تفسير سورة الأعراف
من الآية (127) إلى الآية (142)
الدرس ( 109 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَومَهُ لِيُفسِدوا فِي الأَرضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبناءَهُم وَنَستَحيي نِساءَهُم وَإِنّا فَوقَهُم قاهِرونَ﴾ (الأعراف: ١٢٧ )
قوله تعالى :﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ موسى﴾ يعني بعد ما حصل ما حصل من إيمان هؤلاء السحرة ومن سجود هؤلاء السحرة ﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ﴾ يحرضونه؛ يحرضونه حتى لا تذهب رئاستهم ﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ موسى﴾ أي: أتترك موسى ﴿أَتَذَرُ موسى وَقَومَهُ لِيُفسِدوا فِي الأَرضِ﴾ سبحان الله انطمست البصائر، إذًا صار الدين عند هؤلاء من أنه فساد في الأرض، ولذا قالها قبلهم رئيسهم فرعون: ﴿وَقالَ فِرعَونُ ذَروني أَقتُل موسى وَليَدعُ رَبَّهُ إِنّي أَخافُ أَن يُبَدِّلَ دينَكُم أَو أَن يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسادَ﴾ (غافر: ٢٦ )
﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَومَهُ لِيُفسِدوا فِي الأَرضِ﴾ وهم المفسدون حقيقة، ولذا قال عز وجل كما مر معنا في الآيات السابقات ﴿وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها﴾ (الأعراف: ٥٦ ) في نفس هذه السورة.
﴿أَتَذَرُ موسى وَقَومَهُ لِيُفسِدوا فِي الأَرضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ أي: ويتركك وآلهتك دل هذا على ماذا؟ على أنه جعل لهم آلهة وقال إني إله لهذه الآلهة فاعبدوها ولذا قالوا هنا: ﴿ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ﴾ فرعون ﴿سَنُقَتِّلُ﴾ سنقتل؛ من باب التشديد والتعظيم، وكثرة التقتيل لأنه لم يقل سَنَقْتُل ﴿سَنُقَتِّلُ﴾ وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على أن الإنسان إذا لم يوفقه الله عز وجل قد يفعل ما يفعل من الطغيان حتى تبقى له دنياه وحتى يبقى له ملكه وتبقى له رئاسته وجاهه وماله ولذا فرعون لما أتاه الحق مع أنه حق واضح إلا أنه قال: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبناءَهُم وَنَستَحيي نِساءَهُم وَإِنّا فَوقَهُم قاهِرونَ﴾ يعني نحن فوقهم غالبون، وسنقهرهم ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾.
___________________________
﴿قالَ موسى لِقَومِهِ استَعينوا بِاللَّهِ وَاصبِروا إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾ (الأعراف: ١٢٨ )
﴿قالَ موسى لِقَومِهِ﴾ لما رأى هذا القول منه ﴿قالَ موسى لِقَومِهِ استَعينوا بِاللَّهِ وَاصبِروا﴾ عليكم أن تستعينوا بالله عز وجل وأن تتوكلوا عليه وأن تصبروا لأن هذا التخويف مآله إلى الزوال ﴿قالَ موسى لِقَومِهِ استَعينوا بِاللَّهِ وَاصبِروا إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ بمعنى أن هذه الأرض لا تكون لمن أفسد. حال فرعون كحال الأمم السابقة فإنهم أهلكهم الله عز وجل ولذا ماذا قال تعالى : ﴿ وَلَقَد كَتَبنا فِي الزَّبورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحونَ ﴾ (الأنبياء: ١٠٥ )
على أحد القولين كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى.
