بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة النحل : من الآية (٦٨) إلى الآية (٧٧)
الدرس (١٥٣) للشيخ زيد بن مسفر البحري حفظه الله
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.
فإنه قد توقفنا عند قول الله تعالى:
﴿وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعرِشون﴾ (٦٨)
لما ذكر عز وجل فيما مضى من آيات ذكر ما يتعلق بنزول المطر وإحياء الأرض وما يترتب على نزول المطر من إخراج الثمرات والانتفاع من هذه الثمرات، وهذه دلائل على عِظَمِ الله عز وجل وعلى وجوبِ توحيده عز وجل.
ذكر بعد ذلك ما يخرجُ من بطون الأنعام وذلك من بين فرثٍ ودم يخرج ذلكم اللبن الصافي السائغ الحلو الذي يشربه الناس مما يدل على عظم الله عز وجل وعلى أنه هو الإله الذي يستحق العبودية، خلافاً لمن صرف العبادة لغير الله عز وجل ككفار قريش.
ذكر هنا دليلا على عظم الله عز وجل ذلكم الدليل فيما يتعلقُ بحشرة تلكم الحشرة هي النحلة فإن النحلَ مع اختلاف أحواله وأشكاله وألوانه إذا به ينطلق من مكانه إلى أماكنَ بعيدة وإذا به يأكل من شتى أنواع الأشجار، ثم بعد ذلك يرجع ومع ذلك تلكم الأشياء التي أكلها يُخرج الله عز وجل من بطون هذه الحشرة شراباً طيباً فيه شفاءٌ للناس فهذا يدل على أن من أخرج هذا العسل من بطن هذه الحشرة مع تسخير الله عز وجل لها بأن تذهبَ إلى أيِّ مكان يدل هذا على أنه هو العظيم الذي يستحق العبودية وحده عز وجل.
فقال تعالى: {وأوحى رَبُّكَ}: يعني ألهَمَ الله عز وجل هذه النحل، وقال ربك مما يدل على أن هؤلاء وهم كفار قريش يقرون بتوحيدِ الربوبية، فبين هنا أن هذه دلائل تدل على عظم هذا الرب الذي يجب أن تخلص العبادة له عز وجل.
{ وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذِي } : (أن) : تفسيرية ، و(أن) التفسيرية ضابطها أن يتقدمها فعلٌ يدل على القول وليست حروفه حروف القول، فالوحي يدل في معناه على القول.
{أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}: ماذا؟ التفسير: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} فسَّرها هنا: اتخذي من الجبال بيوتا: يعني ليس من كلِ الجبالِ، وهنا جعل الله عز وجل لها الاختيار وكل ذلك بتقدير منه عز وجل فلا يقع شيء في الكون إلا بأمره.
{وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}: ومن الشجر: بيوتًا من الشجر، وَمِمَّا يَعْرِشُونَ: أي مما يرفعه الناس مما يخصصونه لهذا النحل.
وذكر الجبال أولاً ثم الشجر ثم عرش الناس لها يدل هذا كما قال بعض العلماء يدل على أن أفضل العسل ما كان من الجبال ثم يليه في ذلك ما كان من الأشجار ثم يليه في ذلك ما كان مما يتخذه الناس من أماكنَ لها.
﴿ثُمَّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخرُجُ مِن بُطونِها شَرابٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾﴿٦٩﴾
{ثُمَّ كُلِي}: أمرها عز وجل أن تأكل من الأشجار، قال {كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ}: تأمل (مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) من شتى أنواع تلك الثمرات وتختلط تلك الثمرات في بطنها مما يتنوعُ أكلها من تلك الشجرة ومن تلك الشجرة، هذه من جنس وهذه من جنس وهذه من نوع وهذه من نوع، ومع ذلك يخرج هذا الشراب الذي جعل اللهُ به الشفاء فقال عز وجل
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا}: فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ: يعني ادخلي في هذه الطرق، السبل: هي الطرق.
ذُلُلًا: يعني مُذللة ،بمعنى أن هذه النحل مُذللة ومسخرة إلى حيث أمر الله وأيضًا تلك الطرق مُذللة لهذه النحل فإن النحلة تخرج إلى أبعد ما يكونُ من الأماكن ثم إذا بها بتقدير من الله عز وجل وبتسخيرٍ منه إذا بها تعود إلى بيتها .
{يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا}: سبحان الله مع ما يجتمع في هذا البطن ما يجتمع فيه من تلك الثمار إلا إنه يُخرج الله عز وجل من بطونها هذا العسل الطيِّب.
{يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}: شَرَابٌ: وهو العسل.
مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ: بين أسود ما بين أحمر وما بين أصفر سبحان الله {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ}
{مختلفٌ ألوانه} يدل هذا على ماذا؟ على أن من أخرج هذا العسل في هذه الأشكال وفي هذه الأنواع من هذه الحشرة والتي تأكل من كل ثمرة والتي إذا اخرجت هذا العسل يكون شفاءً يدل على أن الذي هيأ لها ذلك وسخر لها ذلك إنما هو الله عز وجل وحدَه الذي يستحق العبودية.
فقال عز وجل بعد ذلك {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ}: هذا العسل فيه شفاء للناس، ومن ثَم اختلف العلماء هل العسل شفاءٌ لكل مرض أم أنه لأمراض معينة؟
فبعض العلماء يقول: إنه ليس بشفاءٍ لكل مرض لم؟
لأن كلمة شفاء نكرة في سياق الإثبات، والنكرةُ في سياق الاثبات ليست كالنكرة في سياق النفي فإن النكرة في سياق الإثبات لا تدل على العموم.
ثم بعضُ العلماء قال: إنما هو شفاء لكل مرض لم؟ لأن النكرة في سياق الإثبات إذا أتت في سياق الامتنان والمنة فإنها تكون للعموم،
ولأنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: لما أتاه ﷺ رجل فقال: إن في بطن أخي وجعا، فقال اسقِه عسلًا، فأتاه فقال سقيته فلم يزد إلا استطلاقًا، حتى قال: ﷺ بعد مرتين صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا، فسقاهُ عسلا، فشفاه الله عز وجل.
ومن ثَم فإنه والعلمُ عند الله من أنَّ هذا الحديث يدل على إنه شفاءٌ لما في مرض هذا الإنسان والذي يظهر من إنه شفاءٌ لبعض الأمراض وليس لجميع الأمراض، وذلك لأن العسل قد لا يناسب من به مرض السكري وما شابه ذلك من هذه الأمراض، ويمكن إذا شرِبه الإنسان كما قال بعض العلماء بنيةٍ طيبه وباستحضار فلرُبما يشفى.
فعلى كل حال {فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} هذه عبرة سواء كان هذا العسل شفاءً لكل مرض أو شفاءً لبعض الأمراض فإن فيه دلالة على عظمة الله عز وجل.
ولذا ختم الآية بقوله {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ: أي مما سخره عز وجل لهذه النحل وما يخرج من بطونها، لَآيَةً: علامة {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإن مثل هذا يحتاج إلى تفكر وإلى إمعان نظر، فإنكم يا من عبدتم غير الله لو تفكرتم في مثل هذه الحشرة حق التفكر فإنكم ستعرفون أن الذي يستحق العبودية هو الله عز وجل.
﴿وَاللَّـهُ خَلَقَكُم ثُمَّ يَتَوَفّاكُم وَمِنكُم مَن يُرَدُّ إِلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَي لا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئًا إِنَّ اللَّـهَ عَليمٌ قَديرٌ﴾ (٧٠)
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ}: قدَّم هنا اسمه عز وجل لأن كفار قريش يؤمنون بأنَّ اللهَ هو الرب لكنهم لا يؤمنون بتوحيد الألوهية ولذا قال {واللهُ}: أنه هو المعبود الذي يستحق العبادة وحده فكما اعتقدتم وآمنتم بأنه هو الرب إذا هو الله.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ}: وهذه دلائل أخرى على عظمة الله عز وجل الذي يستحق العبودية كيف؟ {خلقكم}: بمعنى أنه عز وجل في خلقه لكم من العدم ثم إذا بكم تتنقلون أطوارًا من نطفة إلى علقة إلى مضغة حتى إذا بأحدكم يكونُ خصيما وواضح النطق فيكتمل خلقُه ثم بعد ذلك يموت بأمر من الله عز وجل لأجله المُقدَّر هذا يدل على ماذا؟ يدل على أنه عز وجل هو الذي يستحق العبودية.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ}: يعني من يطولُ عُمُرُهُ فيُرَد فيكون في أرذل العمر، وهو أقل وأضعف العمر وذلك حينما يكبُرُ الإنسان.
ولذا قال بعدها {كَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا}: بمعنى أنه بعد أن كان قوي الحواس فاهِما إذا كبُرت سِنهُ فإنه يضعف وإذا ضعفَ ضعفتْ حواسه ومن ثَمَّ فإنه يكون كمن لا يعلم شيئًا أوا\أنه تفوته بعض الأشياء، وبعضكم لأن في هذا دليلًا على أن بعضكم لا يبقى إلى أرذل العمر ولذا في الرد إلى أرذل العمر مما يسوء الإنسان استعاذ منه النبي ﷺ كما ثبت عنه: ” وأعوذُ بك أن أردَّ إلى أرذلِ العُمُر “.
وختام الآية {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}: عليمٌ بأحوالكم، قديرٌ بأن يجعل هذا قد وصل إلى الخَرَف وبعضهم لا يصل إلى ذلك، وقديرٌ على إحيائكم من قبوركم بعد موتكم كما زعمتم من أنه كما مر في الآيات السابقات:
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بلى} فبين هنا من أنه قديرٌ على كل شيء ومن ذلك ما يتعلق بخلقكم.
كما في الآية الأخرى:
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:٥٤]
ولذا في قوله عز وجل أيضًا: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى :٤٩-٥٠] وهو قديرٌ عز وجل على كل شيء.
﴿وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ فِي الرِّزقِ فَمَا الَّذينَ فُضِّلوا بِرادّي رِزقِهِم عَلى ما مَلَكَت أَيمانُهُم فَهُم فيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعمَةِ اللَّـهِ يَجحَدونَ﴾ (٧١)
وآية أخرى {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}: هذا من دلائل عظمة الله عز وجل فَفَرَّقَ بين الناس فمنهم من هو غني ومنهم من هو فقير فدل هذا على أن الرزقَ بيد الله عز وجل وأن الإنسان إذا اُعطيَ مالاً فإنما هو مِنْحَةٌ من اللهِ عز وجل.
فقال عز وجل: {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}: بمعنى أنكم أنتم أيها المُكَذِّبُون للتوحيد من أنكم لا تَردون ما زاد مما عندكم من المال إلى مماليككم حتى تكونوا أنتم وهم سواء فتكرهون ذلك، ولا يروق لكم ذلك و يسوؤكم ذلك، فإذا أنتم لا ترضون أن تكونوا كمماليككم وكخدمكم وعبيدكم في هذا الأمر فكيف تجعلون مع الله عز وجل إلهً من خلْقِه عز وجل.
ولذا قال عز وجل نظير هذه الآية: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ}
فقال هنا: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أيمانهم}: يعني من الأرِقَّاء، وقال بعضُ المفسرين:
أن معنى هذه الآية من انه طُلِبَ من هؤلاء أن يَردوا ما زاد من رزقهم على الفقراء وعلى الخدم لأن الرزق كلَّه من عند الله عز وجل، لكن التفسير الذي ذكرناه هو الذي يتناسب مع سياق الآيات، فإذا كنتم لا ترضون بأن تكونوا شركاء في الرزق مع أرقائكم فكيف تجعلون مع الله عز وجل إلها ممن خلَقَه عز وجل.
قال عز وجل: {فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ}: لا يرضون بذلك {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}:
استفهام إنكاري، يجحدون يعني: ينكرون، كيف ينكرون نعمة الله عز وجل عليهم إذ بعث إليهم محمد ﷺ لكنهم كفروا بذلك.
كما قال تعالى كما مر معنا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} وأيضاً جحدوا نعمةَ الله إذ فضَّلهم على هؤلاء الأرقاء وأيضاً رزقهم الله عز وجل {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
﴿وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزواجِكُم بَنينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَتِ اللَّـهِ هُم يَكفُرونَ﴾ (٧٢)
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}: هذه دلالةٌ اخرى على أن الذي يستحق التوحيد وأن العظيم الذي لا أحد أعظم منه هو الله عز وجل
{من أنفسكم}: من جنسكم ومن نوعكم، وهذه نعمةٌ من الله عز وجل، ثم قال بعدها: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}: سبحان الله لما ذكر ما يتعلقُ بالأزواج فإنهن الأصول ذكر ما يتعلق بالفروع وهم الحَفَدَة.
والحفدةُ هم/ كما قال بعض العلماء: أبناءُ الأبناء فقط،
وقال بعض العلماء: أبناء الأولاد من بناتٍ وأولاد،
وقال بعض العلماء: هم الأَخْتان وهم أزواج البنات وقيل هم الأصهار وهم أقرباءُ الزوجة.
فالحفدة يعني: من يسعى في خدمَتِكُم، وذلك كما كان في دعاء الصحابة رضي الله عنهم بعد النصفِ من رمضان “وإليك نسعى ونحفِد” يعني نسارع إليك بالطاعة يا ربنا.
فهنا قال {وَحَفَدَةً}: بمعنى أنكم تنتفعون من هؤلاء الحفَدَة ويتسابقون في ذلك.
ولا تعارض بين الأقوال التي ذكرها أولئك العلماء وذلك لأن هذا الإنسان يسارع في خدمته أقرباءُ زوجته وأزواج بناته وكذلك أبناء الأبناء من ذكور وإناث من الأولاد ومن البنات.
فقال عز وجل هنا: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}: ومع هذا كله
{وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}: الطيبات التي هي طيبات وتُستَلَذ، وهذا يدل على ماذا؟
على أنه عز وجل رزقهم الزوجات ورزقهم البنين ورزقهم الخدم ورزقهم المال وإذا اجتمعت هذه الأمور للعبد فإنه أصبح في حالةٍ من أحسن ما يكون في أحوال الدنيا، لكن مع هذا قال:
{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ}: والباطل هو: كل قولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ باطل، وأعظمُ ذلك هو الشركُ بالله، وهنا استفهام استنكاري توبيخي {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ}: فقدَّم الباطل وذلك تقبيحًا للباطل ولأن هؤلاء انغرقوا في هذا الباطل فقال:
{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}: يجحدون مما سبق ذِكْرُه مما يتعلق بالزوجات والبنين والحَفَدَة.
﴿ وَيَعبُدونَ مِن دونِ اللَّـهِ ما لا يَملِكُ لَهُم رِزقًا مِنَ السَّماواتِ وَالأَرضِ شَيئًا وَلا يَستَطيعونَ﴾(٧٣)
{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } : يعني هؤلاء كفاُر قريش { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ }
وَلْيُعلَم من أننا إذا قلنا من أنهم كفارُ قريش فيسري هذا على كل كافر لأن المقصود هنا لما نذكر كفار قريش لأنهم هم المخاطبون على نزول هذه الآيات وهي تشمل كلَّ كافر.
فقال عز وجل: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا } : سبحان الله قال { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } هذا فيه استقباحٌ لصنيعِ هؤلاء كيف يعبدون هذه الأصنام ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقًا! { مِّنَ السَّمَاوَاتِ } : من مطر ونحو ذلك {وَالْأَرْضِ } : وما يخرج من الأرض من نباتٍ ومعادن وما شابه ذلك فهم لا يملكون شيئًا لهم من الرزق والله هو الذي رزقهم كما مر في الآيات السابقات .
ثم قال { شَيْئًا } : يعني ولا يملكون شيئا، ولذلك قال بعدها { وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يعني أنهم لا يملكون وأيضًا لا يستطيعون لعجزِهِم .
﴿ فَلا تَضرِبوا لِلَّـهِ الأَمثالَ إِنَّ اللَّـهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ ﴾ (٧٤)
{ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } يعني الأنداد والشُبهاء وذلك كما مر معنا في هذه الآية وذلك بأنهم كانوا يضربون الأمثال لله مما يتعلقُ بالأنداد والشركاء، وأيضًا من الأمثال التي يُنزّه عز وجل عنها فهو عز وجل لا يشبه أحدًا .
ولذلك قال عز وجل { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فقال هنا
{ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ }
كما مر معنا: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (59)
ثم قال بعدها: { لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فله الأسماء الحسنى والصفات العُلا فكيف يقارن أو يقاس بأحد من خلقه سبحانه جل وعلا {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ }
لذا قال في ختام الآية:
{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: فأنتم لا تعلمون وذلك باعتبارِ أنكم لم تؤمنوا بهذا القران، فإنكم لو آمنتم بهذا القران لعرفتم اللهَ عز وجل حق المعرفة ولذا قال تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} : أي ما عظموا الله حق تعظيمه.
﴿ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبدًا مَملوكًا لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ وَمَن رَزَقناهُ مِنّا رِزقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنهُ سِرًّا وَجَهرًا هَل يَستَوونَ الحَمدُ لِلَّـهِ بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمونَ﴾ (٧٥)
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا}: لما نهاهم عز وجل عن ضرب الأمثال ذكر هنا مثلَين يدُلان على أنه هو عز وجل الذي يستحق العبادة والذي لا يجوز أن يُشرَكَ معه أحد، ذكر بعد ذلك مثالين/
المثالُ الأول:
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا}: معناه على وجه الإجمال:
بمعنى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا} قال {عبدًا}: وقيَّد ذلك بقوله {مَمْلُوكًا} لم؟
لأن الحرَّ عبدٌ لله، فلما قال {مَمْلُوكًا} دل ذلك على أنه رقيق {لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}: لِعجزِه فهو لا يقدر على شيء فيما يتعلق بمصلحة نفسه أو بمصلحة غيره {لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}.
{ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ }: يعني الحر الذي رزقناه هل يستوي مع هذا العبد المملوك،
صفات هذا الحر: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا}: قال: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ} بصيغة التعظيم {مِنَّا} دل هذا على أن الرزق من عند الله عز وجل لهذا الحر.
{وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا } : ووصفه بالحُسن لم؟ لكثرته ولأنه مستحسن من حيثُ ما يراه الناس ومستحسن أيضًا لأنه حلال.
{فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا}: ينفق منه هذا الحر سرًا وجهرًا حسْبَ المصلحة، إن كانت المصلحة في السر أنفق وأن كانت المصلحة في الجهر أنفق، كما قال تعالى:
{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: ٢٧١]
فهو ينفق منه سرا وجهرا.
{هَلْ يَسْتَوُونَ}: استفهام توبيخي انكاري {هَلْ يَسْتَوُونَ}: ولم يقل هل يستويان، لأنه أراد الجنس، يعني جنس هؤلاء العبيد ممن له هذه الصفة، وجنس الأحرار مما له تلك الصفات من الأحرار، فهل يستوي هذان المخلوقان عندكم يا كفارَ قريش؟!
هل يستوي هذا العبد المملوك الذي لا حولَ له ولا قوة ولا قدرةَ له على إقامة مصالحه ولا مصالح غيره مع هذا الحر الذي رزقه الله عز وجل رزقًا حسنًا واسعًا وينفقُ منه سرًا وجهرًا؟ الجواب أنه لا يستوي عندكم، فكيف تُساوون الله عز وجل العظيم الكريم الرزاق الوهاب بتلك الأصنام وبتلك المعبودات التي لا تملكُ نفعًا ولا تدفع ضُرًا! {هَلْ يَسْتَوُونَ}
ولذا قال بعدها:
{ الْحَمْدُلِلَّهِ } : حَمِدَ نفسَه عز وجل لأنه هو الذي يستحق الحمْد ويستحق العبودية.
{ الْحَمْدُلِلَّهِ }: دل هذا على أن هؤلاء لم يحمَدوا الله عز وجل حق حمْدِه، لأنهم لو حمدوا الله عز وجل ما جعلوا له هؤلاء الأنداد والنُظراء، قال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} ولذا قال هنا:
{ الْحَمْدُلِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } وذلك لجهلهم لم؟
لأنه لا يمكن أن يحصل الإنسان على علم إلا عن طريق هذا القرآن، ولذا مرَّ في نفس السورة {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}: اختلفوا فيه من الأقوال والأعمال والعقائد.
فقال هنا {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} لما لم يقل بل كلهم لا يعلمون، لمَ؟ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فهناك من يعلم منهم أن محمداً ﷺ صادق وسمِعَ القرآن لكنه لم يؤمن عنادًا وطغيانًا.
