الدرس ( 14 ) شرح منهج السالكين ( ومن عليه حدث أصغر لم يحل له هذه الأشياء )

الدرس ( 14 ) شرح منهج السالكين ( ومن عليه حدث أصغر لم يحل له هذه الأشياء )

مشاهدات: 547

[مَن عليه حدث أصغر لم يحل له هذه الأشياء]

شرح كتاب ( منهج السالكين ) ـ كتاب الطهارة الدرس ( 14 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد؛ قال المصنف رحمه الله:

[ومن عليه حدثٌ أصغر لم يحل له: أن يصلي، ولا أن يطوف بالبيت، ولا يمس المصحف]

الشرح/ مَن عليه حَدثٌ أصغر يحرُمُ عليه أشياء، يحرُم عليه في أول الأمر كما قال -رحمه الله- الصلاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثانيا: يحرُمُ عليه الطواف، وهذا هو رأي جمهور العلماء: أن الطوافَ لا يصحُّ مِن غيرِ وُضوء، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول ﷺ قال:

” الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَلَا يَنْطِقْ إِلَّا بِخَيْرٍ “

ولكنّ شيخَ الإسلام رحمه الله يرى أن هذا الحديثَ ضعيف، ولا يصح عن رسول الله ﷺ، ومِن ثَم:

 فإن الطهارةَ من الحدث الأصغر عند شيخ الإسلام في الطواف سُنّة وليس بواجب،

ولكن الأحوطَ ما ذهبَ إليه جمهورُ العلماء.

ــــــــــــــــــــــــ

ولا يمس المصحف: لأن النبي ﷺ لما أرسل عمرو بن حزم قال فيما قال له عليه الصلاة والسلام:

” لا يمسّ القرآن إلا طاهر ” وهذا هو مذهبُ الأئمة الأربعة،

وذهب بعضُ العلماء إلى أن الوضوءَ من الحدث الأصغر لمس المصحف سنة وليس بواجب، لأن كلمة [الطاهر] تصدق على المؤمن، وتصدق على مَنْ به حدث أكبر، ومَنْ به حدثٌ أصغر.

ولكن الصواب: ما ذهب إليه الجمهور مِن أنه يحرُم أن يَمَسَّ القرآن مِن غيرِ طهارة، لأنه لو كان يقصد بالطهارة هنا المؤمن لذكر النبي ﷺ المؤمن، لأن التعبير بالإيمان هو أكثر ما جاء في الأحاديث، فلو كان يريد التفريق بين المؤمن والكافر قال ( لا يمس القرآن إلا مؤمن).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال رحمه الله: [ويزيد مَن عليه حدثٌ أكبر: أنه لا يقرأ شيئا من القرآن،

 ولا يلبث في المسجد بلا وضوء]

أما مَنْ به حدث أكبر فيزيد على ما سبق:

  أنه لا يقرأ القرآن مطلقا لا عن ظهر غيب ولا من المصحف،

 بينما الحدث الأصغر: له أن يقرأ عن ظهر غيب، لكن لا يمس المصحف،

 بينما الحدث الأكبر لا يجوزُ له لا القراءة من المصحف ولا القراءة عن ظهر قلب، لأن النبي ﷺ كما في حديث علي رضي الله عنه، قال رضي الله عنه:

” وَلَمْ يَكُنْ ﷺ يَحْجُبُهُ – أَوْ قَالَ يَحْجُزُهُ – عَنِ الْقُرْآنِ شَىْءٌ إلّا الْجَنَابَةَ “فاستثنى الجنابة،

 وهذا هو رأيُ الجمهور،

وهناك من الأئمة مَنْ ذهب إلى أن الجُنُب له أن يقرأ القرآن عن ظهر غيب لقول عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم:

” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ “

والصواب: أنه لا يقرأ القرآن، لأن فِعلَ الرسول ﷺ في ذِكْرِه لله عز وجل في جميع أحيانه يُستثنى منه قراءة القرآن حال الجنابة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ ولا يلبثُ في المسجدِ بلا وضوء] الجُنُب لا يجوزُ له أن يلبثَ في المسجد مِن غيرِ وُضوء،

 فإن توضأ فرَفَعَ الحَدَثَ الأصغر: فله أن يبقى ولو لم يغتِسل بشرط أن يتوضأ، لما جاء في مصنف ابن أبي شيبة: ” أن الصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا جنباً وأرادوا المُكثَ في المسجد توضؤوا “

وهذا يدل على أن الوضوء يُخففُ مِن الحدث الأكبر، أما إذا لم يتوضأ فلا يجوز له اللُّبْثَ ولا المُكْثَ فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال رحمه الله: [وتزيدُ الحائضُ والنفساء: أنها لا تصوم، ولا يحل وطؤها، ولا طلاقها]

وتزيد الحائض والنفساء -على ما سبق- أنهما لا تصومان، لأن النبي ﷺ قال:

” أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ ” فالصلاة والصوم من الحائض والنفساء محرَّم ويأثمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[ولا يحِلُّ وَطؤُها] فالحائض والنفساء لا يحل وطؤهما، لأن النبي ﷺ حرَّم ذلك،

 بل إن الله سبحانه وتعالى قال:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]

والنبيُّ ﷺ أوجب على مَنْ وقع على المرأة الحائض أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار؛

والنفساء تأخذُ حكمَ الحائض فيما مضى، لأن الحيضَ يُسمى نِفاسا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[ولا طلاقُها] أما بالنسبة إلى الحائض فلا يجوزُ أن تُطلَّق، لأن ابنَ عمر -رضي الله عنهما- لما طلَّق امرأتَه وهي حائض أنكر ذلك النبي ﷺ، وقال لعمر رضي الله عنه ” مُرْهُ فَلْيُراجِعها ” فأمَرَه بالمراجعة،

 فإذا كانت المرأة حائضا فلا يجوز للزوج إذا رغِبَ في طلاقها أن يطلقَها، متى يطلقُها؟

 إذا طهرت من حيضها ولم يُصِبْها في حال الطهر فله أن يطلقها إذا شاء.

وأما النفساء: فالذي عليه الجمهور أنها مثل الحائض لا يجوزُ طلاقها،

 وذهب بعض العلماء: إلى أنه يجوز ولا تقاس على الحائض في مثل هذا،

 لأن الطلاقَ في الحيض يزيدُ مِن عِدتها، بينما في النفاس لا أثرَ للطلاق فيه، لأن العدةَ غيرُ مرتبطة بالنِّفاس، إنما هي مرتبطة بالحيض.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

وقد ذهب المؤلف رحمه الله إلى أن الحائض والنفساء تزيدان على ما سبق بأشياء، وكأنه رحمه الله يرى أن الحائض والنفساء لا يجوزُ لهما قراءة القرآن،

 وهناك رأيٌ آخَر:

من أن الحائض والنفساء لا تُقاسان على الجنب، فالجنب له حكمه، والنفساء والحائض لهما حكمهما،

ولذا قالوا: إن الحائض والنفاس لهما أنه تقرآ القرآن عن ظهر قلب، وإذا لم تحفظ شيئا فلها أن تُمسِك المصحف وتقرأ منه بحائل، كأن تلبسَ قفازين أو ما شابه ذلك، وهذا هو الصواب،

 لأن الحائض والنفساء ليس رفْعُ الحدث من اختيارهما، بينما الجنب، يمكن أن يذهب ويغتسل ويرتفع حدثه، بينما الحائض والنفساء لو اغتسلتا وهما في الحيض أو في النفاس لم يرتفع الحيض،

فلا يمكن أن تقاس الحائض والنفساء على الجنب، لا سيما أن مدةَ الحيض والنفاس قد تطول،

بينما الجنب في إمكانه في دقائق معدودة أن يغتسِلَ ويرتفِعَ حدثُه.