﴿ إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾ العاقبة الحسنة لمن اتقى الله عز وجل فعليكم أن تتقوا الله وكيف تصلون إلى التقوى؟ بالاستعانة بالله وبالصبر ولذا قال: ﴿وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾
___________________________
﴿قالوا أوذينا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنا وَمِن بَعدِ ما جِئتَنا قالَ عَسى رَبُّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم فِي الأَرضِ فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلونَ﴾ (الأعراف: ١٢٩ )
﴿قالوا أوذينا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنا وَمِن بَعدِ ما جِئتَنا﴾ هذه يدل على ماذا؟ يدل على أنهم أوذوا من قِبَلِ فرعون كما ذكر عز وجل في سورة البقرة و كما سياتي في سورة البقرة﴿وَإِذ نَجَّيناكُم مِن آلِ فِرعَونَ يَسومونَكُم سوءَ العَذابِ يُذَبِّحونَ أَبناءَكُم وَيَستَحيونَ نِساءَكُم﴾ (البقرة: ٤٩ ) فلما أتى موسى ماذا صنع فرعون؟ جدد ماذا؟ جدد القتل وجدد الاستحياء مرة أخرى ولذا ماذا قالوا له؟ ﴿قالوا أوذينا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنا وَمِن بَعدِ ما جِئتَنا قالَ عَسى رَبُّكُم﴾
﴿قالَ عَسى رَبُّكُم﴾يعني التجئوا إلى الله،
وأيضا قال عسى من باب ماذا؟، من باب أنهم يعلقون قلوبهم بالله عز وجل ويطمعون في رحمته ﴿قالَ عَسى رَبُّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم فِي الأَرضِ﴾ يعني يستخلفكم في الأرض بعد هؤلاء ولذا ماذا قال عز وجل؟ ﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ﴾ (القصص: ٥ ) ﴿قالَ عَسى رَبُّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم فِي الأَرضِ فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلونَ﴾ بعد أن ترثوا هذه الأرض من هؤلاء ينظر الله عز وجل وهو عالم قبل ذلك من حيث الأزل بحالكم لكن هنا نظر يترتب عليه الجزاء والحساب هل تشكرون الله على هذه النعمة؟ أم أنكم تكفرون كحالِ غيركم ﴿فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلونَ﴾
___________________________
﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾ (الأعراف: ١٣٠ )
﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ﴾ انتبه ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ﴾ سياقٌ يتعلق بمن؟ يتعلق بفرعون، يتعلق بفرعون؛ لأن بعضاً من الناس يقرأ هذه السورة فيظن أن قوله: ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ﴾ قد يظن أن المقصود من ذلك هم بنو إسرائيل السياق هنا في شأن ماذا؟ في شأن آل فرعون ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ﴾ ولم يذكر فرعون لأن فرعون ما فعل آلُهُ هذا الفعل إلا بأمره فهو مأخوذٌ معهم في هذا العذاب ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ﴾ أي بالجدب ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ﴾ أي بالجدب والقحط ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾ لعلهم يذكرون فلعلهم أن يعودوا إلى الله
فالله عز وجل أرسل عليهم هذا الأمر من باب أن يتضرعوا ولذا ماذا قال عز وجل؟ كما مر معنا في نفس السورة﴿وَما أَرسَلنا في قَريَةٍ مِن نَبِيٍّ إِلّا أَخَذنا أَهلَها بِالبَأساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعونَ﴾ (الأعراف: ٩٤ ) ﴿وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾ لكن طبيعة هؤلاء:
___________________________
﴿فَإِذا جاءَتهُمُ الحَسَنَةُ قالوا لَنا هذِهِ وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّروا بِموسى وَمَن مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُم عِندَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾ (الأعراف: ١٣١ )
