الفقه الموسع
الدرس ( 129 )
مسألة :
ما السنة في نظر المصلي في صلاته ؟
ما حكم رفع البصر إلى السماء في الصلاة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة :
ــــــــــــــــــــ
ما السنة في نظر المصلي في صلاته ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلف العلماء في هذه المسألة :
قال بعض العلماء :
السنة له : أن يكون نظره إلى القبلة
هذا إذا كان في غير المسجد الحرام
المسألة هذه تتعلق بالمكان الذي خارج المسجد الحرام
قال بعض العلماء :
السنة في حقه أن يكون نظره إلى القبلة
ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين :
أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف فتقدم لما رأى الجنة وتأخر لما رأى النار .
القول الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن يكون نظره إلى الإمام
وقد بوب البخاري رحمه الله بابا فقال :
“باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة “
وذكر أحاديث تدل على أن الصحابة نظروا إلى النبي عليه الصلاة والسلام في صلاتهم
والأحاديث في هذا كثيرة
منها قول البراء :
” كنا إذا صلينا خلف النبي عليه الصلاة والسلام لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي عليه الصلاة والسلام ساجدا “
وكانوا يعلمون قراءته عليه الصلاة والسلام في الصلاة السرية باضطراب لحيته
فمثل هذه الأحاديث تدل على أن السنة بحق المأموم أن يوجه بصره إلى إمامه
القول الثالث :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن السنة أن يوجه بصره إلى موضع سجوده
ويستدلون على ذلك :
بما جاء في مستدرك الحاكم :
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يصرف بصره عن موضع سجوده فنزلت الآية :
((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2}))
فطأطأ النبي عليه الصلاة والسلام رأسه ورمى ببصره إلى الأرض
الدليل الثاني :
ــــــــــــــــــــــــ
ما جاء في مستدرك الحاكم :
أن النبي عليه الصلاة والسلام :
” لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده “
الدليل الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــ
قول النبي عليه الصلاة والسلام لأنس :
” يا أنس ضع بصرك حيث تسجد “
والقول الراجح :
هو القول الأخير :
أما ما استدل به أصحاب القول الأول :
فيقال لهم :
أن هذا الأمر عارض ليس مستمرا ، فإن رؤيته عليه الصلاة والسلام للجنة والنار في صلاة الكسوف ليست مستمرة وإنما هي عارضة
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني :
فيقال :
بأن هذا أمر عارض أيضا
وذلك إذا احتاج المأموم إلى أن يرى إمامه
وقد قال ابن حجر – كما في الفتح – :
” السنة أن يرمي بصره إلى موضع سجوده “
الإمام والمنفرد وكذلك المأموم إلا إذا احتاج أن يرى صنيع إمامه
وهذا جمع حسن
فتكون السنة :
” أن يكون البصر في موضع السجود في جميع أحوال الصلاة ما عدا حالة واحدة وهي حالة : ” التشهد “
فقد جاء من حديث: عبد الله بن الزبير في سن أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جلس في التشهد لم يجاوز بصره موضع إشارته
وسيأتي الحديث عن حديث : عبد الله بن الزبير في محله إن شاء الله تعالى
ولكن مما يعكر على ما رجح ما يلي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا :
ــــــــــــــ
أن الدليل الذي استدلوا به في نزول الآية دليل مرسل أرسله سعيد بن المسيب
فإن ابن المسيب أرسله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
ومعلوم :
أن المراسيل غير مراسيل الصحابة ليست حجة اللهم إلا إذا أخذنا بأن مراسيل كبار التابعين حجة لأنه يغلب على الظن أن هؤلاء الكبار من التابعين لم يأخذوه إلا من الصحابة الذين أخذوا هذا الأمر من النبي عليه الصلاة والسلام
لكن على القول الذي يقول بأن المراسيل كلها ضعيفة سوى مراسيل الصحابة
فما الجواب ؟
ألجواب :
أن ابن المسيب كان يرسله تارة ويوصله تارة أخرى
ولذا جاء في حديث آخر :
من طريق آخر عن ابن المسيب عن أبي هريرة
فيحتمل : أن ابن المسيب كان يرسله تارة ويوصله تارة أخرى
وهذا ليس بعجيب أن يقع مثل هذا
كما يكون من وقف الحديث تارة ومن رفعه تارة أخرى
ومن إرساله تارة ومن وصله تارة ، ومن اختصاره تارة وذكره تارة أخرى .
وإذا تعارض الوصل والإرسال كما هو مقرر في مصطلح الحديث فإنه يؤخذ بالوصل لأن الوصل فيه زيادة علم فيكون من قبيل زيادة الثقة
الأمر الثاني المعكر على هذا القول :
أنه جاء في سنن أبي داود :
أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث عينا ليحرس بالليل فصلى النبي عليه الصلاة والسلام صلاة الصبح بأصحابه فجعل يلتفت بوجهه إلى ناحية الشعب لينظر أأقبل هذا الحارس أم لم يقبل ؟
وهذا يخالف ما قُرر
والجواب عن هذا :
أنه يفرق بين حالة السلم وحالة الخوف
فإن هذا الحديث واقع في حالة الخوف ويتجاوز في حالة الخوف ما لا يتجاوز في حالة السلم
ولذا قال عز وجل : ((وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ))
وهذا من أخذ الحذر
ولأنه إذا تجاوز الشرع في كثرة حركة الجوارح في صلاة الخوف أو في حالة الخوف فمن باب أولى حركة البصر
المعكر الثالث :
ــــــــــــــــــــــــــ
ما جاء في سنن ابن ماجه وحسنه الشوكاني في نيل الأوطار :
عن أم سلمة قالت :
” كان الناس على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يجاوز بصر أحدهم موضع قدميه ، فلما توفي أبو بكر لم يجاوز نظر أحدهم موضع قبلته .، فلما توفي عمر وكانت الفتنة في عهد عثمان التفت الناس يمينا وشمالا .”
فيدل هذا الحديث على أن النبي عليه الصلاة والسلام وقع في عهده أن البصر يقع على موضع القدمين لا على موضع السجود
وهذا الحديث مع تحسين الشوكاني له إلا أنه ذكر في آخره قال بعبارة فيما معناها أن هذا من أفراد ابن ماجه
ولابن ماجه أفراد أو زوائد ” زوائد ابن ماجه “ على ما جاء في السنن
يعني يأتي بأحاديث ليست موجودة عند أهل السنن الآخرين وقد قال أهل الحديث : ” إن غالب زوائد ابن ماجه ليست صحيحة “
فيها ما هو صحيح لكن الغالب فيها ليس صحيحا
وهذا الحديث بحثته على عجالة في سنن ابن ماجه لكن لم أجده
ولا أدري أهو عند ابن ماجه أم لا ؟
ولكن الوقت لم يسعفني
على كل حال :
إن كان الحديث ضعيفا فلا إشكال
لكني أعجب أن الألباني لم يذكر هذا الحديث عند حديثه عند هذه المسألة مع أن منهجه إذا ذكر المسألة ذكر ما تحتها من أحاديث ، ويبين الصحيح منها والضعيف
فإن كان ضعيفا فلا إشكال
لكن إن كان صحيحا فما الجواب ؟
مازال مشكلا عندي على افتراض ثبوته لكن قد يقال بأن هذا الحديث يوجه بتوجهين :
التوجيه الأول :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث تعارض مع الأحاديث الأخرى التي هي أصح منه
فما علينا إلا أن نرجح
وإما وهو التوجيه الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا وهو موضع البصر عند القدم في عهده عليه الصلاة والسلام أن هذا قبل أن يؤمر بأن يضع جبينه حيث يسجد مع ما فيه من النظر
المعكر الرابع :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن بعض العلماء قال :
” إذا كان في المسجد الحرام فإن السنة في حقه أن يوجه بصره إلى القبلة لأن الكعبة هي قبلته
ووجه اعتبار هذا معكر : أننا نتفق معهم على أن الكعبة هي القبلة ومن ثم لا افتراق بين من قرب وبين من بعد
والجواب عن هذا :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الكعبة هي قبلة المصلي ولاشك في ذلك
لكن إما أن يقال : بأنه يفرق بين من كان قريبا ينظر إلى الكعبة وبين من هو بعيد .
أو يقال وهو القول الصواب :
أن ما ذهبتم إليه ليس عليه دليل من حيث توجيه بصره إلى الكعبة إذا كان قريبا منها لاسيما وأنه إن نظر إلى الكعبة لأشغله ما يراه من كثرة المصليين والطائفين ونحوهم
قال بعضهم : بأن الاعتبار بالقرب
لم ؟
قالوا : لأن النظر إلى الكعبة عبادة
ويجاب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أين الدليل على أن النظر إلى الكعبة عبادة ؟
فيكون الصواب وهو قول الأكثر من العلماء :
أن السنة أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده
ولكن مما يعكر على حديث أنس : أن فيه ضعفا ولكن لما ورد من شواهد قد يوصله إلى مرتبة الحسن
والعمدة ليست على حديث حسن العمدة على ما مر معنا في مستدرك الحاكم