ومن ثَم فإن هذا المثل ضُرِبَ من أجل أن يبين عز وجل أنه هو الذي يستحق العبادة عز وجل وحدَه وقد قال بعضُ العلماء: – كما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما- :
إنَّ هذا المثل ضُرِبَ للمؤمن وللكافر فكما لا يستويان هذان؟ كذلك لا يستوي المؤمن التقي النقي وبين هذا الكافر النجس، فقال بعض العلماء بهذا القول،
قال ابنُ القيم رحمه الله: إنما التفسير هنا إنما المقصود من ذلك بيان توحيد الله عز وجل لأن الله عز وجل لما ذكر ما يتعلق بضرب أولئك لله عز وجل الأمثال: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ذكَر هذين المثلين، قال رحمه الله:
ويظن بعضُ الناس من أنَّ السلف كابنِ عباس وغيرهم إذا ذكروا قولًا قد يظن أنه هو الذي تُفَسَّرُ به الآية دونَ غيرِه، قال: وهذا خطأ وهذا عِلْمٌ دقيق.
بمعنى: أنَّ ابنَ عباس رضي الله عنهما أراد أنَّ المؤمن والكافر فيما يتعلق بهذا المثل يدخلان في نفس الآية وليس معنى ذلك أنَّ الآيةَ تُحصرُ عليهما، فكما أنهما لا يستويان هذان المخلوقان فكيف تساوون الله عز وجل بخلْقِه، وكذلك إذا كانا لا يستويان فكيف تساوون المؤمن بالكافر.
﴿وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَولاهُ أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ (٧٦)
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ}: أبكم: عيّ اللسان، بمعنى أنه عيّ اللسان لا يتحدث فلا ينطِقُ ولا يُفهِمُ غيرَه.
{ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } : فيما يتعلقُ بمصالحه أو بمصالح غيره {لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَولاهُ}: وهو ثِقْلٌّ وعِبئٌ {على مَولاهُ:}على قريبة، فإنه لا يقومُ بمصالح نفسه بل هو عالةٌ على قريبِه، فقال:
{ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَولاهُ أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ } يعني هذا القريب هذا الأبكم: {أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ} بمعنى:
أنه لا ثمرةَ من هذا الأبكم فلو وجَّهَهُ من أجل أن يقضيَ له ولو أيسر الأمور فإنه يكون عاجزًا فلا يُحقق له شيئًا.
{هل يستوي هو} يعني الأبكم {ومن يأمر بالعدل} يعني بالقسط، في أقواله في أفعاله وفي أحواله {هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ} يعني مَن يأمرُ غيرَه {بِالعَدلِ} بأن يقوم بالعدل وأعظم العدل هو التوحيد.
{هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ} وهو مع أمْرِهِ بالعدل لا يأمرُ غيرَه ويتركُ نفسَه ولذا قال: {وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }: على صراطٍ لا اعوجاجَ فيه، فكما لا يستويان هذان فكيف تساوون اللهَ عز وجل الذي أمر بالعدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}: وأعظمُ هذا العدل هو التوحيد وهو عز وجل على صراط مستقيم كما قال هود: {إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}: يعني على صراط مستقيم:
فهو عز وجل يعدِلُ في أقواله وفي أفعاله وفي أحكامه، قال: {وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }: وكذلك يدخل فيه من ضِمْنِ التَّبَع ما قاله بعضُ المفسرين:
كما لا يستويان هذان لا يستوي المؤمن ولا يستوي الكافر.
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (٧٧)
قال {ولله}: الذي استأثر بعلم الأشياء فيما يكون قد خَفِيَ على الناس في السموات وفي الأرض إنما يعلمه هو الله.
{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه} إلا ما أطلَعَ الله عز وجل رُسُلَه على ذلك مما يُطلعه عز وجل لهم من أمور الغيب:
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}
فقال هنا {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: فما غاب عنهما يعلمه عز وجل ومن ثم فإنه لا يخفى عليه عز وجل حالَكم وصنيعَكم وأقوالَكم.
ولذا قال عز وجل: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}: أنتم تنكرون البعث والنشور وأقسمتم على ذلك كما مر في هذه السورة: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ}
فقال هنا: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ}:
إلا كما يَطرُفُ البصر أو هو أقرب يعني بل أقرب من ذلك، مما يدل على ماذا؟ مما يدل على أنه عز وجل إذا أراد أن تقومَ الساعة إنما كما قال عز وجل في نفس السورة:
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
وكما قال عز وجل: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ}
فإذاً قيام الساعة لا يُعجزه عز وجل وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}: ولذا قال بعدَها: {إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: لا يُعجزه شيء لا قيام الساعة ولا غيرَ ذلك
{إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.