﴿فَإِذا جاءَتهُمُ الحَسَنَةُ﴾ وهي الحالة الحسنة من نعمة وصحة وما شابه ذلك ﴿قالوا لَنا هذِهِ﴾ يعني نحن نستحق هذه ﴿ وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ﴾ وهي الحالة السيئة التي تسوؤهم من مرض وفقر ونقص من الثمرات، وما شابه ذلك ﴿وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّروا بِموسى وَمَن مَعَهُ﴾ أي يتشاءمون بموسى ومن معه فيقولون هذا بسبب مجيئك ﴿وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّروا بِموسى وَمَن مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُم عِندَ اللَّهِ﴾ طائرهم هو الذي قدره الله وكتبه الله بسبب أعمالهم ﴿ما أَصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ﴾ (النساء: ٧٩ ) ﴿أَلا إِنَّما طائِرُهُم عِندَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾ لا يعلمون هذا الأمر ولذا قالوا هذا القول فلو كان لديهم علم بعظمة الله وبحكمة الله ما قالوا هذا القول وتأمل هنا قال ﴿فَإِذا جاءَتهُمُ الحَسَنَةُ﴾ لما ذكر الحسنة أتى بـكلمة (ال) وأتى معها بكلمة (إذا) التي تدل على تحقق الوقوع أو كثره الوقوع ﴿فَإِذا جاءَتهُمُ الحَسَنَةُ قالوا لَنا هذِهِ﴾ ولما أتى إلى السيئة ﴿وَإِن﴾ أتى بكلمة (إن) التي تدل على قلة الوقوع ﴿وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ﴾ ولم يأت بـ (ال) ، مما يدل على أن نِعَمَ الله عز وجل كثيرة على العباد وهي وافرة العظمة وإنما السيئة مما يسوء الإنسان إنما هو قليل ولذا ماذا قال تعالى﴿وَما أَصابَكُم مِن مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَت أَيديكُم وَيَعفو عَن كَثيرٍ﴾ (الشورى: ٣٠ ) ﴿وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾
___________________________
﴿وَقالوا مَهما تَأتِنا بِهِ مِن آيَةٍ لِتَسحَرَنا بِها فَما نَحنُ لَكَ بِمُؤمِنينَ﴾ (الأعراف: ١٣٢ )
﴿وَقالوا مَهما﴾ وقالوا: وهذا يدل على جهلهم ﴿وَقالوا مَهما﴾ ويدل على طغيانهم مهما اسم شرط يدل على العموم ﴿وَقالوا مَهما تَأتِنا﴾ ولذا جُزِمَتْ هنا ﴿وَقالوا مَهما تَأتِنا بِهِ مِن آيَةٍ﴾ وأكد الآية بـ (من) ﴿مِن آيَةٍ لِتَسحَرَنا بِها فَما نَحنُ لَكَ بِمُؤمِنينَ﴾ أيُّ طغيانٍ بعد هذا يقولون: أي آية مهما عظمت لو أتيت بها لو أتيت بالآيات كلها فإننا لن نؤمن لك لأنك ماذا؟ لأنك صاحب سحر مع أنه أتاهم ما أتاهم من العذاب من الجدب ومن نقص من الثمرات لعلهم أن يتعظوا لكن نسأل الله السلامة والعافية ﴿وَقالوا﴾ من؟ آل فرعون ﴿وَقالوا﴾ لأن ما يتعلق ببني إسرائيل لم يأتِ بعد فتنبه بعض الناس يقرأ سورة الأعراف ويظن أن هذا الحديث يخصُّ بني إسرائيل -الحديث هنا يخص آل فرعون- بنو إسرائيل سيأتي الحديث عنهم بعد قوله عز وجل ﴿وَأَورَثنَا القَومَ الَّذينَ كانوا يُستَضعَفونَ مَشارِقَ الأَرضِ وَمَغارِبَهَا الَّتي بارَكنا فيها وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنى عَلى بَني إِسرائيلَ بِما صَبَروا وَدَمَّرنا ما كانَ يَصنَعُ فِرعَونُ وَقَومُهُ وَما كانوا يَعرِشونَ – وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ﴾ (الأعراف: ١٣٧- ١٣٨ ) بعد المجاوزة من البحر أتى الحديث عن بني إسرائيل وما صنعوه من التكذيب والكفر وما شابه ذلك مع نبيهم موسى ﴿وَقالوا مَهما تَأتِنا بِهِ مِن آيَةٍ لِتَسحَرَنا بِها فَما نَحنُ لَكَ بِمُؤمِنينَ﴾ لما قالوا هذا القول أتى ماذا؟ أتى من الآيات بـ”فاء التعقيب”؛
___________________________
﴿فَأَرسَلنا عَلَيهِمُ الطّوفانَ وَالجَرادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاستَكبَروا وَكانوا قَومًا مُجرِمينَ﴾ (الأعراف: ١٣٣ )
﴿فَأَرسَلنا عَلَيهِمُ الطّوفانَ وَالجَرادَ﴾ الطوفان وهو الماء الذي امتلأ في بيوتهم وفي أماكنهم ﴿الطّوفانَ﴾ وقال بعضهم هو الطاعون ﴿الطّوفانَ وَالجَرادَ﴾ فأتى على ما أتى عليهم وأضر بهم من زروعهم وحروثهم وما شابه ذلك ﴿ وَالجَرادَ وَالقُمَّلَ﴾ القُمَّل: أصيبوا بـالقُمَّل الذي هو معروف يأتي في الرأس مما يتأذى به الإنسان وقيل هي سوسة ماذا؟ سوسة الحبوب فأفسدت هذه الحبوب ﴿ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ﴾ امتلأت عندهم الضفادع فتضرروا بذلك ﴿وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ﴾ الدم أُرسِل عليهم حتى اختلط بما يتعلق بمصالحهم من مياه ونحو ذلك، وقيل هو الرُّعاف: الدم الذي يخرج من الأنف فيكون هنا مرض﴿وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ﴾ آيات وعلامات مفصلات واضحات.
وقيل: مفصلات أي أن بين كل آية وأخرى زمن ولا مانع من دخول هذين القولين، مفصلات، فما هو الحال ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ لأنهم من حيث القدم أصحاب جُرم ولذا لم تنفع معهم هذه الآيات.
___________________________
﴿وَلَمّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرِّجزُ قالوا يا موسَى ادعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفتَ عَنَّا الرِّجزَ لَنُؤمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرسِلَنَّ مَعَكَ بَني إِسرائيلَ﴾ (الأعراف: ١٣٤ ).
﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ الرجز: هو العذاب، قيل هو العذاب السابق، وقيل هو الطاعون، فهو العذاب السابق، فإنه بعد كل نزول آية، طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعو الله عز وجل، حتى يزيل عنهم هذا العذاب﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ ، أي بما أكرمك من النبوة، وبما أكرمك من إجابة دعوتك ﴿بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ﴾ وهنا وعدوه بأن يؤمنوا به وأن يطلقوا سراح بني إسرائيل من هذا العذاب ﴿وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
___________________________
﴿فَلَمّا كَشَفنا عَنهُمُ الرِّجزَ إِلى أَجَلٍ هُم بالِغوهُ إِذا هُم يَنكُثونَ﴾ (الأعراف: ١٣٥ )
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ﴾ أي:العذاب ﴿إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ﴾ إلى زمن إغراقهم ﴿إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ﴾ كما قال عز وجل ﴿ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ (الأعراف: ٣٤ ) كما مر معنا في نفس هذه السورة، فقال عز وجل: ﴿إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ ينقضون هذا العهد لما قالوا: ﴿ لَنُؤمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرسِلَنَّ مَعَكَ بَني إِسرائيلَ﴾ (الأعراف: ١٣٤ ) ولذا قال عز وجل عن هؤلاء: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ﴾ وصفوه بالساحر لأغراضٍ ستذكر في موطنها، من بينها: التعظيم له؛ لأن السحر عندهم هو تعظيم فوصفوه: ﴿وَقالوا يا أَيُّهَ السّاحِرُ ادعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِندَكَ﴾ (الزخرف: ٤٩ ) فقال هنا: ﴿ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾
___________________________
﴿فَانتَقَمنا مِنهُم فَأَغرَقناهُم فِي اليَمِّ بِأَنَّهُم كَذَّبوا بِآياتِنا وَكانوا عَنها غافِلينَ﴾ (الأعراف: ١٣٦ )
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ فانتقمنا منهم جزاء ما فعلوه ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ﴾ أي في البحر﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أي بسبب التكذيب ﴿أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ في غفلة عن تلك الآيات
___________________________
﴿وَأَورَثنَا القَومَ الَّذينَ كانوا يُستَضعَفونَ مَشارِقَ الأَرضِ وَمَغارِبَهَا الَّتي بارَكنا فيها وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنى عَلى بَني إِسرائيلَ بِما صَبَروا وَدَمَّرنا ما كانَ يَصنَعُ فِرعَونُ وَقَومُهُ وَما كانوا يَعرِشونَ﴾ (الأعراف: ١٣٧ )
﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ﴾ من؟ بنو إسرائيل ، ولذا كما مر معنا: ﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ قال هنا، ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ وهم بنو إسرائيل ، يستضعفون بالقتل و باستحياء النساء﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ﴾ أي ورثوا مشارق الأرض ومغاربها.
