بسم الله الرحمن الرحيم
باب التيمم – الدرس الحادي الستون- من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ/ زيد البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ صفة التيمم: أن يضرب بيديه ضربةً واحدة، يمسح وجهه وظاهر كفيه ]
الشرح/ هذه الصفة هي الصفةُ الراجحة،
فإذا تعذّرَ استعمالُ الماء أو فُقِدَ الماء فهذه هي صفةُ التيمم،
ولْتَعلَم: أنه لا يجبُ طَلَبُ الماء عند فَقْدِه إلا إذا دَخَلَ الوقت، وذلك لأن الصحابة -رضي الله عنهم – كما جاء في الصحيحين في ضياعِ عِقدِ عائشة – رضي الله عنها – قالت:
” فلما حضرتِ الصبح طلبوا الماء “، وحضورُ الصبح إنما هو حضورُ وقتِه.
وهذه الصفةُ يشترك فيها المُحدثُ حدثا أصغر والمحدث حدثا أكبر.
وكذلك على القول المرجوح: عند مَن يرى التيممَ عن النجاسة، فهذه هي صفة التيمم للنجاسة على البدن.
فقولُنا: [أن يضرِبَ بيدَيه ضربةً واحدة ]
جاءت أحاديث بأن التيمم ضربتان، ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين، وهي في مُستَدرَكِ الحاكم وغيرِه، ولكنها معلولةٌ عند المحققين من أهل الحديث، [ وإنما الواردُ في الصحيحين ضربةٌ واحدة]
وقد قال ابن حجر رحمه الله – تحت حديث عمار لما تمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة – قال:
( فيه جوازُ التيمم بأكثرَ مَن ضَربَتين ) ولكن هذا الاستدلال ليس فيه دلالة لأن عمارا كان جاهلا،
وكَون النبي ﷺ لم يأمُرْهُ بإعادةِ الصلاة إنما كان لِجَهْلِه، ولذا لم يُقِرَّه النبي ﷺ على فِعلِه، فأخْذُ هذا الحكم من هذا الحديث ليس بواضح.
وقولُنا [ يمسحُ وجهَه ]
أي: يمسحُ وجهَه بِكَفّيه، وقد اشترطَ فقهاءُ الحنابلة رحمهم الله: أن تكونَ اليدان مفرجة الأصابع،
وأنه إذا مَسَحَ مَسَحَ ببطونِ أصابعه، ولا يمسح ببطونِ راحَتَيه، وذلك حتى يمسحَ ببطونِ راحَتَيه ظاهِرَ كَفّيه، وغرضُهم مِن هذا:
أنه لو مسح بعموم باطن كفيه ثم مسح ظاهر الكفين فإنه مسح بترابٍ فإنه استُعمِلَ في طهارة سابقة،
( وسبقَ معنا أن الماء إذا استُعملَ في طهارةٍ سابقة فإنه طاهرٌ عند الحنابلة وليس طَهورا )
فيقولون: يمسح ببطون أصابعَه وجهَه، وببطون راحَتَيه ظاهرَ كفّيه،
ويقولون: بتفريج الأصابع لكي يدخلَ الترابُ فيها، وذلك لأن تخليل الأصابعِ عندهم في التيمم مشترط بخلاف الماء لأن الماء في طبعه سيّال يصِلُ إلى هذه المواضِع، أما الترابُ فليس كذلك،
والصحيح: أن هذه الصفةَ التي ذكروها لم ترِد عن النبي ﷺ، ولأن ما ذكرناه هو مقتضى التيسير في مشروعية هذا التيمم، فإذا مَسَح وَجهَه، يمسحُ ظاهِرَ كفّيه،
وهل يبدأ بمَسْحِ اليمنى قبل اليسرى أم العكس؟
الجواب/ جاء عند البخاري برواية الشك قال: ” ثم مسَحَ ظاهرَ كفه بشماله، أو شمالَه بكفِّه “
وهذا يقتضي التردد، لأن الأولى تدل على أن المسح ابتدئ فيه باليمنى؛ والثانية التي بعد حرف الشك على أن المبدوءَ بها هي اليسرى،
وهذا إنما هو في باب السنية، وإلا فلو قَدَّمَ اليسرى على اليمنى فإنه جائزٌ كما هو جائزٌ في الوُضوء.
ورواية أبي داود أتت بالجزم: ” فمسح ظاهرَ كفه بشماله ثم مسَح شمالَه بكفه “
فدل على أن اليمنى هي الممسوحةُ أولا ثم اليسرى، وهذا دليلٌ خاص في تقديم اليمنى على اليسرى،
أما الدليلُ العام فقول عائشة رضي الله عنها:
” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ ” وكلمة ( طُهُورِهِ) شاملةٌ عامة.
ومَسْحُ الكفين: يكون إلى الكوع، والكوعُ هو: العظمُ الذي يلي إبهامَ اليد،
وأما البوع: فهو العظمُ الذي يلي إبهامَ القدم.
وأما الكرسوع: فهو العظمُ الذي يلي خِنصِرَ اليد.
وهذا الكوع والكرسوع في امتداده ما يسمى بالزَّند، فلكل يدٍ (زَندان) منتهى هذين الزندَين عند نهايةِ العظمِ الذي هو الكوع والكرسوع، والذي بين الزندين هو الساعد،
وأما الذي بين الكوع الكرسوع فهو: الرَّسغ.
والدليل على الاقتصار على الكفين: ما جاء في حديث عمار ” ثم مسَح ظاهرَ كفيه “
وقد جاءت روايةٌ عند أبي داود: أن المسحَ يكون إلى نصفِ الذراع، فالزندان مع الساعد مع أطراف الأصابع إلى المرفق هذا هو الذراع، فجاءت رواية عند أبي داود بالمسح إلى نصفِ الذراع.
وجاءت روايةٌ ” إلى المرفقين ” وجاءت روايةٌ ” إلى الآباطِ والمناكِب “
ولذا/ فإن الصحيح ما ذُكِر مِن الاقتصار على الكفين
أما أحاديثُ نصف الذراع وإلى المرفق: فهي أحاديثٌ ضعيفة.
وأما المسحُ إلى المناكب والآباط: فإن العلماء قالوا ( إن كانت مرفوعةً إلى النبي ﷺ فهي منسوخة) واستظهَرَ بعضُ المحققين بأنها مِن فِعلِ الصحابةِ رضي الله عنهم، ويدل على هذا:
أن عمارا -رضي الله عنه- الذي روى هذا الحديث وحصلت له هذه الواقعة، كان يُفتى بعد وفاةِ النبي ﷺ بهذه الصفة.
أما قياسُ بعضِ العلماء التيمم على الوضوء: فيكون منتهى الغَسل إلى المِرفق، وكذلك طهارةُ التراب فقياسٌ مع الفارق، بل هو قياسٌ فاسِد، لأنه في مقابلةِ نصٍّ صريح وهو: حديثُ عمّار الذي في الصحيحين
فنخلُصُ مِن هذا إلى/ أن صفة التيمم صفةٌ يسيرةٌ سهلة، وهو:
أن يضرَبَ بيدَيه الأرض ضربةً واحدة، ثم يمسح وجهَه، ثم يمسح ظاهِرَ كفّيه مبتدئا باليمنى ثم باليسرى،
وهذا التيمم تُشترطُ له النية: لأنه من الأعمال، قال النبي ﷺ كما في الصحيحين: ” إنما الأعمال بالنيات “
وأما ما ذُكِرَ عن الأوزاعيِّ من أنه لا يشترِطُ النيةَ في التيمم فقولٌ مَرجوح، ويدفعُه قولُه تعالى:
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فلفظة {فَتَيَمَّمُوا} تدلُّ على القَصد،
ويردُّه أيضا قولُه عليه الصلاة والسلام: ” إنما الأعمال بالنيات “
ولهذا لو أن الإنسان وقف في الريح وهبّت عليه هذه الريحُ وقصد التيمم: فإن حدَثَه يرتفع، شأنُه كشأنِ مسألةِ المُوَضّأ الذي وُضِّئ – كما مر معنا في أحكام الوُضوء –
وقالت الحنابلةُ: تجب التسمية عند التيمم، وتسقط سهوا، فتجبُ التسميةُ عند التيمم، وتسقط في السهو قياسا على الوضوء
ولكن الصحيح: أنها لا تجب، وهذا القياسُ ليس بمقبول، وذلك لأن المسألةَ ليست مَحَلَّ وِفاقٍ في الوُضوء فكيف يُقاسُ عليها،
لكن لو بَسْمَلَ لعموم حديث النبي ﷺ الذي حسّنه بعضُ العلماء؛ وصنيعُ العلماء يدل على قَبوله، وهو حديث: ” كلُ أمْرٍ ذي بال لا يُبدأُ فيه ببسمِ الله فهو أقطَع ” ولا شك أن التيمم من الأمور المهمة،
فإذًا: ينوي ثم يسمي ثم يضربُ بيدَيه الأرض ضربةً واحدة ثم يمسح وجهه وظاهِرَ كفيه.
وهل يقولُ الشهادةَ بعد فراغه من التيمم قياسا على الوضوء؟
سبقت المسألة مستوفاة عند ذِكْرِ أذكار الوضوء وما جرى من خلافٍ بين العلماء في هذه المسألة والصواب – كما سبق – أنه لا يُؤتى بها لأن هذا لم يرد عن النبي ﷺ.