التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية (167) إلى (179) الدرس (112)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأعراف من الآية (167) إلى (179) الدرس (112)

مشاهدات: 499

﴿ بسم الله الرحمن الرحيـــــــم ﴾

تفسير سورة الأعراف من آية (167) إلى آية ( 179 )

الدرس ( 112 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى أله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين ، اما بعد…

فكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل :

 

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} آية 167 الأعراف.

{وَإِذْ تَأَذَّنَ} أي واذكر يا محمد { إِذْ تَأَذَّنَ} أي أعلمَ ربك أذكر وذكّر هؤلاء اليهود الذين في عصرك { إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ }  أي أعلمَ ربك { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } مما يدل على أن السياق سياق قسم وجود اللام { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ذكر هنا ما يتعلق بالوعيد { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ } وأكده هنا بـ ( إن وباللام ) ومر معنا في سورة الأنعام

{ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ } آية 165 ، ولم يؤكد ذلك لكن أُكد هنا باعتبار ماذا ؟ باعتبار ما جرى من اليهود من جرائم من أن ما صنعوه يستحقون بـذلك العذاب { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } إذاً من تاب إلى الله فإن الله عز وجل غفور رحيم.

 وقوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } لو قيل : هؤلاء اليهود الآن لهم قوة ولهم مكانة ولهم ثروات عظيمة فما هو الجواب عن ذلك ؟ فالجواب عن ذلك من أن هذا الذي ذكره عز وجل تحقق وسيتحقق إلى قيام الساعة فلو قرأ الإنسان التاريخ الذي قبل مجيئ النبي ﷺ لوجد أن هؤلاء اليهود سوموا سوءَ العذاب ولذا لما أتى النبي ﷺ ضرب الجزية على بعضهم وقاتل بعضهم وأجلى بعضهم وكذلك الشأن في عهد عمر – رضي الله عنه –  ولايزال الأمر فإنه قبل مئات السنين حتى في الدول الأوروبية فإن اليهود قد ذُموا وقد صُنع بهم ما صُنع بهم من السوء في الدول الأوروبية  لكن في مثل هذا الزمن جرى ما جرى لهم من هذه المكانة وهي مكانة وقتيه باعتبار المصالح السياسية بينهم وبين هذه الدول وبسبب ماذا ؟ بسبب إعراض أهل الإسلام عن دين الإسلام ولذا قال عز وجل : { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } الأنفال آية 53

فلما جرى من المسلمين ما جرى من الصدود والإعراض عن دين الله عز وجل كان لهؤلاء اليهود مالهم في مثل هذا الزمن.

 ولو قيل إن اليهود يقولون : إن الأرض المقدسة لنا بدلالة القرآن لِما مر معنا في سورة المائدة قال موسى : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } المائدة آية 21

قالوا: كتب الله لكم يدل على أنها مكتوبة لنا فالجواب عن هذا : من  أن الكتابة هنا سواء كانت “كتابة قدرية” أو “كتابة شرعية”  بمعنى أنه عز وجل كتب ذلك لهم “كتابة قدرية ” فيما قدرة وفيما شاءه فإنه مقيد بشرط وهو عدم إدبارهم عن الدين ولذا قال : { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } المائدة آية 21

وإن قيل : “كتابة شرعية” بمعنى أنهم أُمروا بأن يدخلوا الأرض المقدسة فإنهم لم يصنعوا ذلك وارتدوا عن الدين.

 إذا لم يتحقق هذا الوصف في اليهود باعتبار ماذا ؟ باعتبار أن ما كُتب عليهم سواء كان قدريا أو كان شرعيا فإنهم لم يوفوا بهذا الشرط , ومن ثم بهذا الكلام بإذن الله تنجلي كل الشُبه التي ربما تطرح في مثل هذا العصر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } آية 168 الأعراف.

 قال عز وجل : { وَقَطَّعْنَاهُمْ } أي : اليهود في الأرض أُمما وهذا التقطيع تقطيع ناتج عن ماذا ؟ عن عقاب وليس عن منّة لأن ما مر معنا في قوله تعالى : { وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } الأعراف آية 160

تقطيع امتنان ، أما هنا فتقطيع عقاب بسبب ذنوبهم وعصيانهم {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا } فرّقَهم الله شذر مذر{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ } منهم من صلح ومنهم من ليس بصالح ممن بقي على كفره { مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم }

أي : اختبرناهم بالحسنات والسيئات ، والحسنات هنا : هي الحالة الطيبة من غنى وصحة وما شابه ذلك ، والسيئات : هي الحالة السيئة التي ينتج عنها ما ينتج من فقر وما شابه ذلك ، وهذا يدل عليه ما مر معنا في أول السورة { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } الأعراف آية 94

فقال هنا : { وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لعلهم يرجعون إلى دين الله عز وجل لكنهم قوم فجره كفره.

{ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

 

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } آية 169 الأعراف.

أي : أن من قُطع في الأرض خلف من بعدهم خلف وقال هنا : “خَلْف” ولم يقل :”خَلَف” لأن الخَلَف فيما يتعلق بمن أتى وهو صالح ، أما بتسكين اللام  فالمراد من ذلك هو الطالح كما هو المشهور عند أهل اللغة { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } أي: خلفٌ ذميم أي : ذرية ونسلٌ ذميم { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ } يعني : التوراة { وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } أي : يأخذون ما يأخذونه من هذه الدنيا ، وسمي بالعرض لأنه يعرض ويزول فلا يبقى وهذه هي الدنيا { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } وسمي بالأدنى لأنه قريب سهل المتناول أو أنه دنيء لقلته { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } أي : أنهم اذا حكموا للناس أخذوا الرشاوى فقال عز وجل : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } مع هذا الإجرام فإنهم تعدوا على حق الله عز وجل فقالوا على الله قولاً بلا علم  وهذا يدل على تزكيتهم لنفوسهم { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } بمعنى : أنهم أصّروا على الذنوب فإنه قد سولت لهم نفوسهم من أنهم إذا فعلوا ما فعلوا من أكل هذا السُحت فإنهم يقولون : { سَيُغْفَرُ لَنَا } وإذا تمكنوا من ذلك رجعوا مرة أخرى وهذا يدل على أن من أصرّ على الذنب فبه شبه بهؤلاء اليهود { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } أي بمعنى : أنه أُخذ عليهم من المواثيق في هذا الكتاب ماذا أخذ عليهم ؟ { أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } أو لئلا يقولوا على الله إلا الحق ففي التوراة من أنهم أمروا بأنهم لا يقولون على الله عز وجل إلا الحق ولذا قال: { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } أي: درسوه وتعلموه يعني هو موجود في الكتاب وفي التوراة ومع ذلك هم قد علموا به فليسوا جهلة ولذا قال : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } فقامت عليهم الحجة { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } لما ذكر ما ذكر من حالهم بين أن من يرجوا ثواب الله ويرجوا الدار الآخرة فإن الدار الآخرة خير لهم من متاع هذه الدنيا لكن أين العقول ؟ ولذا قال : { وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ } وأطلقها  “خير” من جميع أنواع الخيرات { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } وقال “يتقون” بصيغة الفعل المضارع بمعنى أنهم استمروا على التقوى بخلاف أولئك الذين استمروا على الإصرار على الذنب { وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } وهذا استفهام إنكاري أين عقولكم فكيف تقدمون هذه الدنيا على الآخرة ولذا قال بعدها :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} آية 170 الأعراف.

فمن تمسك بالقرآن وعمل به وأقام الصلاة فيكون من المصلحين ولذا قال عز و جل : { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ } دل هذا في قوله : { يُمَسِّكُونَ } على أنهم حريصون أشد الحرص على هذا الكتاب ومع ذلك يقيمون الصلاة { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } ومعلوم أن إقامة الصلاة من ضمن ما في الكتاب لكنه خصها باعتبار فضيلتها ومزيتها لمَ ؟ لأن الصلاة كما قال تعالى :{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ } العنكبوت آية 45

{ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } { إِنَّا } تأكيد { لَا نُضِيعُ أَجْرَ } أي ثواب { الْمُصْلِحِينَ } ولم يقل الصالحين فدل هذا على أن من تمسك بالكتاب وأقام الصلاة فإنه من المصلحين ولاشك أنه من الصالحين إذا قام بهذا الكتاب وأقام هذه الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

{ ۞ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } آية 171 الأعراف.

