التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (40) إلى (43) الدرس (59)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (40) إلى (43) الدرس (59)

مشاهدات: 484

تفسير سورة النساء ـــ الدرس (59)

من الآية (40) إلى (43)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } بمعنى أن هؤلاء لو أنفقوا هم أو غيرهم لو أنفقوا الشيء القليل قال هنا { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } المثقال وزن    { ذَرَّةٍ } قيل الهباءة من الغبار وهي الصغيرة وقيل النملة وقيل رأس النملة وكل هذه الأقوال صحيحة ، المقصود أي شيء قليل

كل ما أنفقه الإنسان يكون له الأجر

قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن أحدكم إذا تصدق بصدقة أخذها الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تكون مثل الجبل )

بمعنى أنه يعظم ماذا ؟ يعظم هذه النفقة ومر معنا تفصيل ذلك في قوله تعالى في سورة البقرة { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ }

إلى غير ذلك من هذه الآيات التي مرت معنا في سورة البقرة هنا ماذا قال { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ } { لَا يَظْلِمُ } نفى عنه الظلم لكمال عدله { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }

بل لا يريد الظلم { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ }

  ومر معنا تفصيل ذلك في قوله تعالى عن اليهود { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) }

قال هنا { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ } أي تلك الفعلة وذالكم الشيء { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } أضعافا كثيرة ، ولذا ماذا قال تعالى  { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } كما مر معنا في سورة البقرة

 وقال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ } قال { مِنْ لَدُنْهُ } وما كان من لدن الله ومن عند الله أي أجر ؟ أجر عظيم

قال { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } أجر عظيم وممن ؟ من الكريم عز وجل

{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }

{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } { فَكَيْفَ } هنا الاستفهام يراد منه الحال ما حال هؤلاء ؟ إذا أتى الله بالأنبياء يشهدون على أممهم بأنهم بلغوا الرسالة كما قال تعالى { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } وقال تعالى { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ }

قال هنا { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } وهو النبي { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { عَلَى هَؤُلَاءِ } هو شهيد على هذه الأمة وعلى الأمم السابقة لكن قال { عَلَى هَؤُلَاءِ } لأن المنة عليهم أعظم لأنهم رأوا النبي عليه الصلاة والسلام ، ورأوا منه المعجزات ومن أعظم ذلك القرآن فقال تعالى { وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } تشهد عليهم ، ولذا قال عز وجل في سورة البقرة { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }

وهذه الآية لما قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين لابن مسعود رضي الله عنه قال ( اقرأ علي قال أأقرأ عليك يا رسول الله وعليك أنزل ؟ فقال إني أحب أن أسمعه من غيري )

ويؤخذ من هذا من أن ما قاله العلماء من أن الطالب يقرأ على الشيخ ويعرض عليه هذا هو دليله لأن ابن مسعود رضي الله عنه يتعلم من النبي  عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك قرأ على النبي عليه الصلاة والسلام قال (إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأ سورة النساء فلما بلغ هذه الآية قال عليه الصلاة والسلام لما قرأها قال حسبك ، يقول ابن مسعود فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان )

 لماذا دمعت عينا النبي عليه الصلاة والسلام ؟ لأنه تذكر ذلك اليوم وما يكون به من الأهوال والشدائد

{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا } { يَوْمَئِذٍ } في يوم القيامة { يَوَدُّ الَّذِينَ } يتمنى ويحب { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ } لم يتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام

{ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ } كما قال عز وجل عن الكافر { يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا } { لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ } سواء قيل { لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ } بمعنى أنهم تمنوا أنهم يكونون كالتراب تماما ، أو أنهم لم يخرجوا من الأرض ، أو أن الأرض انطبقت عليهم وابتلعتهم كل ذلك لا يفيدهم شيئا لكنهم يتمنون هذا الأمر

{ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } يتمنون بأن الأرض تسوى بهم ، هل قوله تعالى { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } يكون تابعا لما سبق بمعنى أنهم يتمنون أنهم لم يكتموا الله حديثا ؟ قيل بذلك لكن الظاهر من أن الآية في الجزء الأخير منفصلة عما سبق { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }  فإنه تظهر ماذا ؟ تظهر أقوالهم وأفعالهم يوم القيامة

{ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } ولذلك لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما من أن هؤلاء تأتي آيات من أنهم يكتمون { قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وفي آيات أخرى لا يكتمون ، فما الجمع بينهما ؟

فقال رضي الله عنه إنهم إذا رأوا ما أعده الله لأهل التوحيد من الخير كتموا الشرك ، فلما كتموا الشرك أنطق الله جوارحهم فتكلمت

فهنا حصل الجمع بين الأدلة

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } ناداهم بوصف الإيمان ، لم ؟ لأن الذي يصلي من ؟ هم أهل الإيمان لكن أهل الكفر لا يصلون سواء كانوا في حال سكر أو في عدم سكر

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } هل المقصود من الصلاة هنا الصلاة بمعنى أنهم لا يصلون حال السكر أو أماكن الصلاة وهي المساجد فيكون هناك حذف ؟

وليعلم أن هذه الاية منسوخة ومر معنا منسوخة بماذا ؟

مر معنا في سورة البقرة { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }

ثم بعد ذلك نسخ هذا الحكم حتى يخفف الناس من شرب المسكر من أنهم لا يشربون حال وقت الصلاة فإذن الصلاة يتبع بعضها بعضا فلا يتسنى لهم أن يشربوا الخمر إلا من بعد صلاة العشاء أو من بعد صلاة الفجر لطول  ما بين الوقتين لكن ما عدا ذلك يمتنعون لأنهم لو سكروا لدخلوا الصلاة وهم لا يشعرون

ثم جاء النهي المطلق والمحتم { أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

إذن هذه الآية منسوخة ، هذه الآية مسنوخة إلا على قول من يقول من أن السكر هنا هو سكر النوم فلا تكون منسوخة ، لكن الصحيح من أن السكر هنا هو سكر الخمر ، ويفيد ذلك من أنهم في أول الأمر نهوا عن الصلاة وعن القرب إلى أماكنها وهم في حال سكر يدل هذا على ماذا ؟

يدل على أن الإنسان لا يأتي إلى الصلاة إلا وهو خال من الشواغل خال من الشواغل، فيكون قلبه حاضرا ولذلك ماذا قال { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } فإذن هذه الآية تنهاهم عن ماذا ؟ عن شرب المسكر قرب وقت الصلاة ويدخل في ذلك ماذا ؟

يدخل في ذلك أن الإنسان إذا كان مشغولا مشغولا بطعام مشغولا بمدافعة الأخبثين ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال ( لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافع الأخبثين )

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } قيدها بحال السكر{ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }  قال هنا { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }

ولذا لما قال { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } دل هذا على أن ما قاله بعض العلماء من أن السكران لو طلق ، والمسألة خلافية بعض أهل العلم قال طلاق السكران يقع وبعضهم قال لا يقع ، لم  ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما ثبت عنه ( لا طلاق في إغلاق ) يعني عقله مغلق عليه فلو أن إنسانا مثلا شرب الخمر فطلق امرأته وهو لا يشعر على هذا القول لا يقع الطلاق

لكن على هذا القول يقولون إذا زال شعوره ، لكن لو أنه شرب الخمر وعقله مازال معه فيعلم ما يقول هنا يقع الطلاق باعتبار ماذا ؟ أنه يعلم ما يقول

ولذا : قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } أي لا تدخلوا في الصلاة وأنتم سكارى وأيضا لا تقربوا أماكن الصلاة وأنتم سكارى ، ولذا هذا القول الثاني يفيدنا في سياق الآيات ماذا قال بعدها ؟

{ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } يعني لا تصلوا وأنتم جنب ، فالجنب يطلق على المفرد وعلى المثنى ويطلق على الجنب

 { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } أخذ من هذه الجملة بعض أهل العلم وهو رأي لبعض الصحابة { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } عابر السبيل هنا هو المسافر عندهم

  { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } بمعنى : يقولون لو أن الإنسان مثلا أجنب ولم يجد ماء فإنه لا يصلي حتى يغتسل ولو كان في الحضر ولا يتيمم ، لكن لو كان مسافرا ولم يجد الماء فيقولون يتيمم فيفرقون بين حالة السفر وحالة الحضر ، ولكن هنا ماذا قال  { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }

والصحيح أن من لم يجد الماء وهو جنب يتيمم في حضر وفي سفر وقد جاءت الأدلة تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام تيمم وهو في الحضر

ومن ثم فإن المعنى الأظهر { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } يعني : لا تقربوا أماكن الصلاة وأنتم جنب إلا عابري سبيل إلا إذا أردتم المرور

بمعنى : الجنب لو كان جنبا فإنه لا يجوز له أن يمكث في المسجد { إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } يعني أراد أن يخرج من هذا الباب إلى الباب الآخر دون المكث في المسجد وهل يجوز له المرور من حاجة أو من غير حاجة ؟

خلاف بين أهل العلم لكن على كل حال { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } يدخل في ذلك مرور الحائض ومررو النفساء ، ولذلك كما ثبت النبي عليه الصلاة والسلام قال لعائشة ( ناوليني الخمرة ) وهي مثل الفرشة التي تكون على سعة الجبهة والوجه واليدين ( ناوليني الخمرة من المسجد فقالت يا رسول الله إني حائض ، فقال عليه الصلاة والسلام إن حيضتك ليست في يدك )

فمرورها ومرور الجنب لا إشكال في ذلك لكن المكث حرام على الحائض  والنفساء مطلقا وأما الجنب فيجوز له على الصحيح كمما ثبت عن الصحابة يجوز للجنب ، أما الحائض والنفساء لا ، بمعنى إذا توضأ كان الصحابة يتوضؤون وهم جنب فيمكثون في المسجد فمن أراد أن يمكث في المسجد وهو جنب فليتوضأ

لو أرادت المرأة وهي حائض أو نفساء أن تمكث في المسجد وتتوضأ من أجل سماع محاضرة أو ما شابه ذلك ، فالجواب ، لا ، هذا خاص بالجنب

ولذا لو قيل لك ما الدليل من القرآن على أن الجنب يجوز له أن يمر في المسجد ؟ الدليل هنا { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }

ومن ثم فإن قولنا عند قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى }  قلنا إن الصلاة الصلاة نفسها وأماكن الصلاة لأن قوله { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }  إنما هو المقصود منه ماذا ؟ أماكن الصلاة

ومما يؤكد ذلك أن الله عز وجل ذكر بعد ذلك من أن الإنسان إذا كان مسافرا إذا كان مسافرا فلم يجد الماء فإنه يتيمم فلو كان قوله { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } لو كان المقصود في عابر السبيل هو المسافر كما قالوا لكان في ذلك تكرار فلما قال { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } من أصابه مرض لا يستطيع معه أن يستعمل الماء فإنه يعدل إلى التيمم ولو كان الماء موجودا ، ولو كان الماء موجودا

ولذا ما يقال إذا حضر الماء بطل التيمم ليس صحيحا على إطلاقه فقد يحضر الماء ولا يبطل التيمم قد يكون الإنسان مريضا ، ولا يستطيع أن يستعمل الماء ، وإن كان لا يستطيع أن يستعمل الماء في عضو فإنه يتوضأ الوضوء الذي هو معروف ، وذلك الموضع يتيمم عنه بمعنى أنه إذا لم يستطع أن يستعمل الماء يتيمم عنه بعد ماذا ؟ بعد فراغه من الوضوء ، أو قبل أن يتوضأ والتيمم لهذا العضو كما هو سيأتي معنا يضرب ضربة واحدة على الأرض فيمسح وجهه ويمسح كفيه

فقال تعالى هنا { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } دل هذا على أن المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } { مِنَ الْغَائِطِ } هو المكان المنخفض في اللغة العربية من حيث الأصل هو المكان المنخفض لأنهم كانوا يرغبون في الأماكن المنخفضة ، وتسمى بالغائط ، ولذلك في الحديث (غوطة دمشق ) يعني المكان المنخفض في دمشق

