التفسير المختصر الشامل ( 6)
تفسير سورة البقرة :
من الآية (53) إلى الآية (66)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِسْم اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيم الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وأُصلِّي وأُسلِّم على خاتم الأنبياء وإمام المُرسلين نبيّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين
أمّا بعد :
ـــــــــــــــــــــ
فكُنّا قد توقّفنا عند قول الله عزّ وجلّ :
{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
وهذه الآية أتَتْ بعد أن عَبَدَ قَوْمُ موسى العِجلَ
{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } :
{ الْكِتَابَ } التوراة ، { وَالْفُرْقَانَ } هو ما يُفَرَّقُ به بين الحقّ والباطل ، فيَدخل في ذلك ما فَرَقَ الله عزّ وجلّ به البحر ، إذ أنجى الله عزّ وجلّ موسى وقومَه ، ويَدخل في ذلك التوراة ، فإنّها وإن عُطِفَت ، عُطِفَت مِن باب بيانِ صِفَةٍ مِن صفات التوراة ، وهي فُرقان .
{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } :
أي رجاءَ أن تهتدوا .
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ } :
وكرّر لفظ القوم مِن باب الترَقُّق والترَفُّق معهم ؛ لكي يَقبلوا حُكم الله عزّ وجلّ
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ }
{ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ } إلٰهًا { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ }
{ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ } فَتَوبتُهم في ذلك { فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } :
وذِكر اسم الله تعالى البارئ ، لأنّه هو الذي أوجَدَهم مِن العَدَم وليس هذا العِجل ، فَفيه تنبيهٌ لَهُم أنّ الذي يُعبَد هو البارئ عزّ وجلّ .
{ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } :
أي لِيَقتُل بعضُكم بعضًا { ذَلِكُمْ } أي هذا الحُكم { خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ } كرَّرَه مرّةً أخرى ليُبيّن لهم أنّ الذي يُعبَد هو البارئ عزّ وجلّ وليس هذا العِجل
{ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } :
هُنا حذفٌ كما قال جُملةٌ مِن المفسِّرين :
أي فَفَعلْتُم ، فتابَ عليكم ، وتوبة الله عزّ وجلّ لَهُم ، إذ وفّقَهم لهذا الأمر ، وقَبِل منهم التوبة ،
فتَوبة الله عزّ وجلّ على عبده تشتمل على نَوعَين :
أن يوفّقَه للتوبة ، وأن يَقبلها منه . قال تعالى :
{ لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
{ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } :
ختَمَ الآيةَ بِاسْمَين مِن أسمائه عزّ وجلّ { التَّوَّابُ } على صيغة ( فَعَّال ) للمبالغة ؛ لأنّه كثيرًا ما يتوب على عباده ، ولأنّ عِبَادَه تَكثُر منهم الذُّنوب ، فيتوبُ عليهم عزّ وجلّ .
وأتى اسم { الرَّحِيمُ } بعد { التَّوَّابُ } :
لِبيان أنّ التوبةَ مِن رحمة الله عزّ وجلّ ، ومِن رحمة الله عزّ وجلّ أنّه عزّ وجلّ شَرَعَ التوبةَ لِعِبادِه .
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } :
هل هؤلاء هُم السبعون الذين اختارَهم موسى في قوله تعالى :
{ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا }
قيل بهذا ، وقيل إنّهم طائفة أخرى
[ وسيأتي الحديث إن شاء الله تعالى عن ذلك في سورة الأعراف ]
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } :
وهذا مِن باب التعنُّت مِن هؤلاء ؛ لأنّ قلوبهم قاسية ، إذ رَبَطوا إيمانهم بأن يَرَوْا الله عزّ وجلّ جَهْرَةً { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } قال { جَهْرَةً } مع أنّ الرؤية السابقة قد يُظنّ أنّها تكفي ، لكن أتى بكلمة
{ جَهْرَةً } ؛ لِيُبيّن أنّ تلك الرؤية رؤيةً بصريّةً ؛ لأنّ مِن أنواع الرؤية ، الرؤية القلبيّة العِلميّة ، مِن باب التأكيد على أنّهم طلبوا أن يَرَوْا الله عزّ وجلّ جَهْرَةً يعني عَيَانًا .
{ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ } :
بسبب هذا الطلب المتعنِّت
{ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } :
تنظرون إلى هذه الصاعقة ، وينظر بعضكم إلى بعض إذ أخذته هذه الصاعقة .
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم } : دلّ على أنّهم ماتوا
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } :
وهذا يدلّ على أنّ هذا مِن القِسم ، أو مِن أصناف البشر الذين أماتهم الله عزّ وجلّ في الحياة الدنيا ثُمَّ أحياهم فيها .
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } :
فمِن شُكره ، وواجب عليكم ، واجب عليكم أن تشكروا الله عزّ وجلّ إذ أحياكم بعد هذه المَوتة . والأمر بالشكر هُنا ، وذكر الشكر هُنا يدلّ على أنّ التكليف لم يسقط عنهم ، خِلافًا لمن ذهب إلى ذلك ، إذ قال : هُم رَأَوْا الموتَ عَيانًا ، بل حَصَل لهم الموت ، ثمّ رَجَعوا مرّةً أخرى ، فيَسقُط عنهم التكليف ، وهذا قولٌ لا دليل عليه ، بل تَرُدّه الأدلّة ، فهم مكلَّفون بعد أن أحياهم الله عزّ وجلّ .
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } :
هذا كما قال المفسِّرون حَصَل في التِّيه ، وذلك لمّا أُمِروا أن يَدخلوا الأرضَ المقدَّسةَ :
{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ }
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } :
هو السَّحاب الأبيض .
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ } :
{ الْمَنَّ } :
هُوَ كُلّ ما مَنّ الله عزّ وجلّ به عليهم مِن غَير تعب ولا نَصَب ، فيدخلُ في ذلك ما ذَكَرَه المفسِّرون مِن الصمغ الذي يُشبِه العسل ، وهو له حلاوة ، ويَدخلُ في ذلك الخُبز ، ويدخلُ في ذلك حَتَّى الكمأة المسمّى عند الناس بالفَقْع ( والفقع نوع مِن أنواع الكمأة ) ولذلك في الصحيح قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( الكمَأة مِن المَنّ الذي أنزله الله عزّ وجلّ على بني إسرائيل )
{ وَالسَّلْوَى } :
طير ، واختُلِف فيه ، والشاهدُ مِن هذا أنّه طيرٌ لذيذٌ يأكلونه مع هذا المَنّ
{ كُلُوا } :
أي قُلْنَا كُلُوا
{ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } :
فهذه طيّباتٌ رَزَقَكم الله عزّ وجلّ إيّاها .
{ وَمَا ظَلَمُونَا } :
فَمَن فَعَل الذّنب فإنّما يظلِمُ نفسَه ، والله عزّ وجلّ لا تضُرّه معصية العاصي ، ولا تنفعه طاعة المطيع
{ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } :
فالظلمُ عائدٌ عليهم .
{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } :
وهي المذكورة في سورة المائدة
{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ }
[ كما سيأتي بيان ذلك بإذن الله عزّ وجلّ في سورة المائدة ]
{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } :
وهذه القرية هي بيت المقدس على الصحيح ، وليست بِـ ( أريحاء ) كما قاله بعض المفسِّرين لأنّها ليست في طريقهم لمّا خَرجوا مِن مصر إلى الشام ، ليست في طريقهم .
وأَبعَد مِن ذلك مَن قال ( إنّ هذه القرية هي مصر ) فهذه القرية هي بيت المقدس
{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } :
يعني أكلًا رَغَدًا واسعًا لا حَجْرَ لكم في الأَكل منها ، حيثما تشتهون ، وحيثما تشاؤون .
{ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } :
أي ادخلوا باب هذه القرية وأنتم في حالة سجود
قال جملة مِن المفسِّرين : المقصود مِن ذلك أنّهم يمشون وهم في حالة انحناء ؛ لأنّ السجود متعذِّرٌ أثناء الدخول .
{ وَقُولُوا حِطَّةٌ } :
يعني احطُط عنّا ذُنوبَنا ، فهُم أُمِروا بِعبادةٍ فِعليّة ، وبِعبادةٍ قَوليّة .
{ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } أي الذنوب
{ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ }:
فهذا هو المتعيِّن عليكم ، ومَن أحسن ، فالله عزّ وجلّ محسنٌ ، وسيزيده على إحسانه
{ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }
{ فَبَدَّلَ } :
أي غيَّر
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } في سورة الأعراف
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } : أي بدَّل البعض وليس الكلّ
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } :
وُصِفوا بالظلم ، فإنّهم ظَلَمة ؛ لأنّهم بَدَّلُوا دين الله ، وابتدَعوا في شرع الله عزّ وجلّ ، وهذا يدلّ على خطورة الابتداع في شَرع الله عزّ وجلّ . ومن ابتدع شيئًا فإنّ له – نسأل الله السلامة والعافية – فإنّ له سَلَفًا ذميمًا وَهُم اليهود ،ابتَدَعوا .
ماذا صنعوا ؟
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } :
قيل لهم : قُولُوا حِطَّةٌ ( احطُط عنّا ذُنوبنا ) .
فماذا قالوا ؟ قالوا : ( حَبّةٌ في شَعَرة )
وفي رواية : ( حبّةٌ في شَعيرة )
وفي رواية : ( حِنطة ) زادوا على كلمة { حِطَّةٌ } النُّون ، وهذا هو شأن المُبتدِعة ، فإنّهم يحرّفون الكَلِم عن مواضعه ، كما فعلت المُعَطِّلة لمّا قالوا إنّ معنى قول الله عزّ وجلّ { ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ } قالوا ( استولى ) زادوا حرفًا كما زادت اليهود هذا الحرف ( هذا هو التبديل القوليّ مِن هؤلاء )
وحصل منهم تبديل للفعل { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا }
في الحديث الصحيح :
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( فدخلوا على أستائهم – أي على أوراكهم – يزحفون )
وهذا مِن العَنَت والمشقّة ، فإنّ الدخول حال الانحناء وحال السجود أيسَر ، لكنّ هؤلاء..
أيسَر مِن ماذا ؟ أيسَر مِن أن يزحفوا على أستائهم . فدلّ هذا على أنّ مَن خالف شَرع الله عزّ وجلّ فإنّه يقع في العَنَت وفي المشقّة.
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } :
ما العقوبة ؟
{ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } كرَّرَ كلمة ( ظَلَمُوا ) مِن بَيان أنّ هؤلاء ظَلَمة ، ويُستَفاد مِن ذلك أنّ مَن يَبتَدِع ظالِم ، وأنّ المُبتدِعة ظَلَمة .
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا } :
أي أنزلَ عليهم عَذَابًا ، لعلّ هذا العذاب هو الطاعون كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة .
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( الطاعون رِجزٌ ، أرسله الله عزّ وجلّ على بني إسرائيل )
{ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا بِمَا } :
( بِسَبَب ) بِسَبَب ذنوبهم .
{ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
وفي سورة الأعراف :
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ }
مِن باب بيان أنّ هؤلاء كما أنّهم ظَلَمة فهُم أيضًا فَسَقة .
وَهُنا مِن باب التنبيه ، بعد أن أعطى الله عزّ وجلّ موسى التوراة انتهى الحديث عن فِرعون وعن آل فِرعون . ولذلك بعض الناس لمّا يقرأ في قصّة موسى يظنّ أنّ مثل هذه التّعَنُّتات إنّما هي في شأن آل فِرعون .
آل فِرعون انتَهَوا .
والقِصّة إنّما هي مِن بَعْدِ قوله تعالى :
{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
إنّما هو في شأن بني إسرائيل .
{ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ } أين ؟
قال المفسِّرون في التِّيه { وَإِذِ اسْتَسْقَى } أي طلبَ السُّقيا مِن الله عزّ وجلّ لِقَوْمِهِ
{ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ } :
هذه العصا وهذا الحَجَر ، كَثُر الكلام مِن المفسِّرين في بيان أوصافهما وفي تَعيينِهما . وليس هناك دليل ، فَنُبْهِم ما أبْهَمَه القرآن . فهي عصا وكذلك هذا حجر
{ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ } :
أي سالَت . في سورة الأعراف { فَانبَجَسَتْ } قيل هُما بمعنى واحد ، وقيل ( فانبجست ) يعني في بداية السَّيَلان ، ثمّ بعد ذلك حصل الانفجار .
{ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ } مِن ماذا ؟ مِن الحَجَر { اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } على عدد أسباط بني إسرائيل ، أي على عدد قبائل بني إسرائيل { قَدْ عَلِمَ } عِلمًا واضِحًا يقينيًّا ، لا لَبسَ في رؤيته
{ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ } يعني كلّ قبيلة وكلّ سِبْط مِن أسباط بني إسرائيل
{ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } :
وهذا إن دلّ يدلّ على عظيم المِنّة منه عزّ وجلّ على هؤلاء إذ جَعَلَ لكلّ قبيلة ما يَخُصّها مِن هذا الماء . والحَجَرُ تَفَجّر منه الماء . لِـمَن ؟ لِموسى عليه السلام .
والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أُعطِيَ معجزة أعظم مِن هذه المعجزة لموسى ( إذ نبع الماء مِن بين أصابعه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لأنّه على غير المُعتاد أن يَنبَع وأن يَنصَبّ ويَتَصَبَّب الماء مِن لحمٍ ودمٍ وعظم . لكن نبعُه مِن الحَجَر ، هذا ليس بِمُستغرَب . ومع ذلك رأى الصحابة رضي الله عنهم – وهذا يدلّ على فضل صحابة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم – رَأَوْا الماء يتفجّر مِن بينِ أصابعه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، زادَهم ذلك إِيمَانًا وقُربةً مِن الله عزّ وجلّ .
{ كُلُوا } أي قُلْنَا لهؤلاء { كُلُوا } مِن ماذا ؟ مِن المنّ والسَّلوى .
{ كُلُوا وَاشْرَبُوا } مِن هذا الماء . فهو رزقٌ مِن الله
{ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }
نهاهم عن أن يعثَوا في الأرض مفسدين .
{ لَا تَعْثَوْا } أي لا تُفسِدوا ، وهوَ أشدّ الإفساد .
كرَّرَه مرّتين ، باختلاف اللفظ ، مع أنّ قوله { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أشدّ ؛ مِن باب نهي هؤلاء مِن أن يُفسِدوا في الأرض التي أَمَرَ الله عزّ وجلّ بإصلاحها . ومِن أعظم الفساد أن يُخالِفوا شرع الله عزّ وجلّ .
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ }
هو أكثر مِن طعام ( مَنّ ، وسَلوى ) لكن لمّا كانوا يأكلونه على وجه الدوام والاستمرار صار كأنّه طعامٌ واحد
{ لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ }
( يُخرِجْ ) مجزومة بفعل الأمر ( فَادْعُ )
{ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ } :
{ تُنبِتُ الْأَرْضُ } :
( والذي يُنبِتُ هو الله عزّ وجلّ ) وهذا أسلوبٌ مِن أساليب اللغة العربيّة وليس مجازًا ، وذلك باعتبار أنّ الأرض مَحَلّ النبات
{ مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ } :
( مِن ) بيانيّة : ( بَيان ) بَيان ما تُنبِتُه الأرض { مِن بَقْلِهَا } البقول معروفة { وَقِثَّائِهَا } وهو الخِيار أو نوعٌ مِن الخِيار أو شَيْءٌ يُشبِه الخِيار { وَفُومِهَا } قيل هو الثوم ؛ لأنّه يُبْدَل بين الفاء والثاء
وقيل ( الفوم ) الحِنطة ، باعتبار أنّهم يَصنعون مِن هذه الحِنطة الخُبز الذي يأكلون به هذه المأكولات .
ولا تَعارُض بينها فهو ( ثوم ) باعتبار أنّه مجموع مع البصل والبقول ، وأيضًا باعتبار أنّ هذه الأشياء تُؤكل ويُستَلَذّ أكلُها بالخبز { وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا }
{ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }
سبحان الله ! عادوا إلى طبائعهم الدّنيئة التي اعتادوا عليها في مِصر ( مِن البصل والثوم والبقول والقِثّاء )
{ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي } : استفهام ، يُنكِرُ عليهم ، ويُعظِّم هذا الأمر الذي طلبوه .
{ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }
ما هو الذي هو خير ؟
( المنّ والسَّلوى ) وهو خير باعتبار أنّه مِنّة مِن الله عزّ وجلّ عليهم ، وهو خير باعتبار أنّه سَالِم مِن الذُّنوب والشُّبُهات ؛ لأنّ مِثل ما يخرج مِن الأرض قد يعتريه ما يعتَريه مِن الكذب وما يعتريه من الغِشّ ممّا هو معلوم بين الناس ، لكنّ هذا مِن الله عزّ وجلّ ، وهذا يدلّ على أنّ بعض الأطعمة فيها دُنُوّ ، وبعضها فيها خير
{ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا }
{ اهْبِطُوا مِصْرًا } :
يعني أيّ مِصْر مِن الأمصار وأيّ بلد مِن البلدان تجدون . ماذا ؟ تجدون هذه الأطعمة فهي مُتيسِّرة وسهلة ؛ ولذلك قال { اهْبِطُوا مِصْرًا } نَوَّنَها : تَصدُق على أيّ مِصر ، لكن لو أنّه لَم يُنَوِّنْها ، فإنّها تصدُق على مِصر المعروفة .
مع أنّ بعض المفسِّرين قال ولو نُوِّنَتْ فالمقصود مِن ذلك ( مِصْر ) وهذا بعيد باعتبار أنّ اللفظ مُنَوَّن ، وباعتبار أنّهم بعيدون عن مصر .
{ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ } :
ما سألتموه سهلٌ موجود في أيّ مصر وفي أيّ مكان .
{ وَضُرِبَتْ } :
ضُرِبتْ : مِن الضرب الذي يكون على العُمْلات ، يُضرَب عليها ويُنقَشُ عليها ، فهذا الضرب لا يزول . ضُرِبَتْ
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } الذُّلّ والهوان { وَالْمَسْكَنَةُ } الفقر . فهؤلاء بِهم مِن الذِّلَّة وبِهم مِن الفقر ، حتّى ولو كانوا أكثرَ الناس عدَدًا وقوّةً ، حتّى لو كانوا
مع أنّ اليهود مِن أغنى الناس مِن حيث وَفرة الأموال لكنّهم مع ذلك هُم فقراء . أذَلّهم الله عزّ وجلّ بهذا الذلّ وبهذا الفقر .
( المسكنة ) الفقر ، وسُمِّيَ الفقر بالمسكنة ، لأنّ الفقير يُسكِنُه الفقر ويجعله ضَعِيفًا مُستكينًا .
{ وَبَاءُوا } :
أي رَجَعوا { بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ } هذه هي نهاية مَن خالفَ أَمْر الله عزّ وجلّ ، فإنّ الله يَغضب عليه . وهذه صفة مِن صفاته عزّ وجلّ ( صفة الغضب ) كما تليق بجلاله وبِعظَمته ، ليست كما تُحرَّف ، ليس معناها أنّه يَنتقم أو أنّه مِن آثار الانتقام ، أو سُرعة الانتقام ، وإنّما صفة تليق بِجلالِه وبِعظَمَته .
{ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ .. }
السَّبب ؟
{ ذَلِكَ } :
أي ما جرى لهم وما حَكَم به عليهم عزّ وجلّ ، { بِأَنَّهُمْ } بِسبب أنّهم
{ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } يتعدَّون على حقّ الله عزّ وجلّ
{ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ } تعدّي على حقّ الأنبياء .
{ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أصلًا قَتْل الأنبياء هُوَ بغير حقّ مُطلَقًا ، هو بغير حقّ ، ولكن أُتِيَ بكلمة { بِغَيْرِ الْحَقِّ } مِن باب تشنيع فِعل هؤلاء : كيف يُقدِمون على قَتْل رُسُل الله .
وقَتْل هؤلاء الرُّسُل مِن هؤلاء اليهود ، إنّما هُوَ ابتلاء وامتِحان لهؤلاء الأنبياء ورِفعة لدرجاتهم .
{ ذَلِكَ } الحُكْمُ عليهم السابِق { بِمَا عَصَوا } بِسَبَب العِصيان ، وهوَ الوُقوع في الذَّنـب
{ وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ } أي يتجاوزون ، وجمع بين قوْلِه { بِمَا عَصَوا } وقوله { يَعْتَدُونَ } مِن باب أنّ العِصيان ( هو الوقوع في الذَّنـب ) والاعتداء ( التفريط في الْوَاجِب ) فهؤلاء جمعوا بين هاتين الخَصلتَين الذّميمَتَين ، لَمْ يَترُكوا ما نهى الله عزّ وجلّ عنه ، وَلَمْ يَمْتَثِلوا ما أمَرَ الله به عزّ وجلّ
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } لمّا ذَكَرَ هؤلاء ، قد يُظَنّ مِن أنّ هؤلاء اليهود ، مِن أنّهم كُلَّهم بهذه الصفات ، فقال عزّ وجلّ مُبيّنًا حالَهم وحال الطوائف الأخرى
والصحيح أنّهم لَيسُوا على دِين مِن هذه الأديان ، وإنّما هؤلاء صابِئة حُنَفاء ، وهناك صابِئة مشركون كما قال ابن القيّم رحمه الله .
( صابئة حُنفاء ) بمعنى أنّهم يأخذون مِن كلّ دِين ما هو حَسَن ، ولذلك يقول الكفّار لِـمَنْ أسلمَ ( هذا صابِئ ، أَصَبِئتَ ) فهؤلاء خرجوا مِن جميع الأديان ، وأخذوا مِن كلّ دِين ما هُوَ خَيْر
{ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } كرَّرَ الإيمان . لِمَ ؟
لأنّ هؤلاء مَن أدركَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَلَمْ يؤمن لن ينفعَه إيمانَه، قَيّدَ هُنا ( أنّ مَن أدركَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيَجِبُ عليه أن يؤمن به ، وإلّا فإنّ إيمانه السابق لا ينفَعُه ، ولذلك قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيح مسلم ( والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه ، لا يسمَعُ بي مِن هذه الأُمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ لَمْ يؤمِن بي إلّا كان مِن أهل النار )
{ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا } والإيمان يَتضمّن العمل الصالح ، فَأُفْرِد لأهمّيّته .
{ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } أي ثوابهم { عِندَ رَبِّهِمْ } وأعظِمْ بِه مِن أجر ؛ لأنّه مِن عند الله .
{ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } :
فيما يَستقبِلونه في دُنياهم وفي أُخراهم { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فيما مَضى ، فَنَفى عنهم الْخَوْف ، ونفى عنهم الحُزن . وَهُنا حصل لهم المَرغوب المَحبوب { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } وزال عنهم المَخُوف المكروه فَلَا خوفٌ علَيهم ولا هُمْ يحزنون.
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } :
المَواثيق التي أخذَها الله عزّ وجلّ على بني إسرائيل ، وهي مَواثيق كثيرة مَرّ بعضُها ، وسيأتي بعضُها .
{ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ } :
أي الجبل وذلك لأنّه لمّا أتى موسى بالتوراة رفضوا أن يَقبلوها ، فَرَفَعَ الله عزّ وجلّ عليهم الجَبَل ، ولذلك كما سيأتي في سورة الأعراف
{ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا }
أي قُلْنَا خُذُوا { مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ }
{ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم } أي قُلْنَا خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم { بِقُوَّةٍ } بِجِدّ وَبِعَزيمة . بِحَيث تعملون بهذا الْكِتَاب
{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } اذكروا ما فيه ممّا أَوْجَبَه الله عزّ وجلّ عليكم ، ولِتَعمَلوا به { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فَمَن أخذ بِشَرع الله عزّ وجلّ وعَمِل به اتَّقَى الله عزّ وجلّ ، وأتى بكلمة
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } رجاءَ أن تَتَّقُوا الله عزّ وجلّ ، فالإنسان ضعيف على رجاءٍ مِن الله عزّ وجلّ لكي يُعينه على أن يأخذ بِشَرع الله عزّ وجلّ
{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } أي أعرضتم وانصرفتم مِن بعد ذلك { فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } إذ أخَّرَ عنكم العذاب ، وإلّا ما العاقبة ؟ { لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } الذي وقع في الخسران وفي المهانة .
{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ }
{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا } أي تجاوَزَوا
{ فِي السَّبْتِ } :
وهي قرية قُرْب البحر . نهاهم الله عزّ وجلّ عن أن يصيدوا في يوم السبت ، فابتلاهم الله عزّ وجلّ ، فأصبحت الحيتان لا تأتي إلّا يوم السبت ، لكنّهم تَحايَلوا ، فكانوا في يوم الجمعة يضعون الشباك ويحفُرون الحُفَر ، ثمّ بعد ذلك إذا أتى يوم الأحد أخذوها
{ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } :
هذا تذكير لِمَن في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِحال أسلافهم ، وَنَسَبَ الفِعل إليهم لأنّ هؤلاء رَضُوا بما رَضِيَ به وفَعَلَهُ أسلافُهم ، فكان الحُكم كَحُكمِهم .
{ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } :
مَسَخَهم الله عزّ وجلّ ، فجعلهم قِرَدَة ، وأيّ قِرَدة بأنّهم خَسِئوا ، أصبحوا خاسئين ذَليلِين .
وهذه القِرَدة الموجودة ليست مِن نَسْل أولئك الذين مُسِخوا . لا ، خَلْقٌ آخر ، ولذلك – وهذا على الصحيح مِن أقوال العلماء – قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند مسلم ( إنّ الله لَمْ يَجعل لِـمَسخٍ نَسلًا )
{ فَجَعَلْنَاهَا } :
أي هذه العقوبة { نَكَالًا } نكالًا : أي مانِعة وعِبرة { نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } أي مِمّن حَضَر في زمانهم { وَمَا خَلْفَهَا } لِمـَن يأتي بعد زمانهم .
وكذلك : جعلناها { نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } أي في المكان { وَمَا خَلْفَهَا } يعني ما بين أمامَها ، ما بين الأمام مِن الْقُرَى وخَلْف هذه القرية . كما قال تعالى :
{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى }
{ وَمَوْعِظَةً } أي عِظة { لِّلْمُتَّقِينَ } خُصُّوا بذلك ؛ لأنّ المُتَّقِين هُمُ الذين ينتفعون بِالعِظَة