما تُقَيَّد .
{ وَيَمُدُّهُمْ } : أي يزيدهم .
سبحان الله !! ولذلك على الإنسان أن يتعاهدَ قلبَه ؛ فأنّه إذا استَمْرَأ الشرّ ، زاد معه الشرّ { وَيَمُدُّهُمْ } يزيدهم .
{ فِي طُغْيَانِهِمْ } : ( في ) ، بينما أهل الإيمان : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى } فهُم عَلَوا بِهُدى الله . هؤلاء انغمسوا في السُّفُل { فِي طُغْيَانِهِمْ } وَلَمْ يَقُل في الطغيان { فِي طُغْيَانِهِمْ } فدلّ على أنّ عندهم طغيانًا قد ارْتَسَمَ فيهم . وهذا يدلّ على أنّ النِّفاق طُغْيان ؛ لأنّه قال :
{ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ }
فالنِّفاق طُغْيان وتَركُ الاستقامة طغيان . قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا }
{ يَعْمَهُونَ } :
أي يتردّدون حائرين ، فقلوبهم حَيارَى ؛ لأنّ العَمَه ( العَمَه ) للقلب و( العَمَىٰ ) للبصر . وقد يُطلق على القلب كما يُطلق عليه عَمَه ، يُطلق عليه عمى ، قال تعالى :
{ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا } :
ومَن يشتري لديه رغبة في السلعة التي يشتريها ، فهؤلاء اشتروا
{ الضَّلَالَةَ } ، والثمن الهُدَى { بِالْهُدَى } وهذا يدلّ على خُبث نواياهم وقلوبهم
{ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ } :
نفَى الرِّبح عن التجارة كلِّها ؛ لأنّ الإنسان قد يُتاجر ، ويذهب الرِّبح ويَبقى أصلُه ورأس المال . ولكن هؤلاء ، لا أصل ولا رأس مال ولا رِبح .
{ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ } والنهاية : { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }
{ مَثَلُهُمْ } : لمّا ذَكَرَ حالَهم مثّلَهم بِمثالين :
{ مَثَلُهُمْ } : أي صِفَتُهم
{ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } : في صحراء
{ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } أضاءت هذه النار ما حوله ،
و { حَوْلَهُ } تدلّ على القُرب ، على قُرْب المكان
{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ } :
ولم يقل أذهب الله نورَهم . لأنّ ( ذهب الله بنورهم ) أعظم تأكيدًا { ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ } ولم يقل ( بِنارِهم ) ؛ لأنّ النار تشتمل على الإضاءة وعلى الإحراق ، فذهبت الإضاءة ، وبقي الإحراق .
{ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } :
بعد أن أطفأ الله عزّ وجلّ نورهم . ومَنِ انطفأ منه النور ، وكان في ظلمات ربّما أنّه يُبصر يتلمّس . ولذلك قال :
{ لَّا يُبْصِرُونَ } :
وهذا هو شأن أهل النِّفاق . حالُهم كَحال هذا الذي في الصحراء ، انطفأ منه النور . حالُهم مع أهل الإسلام في الدنيا أنّهم على نور ، باعتبار أنّهم قالوا كلمة الإسلام ، فأمِنوا على أنفسهم وعلى أموالهم وعلى أولادهم . فإذا ماتوا حَلّ محلّ هذا النور الذي أمنوا به خِداعًا ، حلّ محلّه الظلام .
ولذلك :
يوم القيامة ، ماذا قال عزّ وجلّ :
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا }
{ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ } :
وأيضًا بَقِيَت الشُّبُهات والشكوك في الدُّنيا تُحرِق قلوبَهم .
{ صُمٌّ } :
أي هؤلاء صُمّ ، هُم صمّ ، فلا يسمعون الحقّ
{ بُكْمٌ } :
فلا ينطقون بِالْحَقِّ
{ عُمْيٌ } :
فلا يَنظرون ولا يُبصرون إلى الحقّ .
أسماعُهم معهم ، أبصارُهم معهم ، جوارحُهم معهم .
قال تعالى :
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ }
العِلّة :
{ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ }
{ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } :
لأنّهم في ظاهرهم أنّهم دخلوا في الدِّين ،
{ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } : لا يرجعون مِن هذه الضلالة وهذا النِّفاق إلى الْهُدَى ، لأنّهم لم ينتفعوا بِجوارحهم ، وأعرَضوا وزاغوا ، فأزاغ الله قلوبهم .
{ أَوْ كَصَيِّبٍ } : هذا مَثَل ثاني .
المَثَل الأوّل :
{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } مَثَل ناريّ .
هنا مَثَل مائيّ :
{ أَوْ كَصَيِّبٍ } :
{ أو } : يعني إن شئتَ فَمَثِّلْهم بِمَن كان في صحراء فأشعل نارًا فانطفأتْ ، أو مَثِّلْهم بهذا المثال . فيَصدُقُ عليهم هذا المَثَل وهذا المَثَل .
أو كما قال بعض العلماء كابن كثير ( المَثَل الناريّ ) لصنف منهم ، وهذا صنف آخر ، وعلى كلّ حال ، هم أهل نِفاق { أَوْ كَصَيِّبٍ } الصيّب : المطر .
صِفَتُهم كأصحاب مطر ، كانوا في صحراء .
{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ } :
مطر من السماء
{ فِيهِ ظُلُمَاتٌ } :
ظلمات السحاب وظُلمة الليل وما شابه ذلك
{ وَرَعْدٌ } :
والرعد كما جاءت بذلك الأحاديث مَلَك ، والصوت هو صوت المَلَك .
{ وَبَرْقٌ } :
مِن شِدّة هذه الظلمات والرعد والبرق
{ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } حَذَرَ الموت ، خِيفةً مِن أن يموتوا بهذه الصواعق
{ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ } :
{ مِّنَ } :
بسبب ، بسبب الصواعق ، ولِأجْلِ الصواعق
{ حَذَرَ الْمَوْتِ } : هذا هو حالهم كَحال هؤلاء .
كذلك هؤلاء المنافقون ، حالُهم مع القرآن الذي مُثِّل بالمطر ، لأنّ المطر حياة الأرض ، والقرآن حياة القلوب مَثَلُهم مع القرآن إذا نزل كَمَثَل هؤلاء . كيف ؟
القرآن فيه ذِكرٌ لظلمات الكفر ، وفيه آيات الوعيد والتهديد ( رعد وبرق ) يدلّ على البراهين في هذا القرآن .
فهؤلاء إذا سمِعوا القرآن ، جعلوا أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ، يعني أنّهم لم يَسمعوا ما يُتْلَى مِن هذا القرآن ؛ لأنّهم يظنُّون أنّهم لو آمنوا ، فالإيمان عندهم موت وهلاك .
ولذلك قال عزّ وجلّ :
{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ }
{ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } :
والأصابع لا تكون في الآذان ، وإنّما تكون الأنامل . وهذا من باب ذِكْر الكُلّ ، ويُقصَد به الجُزء . وهذا أسلوب مِن أساليب اللغة العربيّة . وليس مجازًا . كما ذهب إِلَيْهِ مَن ذهب إلى المجاز في القرآن ، وليس في القرآن مَجاز . [ وسيأتي له حديث إن شاء الله تعالى ]
{ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } :
يظُنُّون أنّهم خارجون عن قُدرة الله ، وَاللهُ أحاط بهم ، وقال هنا { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } ولمْ يقُل ( محيط بالمنافقين ) لِمَ ؟
لأنّ النِّفاق كُفر ، ولكي يَدخُلَ معهم أصحاب الصنف الثاني :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
{ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } :
دلائل القرآن تُزعجُهم ، ولذلك قال عزّ وجلّ :
{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ }
{ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } :
يعني وَقَفوا . فهذا هو حالهم مع هذا المطر ومع هذا البرق . إذا أضاء مَشَوا فيه ،
{ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } : يعني وقفوا .
وهذا هو حالهم مع القرآن . إن أتى القرآن بِمَا يوافق أهواءهم قَبِلوه ، وإن أتى بما يُعارِض أهواءهم رفضوه .
{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ }:
الحِسّيّة ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ أذهبَ حواسّهم المعنويّة
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ }
وهنا قال :{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ } يعني كما أذهبَ انتفاعهم بهذه الجوارح وهذه الحواسّ :
{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } الحِسّيّة
ولذلك قال تعالى :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ }
ثمّ خَتَمَ الآية بقوله :
{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } :
وفي هذا إثبات القَدَر ، فهو جلّ وعلا على كلّ شيء قدير . وفيه ردّ على القدَريّة الذين يقولون إنّ العبد يخلق فعل نفسه ، فلا يُمْكِنُ أن يقعَ شَيْءٌ في الكون إلّا بِقَدَرٍ مِنْهُ عَزَّ وجَلَّ