التفسير المختصر الشامل تفسير سورة التوبة من الآية (73) إلى (89) الدرس (123)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة التوبة من الآية (73) إلى (89) الدرس (123)

مشاهدات: 550

 بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة التوبة من الآية 73-89

للشيخ زيد البحري- حفظه الله –

قال تعالى :

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (73))

لما ذكر ما يتعلق بأهل النفاق وذكر في قوله تعالى (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ)

 أضاف معهم الكفار ذكر هنا ما يتعلق بجهاد هؤلاء فذكر مع المنافقين الكفار (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)

جهاد هؤلاء ليس بالسيف وحده، وإنما يكون بماذا؟ أيضاً يكون بالعلم الشرعي، وهذا يدل على ماذا؟ على أن العلم الشرعي هو جهاد في سبيل الله، بل إن العلم الشرعي أعظم الجهادين كما قال ابن القيم رحمه الله- قوله تعالى عن القرآن: (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) وصفه بأنه كبير، فهو أعظم فمدافعة أهل الشبه وأهل البدع والأهواء وبيان الدين الإسلامي الصحيح بالعلم الشرعي هذا أعظم الجهاد في سبيل الله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)

فهم يستحقون الغلظة والقسوة باعتبار ما ارتكبوه من هذا الكفر ومن الصد عن سبيل الله ومن الوقوف أمام دين الله عز وجل وقد مر معنا ما يتعلق بذلك في قوله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وبينا في ذلك الموطن وفي آخر سورة الأنفال وفي أول سورة التوبة بينا أسباب الجهاد في سبيل الله حتى لا تقذف التهم بهذا الإسلام العظيم.

(وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) لمَ؟ لأن هؤلاء صنعوا ما صنعوا من الصد عن سبيل الله (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ولذا قال عز وجل: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) لكن فيما بينهم (رُحَمَاءُ بَيْنَهُم)

فقال هنا: (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) وهذا فيما يتعلق بالدنيا وفي الآخرة مأواهم جهنم (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) أي: مصيرهم جهنم وبئس المصير أي ذمٌ لهذا المصير والمآل لأنه جهنم به العذاب الأليم (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا) بعضهم قال: ان كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً فنحن أقبح أو أسوأ من الحمير كما قال بعضهم أو قال كلمة و نحوها فإذا بعض من كان جالساً إذا به يخبر النبي صلى الله عليه وسلم فحلفوا من أنهم لم يقولون ذلك

 

 

 

 

فقال عز وجل 🙁 يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ۚ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) (74).

لأنهم يظهرون الإسلام من حيث الواقع وإلا فهم ليسوا بمسلمين ولذا قال تعالى : ( لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فدل هذا على أنهم يقولون مرةً نحن مسلمون ومرةً نحن مؤمنون فنفى عنهم الإيمان والإسلام الحقيقي مما يدل على أنهم مؤمنون ومسلمون حسب أقوالهم فهم كذَبه يخادعون من ؟ يخادعون أهل الإيمان (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمُّوا بما لم ينالوا) لأن بعض المنافقين همّ ماذا؟ هم أن يغتال أو يقتل النبي صلى الله عليه وسلم (وهمُّوا بما لم ينالوا) لم يتمكنوا من ذلك (وما نَقَموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) يعني ما عابوا على هذا الدين إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فهل هذا سببٌ يجعلهم بأن يفعلوا هذه الأفاعيل؟ إنما هذا سبب يدعوهم إلى الإيمان وإلى الإحسان (وما نَقَموا) وما عابوا على هذا الدين (وما نَقَموا إلا أن أغناهم الله ورسوله) وأضاف الغنى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن الذي يُغني هو الله عز وجل ولكن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هنا باعتبار أنه سبب أمره الله عز وجل أن يعطي هؤلاء من هذا المال ومن الغنائم فقال عز وجل: (وما نَقَموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) فإن يتوبوا سبحان الله! فيه عرض للتوبة عليهم حتى يعودوا وهذا يدل على ماذا؟ على فرح الله عز وجل بتوبة العبد قال: (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ) في الدنيا والآخرة (وَإِن يَتَوَلَّوْاْ ) أي: يعرضوا (يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ ) أي مؤلماً في الدنيا والآخرة ومالهم في الدنيا من أنهم يفتضحون ويقتلون وفي الآخرة كما قال تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) كما قال تعالى في هذه السورة (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ)

الآية كما مر معنا قال: (وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)

الولي الذي يأتي إليهم بما يسرهم، والنصير الذي يدفع عنهم ما يكرهونه لكن لو قال قائل ماذا نص على الأرض هنا؟ مالهم في الأرض من ولي ولا نصير نص على ذلك والعلم عند الله أن معظم قبائل العرب قد دخلت في دين الله أفواجاً فلم يبق إلا هؤلاء وأمثالهم فالواجب عليهم أن يدخلوا في الدين أنهم إن بحثوا عن ولي أو نصير في الأرض فلن يجدوا ليس الحال كحال من مضى من قلة أهل الإسلام قال: (وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) ، (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ) قال بعض المفسرين نزلت في صحابي اسمه ثعلبة قال يا رسول الله إن دعوت الله أن يرزقني لأفعلن ولأتصدقن ولأكونن من الصالحين فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده الأموال من البهائم فإذا به يخرج بها إلى الصحراء فأصبح لا يشهد إلا بعض الصلوات ثم بعد ذلك لا يشهد أي صلاة ،ولما طلبت منه الزكاة إذا به يقول هذه غُرم هذه خسارة هذه ليست في الدين وما شابه ذلك ،لكن هذه القصة لا تصح من حيث السند وأيضاً لا تليق من حيث المعنى فالصحابة رضي الله عنهم ليس هذا الحال كحال هؤلاء إنما الآية على الصحيح تتحدث عن منافق ولا تتحدث عن صحابي اسمه ثعلبة (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا) عاهد الله وقال لئن اللام تدل على القسم عهد مع يمين.

 

 

 (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (75).

وذكر الصدقة مع أنها من ضمن الصلاح باعتبار ماذا؟ باعتبار أن الآيات السابقات تتحدث عن ماذا؟ تتحدث عن الصدقة ومعلومٌ أن أهل النفاق كما قال تعالى: (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) فإنهم يمسكون عن الصدقة فقال: (لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)

ممن قام بحق الله وممن قام بحق المخلوقين فأصبح صالحاً هذا هو الصالح.

 

 

(فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ) (76).

(فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ) فلما أعطاهم من فضله ما الذي جرى؟ (بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ) انصرفوا وهم معرضون أي: في حالة إعراض فإن الإنسان قد ينصرف وليس في حالة إعراض فلربما يعود لكن هؤلاء انصرفوا مع صدود وإعراض (بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ) .

 

 

(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (77).

(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ) بسبب ذلك البخل نفاقاً في قلوبهم أي: هذا النفاق في القلب لأن القلب محل ماذا؟ محل الخير ومحل الشر، (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) كما جاء في الصحيحين فقال هنا: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه أي: إلى أن يلقون الله عز وجل وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الإنسان إذا وقع في الذنب أو وقع فيما هو مخالف لدين الله قد يختم الله له بهذا العمل لمَ؟ لأنه استمر على هذا العمل فكان حاله من أنه مصر على الذنب فيعاقبه الله عز وجل (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: (إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) يعني أن هذا النفاق ثابت مستقر في قلوبهم إلى أن يموتوا ولذا قال: إلى يوم يلقونه بسبب ماذا؟ بما أخلفوا الله ما وعدوه يمين (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) أي: بسبب كذبهم وهذا يدل على أنهم كذبوا فيما قالوا قال: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)

 

 

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (78).

ألم يعلموا هم لما قالوا هذا العهد فالله مطلع على سرائرهم وما سيصدر منهم لكنه عز وجل أراد أن يمتحنهم وأن يختبرهم (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ ) أي: بما في قلوبهم وَنَجْوَاهُمْ)  أي: فيما يتناجون به من الأباطيل فيما بينهم

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ) كل ما هو غائب فالله مطلع عليه ليس محصور على سركم ولا على نجواكم ( وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ).

 

 

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (79)

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) الذين هؤلاء المنافقون يلمزون أي: يعيبون

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (79).

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ) وذلك لما ثبت من أن الصحابة رضي الله عنهم لما نزلت الآية التي تدعوا إلى الصدقة قال بعضهم: فجعلنا نحمل على أكتافنا من أجل أن نتحصل على المال حتى نتصدق به فأتى بعضهم بمال كثير فقال المنافقون هذا مراءٍ وأتى بعضهم بصاعٍ يسير فقالوا إن الله لغني عن صدقة هذا فقال عز وجل: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ) يعني المتطوعين

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ) في الصدقات يعني كثرتها فيقولون هو مراءٍ

وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ) أي: ويلمزون َبالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ مما قل قالوا إن الله لغني عن صدقة هذا فقال عز وجل هنا: (وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) يعني هذا هو جهدهم وهذه طاقتهم وقدرتهم فقال عز وجل هنا: (وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) وهنا اثبات صفة السخرية لله عز وجل مقيدة فهو يسخر عز وجل بمن يسخر بأوليائه مر معنا هذا مفصلاً عند قوله تعالى (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي: عذاب مؤلم.

 

 

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (80)

  (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) هنا أمر والمقصود منه الخبر ولذا جاء الخبر في قوله تعالى في سورة المنافقون (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) لكن ذكر هنا بصيغة الأمر(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) ذكر السبعين من باب المبالغة لأنه لو استغفر أكثر من السبعين فلن يغفر لهم (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ولذا في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم وهذا من رحمته عليه الصلاة والسلام: (لو علمت أن الله يغفر لهم ما زاد عن السبعين لزدت على السبعين)

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) لمَ؟ (ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فاسقون الفسق الأكبر هؤلاء سدوا على أنفسهم باب الهداية لما ارتكبوا هذا النفاق.

 

 

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (81).

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ) هؤلاء المنافقون فرحوا بمقعدهم أي: بقعودهم خلاف رسول الله أي: مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل خلاف رسول الله ظرف مكان أي: بعد ما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم فرحوا بالقعود وكلا القولين يكونان صحيحاً فقال عز وجل هنا (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) مما يدل على ماذا؟ مما يدل على أن هؤلاء لمّا تخلفوا لم يكن الأمر عندهم سواء بل إنهم فرحوا بذلك، مما يدل على كرههم لهذه الطاعة

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

لما ذكر ما يتعلق بالفرح إذ جلسوا مخالفةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنهم يكرهون ماذا؟ الجهاد في سبيل الله ، (وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ) أي: قال بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر لأن غزوة تبوك كما مر معنا كانت في شدة الحر وكان بالصحابة رضي الله عنهم ما بهم من الجوع وما شابه ذلك مع بعد المسافة بين تبوك و بين المدينة (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ) أي: قل يا محمد لهؤلاء (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) لو كانوا يفقهون لما قالوا هذا القول ولما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا لما أتت الأحاديث الصحيحة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن نار الدنيا واحد على سبعين من نار الآخرة مما يدل على عظمها وقالوا (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)

 

 

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (82)  )

(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا) ليضحكوا في هذه الدنيا قليلاً وليستمتعوا بما يشاؤون وليبكوا كثيراً فالعاقبة أن هناك بكاءً كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون.

فهذا الجزاء بسبب ما كسبوه من الأعمال الخبيثة.

 

 

(فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) (83).

(فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ) يا محمد إن رجعك الله (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ) قال هنا: فإن بأنه مع طول المسافة أتى بكلمة إن التي وقوعها قليل وقال: (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ) ولم يقل إن رجعت لمَ؟ لأن المسافة بعيدة والشأن عظيم (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ) يا محمد ( إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا)، (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ) كما قلنا قوله: (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ) مع طول المسافة الإتيان بإن وقال رجعك الله لأنهم ظنوا يعني المنافقين من أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يعود وأصحابه وسيكونون لقمة سائغة للروم فقال عز وجل بناءَ على ماذا؟ بناءَ على ما ظنوه وأيضاً كل شيء بأمره عز وجل فإن الإنسان لا يمكن أن يأتي لنفسه بنفع أو يدفع عن نفسه الضر ( إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا) معي أبداً، لن تخرجوا بتاتاً ولن تقاتلوا معي عدواً ما هو السبب؟ إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فلما قعدتم أول مرة وتخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحاجة إلى كثرة العدد هنا عوقبوا بهذه العقوبة (وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) أي: ممن تخلف من النساء والضعفاء وما شابه ذلك وتأمل هنا، قال (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) دل هذا أنه ليس العبرة بالكثرة فقد يخرج مع المسلمين عدداً لا خير فيهم كما قال عز وجل (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) وهذا يدل على أن ولي الأمر إذا رأى فيما يتعلق بالجهاد من أن وجود هؤلاء المخذّلين أو المبتدعة أو ما شابه هؤلاء ممن في وجوده ضرر على الأمة إنه لا يمكنه من ماذا؟ لا يمكنه من الخروج ولا من الجهاد بعلة ماذا؟ بعلة أن كثرة العدد يكون الخير فيها لا، لمَ؟ لأن وجود هؤلاء شر على الأمة فقال عز وجل: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ).

 

 

(وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (84).

لما مات عبد الله بن أبي بن سلول أتى ابنه عبد الله الصحابي بأن عبد الله بن أبي بن سلول له ابن اسمه عبد الله قال يا رسول الله: لو ألبسته قميصك أو صليت عليه ولو أقمت على قبره ففعل صلى الله عليه وسلم ذلك من باب ماذا؟ من باب التلطف والتلين مع هذا الصحابي رضي الله عنه ولم يأتِ خبر من الله أو أمر من الله بنهاه عن ذلك فألبسه قميصه، هنا ماذا قال عمر رضي الله عنه؟ قال يا رسول الله: أتصلي عليه وهو منافق؟ أتقوم على قبره وهو منافق وقد فعل وفعل وفعل، يذكره بما مضى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم لمّا ذكّره عمر بما كان يفعله عبدالله بن أبيّ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأته نهيٌ عن ذلك فلما جرى ما جرى أنزل الله عز وجل هذه الآية فقال عز وجل: (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا) أي إنسان كان منافقاً أو كافراً فإنه لا يجوز أن يصلى عليه (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ) لا تقم على قبره بعد الدفن لأن القيام على القبر والصلاة على المؤمن والقيام على قبر المؤمن بعد دفنه قد جاءت بذلك السنة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السنن (كان إذا دفن الميت وقف على قبره وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فقوله (وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ) يدل على أن القيام على قبر المؤمن من بعد دفنه من أجل الاستغفار له وسؤال الثبات له دلت عليه هذه الآية كما جاء بذلك الحديث الصحيح الذي ذكرناه آنفاً إنهم العلة السبب (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) كفروا بالله وبرسوله فيما مضى وماتوا على الفسق .

 

 

(وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ) (85).

مرت هذه الآية عند قوله تعالى فيما مضى (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) لكن هناك بعض الفروق بين هذه الآية والآية السابقة في أولها حرف الفاء لمَ؟ لأن الفاء مفرعة على ما سبق لأن ما سبق

(قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم) فأتت الفاء فيما مضى لكن هنا قال: ((وَلَا تُعْجِبْكَ) لمَ؟ لأنه حديث مستقل لا يتعلق بالمال وإن كانت لها مناسبة فيما مضى لكن ليست متعلقة ومتفرعة عن مال فقال هناك (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ) لأنه لما أتى بكلمة لا هناك ولم يأتي هنا بكلمة لا لمَ؟ لأنه لما كان الحديث عن النفقة فكان ذكر المال ربما يُتوهم من أن التعذيب لهم فقط في المال فأتت كلمة الأولاد مع أنه لم يأتِ لها ذكر في الآيات السابقات من باب أنهم يعذبون بأولادهم لكن هنا لم يذكر ذلك فقال هنا: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ) لأن لا متعلقة بالآية السابقة بالمال (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم) هناك ليعذبهم وهنا أمر طبيعي تحذف اللام أحياناً وتبقى.

ماذا قال عز وجل؟ (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ) ذكر اللام هنا لأن اللام بعدها ماذا؟ أن،       ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) والله يريد أن يتوب عليكم بدون ذكر اللام فذكر اللام أو حذف اللام هنا جاء هنا وجاء هنا من باب التغيير في الأسلوب فقال عز وجل هنا: ((وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا) قال هناك في الحياة الدنيا لأن الحديث هناك فيما يتعلق بالحياة فمحل حياتهم فقط المال والأولاد لكن هذه الآية أتت بعد ماذا؟ بعد ذكر الموت (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ) فانتهت الحياة الدنيا فقال هنا: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ).

 

 

(وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ) (86)

إذا أنزلت سورة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ذكر الجهاد وذكر الإيمان ماذا يكون حال هؤلاء المنافقين؟ قال: (وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ) أولو الطول أولو الغنى يعني يفترض أن أصحاب الغنى ينفروا أنه لا عذر لهم (اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا) أي: اتركنا (نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ).

 

 

رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) (87).  )

رضوا، دل هذا على أنهم ماذا؟ على أنهم يريدون أي حياة فرضوا بماذا؟ رضوا بالحياة الدنيئة الهزيلة بأن يجلسوا مع هؤلاء الضعفاء ومع هؤلاء النساء وأن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ) ختم على قلوبهم ومن طبع على قلبه فأنه لا يريد الخير ولا ينشرح صدره للخير (وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) أي: لا يفهمون وهذا الطبع من الله عز وجل كما سيأتي في الآية التي بعدها ، وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون فليسوا بأصحاب علم وليسوا بأصحاب فقه ثم هؤلاء لما دخلوا في النفاق عاقبهم الله عز وجل بأن طبع على قلوبهم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم فقال عز وجل : (وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) .

 

 

 

(لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (88).

من باب التفريق بينه وبين أولئك الذين يستأذنونه فقال عز وجل هنا: (لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) ومر معنا ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله بالمال وبالنفس وسبب التقديم تقديم المال على النفس في الآيات السابقات في هذه السورة (جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ) وأولئك لهم الخيرات الشاملة العامة في الدنيا والآخرة (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ولذا قال هنا عاطفاً عليها مما يدل على أن كل صفة مستقلة لوحدها وكل جزاء مستقل لوحده قال هنا: (وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ) ولم يقل أولئك لهم الخيرات (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .

( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (89).  )

أعَد الله لهم أي: هيأ لهم وهذا يدل على أن الجنة موجودة الآن لأن ما أُعد وهُيّء يكون موجوداً (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا هو الفوز العظيم.