التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (35) إلى (39) الدرس (58)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (35) إلى (39) الدرس (58)

مشاهدات: 493

تفسير سورة النساء ـــ الدرس (58)

من الآية (35) إلى (39)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) }

فكنا قد توقفنا عند قوله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } لما ذكر عز وجل ما ذكره في الآية السابقة من أن المرأة إذا حصل منها تقصير في واجبها ذكر هنا فيما لو حصلت المخالفة من الطرفين يعني من الزوجين فالآية السابقة تتحدث عن نشوز المرأة ، وبينا في الآية السابقة وهي قوله تعالى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } فتفضيل الله عز وجل للرجال على النساء بينا ذلك في الدرس السابق

وهنا لفتة وهي أن بعض المفسرين قال : إن تفضيل الرجل على المرأة من جانب أمر اللحية ولاشك أن اللحية من شعائر الإسلام ، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بإعفائها كما جاء في الأحاديث الصحيحة :

( أرخوا اللحى ) ( أرجئوا اللحى ) ( وفوا اللحى )         ( وفروا اللحى ) إلى غير ذلك من هذه الأدلة لكن قال القرطبي وليس  هذا التفضيل بشيء وصدق رحمه الله ، ولذا قال لأن اللحية قد توجد وتنعدم هذه الصفات ، وهي صفات القوامة بل إن بعضهم قد يكون صاحب لحية ومع ذلك يكون محجورا عليه .

ثم بين عز وجل قوله تعالى فيما يتعلق بنشوز المرأة { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } وذكرنا ما يتعلق بالوعظ ، وما يتعلق بالهجران وما يتعلق بالضرب وهنا في مثل هذا الزمن تنشر رسالة من أن الضرب المذكور هنا في الآية ليس هو الضرب الذي يعرفه الناس 

ومن ثم فإني حسب اطلاعي في كتب أهل التفسير المشهورة قد يكون هذا القول قولا سابقا لكن حيث ما أعلم فهذا القول لم أطلع عليه في الكتب المشهورة في التفسير قالوا : الضرب هنا ليس هو الضرب المعروف عند الناس ، وإنما الضرب هنا هو المباعدة كما صنع موسى عليه السلام لما ضرب { أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ } يعني باعد ما بين البحر فيقولون الضرب هنا المباعدة

ومن ثم فإن الرجل يضرب زوجته بمعنى أنه يبتعد عنها فيكون هذا الأمر خارج البيت ، ولاشك أن هذا ولو قيل إن قيل به لو قيل فهو قول ضعيف

لم ؟ لأن الله ذكر ما يتعلق بماذا ؟ ما يتعلق بالهجران ثم بينا من أن الهجران إما أن يوليها ظهره ، أو أنه ينتقل إلى فراش آخر ، وبينا من أن النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال ( ولا تهجر إلا في البيت ) وقولهم هذا مخالف لقول النبي عليه الصلاة والسلام ، ولما ذكر ما يتعلق بالهجران ذكر الضرب

والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن من أنه ضرب غير مبرح فالضرب  المعروف هو المقصود في هذه الآية ولكن كما سلف ما هو الضرب ؟

قلنا إن الضرب كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما بم يضربها ؟ قال    ( بسواك وبغيره ) فالمقصود منه هو التأديب أما أن ينفى الضرب من هذه الآية الذي هو بمعنى الضرب المعروف فإن هذا قول ضعيف

فعز وجل ذكر هنا { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } أي بين الزوجين فالمشاقة مأخوذة من الشق بمعنى أن أحدهما في جانب ، أو مأخوذة من الشق وهو النزاع والبعد

وعلى كل حال قال { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ } والخوف هنا قيل بمعنى الظن وقيل بمعنى العلم ، وعلى كل حال سواء قيل بهذا أو بهذا متى ما ظهرت علامات النزاع والشقاق بين الزوجين فإن الحاكم يرسل رجلا من أهل الزوجة ، ورجلا من أهل الزوج وخصوا بذلك باعتبار أنهما أدرى بحقيقة الحال وبخبايا الأمور من الغريب ، لكن لو لم يوجد أحد من الأهل فإنه يعني الحاكم يرسل حكمين آخرين

ولذا قال عز وجل { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } قال هنا واصفا هذين الرجلين بأنهما حكمان مما يدل على ماذا ؟ مما يدل على أن الصحيح أنهما حكمان ، وليسا بوكيلين من الزوجين ولا يشترط رضا الزوجين في بعث هذين الحكمين بل إن الحاكم يبعث هذين الحكمين ، وما توصل إليه من أمر من اجتماع بمال أو بفراق أو بما شابه ذلك فإنه يحكم به ولو لم يرض الزوجان أو لم يرض أحد الزوجين ولكن يشترط أن يكون هذان الحكمان قد اجتمعا على الحكم فإذا خالف أحدهما فإنه لا يحكم بقول أحدهما دون الآخر .

{ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } الأمر هنا يقتضي الوجوب ، لم ؟

لأن الأسرة سيحصل بها من النزاع والشقاق ما يتوجب على الحاكم أن يبعث هذين الحكمين ليصلحا بين الزوجين فقال عز وجل { فَابْعَثُوا حَكَمًا } وأما من قال بأنهما وكيلان فإن عليا رضي الله عنه لما أتته المرأة وأتاه الرجل فقالت المرأة : ” أرضى بكل ما ذكر في كتاب الله عز وجل “

فقال الزوج : ” أرضى لكن الفرقة لا ” فقال علي :”حتى تؤمن بالفرقة ” فظن بعضهم من أن هذا الأثر يدل على أنه لابد من رضا الزوج ، وليس كذلك بل إنما قال علي ” لابد أن ترضى بالفرقة ” باعتبار أن الفرقة موجودة في كتاب الله  ؛لأنه يعني هذا الزوج لعله لم يرض بالفرقة لأنها ليست موجودة في كتاب الله لكنها موجودة في كتاب الله ؛ لأن الله قال { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }  فالتوفيق هو أن يخرج الإنسان من الإثم ومن الوزر ولو كان بفراق أو ما شابه ذلك

 فقوله تعالى { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ } من عائلة الزوج { وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا }  يعني من عائلتها أو من قبيلتها ، وهذا يدل على أن كلمة الأهل تطلق على الإنسان نفسه كما قال تعالى { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }

وتطلق على الزوجة ولذا قال عز وجل { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا }

 وتطلق على الأتباع كما قال عز وجل { قَالُوا } يعني قوم صالح { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ }

 وتطلق على السادة ولذا قال تعالى { فَانْكِحُوهُنَّ } يعني الإماء { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } يعني بإذن أسيادهن

وتطلق كما هنا تطلق على أسرة الإنسان وعلى قبيلته { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا }

وقال هنا { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } ظاهر الآية يدل على أنه لابد من بعث حكمين خلافا لمن قال من أهل العلم يبعث حكم واحد ، ولكن الصحيح لابد من هذين الاثنين

وليعلم أن الزوجين لو اصطلحا على أن يوكلا شخصين للفصل بينهما صح ذلك ؛ لأنهما في مثل هذه الحال يكونان وكيلين ولو وكلا شخصا واحدا في فصل هذا النزاع بينهما فلا إشكال في ذلك

ثم إذا بعث هذا الحكم وبعث ذلكم الحكم من أهله والحكم من أهلها ثم إذا بهما قد وجدا هذين الزوجين قد اصطفيا وانتهى الأمر فإنهما لا يتدخلان ، لم ؟ لأنهما أتيا لغرض وهو الإصلاح ، فلما تم الإصلاح فلا حرج في ذلك ولذلك ثبت في مصنف عبد الرزاق : ( من أن ابن مليكة قال تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة وهو الذي قتل في المعركة وقتل أيضا شيبة فكانت المرأة إذا دخل عليها عقيل قالت : ” أين أولئك الرجال الذين رؤوسهم كرؤوس الفضة أين عتبة ؟ أين شيبة ؟ فكان يسكت عنها رضي الله عنه فلما دخل عليها ذات يوم إذا بها تقول هذا القول وكان مغضبا فقال رضي الله عنه : ” هما عن يسارك إذا دخلت النار ” فغضبت المرأة وذهبت إلى عثمان فلما أخبرته ضحك وبعث ابن عباس رضي الله عنهما ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما ، وقال معاوية كيف أفرق بين شيخين من قريش ؟ فلما أتيا إذا بهما قد أغلقا بابهما وانتهى الأمر .

فإذن إذا انتهت الأمور واصطلحا فلا مجال لوجود هذين الحكمين

{ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا } الضمير على قول الجمهور وهو حسب سياق الآيات { إِنْ يُرِيدَا } يعني الحكمين وقيل { إِنْ يُرِيدَا }

المقصود من  ذلك هما الزوجان لكن الظاهر من أن المقصود هما الحكمان باعتبار سياق الآية ، وهذا يدل على أن من له ولاية عامة أو ولاية خاصة ومن كان له حكم على الآخرين فإنه يحرص على أن يكون الصلاح والإصلاح بين الناس فإنه من أراد وكانت النية في قلبه حاضرة من أنه يريد الإصلاح والخير للآخرين فإن الله يوفقه إلى السداد ولذا قال { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } وهذا يدل على ماذا ؟

يدل على أن الإنسان يحرص تمام الحرص على الإصلاح

{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } يعني بين الزوجين وذلك لنية هذين الحكمين ، وهي النية الطيبة الصالحة

وليعلم : أن بعث الحكمين إنما إذا اشتبهت الأمور لكن لو علم أن أحد الزوجين له الحق والآخر هو الذي قصر في واجبه فإن هذا الظالم منهما يردع  ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، قال أنصره يا رسول الله وهو مظلوم لكن كيف أنصره وهو ظالم ؟ قال ترده عن ظلمه فذلك نصره )

{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } وهذا في ذكر الإرادة ، والإرادة تدل على القلب مما يدل على أن الإنسان متى ما حمل في قلبه النية الطيبة الصالحة والخير فإن الله يوفقه ويثيبه على ذلك

{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } ما الذي بعدها ؟ { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } فهو العليم بكل شيء وهو الخبير بمواطن الأمور كلها ومن ذلك ما يجري بين الزوجين وما يجري من الحكمين وما شابه ذلك مما يتعلق بأمور هؤلاء من الحكام ومن الأزواج

ومن ثم فإن قوله { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } يتضمن الوعد والثواب لمن حرص على الخير وقام بالواجب ، ويتضمن الوعيد والترهيب والتخويف لمن قصر في واجبه

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) }

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } هذه الآية بها حقوق عشرة صدرها أولا بحق الله عز وجل

 { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

 وقال هنا { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } لكي يذكر ما أوصى وما أمر به في أول السورة ما هو أول السورة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } ثم ذكر بعدها ماذا ؟

ما يتعلق بحقوق الأقرباء وما يتعلق بحقوق الوالدين والأولاد من الإرث  وما شابه ذلك من هذه الحقوق

هنا ذكر حقوقا عشرة أول هذه الحقوق ، وهو أعظم الحقوق هو حق الله   { وَاعْبُدُوا اللَّهَ } ولذا أعظم ما أمر الله به هو التوحيد ، وأعظم ما نهى الله عنه هو الشرك ولذا قال { وَاعْبُدُوا اللَّهَ } والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة

فكل قول وكل عمل سواء كان هذا ظاهرا أو باطنا في القلب يحبه الله ويرضاه فإنه عبادة ولذا قال بعدها { وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } تلك العبادة المرضية والمحبوبة عند الله من صرفها لغير الله فقد وقع في الشرك

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ } ومعلوم أن عبادة الله تتضمن النهي عن الشرك ولذا صرح أيضا بالنهي عن الشرك ، والشرك هو صرف شيء من العبادة لغير الله لكن ذكر وصرح بالشرك من باب التنبيه على خطورة الشرك وأنه أعظم ما نهى الله عنه

ولذا في حديث معاذ كما في الصحيحين لما كان رديف النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( يا معاذ قال لبيك يا رسول الله ، قال أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ قال معاذ : الله ورسوله أعلم فقال عليه الصلاة والسلام حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا )

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } وكثيرا ما يقرن بين حقه وحق الوالدين ، لم ؟

لأن الله هو الذي أوجدك من العدم فالذي يجب أن تصرف له العبادة هو الله وهو عز وجل بفضل منه جعل الوالدين سببا في إخراجك من هذا العدم ولذا يقرن بينهما كما في آيات كثيرة منها { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } قال هنا { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } والوالد يشمل الأم والأب وإن علوا بمعنى أن الجد والجدة تدخلان في هذا ولو علت ولو علت لو كانت مثلا أم أم أم أم أم أمك مثلا فإنها داخلة في ذلك لكن الإحسان يختلف بحسب القرب من البعد قال هنا { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }

{ إِحْسَانًا } هو العامل ، وقدم المعمول { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } لو كان في غير القرآن إحسانا بالوالدين فقدم { وَبِالْوَالِدَيْنِ } من باب الاهتمام بهما

{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا },أطلق الإحسان بالقول والإحسان بالفعل ويتضمن أيضا النهي عن الإساءة ؛ لأن الإساءة لهما العقوق وكذلك أيضا ينهى الإنسان من ترك الإحسان ، ومن ترك الإساءة يعني من أن العبد إما أن يكون مسيئا إلى والديه ، وإما أن يكون محسنا ، وإما أن يكون لا محسنا ولا مسيئا لكن المتعين عليه أن يكون محسنا والإحسان أنواعه متعددة ثم إن الإحسان يختلف من والد إلى آخر بمعنى أن الإحسان قد يختلف عن الإحسان للأب فأنت تنظر إلى رغبة والديك وتقدم هذه الرغبة لهما ما لم يكن ذلك فيه ما يخالف شرع الله عز وجل

{ وَبِذِي الْقُرْبَى } قال هنا { وَبِذِي الْقُرْبَى } أتى بالباء من باب التأكيد على أحقية القرابة { وَبِذِي الْقُرْبَى }

 وليعلم أن هذه الأمور أو  كثيرا منها أمرت بها بنو إسرائيل لكنهم لم يوفوا بها إلا القلة ، لكن أمة محمد عليه الصلاة والسلام صحابة النبي عليه الصلاة والسلام رضي الله عنهم قاموا بها على أكمل ما يكون

ولذا قال تعالى عن بني إسرائيل كما مر معنا في سورة البقرة { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }

وفي آية البقرة لم يأت بالباء لكنه ذكر هنا الباء فيما يتعلق بالحقوق التي أوجبها الله على أمة محمد عليه الصلاة والسلام من باب التأكيد على أهمية هذا الأمر ، وأن هذه الحقوق أكد عليها كما أنها موجودة في الدين السابق  في دين اليهود أكد عليها أكثر في دين النبي عليه الصلاة والسلام مما يدل على أن دينه أكمل الدين ، ونسخ الله به الأديان السابقة

ولذا قال { وَبِذِي الْقُرْبَى } والقريب هو القريب منك ويختلف الإحسان يعني { وَبِذِي الْقُرْبَى } إحسانا يعني أحسن إلى أقربائك ، فالقريب يختلف من حيث صلته من حيث قربه ومن حيث بعده والإحسان إليه يكون بالقول  ويكون بالفعل

{ وَالْيَتَامَى } يحسن إلى اليتامى ، واليتيم من مات أبوه قبل أن يبلغ ، ولذلك إذا فقد الإنسان أباه فإنه يشعر بشيء من النقص والحاجة فكان من فضل الله ورحمته أن أمر بالإحسان إلى اليتامى ومر معنا الحديث عن اليتيم في قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }

قال هنا { وَالْمَسَاكِينِ } يعني الفقراء وسموا بالمساكين لأن الفقر أسكنهم وأخضعهم فتجد أن المسكين يكون خاضعا لم ؟ لحاجته ولذا تجد الغني يكون عاليا ولذا ماذا قال تعالى { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) } { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ }

{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } أي جارك وهو قريب لك هو أولى بالإحسان من غيره فأنت مأمور بالإحسان إلى الجار مطلقا قال هنا { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } { وَالْجَارِ الْجُنُبِ } يعني البعيد عنك في القرابة ، ومن ثم قال بعض  المفسرين { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } المقصود من ذلك المسلم لأنه قريب إليك  { وَالْجَارِ الْجُنُبِ } يعني البعيد وهو الكافر الذمي من يهودي أو من نصراني وقال بعضهم { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى } من حيث المكان

{ وَالْجَارِ الْجُنُبِ } بعيد من حيث المكان

وليعلم :

أن هذه النصوص لا تعارض بينها فالإنسان مأمور على وجه العموم بالإحسان إلى الجار سواء كان هذا الجار قريبا له من حيث النسب أو بعيدا كان جارا له من حيث الإسلام أو من حيث الجوار لأنه ذمي ويحسن إليه أو من حيث قرب المكان من بعده ، مع أن كلمة قربى لا تطلق والعلم عند الله لا تطلق فيما أعلم لا تطلق إلا على القرابة يعني لا تطلق على قرابة المكان

وعلى كل حال تدخل ولذا لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام سألته عائشة ( إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال إلى أقربهما منك بابا )

فهذا يدل على الصلة لكن هل هو داخل في الآية أم لا ؟

بعض العلماء أدخله وبعض العلماء لم يدخله

وعلى كل حال فكل جار لك أنت مأموربالإحسان إليه ، ولذا أتت أحاديث  كثيرة أذكر بعضا منها : قوله عليه الصلاة والسلام ( مازال ــ كما ثبت عنه ــ مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )

والإحسان إليه بكل وجوه أنواع الإحسان من مطعم ومن مشرب ومن كلام حسن وما شابه ذلك

ولذا ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الأدب المفرد لما قيل له   ( إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار لكنها إذا أصبحت آذت جيرانها بلسانها فقال لا خير فيها هي من أهل النار )

والأحاديث المتعلقة بفضل الجار كثيرة جدا

لكن لو قال قائل ما هو حد الجوار ؟ هل هناك حد له ؟

بعض الآثثار وردت عن بعض السلف قالوا إن حد الجار من كل جانب يكون أربعين جارا يعني من كل جانب

لكن لم يرد دليل صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام في تحديد ذلك فيرجع إلى العرف عرف الناس كل من عده الناس من حيث اختلاف الأزمان كل ما عده الناس جارا يكون جارا له هذا الحكم

{ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ } أي المصاحب لك  { وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ } يدخل في ذلك ما قيل من أنها الزوجة ، ولذلك النبي  عليه الصلاة والسلام أمر بالإحسان إلى الزوجة بل الآيات السابقات تأمر بالإحسان إلى الزوجة

ويدخل في ذلك المسافر الذي يصاحبك ، ويدخل في ذلك من صاحبك من أجل مصلحة

فعلى كل حال كل من صاحبك فإنك مأمور بالإحسان إليه

{ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وهو المسافر وقيل هو الضيف ولا تعارض بينهما ؛ لأن الضيف أمر الإسلام بالإحسان إليه ، ولذا ثبت قوله عليه الصلاة والسلام ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) فالضيف داخل في هذا الإحسان

{ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } من العبيد والأرقاء فإنهم بحاجة إلى الإحسان ، ولذلك من آخر وصايا النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم )

والصحابة كانوا يحسنون إلى هؤلاء الأرقاء بل إن بعض العلماء اختلف من هو الأفضل هل الأفضل الحر أم العبد ؟

حتى إن بعضهم قال إن العبد أفضل باعتبار ما قاله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال ( العبد له أجران ) وجاء في أحاديث ( العبد المملوك له أجران ) أجر ماذا ؟ أجر قيامه بحق الله ، وقيامه بحق سيده ، ولذا في صحيح مسلم قال أبو هريرة رضي الله عنه ( والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الحج والبر بأمي لأحببت أن أموت عبدا ) أي رقيقا

وهذا يدل على قول من يقول بأفضلية العبد على الحر

 لكن القول الذي تدل عليه النصوص من أن الحر أفضل باعتبار أن العبد لا يولى ولايات وتنقصه بعض الأشياء فله أحكام تخصه في الشرع وهو مضيق عليه من حيث التصرف لأنه ملك لسيده ، ومما يدل على ذلك قول أبي هريرة أنه قال ( لولا الحج ولولا البر بأمي لأحببت أن أموت مملوكا )

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } نفى محبته عز وجل عن هؤلاء وهنا بعض المفسرين يقول { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ } أي لا يرضى فهنا فسر المحبة بالرضى ، وقد سبق معنا من أنه إذا كان عز وجل لا يحب المختال الفخور فهو يحب عز وجل المتواضع ، وقد جاءت النصوص الشرعية بإثبات صفة محبة الله فهي محبة تليق بجلاله وبعظمته لا تفسر بالثواب ولا بإرادة الثواب ولا بالرضا فهي تثبت محبة تليق بجلاله وبعظمته ومر معنا التفصيل في ذلك عند قوله تعالى { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } المختال في هيئته في مشيته فخورا يعني أن هذا تعدى إلى غيره فهو يفخر على الناس بقوله وبفعله وتأمل قال { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } لأن من لم يقم بتلك الحقوق فهو من ؟ المختال الفخور لكن من قام بها فهو المتواضع الذي يحبه الله

ولذا قال بعض العلماء قولا فيما يتعلق بالقرابة في الآيات السابقات قال “وليس هناك شيء من السفه أن يقدم الإنسان الإحسان إلى الأباعد ويترك الأقارب ” ( 34 و 5 ) تحذف جملة وليس هناك شيء

ومن ثم قد نرى بعض الصور ولاسيما من بعض الشباب قد يقدم الإحسان إلى صديقه بقول أو فعل أو قضاء حاجة ويدع الإحسان إلى أقربائه بل قد يدع الإحسان إلى والديه من أجل تحقيق ما يصبو إليه صاحبه أو صديقه

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } قدم المختال على الفخور، لم ؟ لأن من رأى في نفسه العظمة ورأى نفسه بعين العظمة هنا ينتقل بعد حين إلى ؟ ماذا ، لأن الشر أبواب تنفتح الأبواب إذا به ينتقل إلى أن يعتدي على الآخرين ويفخر عليهم بقوله أو بفعله

{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) }

 { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } إما أن تكون هذه الآية تابعة للآية السابقة فيكون ما ذكر في هذه الآية بدل من قوله { مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } أو يكون ذلك ابتداء كلام جديد بمعنى أنه استئناف مبتدأ خبره يدل عليه آخر الآية ما أول الآية { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } الخبر محذوف لهم عذاب شديد لأنه قال في ختام الآية { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } لكن الذي ليظهر حتى لا يقال بالتقدير هو القول الآخر يعني أولئك { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ }

سبحان الله  ! { يَبْخَلُونَ } والبخل هو حبس المال ،ولذا هو يفترق عن الشح مع أن بعض العلماء يقول البخل هو الشح لا يختلف هذا عن هذا ولكن بينهما فرق ، فالبخل قيل هو أن يمسك المال فلا يخرج هذا المال في حقوقه ، وأما الشح هو أن يمسك المال ويرغب أن يأخذ مال غيره ، وقيل ولعله الأقرب من أن البخل هو حبس المال والشح حبسه مع حرص ، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال ( اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) ويؤكد هذا الحديث ( اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ) مع حديث كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام ( لا يجتمع إيمان وشح في قلب عبد مؤمن )

هذان الحديثان يدفعان ذلك القول الذي يقول إن البخل هو منع الواجب والشح هو منع المستحب فكيف يكون ذلك مع وجود هذين الحديثين ؟

{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } يبخلون بماذا ؟ بالمال لأن السياق سياق مال وأدخل بعض العلماء البخل بالعلم وهو داخل ولا شك في ذلك فيدخل في ذلك فهم بخلوا بالمال في صرفه في وجوهه كما بين عز وجل في الآية السابقة وأيضا بخلوا بالعلم الشرعي ، ومن البخل بالعلم الشرعي أن يكتم العلم الشرعي ، ولذا ثبت عنه قوله عليه الصلاة والسلام ( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار )

 { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } سبحان الله ! صاحب الشر إذا لم يكف عن شره تفتح له أبواب الشر فبخلوا ولم يقتصروا على ذلك بل إنهم يأمرون غيرهم بالبخل ولذلك قال هنا { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } تذكروا ما مر معنا في الدرس السابق قال تعالى { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } هم وقعوا في الشهوات ويريدون من غيرهم أن يقعوا في ذلك ، أيضا هم بخلوا هنا ويريدون من غيرهم أن يبخلوا      { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } فيه التحذير لمن كتم فضل الله عز وجل عليه ، ومن ذلك ماذا ؟ العلم الشرعي ولذلك ماذا قال عز وجل عن اليهود وعن أهل الكتاب { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }

{ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } أي هيأنا لمن ؟ للكافرين ما هو ؟ العذاب المهين الذي يهينهم ويذلهم وتأمل هنا وصف العذاب بالمهين لأن من كان ذا مال فإنه يكون مستعليا ، ومن كان ذا علم فإنه إن لم يوفقه الله عز وجل تكبر ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه )

{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا }

{ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) }

{ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ }

سبحان الله ! أتت هذه الآية في سبيل الإنفاق فكما ذم عز وجل من أمسك في الآيات السابقات أمسك المال ، هنا ذم من أنفق المال على وجه الرياء  والسمعة فليس المقصود فقط أن تنفق هذا المال ، فمن حبس المال عن حقوقه فهو مذموم ، ومن أنفق المال ولم يكن ذلك الإنفاق لله فهو مذموم ولذا قال { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } يعني مراءة للناس ، ولذلك في صحيح مسلم : ( قال الله عز وجل قال أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )

إلى غير ذلك من هذه الأحاديث

{ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ } جمعوا مع ذلك وهو الرياء من أنهم لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر ، ولذا قال بعدها ، ما سبب ذلك ؟

سبب ذلك مقارنة من ؟ ومصاحبة من ومطاوعة من ؟ قرناء السوء من شياطين الإنس ومن شياطين الجن وهنا ماذا قال { وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا }

 إذن { وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } أي مصاحبا { فَسَاءَ قَرِينًا } ساء للذم أي ساء القرين الذي هو الشيطان ، ودل هذا على أن العبد عليه أن يحذر من مكايد الشيطان بل يتبرأ منه هذا الشيطان يوم القيامة

{ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ }

بل إن الشيطان وهو إبليس يتبرأ من أهل النار { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } الآية

{ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } وبينا مادة الشيطان بينا ذلك في تفسير الاستعاذة

{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } إنكار أي ما الذي يكون عليهم من حرج ومشقة { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ }  لأنهم ما كانوا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ } هذه الأموال التي بين أيديهم هي من رزق الله

أي حرج وأي مشقة وأي عنت لكن هؤلاء لم يوفقوا لأنهم أطاعوا الشيطان ولم يتبعوا سبيل الرحمن ومن ثم لو اتبعوا سبيل الرحمن ما كانت هناك مشقة

هم أنفقوا المال أنفقوا المال لكن لو أنفقوه إيمانا بالله وباليوم الآخر وابتغاء الأجر من الله من غير مراءاة هنا يكون لهم هذا الأجر { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ }

 ولما كان الحديث عن الإيمان وعن النفقة وعن الرياء ماذا قال { وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا } عليم بأحوالهم فيما لو أنفقوا رياء أو سمعة أو أنفقوا لله لو ادعوا الإيمان بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم فكل ذلك الله عز وجل بهم عليم ولذا قال { وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا }