التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (89) إلى (93) الدرس (86)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (89) إلى (93) الدرس (86)

مشاهدات: 496

تفسير سورة المائدة من الآية (89) إلى الآية (93)

الدرس (86)

فضيلة الشيخ / زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد

فكنّا قد توقفنا عند قول الله عز وجل  {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} لما ذكر عزوجل النهي عن الامتناع عن الطيبات ذكر عزوجل هنا ما يتعلق باليمين وذلك باعتبار أن بعضهم ربما أنه قد حلف على أن لا يأكل شيئاً مباحاً فجاءت هذه الآية مبينةً كفارة هذا الحلف فقال عزوجل  {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} أي لا يؤاخذكم من حيث الحنث أي من حيث الكفارة ولا يؤاخذكم أيضاً من حيث العقاب في الآخرة {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} ومر معنا الحديث عن اللغو في اليمين عند قول الله عز وجل في سورة البقرة   {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} وقال هنا{وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} وذكر المؤاخذة هنا مما يدل على ماذا مما يدل على أن الإنسان متى ما حلف فحنث في يمينه بمعنى أنه خالف يمينه فإنه والحالة هذه عليه الكفارة ولعل القول الذي قيل من أن المؤاخذة إنما هي تتعلق بالكفارة لعل هذا ما يرجحها لأنه قال {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}  وأيضاً القول الآخر أيضاً يرجحه هذا الكلام باعتبار أن من حلف فخالف يمينه فلم يكفر فإنه سينال العقوبة من الله عزوجل إن لم يرحمه يوم القيامة {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}  أي بما استقر وعزمتم عليه في قلوبكم وقوله {بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}  أي بما كان موثقاً وبما كان معزوماً عليه فإنه عزوجل يؤاخذكم ومن ثم فإن قوله تعالى  {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} دل هذا على أن الموطن أين في القلب لأنه محل العزم ومحل التأكيد والتوثيق ومن ثم فإن من يقول في هذا العصر إن ما يقال من أن هذه عقيدة فإن هذا المصطلح غير صحيح هذا القول هو قوله ويرد عليه بمثل هذه الآية وقد ورد عن السلف رحمهم الله أنهم صنفوا كتباً في العقائد يعني في التوحيد وسموها بعقيدة كذا وبعقيدة كذا فالشاهد من هذا من أن قوله تعالى  {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ َفَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} أي فكفارة هذا الحنث أي مخالفة اليمين أو فكفارة الحالف إذا حنث في يمينه { َفَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وهذه هي اليمين التي تجب فيها الكفارة أما اللغو كأن يقول الإنسان من غير قصد لا والله وبلى والله أو أنه إذا حلف كما هو القول الصحيح وقد مر معنا مفصلا في سورة البقرة من أنه يحلف على شيء يظن أنه كذا فيتبين خلاف ما ظنه فإنه على القول الصحيح يكون من اللغو في اليمين ومن ثم فإنه لا كفارة عليه إنما الكفارة على من حلف عازماً في المستقبل على أمر ممكن فإنه إن خالف يمينه فإن عليه الكفارة ماهي الكفارة قال هنا { َفَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وهذه الكفارة على الصحيح من قولي العلماء أنه يجوز أن يكفّر قبل أن يخالف يمينه وبعض أهل العلم قال إنه لا كفارة إلا بعد ما يخالف يمينه و الصحيح ما ذكرنا بما ورد عنه ﷺ كما ثبت عنه إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرّت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير { َفَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} هنا نص على ماذا على الإطعام والإطعام لابد أن يكون لعشرة مساكين خلافاً لمن قال من أطعم مسكيناً عشرَ مرات أجزأه فالقول الصحيح أنه لا بد من إطعام عشرة مساكين وهذا الإطعام الذي ذكر في الآية مطلق بعض أهل العلم قال هو مدٌ من البُر ونصف صاع من غيره و قال بعضهم هو نصف صاع في جميع الأحوال والإطعام يتحقق بأن يطعم