تفسير سورة النساء
من آية ٣٢ إلى آية ٣٤
الدرس ٥٧
للشيخ زيد البحري – حفظه الله –
﴿وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ ) هُنا نهاهم عن ماذا؟ نهاهم عن أن يتمنى الإنسان ما عند أخيه المسلم وعند صاحبهِ وهنا ذكر المفسرون من أن بعض النساء تتمنى من أنها تغزو من أجل أن يحصل لها الأجر كذلك قالوا: مايتعلق بالإرث لأن ما مضى يتعلق بالميراث وفي ذلكم الميراث فُضل الذكر على الأنثى فقال هنا عزوجل: ﴿وَلا تَتَمَنَّوا) ولُيعلم أن هذه الآية عامة شاملة وليست محصورة فيما ذكره المفسرون ﴿وَلا تَتَمَنَّوا) نهي (ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ ) لأن المتفضل من؟ هو الله -عزو جل- ومن ثمّ فإن العبد إذا حسد أخاه المسلم هنا يعترض على قضاء الله وعلى قدره ولم يرضى بقضاء الله وبقدره (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللَّه بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) لكن قد يقول قائل النبي ﷺ قال كما في الصحيح : “لا حسد إلا في اثنتين” يعني حسد الغبطة “رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته بالحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يعلمها ويقضي بها” فجاءت أحاديث حتى أنه عند الترمذي: إنما الدنيا لأربعة نفر ومنهم رجل آتاه الله مالاً وعلماً فيقول لو أنني مثل فلان لفعلت بهذا المال مثل ما يفعل فلان ، آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه فيقول لو أنني مثل فلان لفعلت بهذا المال كما فعل فلان فما هو التوجيه هل هذا الحديث يعارض هذه الآية؟
الجواب: لا، لأن الآية الحديث عنها عن أن يتمنى الإنسان عين ما عند أخيه المسلم كأن يكون عنده شيء من الدنيا كسيارة أو كبيت أو ما شابه ذلك فيتمنى عين هذا الشيء، لكن لو تمنى لو تمنى مثله دون أن تزول منه فهنا يصُدق عليه الحديث فالحديث عن ماذا عن المثلية هنا النهي عن أن يُعين التمني في عين ماله كأن مثلا يتمنى أن تكون له عين زوجته أو عين سيارته وعين كذا أو عين كذا، لكن لو تمنى أن يكون له مثل مالٍ هذا فلا إشكال في ذلك إذا كان في الأمور المباحة يكون جائزا وإن كان في الأمور الشرعية كالعلم وما شابه ذلك فيكون مستحبا ﴿وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) لأن التمني تمني عين الشيء يؤذي بالإنسان إلى أن يقع في الحسد أن يقع في الحسد وهو يتمني زوال تلك النعمة بعينها عن أخيه المسلم ﴿وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) .
(لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكتَسَبوا وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ) أي للرجال نصيب أي: حظ مما اكتسبوا أي مما اكتسبوه من الطاعات ومِما حصل لهم ومما اكتسبوه من هذه الدنيا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن ثم ماذا قال بعدها؟ لأن المتفضل من؟ هو الله ولذلك قال بعدها: (وَاسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ ﴾ لأن هو الذي فضل ذلك الرجل عليك أو فضل تلك المرأة عليكِ أنتِ أيتها المرأة فإذاً ألجئي إلى لمن؟ ألجئي إلى الله اسألي الله ولذلك ثبت عن قوله النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن لم يسألِ اللهَ يغضبْ علَيهِ” (وَاسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ﴾ هذا شامل واسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ أي يوفقك للعمل الصالح كما وفق إليه فلان اسأل اللَّهَ -عز وجل- مِن فَضلِه أن يرزقك من الدنيا كما رزق فلان أو أكثر من فلان لا إشكال في ذلك، واسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ ولذلك أمر بالسؤال مما يدل على ماذا؟ مما يدل على أنه لما أمر -عز وجل- بالسؤال دل على أن الله -عز وجل- لو لم يأمر به كما قال ابن عُيينه: “ما أمرك بسؤال إلا ليعطيك” ما أمرك عز وجل بالسؤال إلا ليعطيك اكتَسَبنَ {وَاسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ}
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا﴾ (بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا﴾ ومن ذلك ما يكون في النفوس من التمني ما يكون مما يكون الصلاح لفلان يعلم -عز وجل- أن الغنى صلاح لفلان وإن الفقر صلاح لفلان فهو -عز وجل- عالم بحالك وما يكون خيراً لك ومن ثمّ ماذا عليك؟ أن ترضى بقضاء الله وبقدره ومن الإيمان بالقضاء والقدر أن تفعل الأسباب ومن بين الأسباب الدعاء (وَاسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمًا﴾
﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) وَلِكُلٍ أي لكُلٍ منكم أو لكل ذكر وأنثى لأن كلمة كل ولكُلٍ إذا أتت منونة فهو تنوين عِوض عن كلمة تنوين عِوض تنوين عِوض عن كلمة لأن التنوين عن العوض إما أن يكون عن جملة وإما يكون عن كلمة وإما يكون عن حرف كما سيأتي إن شاء الله بيانه إذ مر معنا ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ) لكلٍ جعلنا منكم لكل جعلنا موالي موالي يعني عصبة وورثة يرثهم أو يرثونه قال هنا ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) (مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) بمعنى أنه يرث من؟ الوالدين والأقربين إذا تركوا شيئا أو وهذا يصدق ويصلح هذا وهذا ومن أنه قال: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ)
” ما ” هنا بمعنى من من ترك من؟ هم الوالدين والأقربون بمعنى أنه سيرث الوالدين والأقربين إذا ماتوا وإن مات هو ورثه من؟ والداهُ وأقاربهُ تأمل ما مضى في الآيات السابقات ماذا قال عز وجل:﴿لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ أَو كَثُرَ) قال هنا:﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) لم يذكر الأولاد لأنه من المعروف أنه إذا مات الوالد سيرثه الولد فكلمة الوالدان دلت على أن الولد يرث فيما لوكان حياً ولو مات الوالدُ ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) دل هذا على أن من أسباب الإرث القرابة وهي قرابة النسب لعله هنا لما ذكر ما يتعلق بالقسمة السابقة في المواريث ج بين هنا ماذا؟ السبب سبب الإرث ما سبب الإرث؟ من أسباب الإرث ماذا؟ القرابة من أسباب الإرث القرابة أيضا مما مضى من أسباب الإرث الزوجية، إذن أسباب الإرث ثلاثة: قرابةٌ، وزوجية يعني نكاح، وولاء ولاء ما هو الولاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا قال؟ قال صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه: ” الولاء لمن أعتق” بمعنى أن الإنسان وهذا قديما لو أن الإنسان أعتق عبداً فهذا العبد أصبح حرًا فتاجرَ فأصبحت له أموال وليس له ورثه من صلبه من أقاربه من يرثه؟ يرثهُ المعتق وعصبته المتعصبون بأنفسهم قال هنا: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) ودل هذا على أن المقصود من ذلك ولادة النسب للرضاع وقرابة النسب الرضاع لأن الرضاع لا يحصل بسببه إرث والشاهد من ذلك قوله -عز وجل-: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ وَالَّذينَ عَقَدَت أَيمانُكُم فَآتوهُم نَصيبَهُم) (وَالَّذينَ عَقَدَت أَيمانُكُم) كانوا قديماً كان الواحد منهم إذا أتى إلى الشخص يقول دمي دمك، ومالي مالك ترثني وإرثك هذا هو ما يسمى بالحلف ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الحلف عندهم قديماً يختلف تختلف أنواعه يقول دمي دمك، مالي مالك ترثني وأرثك وأيضاً قد يكون الحلف قد يكون من باب النصرة والتناصر ولذا قال عز وجل:(وَالَّذينَ عَقَدَت أَيمانُكُم فَآتوهُم نَصيبَهُم) (فَآتوهُم) أي أعطوهم نصيبهم، كانوا يرثون السدس كان الحليف يرث من حليفه إذا مات يرث السدس فقال عز وجل: (فَآتوهُم نَصيبَهُم) أتوهم نصيبهم ماذا؟ نصيبهم من النصرة والموالاة، أما الإرث فلا، لأن الله -عز وجل- قال في صدر الآية:(وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) أما هؤلاء فإنهم لا يرثون وإنما ما هو النصيب الذي نُعطيهم؟ فآتوهم نصيبهم النصرة والموالاة والنصرة على ماذا؟ النصرة على الحق لكن النصرة على الباطل والشر فإنه لا يجوز ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لا حلف في الإسلام” كما ثبت عنه قال: “وما كان حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة “إذا كان حلف على نصرة المظلوم وعلى إعانة المظلوم لكن لو كانت نصرة على حلفٍ من أجل إبطال حق أو إحقاق باطل فإنه لا يجوز ومن ثم تتفق الأدلة من السنة في هذه الأحاديث المتعلقة بالحلف ، المتعلقة بالحلف ومن ثم قال بعض العلماء: هذه الآية محكمة باعتبار أن الله -عز وجل- أمرنا بأن نعطيهم نصيبهم ما نصيبهم في هذه الآية؟ ماذا؟ النصرة فقط النصرة على الحق لأن الإرث هنا ليس وارداً لأن صدر هذه الآية يدل على أنهم لا يرثون، وبعض أهل العلم وابن كثير يشنع فيقول من قال إنها محكمة وليست منسوخة فيقول غير صحيح ، لأن الموالاة منها ما يكون على النصرة ومنها ما يكون على الإرث فيقول هنا: (فَآتوهُم نَصيبَهُم) نُّسخ ماذا؟ نُسخ ما يتعلق بالإرث وبقي ما يتعلق بالنصرة وعلى كل حال الأظهر من أنها محكمة لكن حتى لو قال بأنها منسوخة فلا إشكال فالقولان يتفقان من أن الإرث لا يورث به (فَآتوهُم نَصيبَهُم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدًا﴾ فهو شهيد ومطلّع وعالم ورقيب على كل شيء على كل شيء وسيحاسِبُ كل إنسان ومن ذلك ما يكون هنا مما ذكر عز وجل مما يتعلق بالإرث ومما يتعلق بالحلف.
﴿الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ وَبِما أَنفَقوا مِن أَموالِهِم) ذكر عز وجل هذه الآية بعد الآيات السابقات مما يدل على أن النساء من أن لهن كما قال تعالى: (لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكتَسَبوا وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ) دل هذا على أن المرأة مع أن لها ما يتعلق بها وما يكون لها من حقوق فرضها الله -عز وجل- لها وأوجب ذلك أيضاً المرأة تكون عليها ولاية من قِبل الرجال من قِبل الرجال وهذا يُتحدث عنه في مثل هذا العصر من السعي إلى إسقاط الولاية لأن أهل الشر وممن انخدع من النساء ومن غيرهم يسعون إلى هذا الأمر، وقد تحدثت في غير هذا الموطن بتفصيل في الرد على مثل هذا الأمر لما؟ لأن من القوامة هو الشخص القائم على الشيء إنما قيامه على هذا الشيء مما يدل على تكريم على من يقام عليه فالله -عز وجل- لما ذكر في أول السورة من أن هناك أولياء على اليتامى من باب ماذا؟ من باب أن يحفظوهم ومن باب أن يقوموا على شؤونهم وأن يحرصوا على مصالحهم وأن يدفعوا عنهم المفاسد والشرور. كذلك القوامة هنا من الرجل على المرأة فيه خير لها وليس في ذلك امتهان لها بل إن كلمة (قَوّامونَ) الرجال قوامون قال قوامون كلمة قوام على وزن فعّال تدل على ماذا؟ تدل على أن هذا تشريف وتكريم للمرأة لما ؟ لأن المرأة ولا يختلف في ذلك اثنان ضعيفة من حيث الخلقة فهي بحاجة إلى من يعينها ويدفع عنها الشر ويدفع عنها السوء وأن يبين لها وأن يحرص عليها فهي في مثل هذي القوامة خيرٌ لها فقال عز وجل:(الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ) وليس معنى القوامة من أن الرجل يهضم حق المرأة لأن الناس في مثل هذا الزمن إما يكون بين إفراط وبين تفريط من يطالب بإلغاء القوامة وهناك من يدافع عنها من أجل أنه يتسلط على المرأة لا! إنما هذا واجب عليك انت أيها الرجل وهذا الوجوب يتضمن ماذا يتضمن أن تكون رحيماَ حريصاً شفيقاً حريصاً على هذه المرأة وهذا يدل على ماذا؟ يدلُ على أنك تحرص أن تعطيها الخير وأن تُّجنبها الشر (الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ) ولم يقل متسلطون على النساء أو أنهم يهضمون حقوق النساء ومما يؤكد ذلك من أن القوامة فيها خيرٌ للمرأة وليس بها تسليط على المرأة كما يتصور من أنه تهضم حقوقها الآيات التي في أول السورة فيها بيان ماذا ﴿وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحلَةً).
﴿لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ ) قال هنا قبل هذه الآية بآيات: ( وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ) فقال تعالى هنا:(الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ) لما؟ (بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ) ولا أحد ينكر من أن الله -عز وجل- فضّل جنس الذكور على جنس الإناث قال: ( بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ) من حيث القوة، من حيث الحرص، من حيث الصبر، من حيث ما يتعلق بمعرفة الأمور، والتجربة و ما شابه ذلك مما تشمله هذه الكلمة بجميع أنواعها بل إن المرأة كما ذكر عز وجل في سورة آل عمران وهي امرأت عمران أقرت بذلك وهي أمرأة ولذلك قالت امرأت عمران: ﴿ رَبِّ إِنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحَرَّرًا فَتَقَبَّل مِنّي إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ﴾ لأنهم كانوا يحررون الذكور لخدمة المسجد الأقصى فهي تظن أن الذي في بطنها تظن أنه ذكر فولدت أنثى ﴿فَلَمّا وَضَعَتها قالَت رَبِّ إِنّي وَضَعتُها أُنثى وَاللَّهُ أَعلَمُ بِما وَضَعَت) قالت هي:(وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثى) هذا إقرار من امرأة من جنس النساء (بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ وَبِما أَنفَقوا مِن أَموالِهِم) َبِما أَنفَقوا مِن أموالهم مما يدل على ماذا؟ مما يدل على أن النفقة واجبة على الرجل تجاه المرأة بل أن المرأة فيما لو لم يرد الرجل أن ينفق عليها ولو كانت ذات أموال طائلة تملكها فلا يجوز له أن يأخذ من مالها ولا يجوز أن يرغمها على أن تنفق على نفسها من مالها بل لو كانت ثرية وهو فقير ثم رفعت أمرها إلى المحكمة فإن القاضي يفسخ نكاحها إذا لم ينفق عليها فدل هذا على أن الأمر فيه تكريم للمرأة، (وَبِما أَنفَقوا مِن أَموالِهِم) ثم ذكر (فَالصّالِحاتُ) (فَالصّالِحات)ُ يعني من أن تلك القوامة لا تدل على فساد النساء بل إن هناك نساء صالحات وقمنَ بحق الله وبحقوق الناس و بحقوق الخلق .
( فَالصّالِحاتُ) منهن؟ (قانِتاتٌ) هذا فيما يتعلق في حق الله (قانِتاتٌ) يعني مطيعات لله -عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه (فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلغَيبِ) يحفظن فروجهن لأزواجهن في حال الغيبة ويحفظن مال الزوج أيضاً في حال غيبته وهذا يدل على ماذا على أن الإسلام ما هضم حق المرأة فإذاً هي في غيبة الرجل، هي مؤتمنة كما أن الرجل مؤتمن على المرأة في حال القوامة هي أيضاً مؤتمنة على ماذا؟ على عِرض الرجل وعلى ماله حال غيبته قال: ﴿ فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ) هذا فيما يتعلق بحق الله (حافِظاتٌ لِلغَيبِ) هذا يتعلق بحق المخلوقين وهم الأزواج (حافِظاتٌ لِلغَيبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ) المحفوظ من حفظه الله يعني أنهن قمن بهذا الأمر بسبب أن الله حفظهن وإلا لو وُكل الإنسان إلى نفسه من امرأة أو رجل لضاع ولذلك ثبت قوله ﷺ: “احفظ الله يحفظك”(حافِظاتٌ لِلغَيبِ) بما حفظ الله وأيضاً يتضمن بما حفظ الله أي بما أوصى الله -عز وجل- الأزواج أن يعطوا هؤلاء النساء مهورهن وحقوقهن ونفقتهن بما حفظ الله ( فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلغَيبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللّاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ) بعضهن قد لا تكون مطيعة لزوجها ومن ثم فإنها لا تكون صالحة باعتبار ماذا؟ باعتبار أنها قصرت في حق من حقوق الزوج وهذا الحق أمر الله به (وَاللّاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ ) قال بعض أهل العلم: الخوف هنا بمعنى الظن، وقيل: بمعنى العلم ، وعلى كل حال، لا يحق للرجل أن يتخذ ما ذكره عز وجل من هذه الأمور المذكورة في هذه الآية إلا اذا تحقق من نشوزها حتى لا يظلمها سواءُ قيل غلب الظن أو العلم اليقيني (وَاللّاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ) النشوز: أن تترفع المرأة عن القيام بما يجب عليها تجاه زوجها بمعنى أنه يأمرها فلا تأتمر فما يتعلق في حقوقه عليها، يطلبها إلى فراشه فتمتنع، وما شابه ذلك من الحقوق التي أوجبها الشرع عليها وليس معنى ذلك أن يطلبها شيئاً ليس له فإن هذا ليس بنشوز لو طلب منها شيئاً من مالها فرفضت فليس هذا بنشوز فالنشوز أن تترفع المرأة عن مأخوذ من النشز وهو الارتفاع بمعنى أنها تترفع عن ما يجب عليها من واجبات تجاه زوجها (وَاللّاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ) ماذا تصنع؟ (فَعِظوهُنَّ) توعظ تُذكر بالله تُذكر بما أوجبه الله -عز وجل- عليها تُذكر بفضل من أطاعت الزوج بعقوبة من عصت الزوج فهذا هو الوعظ (فَعِظوهُنَّ) (وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) (وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) قال بعدها: (وَاضرِبوهُنَّ) بعض أهل العلم قال: هذه الثلاث تُجمع كلها يعني يجمع الوعظ والهجر والضرب في حالة واحدة والصحيح وهو ما يدل عليه سياق الآيات وذكر الفاء فاعلهن ولو ذُكرت الواو واهجروهن واضربوهن فإنها تدل على الترتيب بمعنى أنها تُوعظ وتُذكر بالله إذا لم يحصل منها استجابة بسبب هذا الوعظ ؟ ( فَعِظوهُنَّ وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) (وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) في المضاجع هنا يعني : في الفراش بمعنى أنه يبقى في الفراش ولكن لا يُجامعها وإنما يُعطيها ظهره بعض أهل العلم قال: إنما الهجران هنا يهجرها بأن يذهب إلى فراش آخر والهجرهنا : يكون من المباعدة بمعنى أنه ابتعد إلى فراش آخر وسواءٌ قيل بمعنى أنه يهجرها بمعنى أنه يُعطيها ظهره وهما على فراشِ واحد أو ينتقل إلى فراشِ آخر، فلا يكون الهجر إلا في البيت لأن النبي ﷺ كما ثبت عنه قال: “ولا تهجر إلا في البيت” لأن الهجران في البيت تكون الأمور بينهما فربما تصلح بعدما تستقر النفوس لكن لو خرجت خارج البيت يأتي الوشاة حتى لو كانوا من الأقرباء فلربما عظموا الأمر وازداد الشر (وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) يعني في الفراش وهذا يدل على ماذا ؟ على أن كلمة المضاجع تُطلق على أكثر من معنى ، مرّ معنا من أن المضاجع هي الأماكن هي الأماكن وليست الفُرش مرّ معنا في سورة آل عمران (لَبَرَزَ الَّذينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ القَتلُ إِلى مَضاجِعِهِم) يعني إلى أماكن مقتلهم التي كتبها الله -عز وجل- عليهم (وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) بعض المفسرين قال: واهجروهن في المضاجع بمعنى قولوا لهن الهجر وهو القول الفاحش وهو القول الغليظ ولكن هذا بعيد ويرده قول النبي ﷺ: “ولا تُقبّح” أي : لا تقول للمرأة قبحك الله أو ما أقبح وجهكِ أو ما شابه ذلك ومن ثم فإن هذا القول ضعيف وأضعف منه ما قيل من انه يربطها ويوثقها في البيت مأخوذ من الهجار وهو الحبل ولذا ابن جرير الطبري وهو إمام المُفسرين أبطل كل قول وأيد هذا القول فقط ولذلك قال ابن العربي رحمه الله: يا لها من زلةِ عالم من الكتاب والسنة، لما؟ لأنه رحمه الله استدل بحديث غريب بل إنه حديث منقطع لأن الراوي هو الأمام مالك عن أسماء بنت أبي بكر ولم يدركها من أن الزبير قيل له: لتعاتب زوجاتك فأخذ أسماء وربط شعرها بشعر ضرتها ثم ضربها فاشتكت رضي الله عنها إلى أبيها فقال لها : اصبري فإن الزبير رجلٌ صالح ولعلّك أن تكوني زوجة له في الجنة لكن الحديث لا يصح ، الحديث لا يصح ومن ثم فإن قوله: (وَاهجُروهُنَّ فِي المَضاجِعِ) هو ماذا؟ الفراش في الفراش (وَاضرِبوهُنَّ) يعني إذا لم ينفع بأن المرأة إذا هُجرت في الفراش بأن يعطيها الزوج ظهره أو انتقل إلى فراش آخر هي بحاجة إلى أُنس الزوج واستقراره فاذا لم يفد مثل هذا العقاب عن نفسي مثل هذا العقاب النفسي هنا فينتقل إلى العقاب البدني وهو (وَاضرِبوهُنَّ) الضرب ما هو؟ الضرب هنا، لما سُئِلَ عنه ابن عباس رضي الله عنهما لأن النبي ﷺ لما قال: “استوصوا بالنساء خيرا” قال: (وَاضرِبوهُنَّ) لما ذكر فيما يتعلق بالنساء فيما لو نشزت إذا لم تقم بحق الله ضرباً غير مُبرِح يعني غير موجع ولا يكسر عظماً ولا ما شابه ذلك ومن ثم فإن قوله: (وَاضرِبوهُنَّ) ولذلك لما أذن النبي ﷺ بالضرب وضرب بعض الناس نساءه قال ﷺ: “لقد طاف بآل بيت محمد نساء يشكين أزواجهن ليس أولئك بخيارهم” ليس هؤلاء الرجال بخيار الرجال بمعنى أن كلمة الضرب هُنا لا يؤاخذ على مفهومها الضرب الشدة المراد من ذلك الانتقام لا وانما هو ضرب كما يُضرب الولد تأديب من أبيه لابنه من باب الشفقة من باب الرحمة وذلك ابن عباس لما سُئل كيف يضربُها قال: يضربُها بسواك لا يدلُ على أن الإنسان يضرب العنيف كما نسمع من بعضهم ربما يضربُها فيؤثر في بدنها أو أنه يضربُها بما يُقال بالكف على وجهها الكف هذا لا يجوز أن يُضرب به أحد لا ولد ولا زوجة ولا حيوان ولا أحد النبي ﷺ نهى عن ذلك قال: “ولا تضرب في الوجه” فالضرب في الوجه لا يجوز حتى الحيوان فكيف تُضرب المرأة بكفوف كما يقولون فهذا مثل هذا لا يجوز ومن ثمً فإن كلمة الضرب هُنا التي أُمر بها الأزواج لأن الزوج إذا علِم أن هذه المرأة لم تقُم بحقه سينتقم منها لكن الشرع حدده ما هو من العقول ولا من الأهواء لا (واضربوهن ضرب غير مُبرّح)، سُئل ابن عباس رضي الله عنه فقال :بسِواك أو نحوهِ (وَاضرِبوهُنَّ)
( فَإِن أَطَعنَكُم) (فَإِن أَطَعنَكُم فَلا تَبغوا عَلَيهِنَّ سَبيلًا) فليس لكم سبيل، لا تبغوا أي : لا تتجاوزوا عليهم السبيل والطريق بمعنى أنكم تُكلفوهن مالا يلزموهن وما ليس في طاقتهن بمعنى أنها إذا أطاعتك في القيام بحقوقك إذا ارتفع النشوز وإذا ارتفع النشوز فليس لك عليها سبيل لا تتذكر ما سبق وتقول فعلت وفعلت ثم تعتدي عليها أو ربما أنك تُطالبُها من أنها تحبُك لأن محبة القلب ليس ملك لها فلربما أنها تقوم بحقوقك ولكنها لا تحبك ولكنها تقوم بحقوقك وقد نص على ذلك بعض المفسرين فإن أطعنكم في ما مضى فلا تبغوا عليهن سبيلا خِتامُ الآية ( إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا﴾ لهُ العلو المطلق عِلو الذات وعِلو الصِفةَ وعِلو القهر يعني انتبه إذا كان لك سُلطة وعِلو على هذه المرأة الضعيفة فتذكر قُدرة الله وعِلو الله (إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا﴾ الكبير في أفعاله الكبير في صِفاته الكبير عز وجلَ فهو أكبر من كُل شيء ومن ثمً قال تعالى هُنا: (فَإِن أَطَعنَكُم فَلا تَبغوا عَلَيهِنَّ سَبيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا﴾ فإذا علِمت وعرفت واعتقدت في أن لك قُدرة على إيصال الأذى لِفُلان فتذكر قُدرة الله وهذا شامل حتى لِمن لهُ ولاية عامة أو خاصة من لِمن لهُ ولاية عامة أو خاصة وإذا أراد أن ينتقم من أحد ويسيء إلى أحد فليتذكر هاذين الاسمين العلي والكبير (فَإِن أَطَعنَكُم فَلا تَبغوا عَلَيهِنَّ سَبيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا﴾ فإن هذه المرأة إذا أطاعتك وكلفتها هُنا أصبحت ماذا؟ أصبحت باغيا ولذلك قال:(فَلا تَبغوا عَلَيهِنَّ سَبيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبيرًا) .