أي : واذكر يا محمد وذكّر هؤلاء الذين في عصرك ماذا فعل الله عز وجل بأسلافهم وبأجدادهم { وَإِذْ نَتَقْنَا } أي : قلعنا الجبل بقوة من أصوله { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } أي : كأنه غمامه وسحابه  بمعنى أنهم لما أمروا بأن يأخذوا بما في هذه التوراة فإنهم امتنعوا فرفع الله عز وجل عليهم الجبل ونتقه من أصوله ورفعه فوقهم ، ولذا مر معنا في سورة البقرة : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة آية 63

وفي الآية الأخرى في سورة البقرة : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } البقرة آية 93

فقال عز وجل هنا : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا } { وَظَنُّوا } إما على بابها أو أنها بمعنى اليقين أي تيقنوا أو غلب على ظنهم { وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي ساقط عليهم { وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا } أي قلنا خذوا { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ } أي بجد وبعزيمة { خُذُوا } ما أعطيناكم في هذا الكتاب وطبقوه بقوة وبجد وعزم { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } أي : تعلموه واعملوا به وانشروه { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن ذلك سبيل إلى ماذا ؟ إلى أن تصلوا إلى التقوى فتتقوا الله عز وجل ومن ثم تتقوا عذابه عز وجل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ } آية 172 الأعراف.

أي: واذكر { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا } وهذه الآية تدل على ماذا ؟ تدل على الصحيح تدل على أن الله عز وجل أخذ { مِن بَنِي آدَمَ } يعني من ذرية آدم أخذ من أصلابهم الذرية فكانوا كما قدر الله عز وجل في الأرحام وتطور الحال بهم و في مثل هذه الحال الله عز وجل أقام عليهم البراهين من أنه عز وجل هو الرب هو الإله ولذا ماذا قال عز وجل ؟

{ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } الروم آية 30

وقال ﷺ كما ثبت عنه في الصحيح :” ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ” فالناس كلهم على الفطرة وهذه الآية تدل على ماذا ؟ تدل على أن الله فطر ذرية الآدميين على التوحيد ، على توحيد الله عز وجل فليس لهم حجةٌ في ما وقعوا فيه من الشرك و قيل من أن هذه الآية تتعلق بآدم -عليه السلام – من أن الله عز وجل أخذ من صُلبه ومن ظهره الذرية وجعل فريقاً منهم في الجنة وجعل فريقاً منهم في النار وأشهدهم على أنفسهم ، ولذا قال آبن كثير- رحمه الله-    إنما في الأحاديث إنما هو أخرج الذرية من ظهر آدم وميزهم بين أهل الجنة وبين أهل النار أما لفظ الإشهاد فلم يأت إلا في حديث ابن عباس وحديث عبدالله ابن عمر وهما موقوفان على ماذا ؟ عليهما فإذا هذه الآية تدل على ماذا ؟ تدل على أن السياق في ذرية بني آدم وليس في آدم ، قال تعالى هنا : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ } ولم يقل من آدم { مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } ولم يقل من ظهره { مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا } إذا أقروا بماذا ؟ بأنه ربهم { قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا } أي : شهدوا على أنفسهم وهذا لعله هو الأظهر ممن قال : { قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا } أي : أن قوله { شَهِدْنَا } أي أشهد عليهم الملائكة وقيل غير ذلك { قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي: لئلا تقولوا يوم القيامة { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ } ولو قال قائل : كل إنسان لا يتذكر مثل هذا الأمر فكيف تقوم عليه الحجة ؟ فالجواب عن ذلك من أن الله عزو جل فطرهم على التوحيد وأنزل الله الكتب وأرسل الرسل فلا عذر لأحد بعد ذلك ، ولذا مر معنا  في سورة النساء : { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } النساء 165

 فقال هنا عن هؤلاء { أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ }  أي : بمعنى أننا لا ندرك ذلك ولا نتذكره ، فهنا ماذا قال عز وجل ؟ قال في هذه الآية  فيه الرد عليهم من أنه فطرهم على التوحيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } آية 173 الأعراف.

 أي : لئلا تقولوا يوم القيامة { إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } فنحن أخذنا هذا الأمر عن طريقهم لكن يقال فطرة الله عز وجل هي في نفوسكم لكن قلوبكم تغيرت بتغير البيئة أو بخبث ما في قلوبكم ، ولذا ماذا قال عز وجل هنا : { أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } أفيصيبنا الهلاك بما فعله المبطلون وهم الآباء حيث كانوا على باطل فنحن لا لومَ علينا فتكون هذه الآية ردا عليهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

 

 

{ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } آية 174 الأعراف.

أي: كما فصّلنا ذلكم المذكور مما ذكره عز وجل في الآية السابقة فصّله وبينه على أحسن بيان قال : { وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ } أي: كل الآيات نفصلها على هذا النحو { وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } انظر قال هنا : { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى ما فُطروا عليه الآيات بينات وواضحات فلا حجة لكم فيما زعمتم من هذا القول قال : { وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ولذا ماذا قال عز وجل عن إبراهيم ؟ { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } { إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }  الزخرف آية 26-27-28

{ فِي عَقِبِهِ } لعل كفار قريش يرجعون إلى ما أوصى به إبراهيم – عليه السلام – من هذا التوحيد { وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } آية 175 الأعراف.

سبحان الله نعوذ بالله من الخزي ومن الضلال ومن الغي ونسأله الثبات على دينه حتى الممات ، قال هنا : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}  لما قال : { وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ } هناك جنسٌ أعطاه الله عز وجل العلم وأعطاه البينات والعلم الشرعي لكنه ماذا ؟ كذب بها وأنصرف عنها وأعرض عنها ، فقال عز وجل: { وَاتْلُ } أي واتلوا عليهم يا محمد { نَبَأَ } أي خبر { الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا } بمعنى أنه خرج منها كما يُسلخ الجلد من على البهيمة بمعنى أنه يُنزع من الدين نزعاً كما يُنزع الجلد من على البهيمة { فَانسَلَخَ مِنْهَا } قال : { فَانسَلَخَ مِنْهَا } أضاف الانسلاخ إليه مع أن كل شيء بتدبير الله عز وجل وبمشيئته إنما هو من باب ماذا ؟ من باب التأدب مع الله حتى لا يُنسب الشر إليه كما جاء في صحيح مسلم قال ﷺ” والشر ليس إليك ” { فَانسَلَخَ مِنْهَا }  فما الذي جرى ؟ { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ } أتى بالفاء من باب  التعقيب وأنظر – سبحان الله – نسأل الله الثبات { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ } ولم يقل : “فاتّبع الشيطان” قال : { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ } دل هذا على ماذا ؟ على أنه لما ترك الآيات أصبح إماماً في الضلالة كأن الشيطان تلميذاً له يتبعه { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ } وهذا يدل على ماذا ؟ على أن من أعرض عن دين الله عز وجل فإنه سيقع في ماذا ؟ سيقع في الزيغ وفي الضلال فقال هنا : { فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } المصير { فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } أي: من أهل الغي والضلال { فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } آية 176 الأعراف.

 لو شاء الله عز وجل فكل شيء بأمره وبتقديره ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ومن ثم فإن على العبد إذا قرأ مثل هذه الآيات أن يفزع إلى الله وأن يدعوا الله بأن يثبته على الحق فقال هنا : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } كحال غيره ممن أعطاه الله الآيات فتبع وعمل بهذه الآيات كما قال تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة آية 11

{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ } ولكن هذا فعل ما جعل الله عز وجل يطمس على قلبه فقال هنا : { وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ } وكلمة { أَخْلَدَ } تدل على البقاء والدوام { أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ } والأرض هنا أي ملذات الدنيا باعتبار أن الملذات تكون على الأرض { وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } لم يتبع الآيات { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } مثله حينما يُوعظ لأن الله طمس على قلبه وعلى بصيرته { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ } الكلب إذا حملت عليه وأركضته فإنه يلهث وإن تركته في ظلٍ ظليل فإنه يلهث فحال هذا الرجل إذا دُعي إلى هذه الآيات وإلى الرجوع إلى الدين فإنه لا يستجيب لها مما يدل على ماذا ؟ مما يدل على انه ميؤوس منه فقال هنا : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ } ووصفه بالكلب لأنه أخس الحيوانات { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } سبحان الله انظر الكلب وهو الحيوان هذا القذر لما كان مُعلَما جعل الشرع صيده حلالا كما قال عز وجل : { مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } المائدة آية 4

قال هنا : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } ومن ثم فإن هذه الآية تشمل كل من أعطاه الله عز وجل العلم فصار حاله كحال هذا الرجل – نسأل الله السلامة والعافية – في كل عصر وفي كل زمن  ويدخل في ذلك ما قال بعض المفسرين من أنه “أميّة ابن أبي الصلد” وقيل هو “ابن باعوراء” وهو من بني إسرائيل ، وقيل هو ” أبو عامر الراهب” وقيلت أقوال أخرى.

 إذاً أولئك الذين ذكرهم المفسرون يدخلون في هذه الآية وتكون الآية عامّة قال هنا: { ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ } أي ما ذُكر من حال هذا الرجل ذلك مثل القوم أي مثل هؤلاء أو أولئك القوم الذين كذبوا بآياتنا  كل من كذّب بآياتنا فحاله كحال هذا الرجل فإنه كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث  فقال هنا : { ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ } لأنه في أول الآية { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا } الأعراف آية 175

{ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } قُص عليهم هذا المقصوص من حال هؤلاء { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } لعل من كذب بآيات الله أن يتفكر وأن يعود إلى الحق قبل أن يفوت الأوان { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

{ سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } آية 177 الأعراف.

أي ساء مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي من كذّب بآياتنا فإن هذا المثل السيء له { سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } أي مع أنهم كذبوا أيضاً ظلموا ، ظلموا ماذا ؟ ظلموا أنفسهم إذ عرضوها لعقاب الله عز وجل لما كذبوا بهذه الآيات قال : { وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } وأتى بصيغة الفعل المضارع ممل يدل على أن ظلمهم لأنفسهم مستمر فأين العقل ؟ { وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} آية 178 الأعراف.

إذاً لاحول لك و لا قوة إلا بالله ، فلما ذكر ما يتعلق بمن كذّب بالآيات بيّن هنا أقسام الناس { مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال هنا : { مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي } هنا أفرد المهتدي وجمع من ؟ { وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} جمع أولئك بأنهم خاسرون  خسروا دنياهم وخسروا الخير في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة ، قال هنا مبيناً أن المهتدي أُفرد باعتبار ماذا ؟ باعتبار كلمة “من ” من للعموم ففي لفظها إفراد وهي في معناها عموم ولذلك أُفردت في شأن المهتدي وعُممت في شأن من ضلّ، ولعله أيضا مما يضاف إلى  ذلك من أنه أفرد المهتدي لأن طريق الهداية واحد , أما طُرق الضلالة والزيغ فهو متعدد { وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } آية 179 الأعراف.

أي: خلقنا { لِجَهَنَّمَ } اللام هنا للعاقبة يعني أن عاقبتهم ومصيرهم إلى جهنم , خلق الله عز وجل خلقاً لمن؟ { لِجَهَنَّمَ } { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } وليُعلم أن هذه الآية لا تعارض ماذا ؟ لا تعارض ما ذُكر في نفس السورة { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ } فإن الإنسان مجبول على ماذا ؟ على الفطرة لكن بينّا من أنه لا تعارض بين هذه وبين أن الله عز وجل جبل الناس على الفطرة في أول السورة { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } الأعراف آية 29

فصّلنا في ذلك الموطن تفصيلاً وافيا ، وأيضا في قوله تعالى في سورة الأنعام : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا } آية 148 وتأمل هنا : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ } كثيراً ليس بالقلّة { كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } وقدم الجن والإنس – والعلم عند الله – لأن الجن مع أنهم على قوة جعلها الله عز وجل فيهم إلا أنهم ماذا ؟ إلا أنهم سيكونون من أهل النار حتى ولو كان أصل خلقهم من نار كما ثبت في صحيح مسلم ، ولذا في نفس السورة ماذا قال عز وجل ؟ : { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } الأعراف آية 38 

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } لماذا جعلهم في النار؟ لمَ ؟ لما قاموا به من ماذا ؟ من الصدود والإعراض ، أعطاهم الله عز وجل البينات وأعطاهم الحواس البصرية و السمعية والقلوب ومع ذلك فإنهم أعرضوا عن دين الله ، ولذا ماذا قال تعالى؟ قال : { لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا } أي: لا يفهمون بها ، فهم ماذا ؟ فهم انتفاع { لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ } يبصرون بها المحسوسات لكنهم لا يبصرون بها ما ينفعهم في هذا الدين { وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا } سماع انتفاع وقبول { أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ } حالهم كحال البهائم إنما مقصدها ماذا ؟ مقصدها الأكل ، ولذا قال عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } محمد آية 12

فقال هنا: { أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } أضل ممن ؟ من الأنعام  لمَ ؟ لأن البهائم من حيث ما جبلها الله عز وجل عليه كما قال تعالى :

 { الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } سورة طه آية 50

هي تهتدي إلى منافعها وتجتنب ما يضرها فإنها تهتدي إلى مأكلها وإلى مشربها وإلى مكان جلوسها حيث ما هداها الله عز و جل عليها ، لكن هؤلاء لم ينتفعوا مع أن الله أعطاهم عقولاً لم يعطها البهائم وأعطاهم أذانا وأعطاهم أعينا، فقال هنا: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } وحصرهم { أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } أي الضالون فهؤلاء هم الضالون حقيقةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

،، تم بحمد الله ،،