قال بعض العلماء: المقصود من ذلك أنهم ماذا؟ ورثوا ماذا؟ أرض الشام. أرض الشام، وهناك قول آخر، لما ذكر المشرق والمغرب من أنهم ورثوا ﴿مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ﴾ مصر والشام وهذا هو الأظهر، ولذا قال عز وجل: ﴿كَم تَرَكوا مِن جَنّاتٍ وَعُيونٍ وَزُروعٍ وَمَقامٍ كَريمٍ وَنَعمَةٍ كانوا فيها فاكِهينَ﴾ إلى أن قال ﴿وَأَورَثناها قَومًا آخَرينَ﴾ (الدخان: ٢٥-٢٨ )
وفي آية أخرى ﴿وَأَورَثناها بَني إِسرائيلَ﴾ (الشعراء: ٥٩ ) فقال هنا، ﴿مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ أي جعل الله فيها البركة، ولعل من قال الشام، باعتبار أن البركة، ذكرت في القران فيما يتعلق في الشام، كما قال عز وجل: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ قلت ولا مانع من حصول البركة منه عز وجل في مصر كما في الشام باعتبار البركة التي تخصها فيما يتعلق بالمياه الموجودة فيها والزروع، كما قال عز وجل عن هؤلاء ﴿كَم تَرَكوا مِن جَنّاتٍ وَعُيونٍ وَزُروعٍ وَمَقامٍ كَريمٍ﴾ (الدخان: ٢٥-٢٦ )﴿وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي﴾ ولاشك أن وجود الأنهار والزروع من بركه الله عز وجل.
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ﴾ وُصِفت كلمة الله بأنها هي الحسنى وذلك كما قال عز وجل ﴿وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا ﴾ (الأنعام: ١١٥ ) فهي حسنى باعتبار أن الخبر صَدَق، وباعتبار أن حكم الله عز وجل عدل صدقاً في أخباره، عدلاً في أحكامه، نعم فما قاله عز وجل، الكلمة هنا ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ﴾ الكلمة هنا هي ما ذكره عز وجل ﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنهُم ما كانوا يَحذَرونَ﴾ (القصص: ٥-٦ ) ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ أي: بسبب صبرهم، فهنا هذه الآية توضح من أن موسى لما قال لقومه استعينوا بالله واصبروا هل صبروا أم لا، صبروا لم؟ لهذه الآية ﴿عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا﴾ أي: وأهلكنا﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ ما كانوا يصنعونه في بلاد مصر مما يصنعونه مما يتعلق بمُتع الدنيا﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ أي ما كانوا يرفعونه من القصور والأبنية العالية، كما قال فرعون ﴿ يا هامانُ ابنِ لي صَرحًا﴾ (غافر: ٣٦ )﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾
___________________________
﴿وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتَوا عَلى قَومٍ يَعكُفونَ عَلى أَصنامٍ لَهُم قالوا يا موسَى اجعَل لَنا إِلهًا كَما لَهُم آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُم قَومٌ تَجهَلونَ﴾ (الأعراف: ١٣٨ )
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ﴾ انتهى ما يتعلق بفرعون وبقومه، وما جرى منهم من طغيان وكفر وتكذيب لمن؟ لموسى عليه السلام وما حل بهم من عذاب الله، هنا من هذه الآيات، يبدأ ماذا؟ يبدأ بيان طغيان وضلال وكفر وتكذيب بني إسرائيل بعد أن أنعم الله عليهم بأن مكنهم في الأرض وخلصهم من فرعون، هنا يأتي ما يأتي منهم من الكبر والطغيان
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ﴾ ﴿وَجَاوَزْنَا﴾ أي: جاوز الله عز وجل، وأنقذ بني اسرائيل قال ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ﴾ بمعنى: أن هذا من فضل الله عز وجل وإلا لن يستطيعوا! لم؟ لأنه بحر لكن كما قال عز وجل﴿فَلَمّا تَراءَى الجَمعانِ قالَ أَصحابُ موسى إِنّا لَمُدرَكونَ قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ﴾ (الشعراء: ٦١-٦٣ ) وكما مر معنا في سورة البقرة ﴿وَإِذ فَرَقنا بِكُمُ البَحرَ فَأَنجَيناكُم وَأَغرَقنا آلَ فِرعَونَ وَأَنتُم تَنظُرونَ﴾ (البقرة: ٥٠ ) وسياتي بيان أكثر لهذا بإذن الله في سور قادمة، قال هنا ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ﴾ أي يلازمون ﴿يَعكُفونَ عَلى أَصنامٍ لَهُم﴾ هذه هي البداية بداية ماذا؟
أنقذهم الله عز وجل، بسبب ماذا؟ بسبب ما منَّ الله عز وجل به عليهم من الصبر، وبما منَّ عليهم من إرسال ماذا؟ موسى عليه السلام﴿يَعكُفونَ عَلى أَصنامٍ لَهُم قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا﴾ سبحان الله لم يقولوا له مستأذنين لنتخذ إلها، بل إنهم أمروه أن يجعل هو لهم إلها، سبحان الله ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ فماذا قال موسى؟ ﴿ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ عمم الجهل؛ فهذا جهل: أي جهلتم بعظم ما أتيتُ به من التوحيد وجهلتم ونسيتم نعمة الله عز وجل عليكم فيما مضى، فأي جهل بعد هذا الجهل إذا وقعتم في هذا الأمر فأنتم جهال في كل شيء﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
___________________________
﴿إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُم فيهِ وَباطِلٌ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ (الأعراف: ١٣٩ )
﴿ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ﴾ الذين يعبدون الأصناف﴿إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ﴾ التتبير هو الهلاك، أي: أن هؤلاء سيهلكون بسبب ما هم فيه ﴿ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيه﴾ هلاك هم ما هم فيه، هذا هو الهلاك ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عملهم باطل، ومن البطلان أيضاً من أن هذه الأصناف لا تجلب لهم نفعاً ولا تدفع لهم ضرا﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
___________________________
﴿قالَ أَغَيرَ اللَّهِ أَبغيكُم إِلهًا وَهُوَ فَضَّلَكُم عَلَى العالَمينَ﴾ (الأعراف: ١٤٠ )
﴿قَالَ ﴾ يعني موسى ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ ﴿أغير الله﴾ استفهام انكاري وفيه تعجب ﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ سبحان الله، فضلكم على العالمين يعني على عالَمِي زمانهم، لأن أمة مُحمد صلى الله عليه و آله وسلم أفضل منهم، لكن كيف يكون هذا؟ أن أطلب لكم إلهًا غير الله عز وجل وقذ فضلكم بتلك النعم التي فضلكم بها على عالَمِي زمانكم
___________________________
﴿وَإِذ أَنجَيناكُم مِن آلِ فِرعَونَ يَسومونَكُم سوءَ العَذابِ يُقَتِّلونَ أَبناءَكُم وَيَستَحيونَ نِساءَكُم وَفي ذلِكُم بَلاءٌ مِن رَبِّكُم عَظيمٌ﴾ (الأعراف: ١٤١ )
﴿وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ تذكيرٌ لهم بماذا؟ تذكيرٌ لهم بنعمة الله عز وجل عليهم، قال بعض المفسرين إن قوله ﴿وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم﴾ مثل قوله تعالى في سوره البقرة كما مر معنا﴿وَإِذ نَجَّيناكُم﴾ (البقرة: ٤٩ ) هذا خطاب لبني إسرائيل الذين هم في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم، يذكرهم بما أنعم الله به على أسلافهم، وقال بعض العلماء لا، هذا من موسى لقومه الحاضرين ولعله هو الأظهر لأن السياق ماذا؟ سياق يتعلق بهم وحتى يكون ماذا؟ من أن تلك النعم ذُكر بها من هم في عصر موسى وأيضا ذكر بها بنو إسرائيل الذين في عصر النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ﴿وَإِذ أَنجَيناكُم مِن آلِ فِرعَونَ يَسومونَكُم سوءَ العَذابِ يُقَتِّلونَ ﴾ التشديد: ﴿يُقَتِّلونَ﴾ وهو نوع من أنواع الذبح كما قال تعالى: ﴿يُذَبِّحونَ أَبناءَكُم﴾ (البقرة: ٤٩ ) ولعل القول هنا ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ إما أن يكون: أن فرعون صنع ببعضهم الذبح وببعضهم القتل ويمكن أن يكون المقصود هنا من أن التقتيل هنا، ما جرى من الوعيد إن وقع من فرعون﴿ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبناءَهُم وَنَستَحيي نِساءَهُم﴾ (الأعراف: ١٢٧ ) فعلى كل حال، سواءٌ قيل بهذا أو بهذا فالشاهد من هذا أنه موت؛ تذبيح أو تقتيل ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ ومرت هذه الآية معنا في سورةِ البقرة؛ لكن هنا قال ﴿ وَإِذ أَنجَيناكُم ﴾ وهناك ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم﴾ فلم أر أحداً من المفسرين تحدث عنها فلعل المعنى يكون واحدا، لكن اختلف من باب التنويع في الأسلوب أو والعلم عند الله من أن قوله ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم﴾ لما كان خطاباً لمن في عصر النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ﴿وإذ نجيناكم﴾ والخطاب هنا على الأظهر كما استظهرناه من أنه خطاب لمن؟ لمن في عصر موسى فأتى من باب ماذا؟ التنويع والاختلاف في الأسلوب من أجل أن يكون الإنسان حاضر القلب -والعلم عند الله- ﴿ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾
___________________________
﴿وَواعَدنا موسى ثَلاثينَ لَيلَةً وَأَتمَمناها بِعَشرٍ فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ أَربَعينَ لَيلَةً وَقالَ موسى لِأَخيهِ هارونَ اخلُفني في قَومي وَأَصلِح وَلا تَتَّبِع سَبيلَ المُفسِدينَ﴾ (الأعراف: ١٤٢ )
﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ إذن قوله عز وجل كما مر معنا في سورة البقرة: ﴿وَإِذ واعَدنا موسى أَربَعينَ لَيلَةً﴾ (البقرة: ٥١ ) إذن ثلاثون ليلة ثم أكملت بعشر ومر معنا تفصيلها في سورة البقرة ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ أي كن خليفة من بعدي على قومي ﴿وَأَصلِح﴾ أي ليكن ما تفعله هو الإصلاح، وهذا يدل على أن من ولي ولاية سواء كانت خاصة أو عامة فإن الواجب عليه أن: ماذا؟ أن يكون متبعاً لما هو أصلح لرعيته وأيضا لا يكون صلاحاً لرعيته إلا بما جاء به الشرع ﴿ وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ أي ولا تتبع طريقة المفسدين وهذا أيضاً فيه التنبيه على أن الإنسان لا يتخذ إلا بطانة صالحة وعليه أن لا يَتْبَع من يأمر بالفساد وبالإفساد، ولما قال ﴿وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ كأنه استشعر من أن قومه سيكون منهم ما يكون فنبهه على هذا الأمر مع أن هارون سيكون مصلحاً ولن يتبع سبيل المفسدين لكن هذا من باب التذكير، فلعله استشعر موسى من أن قومه سيفعلون شيئاً يخالف الدين﴿وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ .