الدرس ( 95 )باب شروط الصلاة ( 17) ( ما حكم لبس خاتم الحديد وخاتم من صفر ومن باقي الأحجار كالألماس )

الدرس ( 95 )باب شروط الصلاة ( 17) ( ما حكم لبس خاتم الحديد وخاتم من صفر ومن باقي الأحجار كالألماس )

مشاهدات: 473

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الخامس والتسعون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَرَّ معنا الحديثُ عن خاتم الذهب، وخاتم الفضة، وخاتم العقيق، بقيت هناك أحجار جاءت بشأنها أحاديث:

[ما حكم لُبسِ خاتَمِ الحديد؟ وخاتم من صفر؟ ومن باقي الأحجار كالألماس؟]

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[مسألة: ما حكم لُبس خاتم الحديد؟]

اختلف العلماء في هذه المسألة، على قولَين:

القول الأول: يجوزُ التختم بخاتم الحديد، ويستدلون على ذلك بما يأتي:-

أولا/ ما جاء في الصحيحين قول النبي ﷺ لذلك الرجل الذي لم يجد مهرا لتلك المرأة:

” الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ “

ثانيا/ ما جاء عند النسائي: ” أَقْبَلَ رجلٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ السلام- وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ ” فسُئل النبي ﷺ عن سبب عدم الرد؟ فقال: إن في يدِه جمرةً مِن نار، فطَرَحَه،

قَالَ: فَبِمَاذَا أَتَخَتَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «بِحَلْقَةٍ مِنْ وَرِقٍ، أَوْ صُفْرٍ، أَوْ حَدِيدٍ “.

 

الدليلُ الثالث/ ما جاء عند أبي داود عن مُعَيقيب (وهو تصغير اسم معقاب) قال:

” كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ، وربما لَبِسْتُه “.

 

القول الثاني: يحرم التختم بخاتم الحديد، ويستدلون على ذلك بما يأتي:-

أولا/ ما جاء عند أبي داود ان النبي ﷺ رأى رجلا قد لَبِسَ خاتما من حديد فقال:

 ” مالي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ “

 

الدليل الثاني/ أن الأحاديث الواردة في الخاتم أكثرُها جاءت بِذِكْرِ خاتم الفضة، ولذا فَعَلَ ذلك الصحابةُ رضي الله عنهم، وهذا هو القول الراجح.

وأما ما جاء عند أبي داود من حديث مُعَيقيب فله توجيه.

 

وأما ما استدل به من قال بالجواز:

فأول دليل لهم: قول النبي ﷺ ” الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ” قال ابن حجر:

استُدل بهذا الحديث على جواز لُبس خاتم الحديد، وليس فيه ما يدل على ذلك، فإن جواز الاتخاذ لا يلزم منه جواز اللبس، فلعله أصدَقَها خاتَمَ الحديد لكي تنتفعَ به ببيعٍ أو صَنعةٍ او نحو ذلك،

وعلى هذا القول منه رحمه الله: يدل على أن خاتم الحديد محرم حتى على النساء، وهذا هو ظاهر الأدلة،

وما رأيتُ أحدا قال بجوازه للنساء، وعدمُ العلم لا يدل العدم، لكن ظاهر النصوص تدل على تحريمه على الرجال والنساء.

 

أما الدليل الثاني: ما جاء عند النسائي من قصة ذلك الرجل الذي قدم من البحرين، وعليه خاتم ذهب فلم يسلم عليه النبي ﷺ، قَالَ: فَبِمَاذَا أَتَخَتَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «بِحَلْقَةٍ مِنْ وَرِقٍ، أَوْ صُفْرٍ، أَوْ حَدِيدٍ “

فالجواب عن هذا الحديث نقول: إنه حديث ضعيف، والضعيفُ لا يقومُ به حكم.

أما دليلهم الثالث: ما جاء عند أبي داود من حديث مُعَيقيب:

 ” كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ “

فهذا الحديث رأيتُ الألباني في موضع يُضعفه، وفي موضع آخَر يُصححه.

وعلى افتراض أنه صحيح: وهذا ما جَنَح إليه ابن حجر -ليس تصريحا منه وإنما حسب القاعدة المعروفة

وهي: أن تفريع حكمٍ على دليل يدل على صحة هذا الدليل عند المُفَرِّع، فالتفريع دليلٌ على التصحيح إذ لو كان ضعيفا لما احتاج إلى أن يوجهه، ولذا قال: إن الحديد هنا تابع، ففرْقٌ بين الحديد الصِّرف وبين الحديدِ المُختَلِط بفضة، وعلى توجيهه رحمه الله، هذا يجري تحت القاعدة:

( يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا )

لأنه لم يقل: خاتما من حديد، فالمنهيُّ عنه هو خاتم الحديد الصرف، أما هذا فهو مخلوط،

وأظنّ أنَّ ابن عثيمين رحمه الله يرى الجواز كما في الممتع.

 والألباني رحمه الله يرى التحريم، قال: أنه لو لم يُقبَل هذا التوجيه فإن هذا الحديث جاء قبل المنع.

لكن ما ذكره ابنُ حجر هو المنضبط، لأنه يلزم على قوله رحمه الله أن يُثبت لنا بالتاريخ المتقدم من المتأخر.

 وما سبق الكلام عن خاتم الحديد، أما خاتم الصفر، كما يلي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاتم الصفر هو: الذي يُشبه الذهب في لونه.

[مسألة: أيجوز لبس خاتم من صفر؟]

اختلف العلماء في هذه المسألة، القول الأول: يُكره، ويستدل على ذلك:

 بما جاء عند أبي داود:

” أنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَيهِ خَاتَمٌ مِن شَبَهٍ ” يعني: من صُفْر.

” فَقَالَ لَهُ: مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ، فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ؛ فَقَالَ ﷺ:

مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ “

وهذا الدليل يصلح أن يكون دليلا آخَر لمن قال بتحريمِ خاتَمِ الحديد.

 

القول الثاني: يجوز، ويستدل على ذلك بما يأتي: –

أولا/ ما جاء عند النسائي مما سبق في قصة ذلك الرجل الذي أتى من البحرين، إلى ان قال: قَالَ: فَبِمَاذَا أَتَخَتَّمُ بِهِ؟ قَالَ: ” بِحَلْقَةٍ مِنْ وَرِقٍ، أَوْ صُفْرٍ، أَوْ حَدِيدٍ “

ثانيا/ ما جاء في مسند الإمام أحمد عن عائشةَ رضي الله عنها:

” رَأَى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي يَدِيَ قُلْبَيْنِ مَلْوِيَّيْنِ مِنْ ذَهَبٍ ” يعني: سِوارَينِ مِن ذهب.

” فَقَالَ: أَلْقِيهِمَا عَنْكِ، وَاجْعَلِي قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَصَفِّرِيهِمَا بِزَعْفَرَانَ “.

 

ثالثا/ ما جاء في النسائي: بما يشابه قصةَ عائشة وهي قصةُ أم سلمة، وهذا هو الراجح

وأما ما استدل به من قال بالكراهة: استدلالا بحديث ” مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ “

فنقول: هذا الحديث حديثٌ ضعيف، ولذا يمكن أن يكون قولُهم بالكراهة بناء على القاعدة السابقة

 (إن الحديث الذي ليس فيه ضَعفٌ كثير، يكونُ في منزلة بين منزلتين )

وإلا فإن الحديث لو صَح فإنه يقتضي التحريم.

 

وأما ادلة من قال بالجواز:

فأما دليلهم الأول: ما جاء عند النسائي في قصة ذلك الرجل الذي جاء من البحرين،

فالجواب عنه كما سبق: هو حديث ضعيف.

 

أما الدليل الثاني والثالث: وهو ما جاء في المسند في قصة عائشةَ وأمِّ سَلَمةَ رضي الله عنهما، فهذان الحديثان صحيحان، ولكن يُشكِلُ عليهما ثلاثة أمور:

الأمر الأول/ أن هذين الحديثين قال بعض العلماء فيهما إنهما منسوخان، وهو قولُ جماهير الأمة،

والألباني يصححهما ولا يقول إنهما منسوخان لأنه يرى كما سيأتي معنا: تحريمُ الذهبِ المُحَلَّق على النساء، وذلك كالخاتَم مِن الذهب لا يجوز للنساء، وكالسوارة وكالقلادة.

 

الإشكال الثاني/ أن ابن القطان رحمه الله يضعف هذين الحديثين.

الإشكال الثالث/ لو قلنا بعدم النسخ، وقلنا بصحة الحديثين، فإن الحديثين ليس فيهما أنهما من صُفر، وانما الاصفرار حصل زيادة، ثُم: لو قيل إن هذا يُعد في حكم خاتم أو قُلْب الصُّفر، فإننا نحمله على القاعدة السابقة وهي قاعدة المختلط كما وجهنا حديث مُعَيقيب، فيُرَدُّ علينا فيقال: [يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا]

ومِن ثَم: ذهبت أدلة مَن قال بالجواز، إذًا لما قلنا ان هذا هو الراجح؟

لعدم الدليل الصحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

بقي عندنا ما عدا ذلك من الأجحار: ولذا مر معنا كلامُ ابنِ حزم:

نَقَل الإجماع بجواز التختم بجميع الأحجار؛ وإذا كان كذلك فإنه على قوله:

يجوز التختم بالألماس، مع أنه أغلى من الذهب، وبمعدن البلاتين وهو مَعدنٌ نفيس

ولذا نَص فقهاء الحنابلة في المشهور عنهم:

أنه يُباح لهما، يعني الرجل والمرأة، يباح لهما التحلي بما سوى ذلك مِن الألماسِ والياقوتِ ونحوهما.

ودليل من قال بجواز الألماس ونحو ذلك من المعادن، قوله تعالى:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جَمِيعًا} [البقرة: 29]

وقول النبي ﷺ: ” وسَكَتَ عن أَشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غيرَ نِسْيانٍ، فلا تَسألوا عنها “

فالأصلُ فيه الجواز والإباحة.

 

 

ومع أن هؤلاء العلماء ذكروا الجواز فالحكمُ كما ذكروا، لكن ينبغي للإنسان ألا يَبلُغَ به الترف إلى أن يلبَسَ خواتِمَ بمثل هذه المعادن النفيسة

وأقول: قد يَحرُمُ الألماس، في حالة ما إذا صُنِعَ خاتمٌ يُشبه خاتمَ النساء، وأنا أتحدثُ في عصرنا، لأن في عصرنا في مجتمعنا نحنُ: أن الألماس لا يلبسه إلا النساء، فلو لُبِسَ خاتمٌ مِن الماس على غِرارِ ما تَلْبسه المرأة فإنه لا يجوز، لم؟

لأن التحريمَ هنا تحريمٌ لا لذاته وإنما تحريمٌ لغيره، وهو التشبه، ولذا قال النبي ﷺ كما عند البخاري:

” لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ “

وعند أبي داود: ” لعنَ رسولُ الله ﷺ الرَّجلَ يلبسُ لِبْسَةَ المرأةِ “.

 

ولذا يحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة، وهذا الكلام أوصلنا إلى مسألة التشبُّه:

فلا يجوز أن يتشبه بالمرأة لا في حركتها ولا في قولها ولا في غير ذلك مما يخصها، إلا ما كان في أصل الخِلْقَة، فإن بعضَ الرجال قد يكونُ كلامُه ككلام المرأة، طبيعةً وخِلقةً، فهذا يُنظَر فيه:

 إن كان يستطيع أن يمنع نفسَه وأن يُعالج نفسَه بنفْسِه: فيدخُلُ في الذم، وإلا فلا إثم عليه،

 والدليل على عدم اللوم: ما جاء عند البخاري: أن رجلا مُخَنَّثًا كان يدخل على زوجات النبي ﷺ، والمُخَنّث: هو الذي في أصلِهِ رجُل، ولكن في حركاته وأقواله يُشبه حركات وأفعال وأقوال النساء.

لكن كما قلنا: إن كان عن عمد فهذا محرم، وإن كان في أصل الخلقة فيُنظَر:

 إن كان لا يستطيع أن يعالج نفسَه فيجوز، فلا يدخُلُ في اللوم، والدليل:

دخولُ هذا المُخَنّث على زوجات النبي ﷺ.

وإن كان يستطيع أن يعالج نفسَه ويمنعُها: فهذا يدخُلُ في اللوم، والدليل:

أن هذا المخنث لما سَمِعَه النبي ﷺ يذكُرُ لرجل أنه قال:

” إذا فتح الله علينا ثقيف أخبرتك عن امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان ” والمراد من ذلك:

 أن هذه المرأة سمينة، وهذا الإقبالُ بأربع هي: عُكَنُ البطن، فإنها في المقدمة يُنظَرُ إليها على أنها أربع، لكن مِن الخَلْف لكلِّ عُكْنَة طرفان، فتُرى المرأةُ مِن الخلف قد أدبرت بثمان.

وهذا يدل على: أن المستحسنَ في ذلك الزمن من النساء هن السمينات البطينات بخلاف هذا العصر،

ولذا جاء في بعض الروايات: أن النبي ﷺ نفاه مِن المدينة، وأمَرَه أن يكون بالبيداء، يعني: الصحراء، فقالوا: يا رسول الله! إنه سيهلك، فأذِنَ له في كلِّ جُمُعَة، يعني: في كل أسبوع، ان يدخل المدينة مرتين يستطعِمُ فيها، يعني: يأخذ الطعام، وهذا مِن باب سد الذرائع ومن باب منْعِ وقوعِ الفاحشة في المجتمع كما صَنع عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بِنَصْرِ بنِ حَجاج.

 

وكما أن التشبه لا يجوز مِن الرجل بالمرأة ولا العكس، كذلك لا يجوز التشبه بالكفار، فقد جاء عند أبي داود قول النبي ﷺ: ” مَن تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فهو مِنهم “

قال شيخ الإسلام: ظاهر هذا الحديث يقتضي كفرَ المتشبه بهم، وأقلُّ أحواله التحريم.ط

 ولذا/ صَنَّفَ رحمه الله كتابَه (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم)

وكلُّ هذا الحديث يدور حول التشبه، فمن أراد الاستزادة في هذا الباب فعليه أن يرجع إلى هذا الكتاب.

حتى إنه ذَكَر التشبه بهم في كلامهم، ولذا لا يجوزُ للمسلم أن يتخذ لغتهم شعارا له، لأن مِن أعظم شِعارات الأمم اللغة، فإذا ألغى الإنسانُ لُغَتَه العربية فإنه ذريعةٌ إلى أن يُلغيَ دِينَه، لأن القرآن نَزَلَ بلغةِ العرب، والنبيُّ ﷺ عربي وهو أفصحُ العرب، إلا إذا اقتضت الحاجةُ إلى أن يتحدثَ فلا مانع من ذلك، فقد جاء عند أبي داود لما أمَرَ النبي ﷺ زيدَ بن ثابت رضي الله عنه، أن يتعلم لغَةَ يهود،

فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ” واللهِ إنِّي لا آمَنُ اليَهودَ على كِتابي “

 

فتعلم رضي الله عنه لغتَهم في خمسة عشرة يوما، قال:

” أمَرَني رسولُ اللهِ ﷺ أنْ أتعَلَّمَ كِتابَ يَهودَ، فما مرَّ بي نِصفُ شَهرٍ حتى تَعلَّمْتُ “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