الإنسان ما يكفيه غداءه أو ما يكفيه عشاءه وهل يلزم التمليك بمعنى أنه يُملّك بمعنى أنه يُملّك يعطى هذا الطعام أم أنه يجوز أن يصنع طعاماً وأن يُغَدّي أو أن يُعشّي عشرة مساكين القول الصحيح أن الآية مطلقة ويجوز هذا ويجوز هذا{ فإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وإذا لم يجد هؤلاء العشرة فإنه لا يجزئ عنه هذا الإطعام إذاً ماذا يصنع عليه بما ذكر عزوجل في هذه الآية من التخيير وهو عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين فإن لم يجد هذه الاشياء المخيرة فإنه ينتقل إلى الصيام صيام ثلاثة أيام متتابعات { َفَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} والإطعام إنما يكون بما يقتاته أهل البلد وهذا يختلف باختلاف الأحوال وباختلاف الأزمان قال هنا { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} قال بعض أهل العلم من الأوسط أي من خير ما تطعمون أهليكم لأنه ورد في القرآن {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} أي قال الأمثل منهم وقيل إن معظم ما جاء في معنى أوسط أنه بين بين وهذا هو الأقرب لأن النبي ﷺ كما في الصحيحين لما أمر بأن تؤخذ الزكاة من الأغنياء قال وإياك وكرائم أموالهم فإذا كان هذا في الزكاة أيضاً يكون في الكفارة {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} يعني ليس من الأعلى الأعلى وليس من الأدنى الأدنى وإنما يكون من الوسط {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} أي كسوة من عشرة مساكين والكسوة تختلف باختلاف الأحوال وباختلاف الأزمان وقد نص الإمام أحمد رحمه الله في مذهبه على خلاف بين أهل العلم من أنه لابد أن يكسوه ما يستر به بدنه في الصلاة {أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي عتق رقبة ولمن يقيدها بالإيمان أي بمعنى أنه متى ما اعتق أي رقبة ولو كانت كافرة فإنه يجزئ له ذلك والصحيح أنه ما أطلق هنا قيد بما ذكر في كفارة القتل كما مر معنا في سورة النساء ومر معنا في سورة النساء عند قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} مر معنا أوصاف تلك الرقبة وما يجوز منها وما لا يجوز  {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وإنما قال رقبة مع أن التحرير والعتق يكون للبدن كله باعتبار أنهم إذا أسروا شخصاً فأنهم يجعلون يده في عنقه ويربطونها فإذا حلّوا الحبل فإنه يتحرر كله وإلا فالعتق يكون سارياً على جميع البدن ومن ثم فإن هذه الآية تدل على ماذا على أن الإنسان مخير بين هذه الأمور الثلاثة وهذا هو القول الصحيح ومما يدل على ذلك من أنه عزوجل قدم الإطعام وأخر عتق الرقبة فلو كانت الآية على الترتيب لبدأ بالأغلظ لبدأ بالأغلظ و مما يستفاد منه أيضاً من تقديم الإطعام على عتق الرقبة من أن الإطعام يحتاجه الفقير يحتاجه الفقير بينما من كان عبداً فإن الواجب على سيده أن يطعمه وأن يكسوه لكن بالنسبة إلى الفقير فإنه إذا لم يجد أحداً يعوله فإنه لا يجد شيئا فقدم الطعام لعظم نفعه فيما يتعلق بوجه العموم وإن كان عتق الرقبة أفضل من الإطعام لكن لعل هذا هو السبب مع السبب الآخر في تقديم الإطعام على عتق الرقبة { فَمَن لَّمْ يَجِدْ} فمن لم يجد ما سبق إذاً تلك الثلاث هو مخير بينها  { فَمَن لَّمْ يَجِدْ} أي واحداً من هذه الأشياء الثلاثة أو وجد مثلاً إطعام تسعة مساكين ولم يجد عشرة فإنه ينتقل إلى الصيام ومن ثم فإن ما يقوله بعض الناس إذا خالف يمينه قيل له صم ثلاثة أيام ابتداءً فهذا خطأ محض لأنه قد يكون قادراً وقد يكون غنياً فالواجب عليه واحد من الأمور الثلاثة السابقة إن لم يجد فهنا ينتقل إلى الصيام قال هنا {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} هذه الأيام هل تكون متفرقة أو متتابعة خلاف بين أهل العلم والصحيح أن هذه الآية مطلقة وهي في ظاهرها تدل على أنه لا يلزم التتابع لكن قراءة بن مسعود ولو كانت قراءةً شاذة إلا من أنها تكون في حكم الحديث المرفوع فيؤخذ بها فصيام ثلاثة أيام متتابعات هذه قراءة بن مسعود وجاءت بعض الآثار عن السلف فيما يتعلق بهذا الأمر {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ} أي ما ذكر {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله أي يمين من أيمان المسلمين يكون المقصود منها الامتناع كأن يحلف بالطلاق أو أن يحلف بالحرام ولم يقصد ما يقصده من طلاق وإنما أراد اليمين قال فإن الكفارة فيه كالكفارة هنا سواء بسواء وقد بينت في موطن غير هذا الموطن بتفصيل من أن أيمان المسلمين متنوعة فيما يتعلق باليمين بالطلاق وبالتحريم وماشابه ذلك قال هنا {ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} أي مع هذا كله عليكم أن تحفظوا أيمانكم ما معنى حفظ اليمين أي لا تحلف إلا عند الحاجة وكذلك إذا حلفتم لا تخالفوا يمينكم إلا إذا كانت هناك حاجة أو كان هناك ما هو أنفع ولذا قال ﷺ كما ثبت عنه إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرّت عن يميني وأتيت الذي هو خير فقال هنا {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} أيضاً النوع الثالث من أنواع حفظ اليمين من أن الإنسان إذا خالف يمينه فالواجب عليه أن يخرج الكفارة {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} لأن من لم يحفظ يمينه ربما توصله هذه الأيمان ولو كانت مباحة توصله إلى الأيمان المحرمة كاليمين الغموس التي يحلف وهو كاذب وهو كاذب وقد بينت في غير هذا الموطن ما يتعلق باليمين الغموس وبأنواعها فقال هنا {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} كما بين لكم ما سبق يبن لكم الآيات من أجل ماذا أن تشكروا الله عزوجل ومن أعظم ما يُشكر الله عزوجل عليه أن يُشكر على نعمة الدين إذ وضح لنا هذا الدين وبينه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ… الآية} لما ذكر عزوجل ما يتعلق بالمنع من تحريم الطيبات وذكر أن من حلف على أن يترك أكلاً طيباً فعليه الكفارة بين هنا أن هذه الأشياء ومن بينها الخمر ليست من الطيبات فيجب الحذر منها ولذا أكد هذا الأمر بعدة مؤكدات قال إنما بأداة إنما التي تدل على الحصر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} وصفه بأنه رجس وقال من عمل الشيطان وقال فاجتنبوه وقال لعلكم تفلحون وقال إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وقال ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهذه مؤكدات ويضاف إليها أيضاً أنها قرنت مع ماذا مع ماذا مع الأنصاب التي هي الأصنام ولذا ثبت قوله ﷺ في الحديث الحسن قال” شارب الخمر كعابد وثن” ليس معنى أنه يكون مشركاً حتى لا يتذرع الخوارج إلى هذا الأمر لا و إنما المقصود التنفير من أن شارب الخمر على خطر عظيم وأنه فعل كبيرة من كبائر الذنوب ولا يكون كافراً وإنما يكون تحت مشيئة الله عزوجل يوم القيامة إذا مات ولم يتب إن شاء الله رحمه ابتداءً وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم يكون مصيره إلى الجنة قال هنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أيضاً من المؤكدات أيضا من المؤكدات أيضاً من أنه نادى هؤلاء بوصف الإيمان فإن أهل الإيمان ليس هذا الوصف وصفاً لهم وهذه الآية هي الآية التي نسخت الآيات السابقات ومر معنا ما يتعلق بذلك في سورة النساء عند قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ } وقال تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} فمر معنا الحديث عن ذلك وأن تحريم الخمر تدرج إلى أن أتت هذه الآية وحرم الله عزوجل الخمر ومن ثم انتهى الصحابة رضي الله عنهم عن شربها قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} والخمر هو كل ما خامر وغطى العقل من أي نوع كان خلافاً لبعض الأحناث الذين يقولون إنما الخمر يكون في العنب فقط وذلك لأن الاشربة لم تكن وهي اشربة العنب لم تكن موجودةً  في المدينة قال عزوجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} وهذا القول منهم قول ضعيف باعتبار ماذا باعتبار أن الخمر هي كل ما خامر وغطى العقل فكل ما غطى العقل فإنه يكون محرماً أيضاً النبي ﷺ نهى عن كل مسكر فما أسكر فيكون محرماً وأيضاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في الصحيح خطب على منبر النبي ﷺ قال إن الله عزوجل حرم الخمر وإنما الخمر من التمر والعنب والحنطة والشعير والعسل والخمر قال ما خامر العقل لأن الأنواع كثيرة فحكم رضي الله عنه بهذا الحكم ولذا كما صح عن أنس قوله رضي الله عنه قال” لم نكن نجد