وهنا كانوا يحرصون على الأماكن المنخفضة ، الأماكن المنخفضة من حيث أصل اللغة تسمى بالغائط فاستعمل هذا الاسم في الخارج الذي يخرج من الإنسان باعتبار المقارنة

ولذا بعض الناس ربما لو قيل له غائط فإنه يستقبح ويستنكر هذا القول مع ان القول من حيث أصل اللغة ليس هو الخارج ، وإنما هو المكان المنخفض ، ولذا لو قال إنسان لآخر تعالى بنا نجلس في الغائط فإنه في مثل هذا من حيث الأصل في اللغة المكان المنخفض

{ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } هنا الغائط يدل على ماذا ؟ على الحدث الأصغر الذي يكون به الوضوء فإذا كان حصل منه غائط وهو خروج الغائط وما يشابهه من نواقض الوضوء ولم يجد الماء هنا ماذا عليه ؟ يتيمم { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } الملامسة هنا : الصحيح هي الجماع مكا جاءت عن ابن عباس { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } المراد من ذلك الجماع ، وهذا يدل على ماذا ؟ يدل على الحدث ألأكبر لأن كلمة الغائط تدل على الحدث الأصغر الذي يوجب الوضوء { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } يدل على ماذا ؟ يدل على الحدث الأكبر الذي يوجب الغسل ، وهذا هو الصحيح خلافا لمن قال من أن الإنسان إذا باشر أو لامس امرأته بشهوة أو من غير شهوة فإن وضوءه ينتقض نقول هذا ليس هو الراجح وإنما الرجح ما قلنا ، لم ؟

لأنه لو كان كذلك لكان في هذه الآية لكان فيها ذكر لسببين من أسباب الحدث الأصغر وإنما قلنا { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } سبب للحدث الأكبر فيوجب الغسل والغائط سبب للحدث الأصغر فيوجب الوضوء

ولذلك في أحاديث صحهها بعض أهل العلم من أن النبي عليه الصلاة والسلام كان متوضئا وقبل عائشة ، وخرج عليه الصلاة والسلام ولم يتوضأ

عائشة رضي الله عنها كما ثبت كانت في قبلة النبي عليه الصلاة والسلام وكان إذا رفع من السجود لضيق الحجرة ، الله المستعان ، لضيق الحجرة إذا بها تمد قدمها فإذا أراد أن يسجد غمزها فرفعت قدمها

فكونه يلسمها وهو يصلي يدل على أنه لا نقض ، وكذلك عائشة كما ثبت قالت افتقدت النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة فرأيته يصلي ووقعت يدي على قدمه عليه الصلاة والسلام وهو يقول في سجوده : ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك ) الحديث

فالشاهد من هذا : من أنه قوله { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } المقصود من ذلك الجماع

{ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } قال هنا { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } ويصدق عليه إذا وجد الماء ولم يستطع أن يتيمم لقوله { مَرْضَى } والمرضى المقصود منه المرض الذي يحصل به ضرر على الإنسان فيما لو استعمل الماء أو أنه سيتأخر الشفاء أما إذا كان مرضا يسيرا لا يترتب عليه ضرر ولا تأخر الشفاء ولا يصاب بأذى فإنه لا يجوز له أن يتيمم

{ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } كلمة الوجود تدل على ماذا { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } تدل على أن الإنسان على القول الصحيح مأمور بأن يبحث عن الماء مأمور بأن يبحث عن الماء { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } دل على أنه بحث أما إذا لم يجد الإنساان الماء وإذا به من حينه يتيمم ولا يبحث فإن هذا لا يصدق عليه

ثم إن قوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } هذا إذا بحث الإنسان فلم يجد الماء الأفضل له أن يؤخر عند جملة كبيرة من أهل العلم على أنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت إذا كان يرجو وجود الماء لكن لا يلزم على الصحيح لا يلزم

بمعنى أن الإنسان إذا بحث عن الماء فلا يلزم بأن يؤخر الصلاة بل يصلي للآية قال هنا { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا }

ولذلك كما ثبت قي في السنن رجلان من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام خرجا في سفر فلم يجدا الماء فتيمما فلما تيمما إذا بالماء حضر في وقت الصلاة ، فأعاد أحدهما الصلاة بوضوء ، والآخر قال لن أعيد لأني صليت فقال عليه الصلاة والسلام لمن لم يعد قال ( أصبت السنة ) وقال للآخر ( لك الأجر مرتين ) فاعتبار أنه جاهل وإلا فمن صلى في الوقت بتيمم ثم وجد الماء فلا يعد الصلاة مرة أخرى لأن صلاته الأولى صحت بالتيمم

{ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } هنا التيمم في اللغة هو القصد وفي هذا دلدليل لمن قال لابد من النية في التيمم خلافا لمن قال من تيمم من غير النية فإن تيممه صحيح وهذا ليس بصحيح ولذلك قال { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا } الصعيد هو ما تصعد على وجه الأرض ،  والصحيح من ذلك أن كل ما تصعد على الأرض من جنس الأرض من حجر أو نبات التصق بالأرض أو ما شابه ذلك فإنه يصح التيمم به ولا يشترط أن يكون هناك غبار ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام بين في أحاديث كثيرة من أن التيمم يكون بمنزلة الماء ، ولذلك قال هنا { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام في رواية مسلم قال ( وجعلت تربتها لنا طهورا ) قالوا أي بعض أهل العلم لابد من الغبار لأنه خصص ماذا ؟ التراب

وللآية التي في سورة المائدة قال تعالى { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } دل على أنه جزء منه وهو الغبار ولكن الصحيح من أن الأفضل هو التراب ولا يمنع التيمم بغيره ، لم ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه ( تيمم بالتراب ثم نفخ الغبار قبل أن يمسح وجهه ويده ) فلو كان التراب مشترطا لما نفخ عليه الصلاة والسلام التراب ولكن لاشك أن الأفضل أن يتيمم بتراب له غبار لكن كونه لا يجزيء هذا ليس بصحيح بل يجزئ بكل ما تصعد على وجه الأرض من جنس الأرض

{ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } طيبا قيل هو الحلال وقيل هو الطاهر والصحيح من أنه الطاهر لأن النجس ماذا ؟ لأن النجس لا يجوز التيمم به ، وأما الحلال فإنه لا يجوز أن تتيمم بتراب غصبته أو سرقته من أحد لكن لو أن الإنسان مثلا تيمم بتراب مغصوب أو مسروق فهو آثم ولكن تيممه يكون صحيحا على الصحيح من قولي العلماء

{ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } قال هنا { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ }

صفة التيمم الثابتة في الصحيحين :

هي ضربة واحدة على الأرض ، واحدة فقط يمسح وجهه ويمسح كفيه  هذا هو التيمم سواء كنت متيمما لوضوء أو متيمما لغسل عن جنابة أو كانت المرأة متيممة لغسل عن جنابة أو حيض أو نفاس ، التيمم للجنابة والتيمم للوضوء واحد في الصفة

أما ما ورد من أحاديث من أن التيمم ضربتان أو من أن التيمم إلى المرافق أو إلى الآباط أو إلى المناكب فكلها أحاديث إما ان تكون شاذة أو ضعيفة فكلها معلولة هذا هو الثابت

{ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } تقدم الوجه كما جاء في الآية ثم الكفين مع أن هناك رواية فيها تقديم اليدين على الوجه ، واختلف العلماء في ذلك لكن الأفضل خروجا من الخلاف أن يسمح وجهه أولا لظاهر الآية ، وللأحاديث الكثيرة ثم يمسح كفيه فقط اليمنى واليسرى

{ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } والمسح يكون عاما للوجه وليس لجزء من الوجه ولذلك قال { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا }

عفو غفور ، بمعنى أنه عز وجل لما ذكر ما ذكره مما يتعلق من أحكام فهو عز وجل عفو يعفو عما يحصل من الإنسان من تقصير في تلك الأحكام إذا لم يكن عن قصد ، غفور فيما لو أن الإنسان أخطأ وأذنب فإنه عز وجل عفو وهو غفور { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا }