الدرس ( 125 ) صفة الصلاة ( 6 ) ( أيهما أفضل من هو عن يمين الإمام أو من هو عن يساره )

الدرس ( 125 ) صفة الصلاة ( 6 ) ( أيهما أفضل من هو عن يمين الإمام أو من هو عن يساره )

مشاهدات: 477

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (125) من الفقه الموسع

آداب المشي إلى الصلاة – مسائل في الصفوف

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ أيهما أفضل: مَن هو عن يمين الإمام؟ أو مَن هو عن يساره؟

الجواب: الأفضل أن يكون المأمومُ قريباً مِن إمامه؛ لقول النبي ﷺ كما في صحيح مسلم:

” لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم “

 

ولو قال قائل: لو تقدم إلى الصف الأول مما يلي الإمامَ صغارٌ مٌمَيزون، أيجوزُ على غرار ظاهر الحديث أن يُصرَفوا عن هذا المكان؟

الجواب: يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

أولا: إن هذا الحديث فيه حثٌّ لأولي الأحلام والنهى بالتقدم؛ وليس فيه أمْرٌ بأن يُقاموا مِن أماكنهم، فلم يقل: ” لا يليني منكم إلا أولوا الأحلام والنهى ” وإنما قال: ” لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ” فهو حديثٌ يأمرُ فيه النبيُّ ﷺ بالحث على تقدم أولي الأحلامِ والنهى، وليس فيه أمْرٌ بأن يُقام الصغار من هذه الأماكن، فالحديث لا يدل على إقامتهم.

ثانيا: أن هذا مكانٌ مُشاع لكلِّ أحد، وأحقُّ به مَن سَبَق إليه.

ثالثا: أن هؤلاء قد يُبغضون المسجدَ إذا أقيموا مِن هذا المكان.

رابعا: إنهم قد يُبغضون مَن أقامَهم.

ولا شك أن هذا القول في مَحَلِّه؛ لكن الذي أشكل عليّ مِن كلامه رحمه الله أنه ثبت عند النسائي:

 ” أن أُبي بن كعب -رضي الله عنه- أتى إلى المسجد وإذا بغلام في الصف الأول، فجبذه حتى أخره فقال -رضي الله عنه- إنه لا يسوؤك شيء لكن النبي ﷺ أمرنا أن نكون في هذا المكان “

ثم استدل بالحديث، وهذا يدل على أنهم يُقامَوا مِن أماكِنِهم، ما الدليل؟

فِعلُ أُبَيّ -رضي الله عنه-

وبالتالي: يبقى الإشكالُ عندي بالنسبة إلى ما ذُكِرَ في سُنن النسائي وهذا الحديث يصححه الألباني -رحمه الله- وراجعتُ شرحَ السِّندي والسيوطي للنسائي فما وجدتُ كلاماً يدل على ما ذَكَرَه ابنُ عثيمين -رحمه الله-

 

ولذا يرى فقهاءُ الحنابلة أن الناس يصفون خلفَ الإمام:

 أولاً الرجال ثم الصبيان ثم النساء

أما بالنسبة إلى النساء: فلا إشكالَ في ذلك، فقد جاء في صحيح مسلم قوله ﷺ:

” خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا “

وفي رواية في السنن: ” خيرُ صفوفِ النِّساءِ مؤخَّرُها وشرُّهًا مقدَّمُها “

 

وأما بالنسبة إلى الغِلمان: فقد جاء حديث عند أبي داود وهو حديث أبي مالكٍ الأشعري -رضي الله عنه- إذ قال: “ألا أصلي بكم صلاة النبي ﷺ، فصلى بهم فصف الرجال ثم الصبيان فلما فرغ من صلاته قال: أحسبه قال هذه صلاة أمتي”

وهذا الحديث لو صح لكان عاضداً لفِعلِ أُبَيّ، لكن الألباني -رحمه الله- لا يراه صحيحاً،

ولذا قال ابنُ عثيمين رحمه الله: لو صُفَّ الصبيان في الخلف لشوَّشوا على المُصَلِّي،

 لكن ما ذَكَره الفقهاء قد استدلوا عليه بالحديث السابق،

 

 ومما يدل على أن هذا المكانَ مُشَاع؛ وقد يُخالَفُ فيه ما فَعَلَه أُبَيّ رضي الله عنه:

 أن العبادات يُنظَرُ فيها إلى الصفة التي اتصف بها الشخص دون النظر إلى أمور أخرى،

ولذا عمرو بن سَلِمَة الجُرمي كما جاء عند البخاري وغيرِه: صلى بقومه وهو ابنُ سبعِ سنين، قال:

 ” فنظروا فوجدوني أكثرَهم حفظاً للقرآن فقدموني “، فدل على أن هناك مَن هو حافظ؛ ولكن هذا الصبي كان أكثرَهم للقرآن حفظاً.

 

 وأما بالنسبة إلى النساء فإنهن في الصفوف المتأخرة -كما ذكرنا في الحديث السابق-

س/ وهذا الحديث أهو على إطلاقه؟

بمعنى: أن النساء إذا صلين مع الرجال فإن الأفضلَ لهن الصفوفَ المتأخرة، سواء كان هناك حاجزاً أو لم يكن،

أم أن الصف المتقدم مِن صفوفهن إذا كان هناك حاجزٌ كالمُصلَّيَات الموجودة في هذا العصر في المساجد؛ ففيها مصلى منعزل،

هل الصف الأول بالنسبة إلى المرأة -في هذا المُصلّى- أفضل أم الصف المتأخر؟

الجواب: الذي ذَكَره الفقهاء ولم أرَ مَن خالَف فيه، أنهن كما قال النووي رحمه الله وغيرُه:

 أنهن إذا كن في مَعزِلٍ عن الرجال؛ وهناك ساترٌ بينهن وبين الرجال؛ فإن الصف الأول في صفوفهن أفضل مِن الصف المتأخر؛ وذلك لأن العلةَ في أمْرِ النبي ﷺ بتأخر النساء يُقصَدُ منه الحفاظُ عليهن؛ ودَرءُ الفتنة بهن، والفتنةُ قد انتفت، وبالتالي:

 فإن الصف الأول في صفوفهن هو الأفضلُ لهن.

 أما إذا كنَّ مع الرجال؛ وليس هناك ساتر: فالصفُّ المتأخر أفضل، لا سيما وأن هناك حديثا يحسنه الألباني -رحمه الله- أن سبب نزول قوله تعالى:

 {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ] الحجر -24[

أن هناك امرأةً جميلة فكان بعضُ الرجال لا يرغبُ في الصف الأول؛ وإنما يرغبُ في الصف الآخَر لينظُرَ إليها؛ فأنزلَ اللهُ عز وجل هذه الآية، وهناك تفاسير أخرى للآية،

 ولذا لو نظرنا إلى الحديث، لوجدنا أن الحديث قد ذكر الجنسين قال ﷺ:

” خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها، وشَرُّها آخِرُها، وخَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها، وشَرُّها أوَّلُها “

فلم يكن الحديث الذي هو خاصٌّ بالرجال منعزلاً مستقلاً في حديثٍ آخَر عما يتعلق بالنساء

 

وأما الألبانيُّ رحمه الله فيرى أن الحديثَ باقٍ على إطلاقه؛ فإن الفضلَ للمرأة إذا كانت في مُصَلّى النساء أن تكونَ في الصف المتأخر،

 والذي يظهر: ما ذَكَرَه العلماء؛ وذلك لأنهم نظروا المعنى؛ وهذا المعنى لم يأتِ مِن فراغ وإنما دلت عليه الأدلة الثابتة عن النبي ﷺ

ولذا فيما مَر معنا في المرأة التي أذِنَ لها النبيُّ ﷺ في أن تؤمَّ أهلَ دارِها، وهي: أمُّ وَرَقة،

 لم يأمر ﷺ النساء في جماعةِ النساء أن يكونَ الصف المتأخر أفضل لهن من الصف المتقدم،

 ولا يقل قائل: إن هذا الحديث المذكور في حديث أمِّ ورقة أنه متعلقٌ بجماعة النساء؛ لم؟

لأن الحديث إذا أُخِذَ على إطلاقه يؤخذ على إطلاقه بجميع صورِه لأن النبي ﷺ لم يُفَرِّق:

” خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا “

سواءٌ كُنَّ مع الرجال أو مع النساء منفردات أو كنَّ جماعة.

 

وما جاء من حديث ” أخروهن حيثُ أخّرهن الله” فإنه لا أصلَ له في المرفوع؛ ولذا عزاه البعضُ إلى الصحيحين وهما بريئان منه، لكنه ثابتٌ على الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نعود إلى مسألتنا / أيهما أفضل: مَن هو عن يمين الإمام؟ أو مَن هو يساره؟

الجواب: يقولُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن الصفَ الأيمن أفضل إذا تساوت الجهتان؛ بحيث يكون مَن عن يسار الإمام بنفس العدد الذي هو عن يمين الإمام أو أقل بيسير، فيكون الأيمن هو الأفضل،

 

وأما إن كان هناك فارقٌ واضحٌ في جهة اليمين بزيادة العدد: فإن اليسار أفضل؛ لقول النبي ﷺ:

” أتموا الصف الأول فالأول ” ولم يقل أتموا الصف الأيمن فالأيمن.

ولكنَّ المُشكِلَ هنا أمور:

أولا: ما جاء عند أبي داود وغيرِه قوله ﷺ: ” إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ ”  

ويُجابُ عن هذا الحديث -والإجابةُ عنه سهلة-: من أن المَحفوظ والوارد والصواب:

” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلِّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ “

 

والإشكالُ الثاني: جاء في سنن ابن ماجه “أن النبي ﷺ لما رأى حِرصَ أصحابه على جهةِ اليمين حتى تعطلت جهة اليسار وأخْبِرَ بذلك ﷺ قال: من عمَّر جهة الجهة اليسرى من الصف كان له الأجر مرتين”

فهذا يدل على أن الفضلَ في الجهة اليمنى؛ لكن لمَّا رأى أن الجهة اليسرى قد تعطلت ذَكَر هذا الحديث، فيكونُ هذا الحديث جُزءٌ منه وهو في أول أمره يستدل به على أن ميمنة الصف أفضل، والجزء الآخَر يدلُّ على ما ذَكَره ابن عثيمين -رحمه الله- من أنه إذا كان هناك فارق واضح فجهة اليسار أفضل، لكنه حديثٌ ضعيف.

 

الإشكالُ الثالث: ما جاء في صحيح مسلم عن البراء أنه قال:

 ” كنا إذا صلينا مع النبي ﷺ أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه “

 هذا يدل على أن اليمين أفضل!

والجوابُ عن هذا الحديث: وهو ثابت عند مسلم؛ لكن الصحابي -رضي الله عنه- قيَّدَ سببَ مجيئهم مِن جهة اليمين، لو لم يرد إلا رواية: ” أحببت ” لكان الأمر ميسورا؛ وهو أن هذا مما رآه البراء مِن أجل إقبال النبي ﷺ عليه بوجهه، لكن وردت بصيغة الجمع: “أحببنا” فيكونُ الأيمن هو الأفضل ولا شك، وحديث البراء -سيأتي معنا إن شاء الله- في استحباب الجهة التي يتوجه إليها الإمام بعد انصرافِه مِن الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