لم نكن نجدمن خمر الأعناب إلا القليل” باعتبار أنه قليل عندهم فدل هذا على أن كلما خامر العقل وغطاه من أي نوع كان ولو وصف بوصف غير الخمر كما يقال في مثل هذا العصر من أنه شراب روحي بل هو شراب يعذب الروح ولذا صدق ﷺ كما ثبت عنه إذ قال “ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها”فإذاً كل ما أسكر يكون حراماً من أي نوع كان وبأي اسم سمي{ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ} ومر معنا ما يتعلق بالميسر والحديث عنه مفصلاً في آية البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ومر معنا تعريف الأنصاب والأزلام في أول السورة قال عزوجل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ {قال هنا {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} أي مستقذر رجس وهنا بالإفراد مع أن هذا وارد على أمور متقدمة وهي أكثر من واحد فقال رجس باعتبار أن هذا مصدر والمصدر يصدق على المثنى ويصدق على الجمع كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} باعتبار أنه مصدر {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} فهذا من تسويف الشيطان وأضافه إلى الشيطان من باب التقبيح و التنفير منه {مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}  ولم يقل فاتركوه دل هذا على أنكم تكونون في جانب وهذه الأمور تكون في جانب آخر وقوله رجس استدل بها بعض العلماء على أن الخمر على أن الخمر نجس من حيث من حيث أصلها فأما من حيث شربها فالجميع متفق من أنها محرمة لكن لو أن شيئاً من الخمر وقع على ثوب أو ما شابه ذلك فهل يجوز له أن يصلي به على هذا القول يقولون لا وقد مر معنا هذا مفصلاً في غير موطن وفي غير درس التفسير من أن الأقرب من أنها ليست ليست نجسةً نجسة العين لكن لا يجوز شربها بمعنى أن بعض العطورات الموجودة الآن في الأسواق هي قد مزج بها ما مزج بها من الكحول فهل فعل الناس في مثل هذا الزمن فعل محرم بمعنى أن من صلى فإن صلاته تكون باطلة وأيضاً هو استعمل الخمر في ملابسه قلنا فيما ذكرناه في غير هذا الموطن مفصلاً وأنا لما أقول إذا ذكرت ذلك مفصلاً فإنه يتعين على الإنسان أن يرجع إلى المسألة بحيث يلم بجميع فروعها وبمسائلها قلنا الأقرب من أنها ليست نجسة العين باعتبار ماذا أن النبي ﷺ قال كما عند مسلم “اتقوا اللاعنين قالوا وما اللاعنان يا رسول الله قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم” والصحابة رضي الله عنهم لما أتى التحريم نكروا وأسكبوا الخمر في الطرقات فلو كانت نجسة العين لما فعلو ذلك وكان ذلك على وجه الكثرة ورد بعضهم على هذا التعليل من أراد التوسع فليعد إلى حديث الفقه حول هذه المسألة {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي أن اجتناب هذه الأشياء طريق إلى الفلاح وهذا مما يدعو الإنسان إلى أن يدع شرب الخمر وأن يدع تلك الأمور الأخرى قال {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي تفوزون بالمطلوب وتنجون من المكروه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}{ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} مر معنا الفرق بين العداوة والبغضاء عند قوله تعالى في هذه السورة

{وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ}  سبحان الله لما ذكر العداوة والبغضاء فيما يتعلق بالنصارى في هذه السورة {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} و كرها فيما يتعلق باليهود {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} ذكر هنا ماذا ذكر هذه بعد نداءه لأهل الإيمان بمعنى أن هذا الشيء إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر بمعنى أن من صنع وفعل وشرب الخمر وفعل الميسرَ فإنه تحصل له مضار دينية ودنيوية الدنيوية أن البغضاء والشحناء والعداوة تكون بين أفراد المجتمع وأما ما يتعلق بالمضار الدينية فإنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ولذا قال { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ}  إذاًهذا من باب التقبيح لهذه الأشياء {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ذكر فقط الخمر والميسر ولم يتعرض للأنصاب ولا للأزلام لما لأن الحديث هنا مساق من أجل ماذا من أجل الخمر والميسر وقرنت معه الأزلام و الأنصاب من باب التنفير من الخمر و الميسر {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ} هذه المضار الدينية {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} أي كل ما يتعلق بذكر الله عزوجل من تعظيمه من الذكر القلبي و الذكر اللساني {وَعَنِ الصَّلَاةِ} مع أن الصلاة من أعظم ما يكون من أنواع الذكر وإنما أفرادها باعتبار أن الصلاة لها أهميتها لما لأن الله عزوجل قال {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} قد يقول قائل هل كل لهوٍ يكون محرماً على المسلم أن يفعله أم ماذا فإذاً لو قلنا بهذه العلل لسرت هذه العلل إلى ألعاب وإلى لهوٍ كثير فالجواب عن هذا قال القرطبي رحمه الله كل لهوٍ قليل جرّ إلى لهوٍ كثير منه وأورث العداوة والبغضاء وصدّ عن الذكر وعن الصلاة هنا يأخذ الحكم وهو حكم التحريم ولذا لو أن الإنسان لهى لهواً ليس به بغضاء ولا شحناء وهذا اللهو لا يدعوه إلى لهوً كثير منه هنا فإنه لا يكون محرماً ومن ثم أفتى كثير من أهل العلم في هذا العصر من أن اللعب بالورق من أنه محرم لما لأنه لهو يجر إلى لهو أكثر من جنسه لأنه إذا دخل فيها استمر بالساعات الطوال وحصل ما حصل بين اللاعبين من ماذا العداوة والبغضاء والشحناء وأيضاً من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة فقال هنا {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} كيف يكون صد الخمر عن ذكر الله وعن الصلاة إذا شرب الخمر فإنه لا يكون في عقله فإنه في ظنه يتلذذ ويطرب فإنه يلهو عن الذكر وعن الصلاة وأما صد الميسر كيف يكون صد الميسر لأن الميسر ومن ثم ننبه إلى أمر وهو أن الميسر وهو اللعب عن طريق الحظ و المخاطرة بمعنى أنه ربما يربح مالا كثيراً وربما يخسر مالا كثيراً فإنه يكون من المحرم سواء كان سواء كان هذا اللعب ولذلك ادخل بعض أهل العلم ما يسمى بالشطرنج ولذا ادخلوا فيه هذا الأمر وذلك لأنه شبيه بماذا بالنرد الذي قال عنه النبي ﷺ كما عند مسلم “من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير وفي دمه” فإذاً قال هنا {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} الميسر كيف يصد عن ذكر الله وعن الصلاة لأنه إذا ربح مالا كثيراً تلك اللذة التي تكون في قلبه تشغله لعظمها تشغله عن الدخول في الصلاة وعن ذكر الله وإذا خسر فإنه تأتيه الحسرات والآلام التي تصرفه عن ذكر الله وعن الصلاة قال هنا {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} الاستفهام هنا للأمر أي انتهوا ولذا فالصحابة رضي الله عنهم لما أمروا ماذا صنعوا مع أنهم اعتادوا على شرب الخمر اعتياداً عظيماً مع ذلك كله لما جاء الأمر من الله عزوجل فأنهم سكبوا هذه الخمور في الطرقات وتخلصوا منها وهذا يدل على ماذا يدل على عظم الإيمان في قلوب الصحابة رضي الله عنهم {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} هذا هو الواجب على كل إنسان أن يطيع الله وأن يطيع الرسول لأن طاعة الرسول من طاعة الله قال تعالى {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} لما ذكر ما يتعلق بهذه الأمور بين أن طاعة الله وأن طاعة رسول الله ﷺ على وجه العموم وليس على وجه الخصوص فيما مضى قال {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ} احذروا من أن تخالفوا أمر الله وأمر رسول الله ﷺ {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي أعرضتم وانصرفتم فاعلموا هنا أمر من باب التنبيه {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} كما مر في هذه السورة وهو إيصال الأحكام وتوضيحها للناس وإذا كان على الرسول فقط البلاغ دل على أن ما تصنعونه إنما عقوبة هذه الأشياء تكون عليكم وسيحاسبكم الله عزوجل على ذلك {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} هنا لما نزلت آية تحريم الخمر قال بعض الصحابة وذلك من باب عظم خوفهم من الله عزوجل ما هو حال أصحابنا الذين ماتوا وشربوها قبل أن تحرم الخمر فأنزل الله هذه الآية وأيضاً هو سؤال عن حالهم قبل نزول هذه الآية هل عليهم ما عليهم من الإثم أو لا فأنزل الله هذه الآية وهذه شبيهة ونظير الآية التي مرت معنا في سورة البقرة في التحول من بيت المقدس إلى الكعبة قال تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} قال هنا {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} يعني إثم {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} أي فيما تناولوه مما هو محرم قبل أن يأتي التحريم {فِيمَا طَعِمُوا إِذَا} بشرط {إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } هنا قال {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} هنا لما قال هذه الأوصاف من الإيمان والتقى هل هي محرمة هذه الأطعمة على من لم يؤمن هل هي محرمة على الكفار قال بعض أهل العلم أنها ليست محرمة على الكفار وهم لا يأثمون يعني الكفار إذا تناولوا الأشياء الطيبة قالوا وإنما هذه الأوصاف هي أوصاف لِأُولَئك فلا إثم عليهم باعتبار أن أولئك هم آمنوا واتقوا ولو أتت هذه الآية بتحريم هذا المحرم فمن تقواهم ومن إيمانهم فأنهم سيدعونها قال بعض أهل العلم إنما هذا محرم على من كان كافراً فالكافر كما يعاقب على تركه للطاعات وعلى فعله للذنوب كما أنه يعاقب أصلاً على كفره أيضاً يعاقب على ما أكله من الطيبات للدلالة هذه الآية {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا} سبحان الله لماذا تكررت ولماذا هذا الترتيب إيمان وتقوى ثم إيمان وتقوى ثم تقوى وإحسان ثم تقوى وإحسان فلماذا هذا الترتيب بعض العلماء ذكر ما ذكره من الإيمان والتقوى {ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا} أي تركوا الكبائر { ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا} أي تركوا الصغائر وفعلوا الإحسان وهي النوافل وقيل غير ذلك لكن الأظهر والعلم عند الله من أن ذكر الإيمان والتقوى بأنه لا إثم عليهم باعتبار ما لديهم من هذه الأوصاف الإيمان والتقوى {ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا}أي استمروا وثبتوا على الإيمان والتقوى ثم تدرج الأمر بهم من درجة إلى درجة أعلى حيث وصلوا إلى مرتبة الإحسان والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ولذا ختم الآية بقوله {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وفي هذا إثبات صفة المحبة لله عزوجل بما يليق بجلاله وبعظمته فهو يحب المحسنين ومن ثم فإن هذه الآية قد تأولها قدامة بن مظعون رضي الله عنه قد تأولها ولذا شيخ الإسلام رحمه الله قال إن قدامة قد قامت عنده الشُبهة ومن ثم فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكفروه باعتبار أن الشُبهة قد قامت له ولذلك قال له عمر رضي الله عنه لما استدل قدامة بقوله { ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا} قال له عمر رضي الله عنه لو اتقيت الله فإنك ستترك ما حرم الله ثم بدا له فيما بدا له أن يجلده أو لا ثم قال عمر رضي الله عنه لأجلِدنّه والله لأن يلقى الله بهذه السياط خير من أن ألقى الله بذنوبه ثم جلده وحصل بينهما مغاضبة ثم بعد ذلك رأى عمر رضي الله عنه رؤيا فاصطلح معه فالشاهد من هذا من أن الشُبهة قامت عند قدامة بن مظعون وأردت التنبيه على ذلك حتى لا يدخل العقلانيون وأشباه هؤلاء فإنهم ربما يلجؤون من خلال الشُبه والشهوات وما شابه ذلك فيطعنوا في الصحابة أو أنهم يبيحون الخمر بدلالة هذا الأمر ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ما فعله عمر رضي الله عنه ولذا قال عزوجل هنا {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}