الدرس (18 ) باب آداب الخلاء الجزء (3)(حكم مس الذكر باليمين حال البول ـ الكلام حال قضاء الحاجة والمكث بعدها )

الدرس (18 ) باب آداب الخلاء الجزء (3)(حكم مس الذكر باليمين حال البول ـ الكلام حال قضاء الحاجة والمكث بعدها )

مشاهدات: 489

بسم الله الرحمن الرحيم

الفقه الموسع – الدرس الثامن عشر

فضيلة الشيخ زيد البحري

[ آداب الخلاء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: [يكره مس ذكره بيمينه حال البول وكذا الاستجمار والاستنجاء بها

ويكره الكلام حال قضاء الحاجة

وكذا المكث بعد قضاء الحاجة على قول ]

الشرح/ هذه المسألة يتفرع منها عدةُ فروع :

 

الفرع الأول: مس الذكر باليمين حال البول، دليل هذه المسألة :

ما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: ” لا يمس أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول “

 

فقوله عليه الصلاة والسلام: ” لا يمس أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول “

اختلف العلماء في هذا النهي:

فقال الجمهور:  إن النهي هنا للكراهة، وذلك لأن هذا النهي من جملة الآداب، والآداب عندهم لا يُتعدى بالنهي فيها إلى التحريم، ولا يُتعدى الأمر فيها بالأمر إلى الوجوب .

 

القول الثاني: وهو قول الظاهرية: أن النهي هنا للتحريم فيحرم على المسلم أن يمس ذكره بيمينه وهو يبول؛ وحجتهم:

أن هذا النهي لم يأت صارف يصرفه من التحريم إلى الكراهة

ولذا/ بوّب البخاري رحمه الله فقال : [باب النهي عن مس ذكره إذا بال ] ولم يقل: يُكره .

فكأنه لم يَرَ صارفا يصرف هذا النهي .

 

ومسألة أن هذا النهي من الآداب :

كما هو رأي الجمهور يُحتاجُ فيها إلى مزيد بحث وتحرير وإمعانِ نظر:

ـــ لأن الأصل في النهي التحريم

ــ ولأن الأصل في الأمر الوجوب، ما لم يأت صارف .

والأدلة على هذه القواعد كثيرة ومَحَلُّها في أصول الفقه.

 

ثم إن هذا الفرع يتفرع بنا إلى مسألة وهي:

هل يجوز أن يمس ذكره في غير حالة البول؟

 

صورتها: إنسان ليس في حال بول إنما مثلا في حال اضطجاع أو جلوس:

 أيجوز له أن يمس ذكره بيمينه؟

الجواب/ اختلف العلماء في هذا :

فقال بعض العلماء :

[ إن النهي باقٍ، وذلك لأنه إذا نُهيَ عن مَسِّه حال البول مع وجود الحاجة إليه فمع عدم وجود الحاجة من باب أولى ]

وقال بعض العلماء:

[ إن النهي مقيد بحال البول وهذا ظاهر صنيع البخاري في تبويبه إذ قال:

 [باب النهي عن مس ذكره إذا بال ]

ويُستدل لهذا: أن النبي ﷺ قال في مس الذكر: ” إنما هو بَضعة منك ” فيكون شأنه كشأن مس البطن أو الفخذ أو الرجل.

 

وإذا نظرنا إلى قول حفصة رضي الله عنها: ” كانت يمين النبي ﷺ لأكله وشربه وأخذه وإعطائه وشماله لما سوى ذلك “

إذا نظرنا إلى قولها وجدنا: أن بقاء النهي مطلقا هو الأولى تكريما لليمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثاني: الاستنجاء والاستجمار باليمين :

والاستنجاء : يكون بالماء

والاستجمار : بما سواه  من حجر ونحوه.

 

والدليل على هذه المسألة : ما جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام:

” ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ” والمراد منه الاستنجاء والاستجمار  .

 

والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة:

هل هذا النهي للتحريم أم للكراهة؟
وقد قال ابن حجر رحمه الله :

[ إن محل النزاع إذا كانت هناك آلة، يعني: ماء أو حجر أو ورق،

 أما إذا لم تكن هناك آلةٌ: فلا يجوزُ أن يَمَسَّ النجاسةَ مِن غيرِ هذه الآلة، سواءٌ كانت اليمنى أو اليسرى  وذلك لأن الإنسانَ مأمورٌ باجتناب النجاسة ولا يجوز له أن يتلطخ بالنجاسة إلا عند وجود الحاجة كالاستنجاء والاستجمار مثلا]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفرع الثالث: يُكره الكلامُ حال قضاء الحاجة:

 

فقولنا: [ يكره الكلام حال قضاء الحاجة، يشملُ قضاءَ الحاجةِ بنَوعيها:

 العذرة  والمائعة؛ والبول يدخلُ في المائعة ]

 

والمراد من الكلام هنا: الكلام المباح؛ أما الكلام الشرعي كذكر الله وقراءة القرآن فلا يجوز لأن في هذا امتهاناً لحرمات الله عز وجل :

قال تعالى: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ))

وقال تعالى :{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } فيكونُ محل الكلام هو الكلام المباح

 

وهذه المسألة: وهي مسألة [ الكلام حال قضاء الحاجة ]:

نص فيها الفقهاء على الكراهة، ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين:

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام سلَّم عليه رجل وهو يقضي حاجته فلم يرد عليه السلام فلما فرغ تيمم عليه الصلاة والسلام ورد عليه السلام  ثم قال: إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر ))

 

فامتناعه عليه الصلاة والسلام :

ــ يحتمل فيه تورعه عن الكلام حال قضاء الحاجة

ــ ويحتمل أنه لم يرد أن يذكر الله على غير طهارة

 

ويستدلون أيضا بحديث:

” إذا ذهب الرجلان إلى الغائط فلا يتحدثا كاشفين عن عورتيهما فإن الله يمقت ذلك “

وهذا الحديث في المسند، وقد اختلف العلماء في ثبوته:

فقال بعض العلماء: ” إنه ضعيف “؛ وقال بعض العلماء : ” إنه حسن “

 

وظاهر هذا الحديث:

أن الكلام حال قضاء الحاجة ليس مكروها إنما هو محرم، بل أنه كبيرة من كبائر الذنوب لأنه قال ( فإن الله يمقت ذلك ) وهذه دلالة أن هذا الفعل من الكبائر .

ولكن هذا الحديث ضعيف، ولو قيل بتحسينه فإن هذا الحديث لا ينصب على مسألتنا، فإن في هذا الحديث فيه النهي من أن يذهب الرجلان كاشفين عن عورتيهما ويتحدثان جميعا.

فالصحيح: أن هذا الكلام لا يتجاوز الكراهة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الرابع: المكث بعد قضاء الحاجة على حاجته مكروه

(يُكره بعد فراغه من حاجته أن يبقى على حاجته) وهذا هو أحد القولين في المسألة

والقول الثاني: [ أنه يحرم ] وهو الصحيح للأسباب التالية:

أولا/ جاء في سنن أبي داود وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله:

عن معاوية بن حيدة قال:” يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك “

فقال:  يا رسول الله إذا كان الرجل بين القوم ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ” إن استطاع ألا يراها أحد فليفعل ” وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ” إن استطاع ألا يراها أحد فليفعل ” هذا في حق من تستر بلباس حسب استطاعته وكان بين القوم فليحرص ألا يَظهر شيءٌ من عورته

فقال يا رسول الله: ” فإن كان لا يراه أحد فقال رسول الله:  فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحي منه “

فوجه الدلالة من هذا الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام: أمر أن تُحفَظَ العورة

 

ثانيا/ جاء في سنن أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام :

” من أتى الغائطَ فليستتر ” إلى أن قال: ” فإن الشيطانَ يلعبُ بِمقاعدِ بني آدم “

ويُحسن هذا الحديث ابن حجر رحمه الله .

 

ثالثا/ أن الأصل في العورة أن تُستَر:

ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله لا يجوزُ كَشْفُها إلا عند الحاجة

فالأصلُ فيها أن تُستَرَ، وليس ثَمة حاجةٌ هنا تستدعي كَشْفَها .

 

رابعا/ أن الأطباء ذكروا أن البقاء على الحاجة سبب لبعض أمراض الشرج كالناصور وغيره:

والنبي ﷺ قال ” لا ضرر ولا ضرار “.

 فالصواب في هذه المسألة هو: التحريم

 

فائدة: قد يقال بأن قوله عليه الصلاة والسلام: (( إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة ))

بأن امتناعه عليه الصلاة والسلام كان من أجل هذه العلة، فنقول: جاءت أحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام (كان يذكر الله على كل أحيانه ) كما في حديث عائشة عند مسلم .

 

وورد أيضا حديث في السنن:

أنه عليه الصلاة والسلام خرج من الخلاء وأُتِيَ له بماء، فقال: إني ما أُمِرْتُ بالوُضوء إلا عند الصلاة”

 

فيلزم مع قول عائشة أنه كان يذكر الله على كل أحيانه مع عدم تطهره بهذا الماء بعد خروجه من الخلاء إنه ذَكَرَ اللهَ على غيرِ طهارة .