الدرس ( 63 ) باب التيمم ( 8 )( هل التيمم يكون لكل ما يخاف فواته ـ هل تجوز الصلاة إذا عدم الماء أو ما يتيمم به )

الدرس ( 63 ) باب التيمم ( 8 )( هل التيمم يكون لكل ما يخاف فواته ـ هل تجوز الصلاة إذا عدم الماء أو ما يتيمم به )

مشاهدات: 464

بسم الله الرحمن الرحيم

باب التيمم – الدرس الثالث والستون- من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ/ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [ لا عَلاقةَ بين التيمم والمسح على الخفين ]

الشرح/ هذه المسألة: لا ارتباط بالمسح على الخفين بالتيمم، ذلك لأن يتعلق بعضوين وهما الوجه واليدان، واما المسح على الخفين فإنه يتعلق بالقدم،

 وِمن ثَم فلو تيمم ثم خَلَع خُفّية فإنه لا ينتقض تيممُه،

 وكذا لا يُلتفَتُ إلى المسح على الخفين في المدة وغيرِها في التيمم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [ يختارُ شيخَ الإسلام أن التيممَ يكونُ لكل ما يُخافُ فواتُه كصلاة الجنازة ونحوِها ]

الشرح/ هذه المسألة ليست مَحَلَّ وِفاقٍ بين العلماء،

 فبعض العلماء – وهو رأيٌّ يختارُه شيخُ الإسلامِ رحمه الله- يقول:

 إن كلَّ ما يُخافُ فَوتُه فيُتيمم له ولو وُجِدَ الماء، وذلك كصلاةِ الجنازة، فإذا خَشِيَ أن تفوتَه صلاةُ الجنازةِ مع الإمام لو توضأ فإنه يتيمم؛ وسَحَبَ رحمه الله هذا الحكمَ إلى صلاةِ العيد، لأن صلاة العيدَ يرى -رحمه الله – أنها لا تُقضى على وجهِ الانفراد، فلو فاتت الإنسان صلاةُ العيد فلا يَقضيها – والمسألةُ خلافيةٌ تأتي في بابهِا – بل عدّى هذا الحكمَ إلى صلاة الجمعة:

 فلو خَشِيَ أن تفوته صلاةُ الجمعة لو توضأ، فله أن يتيمم، وذلك لأن صلاة الجمعة لا تُقضى على وجه الانفراد؛ قال ابنُ حجرٍ رحمه الله:

 ورد حديثٌ في التيمم لصلاة الجنازة ولكنه حديثٌ ضعيف،

 وهذا هو الدليلُ الأول لما اختاره شيخُ الإسلام رحمه الله.

 

 الدليلُ الثاني/ أن ابنَ عمرَ رضي الله عنهما صلّى صلاةَ الجنازةِ بالتيمم.

 

ثالثا/ أن ابن عباس رضي الله عنهما أفتى بذلك.

 

رابعا/ أن النبي ﷺ -كما في الصحيحين- تيمم على الجدار لِيَرُدَّ السلام على المُسَلِّم.

 والمقصود من صلاة الجنازة: ألا تفوتَه مع الإمام لأن ذلك يعظُمُ ويَكثُر، حتى لو أمكنَه أن يصلي عليها في المقبرة: فيُجَوِّزُون هذا.

 

القول الثاني: أن التيمم لا يصح لكل ما ذُكِر إذا كان الماءُ موجودا، وأدلتهم ما يأتي:

أولا/ قوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وهذا واجِدٌ للماء

ثانيا/ قول النبي ﷺ:

” الصعيدُ الطيب طَهور المسلم ولو لم يجد الماء عشْرَ سنين، فإذا وَجَدَه فلْيتقِّ اللهَ ولْيُمِسَّه بشَرَتَه “

وهذا عام ولم يُفَرِّق – عليه الصلاةُ والسلام – بين ما يُخشى فواتُه وما لا يُخشى، مع أن الحديثَ فيه إنكارٌ على أبي ذَر لعدمِ تيممه، وذلك لعدم عِلْمِه رضي الله عنه بهذا الأمر.

 

ثالثا/ أن مِثلَ هذه الأشياء التي يكثُرُ فواتُها هي في عصر النبي ﷺ والحاجةُ تدعو إلى بيان مثل هذا الأمر لو كان يجوز ولذا قال ﷺ:

” مَن أدرك ركعةً مِن صلاة الجمعة فَلْيُضِف إليها أخرى ” ولم يُشِر إلى التيمم، وهذا هو الراجح.

 

أما ما استدلوا به: فالحديث كما قال ابنُ حجر: [ حديثٌ ضعيف ]

 

واما فِعلُ ابنِ عمر وفتوى ابنِ عباس رضي الله عنهم: إن كانا ثابتَين فإنه لا يُدرى ما مُلابسَةُ هذا الفِعلِ وهذه الفتوى، فقد تُحمَلُ على مَحامِلَ كعادِمِ الماء أو المتضرر باستخدامه، أو نحوِ ذلك،

 ثم لو سَلّمْنا بثبوتِهما وعدم تَطَرُّقِ الاحتمالِ إليهما فإن الحجةَ في النص وليست الحجةُ في قولِ أو فِعلِ أحد متى ما خالفت النصوص، فقولُ الصحابيِّ حجة ما لم يُعارض نصا أو يُخالفْه صحابيٌّ آخَر.

 

 وأما حديث ردِّه ﷺ السلامَ على المُسَلِّم: فيُحملُ على ورد في آخِره في رواية مسلم:

” إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَلى غيرِ طَهَارَةٍ “

فليس المقصود من هذا التيمم من النبي ﷺ ليس هو استباحةَ الصلاة وإنما لإرادة الذكر، فيكون حالُ هذا التيمم كحال الوضوء مع الجنابةِ تخفيفا، وكحال التيمم كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام -وسبق –

وكحال التيمم مع الجنابة تخفيفا.

 

سؤال/ صلاة الصحابة -رضي الله عنهم- في سبب نزول آية التيمم صلوا بدون وضوء لما حضرت الصبح؟

الجواب/ لما حضرت الصبح طلب الصحابة الماء فلم يجدوه فصلوا بدون وضوء ولم ينكر النبي ﷺ عليهم.

فاستُفيد مِن هذا عند بعض العلماء: أنه يجوزُ أن يصلي الإنسانُ إذا عَدِمَ الماءَ أو ما يُتَيممُ به،

 والدليلُ: فِعلُ الصحابةِ -رضي الله عنهم-

 وقد قال بعض العلماء: عادمُ الماءِ والترابِ وما يتيممُ به لا يُصلي بل ينتظر حتى يجدَ الماءَ أو التراب.

وقال بعض العلماء: يصلي ولكنه يعيد.

 والصوابُ هو القول الأول، لما يأتي:

أولا/ ورودُ نصٍّ صريح في هذا وهو ثابت في الصحيحين، فَفِعلُ الصحابةِ مع إقرارِ النبي ﷺ دليلٌ على الجواز، وذلك لأن الوُضوءَ هو الواجبُ عليهم آنذاك، فلما عُدِموا الماء كأنهم عُدِموا الماءَ وما يُتَيمم به.

 

ثانيا/ قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} لا يجوزُ بأيِّ حالٍ مِن الأحوال أن يؤخر المسلم الصلاةَ عن وقتها، بل يصلي على حسَبِ حالِه.

 وأما القول بالصلاة مع وجوب الإعادة:

فقولٌ ظاهرٌ الضعف فيه، لأنه إما أن يقال يصلي ولا يعيد، أو لا يصلي، لأن إلزام المسلم بصلاتين لم ترد به الشريعة، بل جاءت الشريعة بالنهي عنه في حديث:

” لا تُصَلُّوا صلاةً في يومٍ مرتين “

والصحابةُ -رضي الله عنهم – استعظموا هذا الأمر لما لم يجدوا الماء، ومِن ثَم:

 فهل الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول هذه الآية، أم أن هذه الآيةَ هي التي أوجبَت عليهم الوضوء ثم نزلت بقيةُ الآيةِ لما افتقدوا الماء؟

 يحتمل هذا ويحتمل هذا كما قال ابن حجر، ولكن احتمال وجوب الوضوء عليهم قبل هذه الآية هو الاحتمال القوي، لأن هذه الآية في سورة المائدة وهي من أواخر ما نزل من القرآن، وكانت الصلاة واجبة على الصحابة قبل الهجرة وما كانوا يصلون مِن غير وضوء، فالوضوء كان موجودا قبل هجرة النبي ﷺ، فتكون الآية نازلةً على وجه الجمْع لا على وجه التفريق، وقد نزلت كاملةً

 وإطلاقُ آية التيمم على هذه الآية مع أنها تحدثت عن الوضوء والتيمم مِن باب إطلاق البعض على الكل كما هو الشأن في تسميتها بـ (آية الوضوء)

سؤال/ من لم يستطع في التيمم أن يمسح هذين العضوين أو أحدَهما لمرض ونحوه، ماذا يصنع؟

الجواب/ التيمم يسقط عنه ويكون حالُه كحال عادِمِ الماء والتراب،

 وإذا كان لا يستطيع المسح على أحدهما فيسقُطُ في هذا العضو، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

وقول النبي ﷺ: ” َإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ “.