الدرس(29) خصال الفطرة (5)(حكم حلق اللحية وتقصيرها وتخضيبها وتخضيب الشيب وحكم القزع وحلق القفا )

الدرس(29) خصال الفطرة (5)(حكم حلق اللحية وتقصيرها وتخضيبها وتخضيب الشيب وحكم القزع وحلق القفا )

مشاهدات: 496

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس التاسع والعشرون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

خصال الفطرة: حكم حلق اللحية، وتقصيرها، وتخضيبها، وتخضيب الشيب

وحكم القزع، وحلق القفا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [يحرم حلق اللحية،

ولا عبرة بفعل ابن عمر رضي الله عنهما في أخذه ما زاده على القبضة في الحج،

 وحد اللحية: ما نبت على الخدين والذقن واللحيين]

الشرح/ اللحية جاء الأمر بإعفائها وبتوفيرها

 قال النبي ﷺ “أعفوا اللحى”

وقال كما في رواية مسلم “أرخوا اللحى” وضُبطت “أرجئوا اللحى” يعني أخِّرُوها،

 وورد “أوفوا اللحى” وورد “وفروا اللحى”

وكلُّ هذه الأحاديث أمَرَت بِتَرْكِ اللحية.

واللحية حدُّها: ما نبت على اللحيين والخدين والذقن،

واللحيان: هما العظمان النابتُ عليهما الأسنان،

والخدان: معروفان،

والذقن: هو مَجمَعُ اللحيَيْن من الأسفل،

ويُخطئ كثيرٌ من الناس في تسمية اللحية بـ [الدقن]!

 

فهذا هو ضابطها وذلك لأن النبي ﷺ أمر بإعفائها فرُجع إلى معناها في اللغة فوُجِدَ كما ذُكِر.

 

 وعبارة “أعفوا” تدل على الزيادة كما قال جل وعلا: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ﴾ [الأعراف:95] أي كثُرَت أموالُهم وأولادُهم.

 

ومن هذا الأحاديث يتبين لنا أنه لا يجوز على الصحيح أخْذُ شيءٍ منها لا في حجٍّ ولا في عمرة ولا في أي حال من الأحوال.

وبعض العلماء يرى: جواز التقصير، وذلك بأن تُساوَى فيُؤخذ من عَرْضِها ومن طُولِها، حتى قال بعضهم ( لا يدعها طويلة حتى لا يُستقبَحَ منظرُه)

وفي هذا مجازفة! وذلك لأنه خلاف الأمر بالتوفير والإعفاء.

ويستدلون أيضاً: بفعل ابن عمر رضي الله عنهما كما جاء في صحيح البخاري:

 (أنه كان يأخذ من لحيته في الحج والعمرة ما زاد على القبضة) فيقبض على لحيته وما زاد يقصها

ويستدلون أيضاً: بما جاء عند أبي داود وحسنه ابن حجر رحمه الله في الفتح قال جابر:

 (كنا نُعفِّي سِبالاتنا إلا في حج أو عمرة)

 ومما يختار الأخْذَ منها: الألباني رحمه الله، وهناك مَن سَبَقَه مِن المُتَقَدمين.

ولكن الصحيح: أنه لا يجوز أخذ شيء منها لا في حج ولا في عمرة ولا في غيرهما، وذلك لأن الحديث الذي أخرجه الترمذي (كان رسول الله ﷺ يأخذ من لحيته من طولها وعرضها) قال عنه البخاري: هذا منكر، والمنكر هو: ما خالف الضعيف فيه الثقة، وهو يختلف عن الشاذ، فالشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وقد حكم عليه الألباني بالوضع قال: إنه موضوع.

 

أما فعل ابن عمر رضي الله عنهما: فهو رأيٌ رآه، حتى وَجّه بعضُ العلماء فِعلَه في النُّسُك كي يجمعَ بين التقصير والحلق لقوله عز وجل ﴿مُحَلِّقِینَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِینَ﴾ [الفتح:27] فلما حلق رأسه ولم يبق موضع للتقصير قصّرَ من لحيته.

 ولكن هذا التوجيه مردود بما جاء عنه في غير البخاري كما قال ابن حجر رحمه الله:

 أنه كان يفعل ذلك في غير النسك.

 

وأما حديث جابر: فإن هذا الحديث قد يُحمل على ما نزل من شعر الشارب،

وقد يُحمل على ما نزل من شعر اللحية.

 

وعلى كل حال/ لو لم يكن هناك ما يُنتقد به على هذه الآثار فسنةُ النبي ﷺ القولية والفعلية صريحة في مخالفة هذه الآثار، فقد كان ﷺ لا يتعرض للحيته وقد أمر بذلك وقال:

 “خالفوا المجوس فإنهم يوفرون سبالاتهم ويحلقون لحاهم”

 

أما قول البعض: إن الحلق هو المحرم لوقوع المشابهة بالمجوس!

 فغيرُ مُسَلَّم وذلك لأن الأمر واضح بالتوفير، ثم إن العجب أن الألباني رحمه الله في كتابه (حجاب المرأة المسلمة) يُحَسِّن حديث أبي أمامة، ويحسنه ابن حجر، وفيه (قالوا يا رسول الله إن المجوس يقصون عثانينهم -يعني اللحى- ويوفرون شواربهم، فأمر الرسول ﷺ بمخالفتهم) فهذا نص صريح على أن القص فيه مشابهة لهم ،ولا مانع أن منهم من كان يحلق ومنهم من كان يقص، ولذا جاءت روايات:

 “خالفوا المجوس” وفي روايات “خالفوا الأعاجم”.

 

واللحية هي سنة من سنن الفطرة كما سلف، وهي من سنن الأنبياء قال هارون لأخيه موسى عليهما الصلاة والسلام: ﴿لا تَأۡخُذۡ بِلِحۡیَتِی وَلَا بِرَأۡسِیۤ﴾ [طه :94]

حتى إن حديث رويفع والذي فيه قال ﷺ: “يا رويفع لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من تقلد وَتَراً أو عقد لحيته أو استنجى بعظم أو رجيع دابة فإن محمدا بريء منه”

 فهذا فيه دلالة على أن الفطرة تقتضي ترْكَ اللحية، وأن من كان في السابق يُبقيها ولكن يَعقدها خيفةً من العين أو تكبراً.

واستدل بعضُ المعاصرين على جواز حلْقِها بحديث “خصال الفطرة ” وذكر منها: “إعفاء اللحية”

فنظر من زاوية واحدة وأغمض عينيه عن زوايا أخرى! فنظر إلى هذا الحديث وتَرَكَ الأحاديث الأخرى التي أمَرَت بتوفيرها وإعفائها.

ثم لا يلزم أن ما ذُكِرَ من خصال الفطرة وأن كونها من الفطرة، لا يلزم أن تكونَ غيرَ واجبة!

 فإن النبي ﷺ ذكر من خصال الفطرة (الاستنجاء) وذَكْرَ (المضمضة)

فنحن نوافقهم على أنها من الآداب التي هي الآداب الواجبة لصراحة الأمر وتكراره والتنوع في عباراته والتنصيص على علته وهي مخالفة المجوس، والنبي ﷺ قال كما عند أبي داود: “من تشبه بقوم فهو منهم”

 

ومما يدل على عدم الأخذ منها: الأحاديث الصحيحة التي جاءت بالنهي عن نتف الشيب، قال النبي ﷺ:

” لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ ” وهذا عام في شيب الرأس وفي شيب اللحية،

وهذا الشيب يُستحبُّ أن يُخضَب: ولذا أم سلمة رضي الله عنها كانت تُخرج شعرات للرسول ﷺ بعد موته (شعرات حمراء) كما عند البخاري

 ولا يتعارض هذا مع قول أنس رضي الله عنه:

 (كان شعرُ النبي ﷺ قليلاً نحواً من أربعَ عشرةَ شعرة بيضاء)

لا تعارض بين حديث أم سلمة وحديث أنس رضي الله عنهما

ولذا قال النووي رحمه الله: فَعَلَه تارة، وتَرَكَه وقتاً آخَر.

 

وقد قال بعض العلماء: ليس هذا بخِضاب وإنما هو من الطيب، فإذا تطيّب احمَرّ شيبه.

 ولكن التوجيه الأول هو الأظهر، كما قال النووي وابن حجر وغيرهما، وذلك لأن أم سلمة كانت تُخرج هذا الشعر المخضوب فلو كان من الطيب لما بقي هذه المدة.

 

وقد قال بعض العلماء توجيهاً آخر وهو: أن مَن كان شعرُه الأبيض يزيدُه حُسناً فلا يخضب كحال النبي ﷺ، ومَن كان سوى ذلك فلْيختضِب

 ولكن ما رجحه النووي وابن حجر هو الصحيح.

 

ويكونُ صَبْغُه بغير السواد: كالحناء والكَتَم، فالحناءُ أحمر، والكتم يضرِبُ لونُه إلى السواد، لكنه ليس بأسود خالص، فالنهيُ عن الأسود الخالِصِ الصِّرْف لقول النبي ﷺ كما عند مسلم:

 لما أتِيَ أبي قُحافة والد أبو بكر ورأسه كالثَّغامة بياضاً وهو نوع من العشب، قال:

 “غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد”

ولقوله ﷺ كما في بعض السنن:

” يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ “

 

 ولا عبرة بقول مَن يقول: إن النهي عن السواد خاص بكبار السن حتى لا يُدَلِّسوا على غيرهم!

 وذلك لأن الحديثَ عام، فالعبرةُ وجود الشيب في صِغَرٍ أم في كِبَر.

ولذا البعضُ قد ينتشرُ الشيبُ فيه وهو في سنِّ الشباب.

 

 وأما فِعلُ بعضُ الصحابة: فهذا فِعلٌ والفعلٌ من الصحابي لا يُلتفت إليه إذا كان يخالف النص الصريح.

ولذا بعضُ المفتين يُحيل مَن يسأل ممن يخضب بالسواد، يُحيلهم إلى كتاب زاد المعاد! وهذا ليس بحجة

هذه الإحالة ليست حجة، فإن زادَ المعاد ليس حجة على عباد الله!

 ثم إن قراءة الكتب ولاسيما في المسائل التي يترتبُ عليها أمور حاسمة تحتاج إلى إعادةِ قراءة وإلى تأمل، فإنه رحمه الله ما أجازَ! ذَكَر الوجهَ الأول، وفي ذِكْرِه له ذِكْرٌ بصيغة مُوهِمَة، ثم ذَكَرَ الوجهَ الثاني،

وعلى كل حال: حتى لو رأى ابنُ القيم الجواز فسنة المصطفى ﷺ مُقَدّمة، وكلٌّ يُؤخذ من قوله ويُرَد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وأخبرَ الصحابة وتَغايَرَ خبرُهُم في الشعرات البيضاء في رأسِ ولحية النبي ﷺ:

 فمن قائل: إنها أربع عشرة شعرة بيضاء، ومن قائل: إنها عشرون شعرة.

وعلى كل الأحوال: فإن الشعر الأبيض في النبي ﷺ قليل، وقد وضح النبي ﷺ عن سبب هذا الشيب،

( قالوا: يا رسول الله قد شبت -أي قبل المشيب- قال “شيبتني هود وأخواتها” )

جاء في حديث آخَر: بيان أخواتها وهي (الواقعة – المرسلات – وعم – وإذا الشمس كورت)

ومِن ثَم: فإن بعض الشُّرَّاح لهذا الحديث قال:

 إن هذا الشيب ليس هو الشيب المذكور في شعره ﷺ إنما هو شيبُ البدن، أي: ضَعُفَ بدنُك، وَنَحَلَ جسمُك قبل المشيب.

 وحمَلَهم على ذلك: أن الشيبَ الموجود في النبي ﷺ قليل، فإذا كان كذلك فإن الشيبَ نوعان:

  • شيبٌ في الشعر
  • وشيبٌ في البدن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة: [يحرم القزع]

الشرح:

عبارة الفقهاء (يُكره القزع) وفيها نظر، إلا إن كان مرادهم كراهةَ التحريم، وهذا لا يُسعفهم وذلك لأن المصطلح الدارج عند الفقهاء أن المكروه: ما نُهي عن فِعله لا على وجه الإلزام،

 ويُعبرون عنه: بما يُثابُ تارِكُه ولا يُعاقَبُ فاعله

 ولكن الصحيح: أنه محرم، لأن النبي ﷺ نهى عن القزع، والنهيُ في أصله كما هو مقرر في الأصول يقتضي التحريم.

والقزع هو: حلْقُ بعض الشعر وتَرْكُ البعض، ولذا النبي ﷺ كما عند أبي داود لما رأى صبياً قد حُلق بعضُ شعرِ رأسه قال ﷺ: “احلقوه كله أو دعوه كلَّه”

 وفي هذا القزع تشبه بالكفار، والتشبه بالكفار منهي عنه أشد النهي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: [يكره حلق القفا إلا في حالتين:

الحالة الأولى: إذا حلقه للحجامة ونحوها.

الحالة الثانية: إذا حَلَق معه الرأس]

الشرح:

هذه هي عبارة الفقهاء، فقالوا: إن حَلْقَ القفا يُكرَه، وعللوا: بأنه فِعلُ المجوس، واستثنوا من ذلك حالتين:

الحالة الأولى: إذا حَلَق الرأس فيجوز حَلْقُه معه.

الحالة الثانية: إذا حَلَقه دون رأسه لموجب كحجامة وقروح ونحو ذلك.

ولذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أن السلف كانوا يكرهون حلق القفا، وذلك لأن فيه فيه تَشَبُّهًا بالمجوس

والكراهة عند السلف يراد منها التحريم، لاسيما أن هذا الفعل مرتبط بالتشبه بالمجوس.

ولذا كان بعضُ السلف إذا حلق رأسه لم يحلق قفاه.

 والذي يظهرُ: أن هذا الفِعل محرم وهو حَلْقُ القفا، ما لم تدعُ حاجة إلى ذلك، كحجامة ونحوها،

 والدليلُ على جواز الحجامة وغيرها مما هو مثيل لها يدخل ضمناً وقياساً.

الدليل وهو: أن النبي ﷺ كما في الصحيحين احتجم وهو محرم فحلق بعض رأسه، ومن ثم فلا وجه لإباحة التحديد وإنما يترك الشعر على ما هو عليه.

لكن لو قال قائل: لو أنه حلق شعر رأسه وعلى أذنيه شعر أيحلقها مع الرأس، وذلك لأن الأذنين من الرأس؟

فالجواب: الظاهر أنه لا يحلق ما نبت على أذنيه من شعر، لعدم النقل عن النبي ﷺ وصحابته رضي الله عنهم، ولذلك لم يرد في النسك أنهم إذا حلقوا رؤوسهم حلقوا ما على آذانهم.