التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (4) إلى ( 10) الدرس (52)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (4) إلى ( 10) الدرس (52)

مشاهدات: 461

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة النساء من

الآية (٤)الى الآية (١٠)

الدرس (٥٢)

 

فكنا قد توقفنا عند قول لله عز وجل ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ))ذكر الله عز وجل هذه الآية فيما يتعلق بحقوق النساء فيما يتعلق بصداق وكان قبلها قد ذكر ما يتعلق بحقوق اليتامى في أموالهم وفي صداق نسائهم وذلك تذكيراً في أول السورة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا )) خلقكم من نفس واحدة ذلك هو  تذكير بحق اليتامى ثم قال وخلق منها زوجها هذا تذكير بحقوق عموم النساء وكانوا في الجاهلية يهضمون حق المرأة فكانوا لا يعطونها صداقها بل كانت تورث كما سيأتي معنا قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا )) بمعنى أن ولي الميت إذا أتى ألقى ثوبه عليها وإذا به يملكها وكما هو الشأن في شأن عادة أهل الجاهلية من أنهم كانو كما مر معنا في سورة البقرة يضارون بالنساء فإنهم يطلقون فإذا أوشكت المرأة على الفراغ من عدتها أرجعوها فقال تعالى ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ))وقال تعالى ((وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ )) وكانوا أيضاً لا يورثون المرأة مع الأولاد كما سيأتي في قوله تعالى ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ))ومن ثَمَ فإن هذه السورة بها أحكام تتعلق بالنساء ولذلك سميت السورة باسم النساء لكثرة ما فيها من أحكام تتعلق بالنساء ((وَآتُوا النِّسَاءَ )) أي أعطوا النساء((صَدُقَاتِهِنَّ ))يعني المهور((نِحْلَةً ))يعني فريضة وذكر هنا الصداق بلفظ النحلة لأن النحلة تدل على العطية التي لا منة بها بمعنى أن الصداق واجب عليكم وإذا أعطيتم هؤلاء النساء مهورهن فليكن ذلك عن طيب نفس وقوله تعالى ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ))يدل هذا على أن المرأة تملك المهر من حين العقد من حين ما يعقد عليها فإنها تملك المهر ومن ثَمَ  فإن هذا المهر لو كان على سبيل الإفتراض لو كان مثلاً لو كان قطيعاً من الغنم فأنتج هذا القطيع فإن هذا النتاج يكون لها فقوله ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ))وهذا يدل على أن المرأة قد لا تقبض صداقها إلا بعد أن يعقد عليها أو بعد الدخول فلا جناح في ذلك أهم شيء أنه لابد أن يكون للمرأة مهر ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا )) أي طابت أنفسهن عن شيء من ذلك فلكم أن تأخذوه ولذا قال ((فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا )) الهنيئ هو اللذيذ المستساغ والمريء الذي عاقبته حميدة  ولا يتم للإنسان طعام طيب إلا إذا كان في أكله لذة وكان في عاقبة أمره يكون حميدا دون تنغيص ودون أمراض ولذا قال ((فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا )) مما يدل على حله بشرط أن تطيب أنفسهن أما إذا لم تطب نفس المرأة أو أن الرجل ألحا عليها حتى ألجأها إلى أن تعطيه على سبيل الحياء فإنه لا يجوز له ولذلك ثبت عنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يحل مال أمرء مسلم إلا بطيب نفس منه ) ومن ثَمَ فإن قوله ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ ))هل هو أمر للأولياء لأولياء المرأة  أو هو أمر للأزواج قولاً  ظاهر السياق يدل على أنه للأزواج ولا مانع من دخول الأولياء في ذلك فإن ولي المرأة عليه أن يعطيها صداقها ((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )) ((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ))لما ذكر عز وجل ما يتعلق بحقوق النساء فيما يتعلق بالصداق وذكر ما يتعلق بأموال اليتامى قال هنا ((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ  )) هنا هذا السياق هل المقصود بالأموال مال الإنسان نفسه بحيث لا يعطي أحداً من هؤلاء السفهاء لا يعطيهم شيء  من ماله أو أنه لما كان والياً على أموال السفهاء جعلت الأموال كأنها له من باب أن يحث على أن يقوم بهذا المال على أتم القيام قولانِ في هذه الآية وعلى كل حال فالإنسان مأمور بأن يحافظ على ماله وأن يحافظ على أموال من تحت يده من هؤلاء السفهاء ومن ثَمَ يتنبه إلى أمر كثيرٌ من المفسرين يقولون ((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ )) قالوا النساء والأولاد يعني الأطفال ومن ثَمَ فإن بعض من  الناس ربما يأتي بهذه الآية فيقدح في عموم النساء ولربما أن بعض النساء لما يسمعن هذا الكلام يقدحن  في شرع الله عز وجل أو أنهن  يتكلمن في ما تكلم به المفسرون وليعلم أن قوله تعالى ((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ))ليس خاص بالأطفال وليس خاص بالنساء بل كل سفيه لا يحسن التصرف فإنه لا يعطى المال حتى الرجال يدخلون في ذلك ومن ثَمَ قال بعض أهل العلم قال: إن المرأة المفرد منها إذا وصفت  بالسفه قيل سفيهة ومن ثَمَ لا يجمع على سفهاء وإنما يجمع على  سفيهات مع هذا كله فهده قاعدة حتى لا يحصر الأمر في النساء وفي الأطفال((

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم )) كل شخص لا يحسن التصرف في ماله بحيث يبذره أو أنه ينفقه في معصية الله عز وجل فإنه يكون من السفهاء((

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم )) وهنا إن قيل بأن الأموال هي راجعة إلى أموال اليتامى لكن أضيفت إلى الأولياء باعتبار وجوب القيام بها هنا ماذا يكون المعنى((

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم )) بمعنى أن هؤلاء محجور عليهم حتى يبلغوا وحتى يرشدوا فإنهم يعطونهم أموالهم((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا )) بها تقوموا بهذه الأموال تقوم بها مصالح الناس من حيث دنياهم من حيث النفقة من حيث الأكل من حيث الشراب وتقوم بها أيضاً مصالح دينهم من حيث النفقة ومن حيث الصدقة وما شابه ذلك((الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا )) بمعنى أن هؤلاء من هو محجور عليه محجور على ماله لسفهه فإن الولي يعطيه ما يحتاج إليه من النفقة من حيث المطعم ومن حيث المشرب ومن حيث الملابس ولذا قال بعدها ((وَاكْسُوهُمْ )) فقال هنا ((وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا )) أمرهم بأن يعطونهم من هذه الأموال لحاجتهم   ومن ثَمَ  فإن قوله ((وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا )) بمعنى أنهم يعطونهم وليس معنى ذلك من أنه رازق ولذا قال تعالى ((فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ )) ومن ثَمَ فإن بعض العلماء أخذ من هذه الآية وأخذ من الآية التي هي قوله تعالى ((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ)) أخذ بعض المعاصرين من أنه  لأني لم أرَ شيئاً عن المتقدمين رأى بعض المعاصرين أن الفقير يجوز له أن يقول للغني ارزقني ولا شك أن هذا بعيد لأن الآية هنا ما تحدث عن الطلب وإنما تحدث عن الخبر بمعنى أن أولياء هؤلاء يعطونهم وليس فيه دليل على أن الفقير يقول للغني ارزقني بدليل ما قاله عز وجل ((فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ )) أي أطلبوا ((وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ))بمعنى أنه إذا طلب منك ماله فلتقل له قولاً معروفاً من أنه محافظاٌ على ماله وأنك ستعطيه ماله بعد بلوغه وبعد رشده وأيضاً يتضمن القول المعروف الحسن الذي به وعداٌ حسن وما شابه ذلك من الألفاظ الطيبة ولذا قال هنا ((وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ))وقال هنا وارزقوهم فيها ولم يقل وارزقوهم منها والعلم عند الله من أن قولها وارزقوهم فيها لأنه يتعلق بالنفقة  لأنه لوقال وارزقوهم منها هذا يتعلق بالبعضية بالجزئية  ومن ثَمَ فان هذه الجزئية قد يصعب تحديدها فلما قال ارزقوهم فيها دل هذا على أن ما يحتاج إليه مما تدعوا إليه الضرورة سواءً قل أم كثر من أنهم ينفقوا عليهم وأما القول بأن قوله((وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا )) بمعنى أنتم أيها الآباء لا تعطوا من تحت أيديكم أموالكم إذا كانوا لا يحسنون التصرف لأن هذه الأموال بأيديكم وبها قيام لمصالحكم  الدينية والدنيوية ولكن عليكم أن تنفقوا عليهم وأن تكسوهم وأن تقولوا لهم قولاً معروفا بأن تعدهم وعداً حسن من أنك  ستعطيه من هذا المال وأن ترفق به ويتضمن أيضا وهو قول لبعض العلماء وهو قولٌ سديد وقد أجاز الفقهاء ذلك لكن من باب الجواز وليس من باب الاستحباب أو الأمر يتضمن ماقاله بعض العلماء من أن الإنسان لا ينفق ماله كله على ورثته في حياته بمعنى أنه يصرف ماله كله على حسب ميراث الله عز وجل لهم قبل أن يموت حتى لا يكون عالة عليهم وحتى لا يطلب منهم فلربما أن النفوس تتغير ونحن نعلم من حيث الواقع ومن حيث الأسئلة التي ترد علينا من أن أناس قسموا أموالهم على أولادهم في حياتهم فأصبحوا فقراء فأصبحوا يتكففون أبنائهم القليل من المال وتغيرت النفوس لكن لو قسم ماله على حسب ميراث لله عز وجل في حياته فالقول الجواز لكن لا يستحب ذلك ولا يؤمر الإنسان بذلك((وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ))

وابتلوا  أي إختبروا ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ))قال وابتلوا اليتامى هنا يختبرون قبل البلوغ ووصفهم بأنهم يتامى باعتبار ما مضى لأنهم لم يبلغوا بمعنى أنه إذا أوشك على البلوغ وعلم منه الرشد وهو حسن التصرف في المال هنا يعطيه الولي مال لينظر كيف يتصرف في هذا المال إن كان هذا اليتيم أو هذا الصغير من أناس من عائلة  حرفتهم الزراعة يعطيه ما يتعلق بمال من أجل الزراعة فينظر هل يحسن التصرف أو لا إن كان في تجارة إن كان في صناعة وهكذا إن كانت امرأة بمعنى أنها بنت فإنه يعطيها من المال ما تتصرف فيه في البيت هل تحسن التصرف أم لا ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ))دل هذا على أنه لا يجوز حين البلوغ أن يعطوا هذه الأموال وهي أموالهم إلا بعد  أن يختبروا حتى يعرف منهم الرشد ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)) يعني أنهم بلغوا والبلوغ للرجل يحصل بواحد من أمور إما ببلوغ خمسة عشر سنة  ودليل ذلك أن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني القتال وعرضت عليه في غزوة الخندق فأجازني  الأمر الثاني أن ينبت الشعر الخشن حول قبله ودليل هذا وفيه إختلاف بين أهل العلم والصحيح أنه يعتبر علامة  من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :”في بني قريظة قال من أنبت  حكم فيهم بحكم سعد ابن معاذ قال : من أنبت الشعر فإنه يقتل لأنه بلغ “ومن ثم فإن بعض العلماء قال إنما المقصود فقط هل يقتل أو تضرب عليه الجزية لكن الصحيح أن هذا يتعلق بالبلوغ الأمر الثالث إنزال المني باحتلام أو بغيره فمتى ما نزل المني دل على أنه بالغ ومن ثم فإنه قد يبلغ قبل خمسة عشرة سنة قد يبلغ بنزول المني قد يبلغ بنبات هذا الشعر الخشن قبل خمس عشرة سنة والمرأة كالرجل إلا أنها تزيد  عليه بالحيض وبعضهم أضاف الحمل ولا شك أن الحمل ليس علامة مستقلة لما لأنه لا يحصل حمل إلا بعلامة سابقة وهو نزول المني لأن الجنين إنما يخلقه الله عز وجل بأمر منه من ماء الرجل ومن ماء المرأة كما قال عز وجل ((هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ))(( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا ))آنستم أي علمتم وذلك بالظهور يعني ظهر لكم وعلمتم الرشد هو حسن التصرف يعني لا يعطى المال عند بلوغه حتى يكون حسن التصرف بعض العلماء قال إن حسن التصرف لابد أن يكون حسن التصرف في ماله وأيضاً يكون غير فاسق في دينه والذي يظهر أن الأمر متعلق فيما يتعلق بهذا الأمر بأمور الدنيا بمعنى أنه يحسن التصرف في ماله بحيث لا ينفقه فيما لا طائل من ورائه وبحيث لا ينفقه في معصية الله لكن قد يرتكب بعض الذنوب فهذا لا يخرجه عن الرشد فيما يتعلق بالمال لأن الرشد يختلف باختلاف أحواله من الرشد من حيث المال الرشد من حيث الولاية وما شابه ذلك وهذا لا يدل على جواز أن يفعل الذنوب لكن بعض الناس قد يكون فاسق فاجر لكنه فيما يتعلق بالمال من أحرص الناس فلا يبذره فيما لا طائل من ورائه ولا ينفقه فيما فيه معصية وإن كان يحب المعصية لكنه يحرص على ماله ومن ثَمَ  يكون راشدا((فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )) وهذه الآية تذكرنا بالآية التي في أول السورة ((وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ))متى هنا المذكور هنا حال البلوغ وحال الرشد ولا ينظر إلى ما قاله بعض العلماء من أنه لا يعطى فيما يتعلق بالنساء إلا إذا بلغت خمسٍ وعشرين سنة وقال بعضهم إذا تزوجت قالوا إذا بلغت خمس وعشرين سنة دل على أنها في مثل هذا السن تكون جدة يعني قد حصل من نسلها أولاد ولا شك أن هذا مخالف لصريح الآية فمتى ما كانت المرأة راشدة وبالغة وكذلك الرجل قد بلغ ورشد فإنه يدفع إليه ماله ((فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ))على سبيل الوجوب ((وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا ))أي مجاوزة وإفراط في أخذها((وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا )) بدارا أي مبادرة فهذه الآية معناها من أنه الوالي لا يحرص على أن يستغل مال هذا اليتيم مجازفةً بمعنى أنه يأخذ المال الكثير أو أنه يأخذ المال القليل ولو قل خيفةً من أن يكبر هذا اليتيم أو هذا السفيه فيأخذ هذا إذا بلغ ورشد يأخذ ماله فهو يستغل ويبادر قبل بلوغه الحلم وقبل الرشد يستغل ماله إما بأخذه عن طريق الأخذ الكثير إسرافا أو بما قل ((وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ))من كان غنياً من هؤلاء الأولياء على اليتامى فالواجب عليه أن يستعفف ولا يجوز له أن يأخذ شيئاً منه بل يحتسب الأجر هو و الفقير أيضاً من كان والياً وكان فقيراً فليحتسب الأجر النبي  صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه قال “أنا وكافل اليتيم _له أو لغيره في الجنة سواء ((وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ))ماهو هذا المعروف الذي يأكله يأكل بالمعروف الأقل من أجرة مثله أو مما يحتاج إليه بمعنى أنه إذا كان فقيرا فهذا الفقير وهو الولي سيقوم على شؤون اليتيم فكانه تولى عملاً لهذا اليتيم فيأكل منه إما بقدر حاجته الضرورية أو بالأجرة أو بقدر أجرته يأخذ الأقل بمعنى لو كان مثلاً لو كان والياً بأجره كم يأخذ مثلاً لو قيل يأخذ مائة ريال وإذا به في حاجته مثلاً ما يحتاج إلا خمسين ريالاً أو كان العكس بمعنى أن الأجرة خمسون وهو يحتاج إلى مائة يأخذ الأقل ((وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ))علماً أن بعض العلماء يقول حتى الفقير لا يجوز له أن يأكل وإنما عليه أن يستقرض فإذا وجد  سعه فليقضه ويستدلون على ذلك بما جاء عن عمر رضي الله عنه قال :أنا في مال بيت المسلمين كالوالي على مال اليتيم أستقرض منه فإذا وجدت سعة رددته فدل هذا على أن ما يأخذه الولي الفقير إنما هو قرض ولكن الصحيح أنه ليس بقرض وإنما عمر رضي الله عنه هذا من باب الإعفاف والعفة منه رضي الله عنه والقناعة منه رضي الله عنه وإلا فمعلوم أن الوالي له نصيب من حيث الشرع في مال بيت المسلمين ((وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ))هذا الإشهاد الذي يظهر أنه واجب لمَ لأن به إبراء للذمة وحتى لا تذهب حقوق هؤلاء اليتامى وهذا أيضاً يتضمن ماذا لمَ قال عز وجل ((فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )) دل هذا على أن هذا الولي على اليتيم مؤتمن فلا يخون بمعنى أنه لا يقال له أخذت كذا أو أخذت كذا أو أخذت كذا لمَ لأنه أمين ولذا قال ((فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ )) فيجب الإشهاد عليهم فيما يظهر لي يجب الإشهاد على دفع هذه الأموال ((فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا )) فالله عز وجل حسيب وهو يحاسب عباده وهو مطلع عزوجل ويتولى أمورهم فالله عز وجل حسيب ومن ثَمَ فإن الولي لو أنقص شيءً من ذلك فإن الله عز وجل سيحاسبه هو أمين ولا يدري أحدٌ عن حاله في حال الخفاء مع مال اليتيم لكن الله مطلع وسيحاسبه إن أنقص منه شيئا ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )) ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ))كانوا لا يورثون النساء وكانوا لا يورثون الأطفال لما لأنهم كانوا يقولون إنما يرث الذي يقاتل وهؤلاء لا يقاتلون ومع ذلك حرموهم من الميراث فقال عز وجل ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ))نصيب حظ وقسمة (( مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ ))أي الأب والأم ((وَالْأَقْرَبُونَ ))فإن الإنسان إما أن يرث عن طريق الولادة طريق الأم أو طريق الأب أو طريق القرابة ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ))هنا ذكر الرجال مع أنهم يورثون الرجال لكن من باب ماذا  لربما لو  قيل للنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون قد يظن أن الرجال ليس لهم شيء فأتى الشرع مبيناً أن لهؤلاء نصيبا و للنساء يكون لهم نصيب((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ))هنا قال مما قل منه أو كثر  فيما مضى لما قال نصيب يشمل القليل والكثير لكن هنا قال مما قل منه أو كثر ليبين أن ما ترك من مال فإن لهؤلاء حقوقاً فيه ولو قل سواءً كان كثيرا أو قليلا لمَ لأنه ربما يكون المال قليل فيقال والله هؤلاء لا يحتاجون إليه لقلته ولربما يكون المال المتروك من التركة كثيراً عظيما فيقول لا كيف تستبيح المرأة وكيف يستبيح هذا الطفل أن يأخذ هذا المال الكثير فقال عز وجل ((مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )) أي فرضه الله عز وجل فهو نصيب وحظ وقسمة لهم نصيباً مفروضا فرضه الله عز وجل فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليه((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ))سبحان الله  قال  هنا ((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ )) لما ذكر ما يتعلق بنصيب النساء وبنصيب الرجال من التركة ربما تقسم هذه التركة وهناك من حضرها ممن  من هؤلاء ((وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ))قسمة التركة ((أُولُو الْقُرْبَىٰ  )) أي أقرباء لكنهم لا يرثون((وَالْيَتَامَىٰ ))واليتيم الذي  مات أبوه قبل أن يبلغ مر توضيح ذلك أكثر من مرة  لكنهم لا يرثون ((وَالْمَسَاكِينُ ))يعني الفقراء((فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ ))ارزقوهم من هذه التركة  ولو بما قل ومن ثَمَ فإن هذا الأمر قال بعض العلماء هو واجب لكنه نسخ بآيات المواريث لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم “إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصيةَ لوارث “ولأن الله عز وجل ذكر أصحاب الفروض ومن يرث وذكر ذلك النبي صلى الله عليه وآله سلم والذي يظهر أن الأمر هنا ليس فيه نسخ وإنما هنا على سبيل الإستحباب وذلك لأن هؤلاء إذا حضروا هذه الأموال وهذه التركة إذا قسمت فإن نفوسهم تتوق إلى ذلك فمن باب دفع ما يمكن أن يقع من حسد فليعطوا من ذلك ولذلك ماذا قال عز وجل في نفس السورة كما سيأتي((وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْ )) ثم أيضاً فيه تطييب لنفوسهم فإن في ذلك إدخال للسرور على هؤلاء ولذا قال تعالى ((فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ  وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )) بمعنى إذا لم تطب نفوسكم بأن تدفعوا إليهم  هذه الأموال أو كان في الورثة من هو لم يبلغ ومن هو مما يسميه الناس بالقصر بمعنى أن هناك من هو محجور على ماله فقولوا له قولاً معروفا بمعنى أنكم تعتذرون إليهم من أن هذا المال به نصيب لهؤلاء الصغار أو هؤلاء المحجور عليهم حتى تطيب نفوسهم ولذا قال ((وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )) ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )) هذه الآية قال عز وجل ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا )) الخشية تتعلق بالمستقبل بأمر عظيم يتعلق بالمستقبل ((مِنْ خَلْفِهِمْ )) أي بعد موتهم ((ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ))خافوا عليهم من الضياع ماذا عليهم ((فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )) وذلك لأن الإنسان يخشى بعد موته أن يتيه أولاده وأن تضيع أسرته ولا سيما إذا كان ذريةً ضعفاء إذاً ماذا عليه فليتق لله عز وجل وليقل قولاً سديدا فقال هنا ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )) دل هذا على أن من أرد أن تحفظ ذريته من بعد وفاته فعليه بتقوى الله وبالقول السديد والقول السديد شامل ولذا ماذا قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ

)) وأعظم القول السديد هو ما يتعلق بتوحيد لله عز وجل فالإنسان عليه أن يتقي  الله عز وجل وليقل القول السديد الصائب الذي لا اعوجاج فيه مما يدل على حصول النفع بهذا القول ودفع الضرر عن  نفس الإنسان ذاته وعن غيره مع تقوى الله عز وجل ومن ثَمَ  فإنه يدخل في هذه الآية على وجه العموم الذي فسرته يدخل في ذلك قول من يقول إن من حضر الميت الذي به علامات الموت ولم يعاين الموت فليتق الله ولينصحه إذا أراد أن يوصي هذا الذي في سياق الموت أن يوصي بأمواله أو ماشابه ذلك يوصيه بتقوى الله عز وجل و بالقول السديد الذي ينصحه به من أجل أن يبقي مالاً لورثته كما هو يحب أن هناك من ينصحه في مثل هذه الحاله ولذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا قال قال كما ثبت قال “إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم  عاله يتكففون الناس ” وأيضاً يدخل في أن من كان والياً على يتيم بمعنى يجعل أولاده الذين هم من صلبه بمنزلة هؤلاء الأولاد الذين مات أبوهم فكما يحب فيما لو كان في مثل هذه الحالة بعد موته كما يحب أن غيره يحسن إلى أولاده بعد موته إذا كان والياً عليهم أيضاً هو فليحسن إلى هؤلاء اليتامى فقال عز وجل هنا ((وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا

قال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ))  قال هنا ظلما لأن أكل مال اليتيم مر معنا الوعيد الشديد في ذلك ونهى الله عز وجل عن ذلك ((وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ)) وقال عز وجل كما مر معنا ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ   حَسِيبًا)) لكن هنا ماذا قال(( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )) دل هذا على أنه يمكن أن تكون هناك حالة يؤكل فيها مال اليتيم ليس عن طريق الظلم كما مر معنا لما نزلت هذه الآية الصحابة رضي الله عنهم عزلوا من كان والياً على يتيم عزل طعامه عن طعام اليتيم فلربما فسد هذا الطعام فقال الله عز وجل ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)) مر تفسير هذه الآية  في سورة البقرة مفصلة (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا )) ولذلك عده النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين إذ قال “اجتنبوا السبع الموبقات “عدها من الموبقات المهلكات أكل مال اليتيم (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا )وذكر الأكل هنا لا يدل على الحصر بل إن أي وجه من وجوه الانتفاع بمال اليتيم على وجه الظلم يكون داخل في هذه الآية لكن الأكل ذكر هنا باعتبار أنه هو  الذي يحرص عليه وأن الذي يؤكل إذا وقع في البطن  فإنه لا يعود ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا )) النار تتأجج في بطونهم حتى لو قيل من أن هذا المال ينقلب إلى نار فكل ذلك يكون فأكلهم لهذا المال يكون سببا في تأجيج النار في بطونهم  ولعلكم تذكرون ما مر معنا في قوله تعالى((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) ((إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا )) في بطونهم نارا لأن البطون أكلت ذلك المال فعوقبت تلك البطون بأن النار تتأجج فيها وإلا فمن كان في النار فإنه يتعذب بكامل بدنه نسأل الله السلامة والعافية فذكر البطون هنا الجزاء من جنس العمل والتنصيص على البطون لأن البطون أكلت هذا المال ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )) حتى لا يظن أن النار فقط في البطون قال ((وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)) أي سيقاسون حرها ولذا قال تعالى((كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا )) دل هذا على أن في هذا رداً على من قال أن أهل النار بعد مضي زمن يتكيفون فيها ومن ثَمَ لا يشعرون بها فأصبحوا كأنهم جزء منها وأيضاً فيه رد على من قال من أنهم يتكيفون حتى أنهم ليتلذذوا بها وهذه أقاويل باطلة مر الحديث عنها