الشرح المختصر لثلاثة الأصول ( الدرس السابع )

الشرح المختصر لثلاثة الأصول ( الدرس السابع )

مشاهدات: 521

شرح الأصول الثلاثة

الدرس السابع

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

ثم لما ذكر رحمه الله مرتبة الإسلام ذكر مرتبة الإيمان ، قال رحمه الله:

( المرتبة الثانية : الإيمان وهو بضع وسبعون شعبة ، فأعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) .

ذكر رحمه الله الإيمان وذكر مرتبته وذكر هذا الكلام ، وهذا الكلام هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو مضمون لما قاله عليه الصلاة والسلام .

( الإيمان وهو بضع ) البضع / من ثلاثة إلى تسعة يسمى بضعا .

قال ( هو بضع وسبعون شعبة ) هل الإيمان وأنواعه منحصر في هذه الشعب المذكورة في الحديث ؟ ( لا ) فالإيمان شعب ، لكن تحت هذه الشعب أنواع كثيرة من أنواع الإيمان .

قال ( فأعلاها ) إذا سمعت كلمة ( أعلاها ) تُوقفك ما هو هذا الأعلى ؟ التوحيد ، ولذا قال ( قول لا إله إلا الله ) .

( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) .

الحياء / هو خُلقٌ يمنع الإنسان مما يشينه ويدفعه إلى ما يزينه من الأعمال والأقوال ، لأن الرجل الحيي حقيقة هو الذي يستحي من الله عز وجل إذا أراد أن يقدم على ذنب ، ويستحي من الله إذا أراد أن يترك طاعة أو واجبا .

وهذا الكلام الذي ذكره رحمه الله وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا تأملناه يدل على ماذا ؟

فيه فوائد منها : أن أعلى الإيمان هو التوحيد .

ومن الفوائد   :  أن الإيمان ليس قولا ، وإنما في الإيمان عمل ، ما هو العمل المذكور في الحديث هنا ( إماطة الأذى عن الطريق ) وقول ( لا إله إلا الله ) يدل على القول وعلى الاعتقاد ، فالإيمان تعريفه :  قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح .يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية

ومن الفوائد :  أن العمل الصالح الذي يتعدى نفعه للغير من أنفع ما يكون ، لأنك إذا أمطت الأذى عن الطريق فهو عمل صالح لكنه مختص بك أو بغيرك ؟ بغيرك .

قال المصنف رحمه الله :

( وأركانه ستة : ) أي أركان الإيمان ( أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ) .

فهذه أصول ستة تسمى بـ [ أصول الإيمان ] وتسمى بـ [ أركان الإيمان ] .

( والدليل على هذه الأركان الستة : قوله تعالى : { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } البقرة177 ) .

فقد أوضح – سبحانه وتعالى – لما حصل ما حصل في تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، ظنوا أن هذا هو البر ، فبيَّن سبحانه وتعالى أن البر ليس أن يولي العبد وجهه قِبل المشرق والمغرب ، ولكن البر ما ذكره – سبحانه وتعالى – { مَنْ آمَنَ بِاللّهِ } هذا هو الركن الأول{ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } الركن الثاني { وَالْمَلآئِكَةِ} الركن الثالث { وَالْكِتَابِ } الركن الرابع     { وَالنَّبِيِّينَ } الركن الخامس .

( ودليل القدر : قوله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49).

فذكر في هاتين الآيتين ذكر – سبحانه وتعالى – أركان الإيمان الستة ، ولتعلم أن أصول الإيمان الستة يجب أن يؤمن بها العبد كلية وتفصيلا ، كما أخبر بذلك القرآن أو أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن أنكر جزءا من أصل من هذه الأصول فقد كفر بالله عز وجل كفرا يُخرجه عن ملة الإسلام ، فلو قال مثلا : إن جبرائيل ليس بملَك ، أو إن ميكائيل ليس بملك ، أو إن التوراة ليست من الكتب المنزلة ، أو إن القبر ليس فيه عذاب ولا نعيم ، أو إنه ليس من بين الأنبياء ما يسمى بنوح أو إبراهيم عليهما السلام ، فإنه كافر .

 

 

ثم قال رحمه الله :

المرتبة الثالثة : الإحسان

أي المرتبة الثالثة من مراتب الدين:

( ركن واحد ، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).

إذاً مر معنا أركان الإسلام وأنها ( خمسة ) وأركان الإيمان ( ستة ) وأركان الإحسان ( ركن واحد ) ولكن هذا الركن له مرتبتان إحداهما أعلى من الأخرى ، فالتي هي أعلى : أن تأتي بالعبادة كأنك ترى الله عز وجل ، وهذا هو أعلى المقامين من مقامي الإحسان ، فإن لم تحصل لك هذه المرتبة فتأتي المرتبة الثانية : أن تعبد الله معتقدا وموقنا بأن الله يراك ، إذاً الفضلى والعظمى أن تعبد الله كأنك تراه ، كأن الحواجز قد أزيحت بينك وبين الله عز وجل ، فإن لم يحصل هذا : أن تعبد الله معتقدا أنه يراك .

( والدليل🙂 أي على الإحسان ( قوله تعالى : إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } النحل128 ) .

فأوضح – سبحانه وتعالى – هنا أن هناك معِية منه ، لمن ؟ للمحسنين ، لأن مَعِية الله نوعان :

النوع الأول : مَعِية عامة لجميع الخلق { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا }المجادلة7 ، فهو جل وعلا مع الخلق ، ولكن ليس معنى هذا أنه مختلط بالخلق ( لا ) هو مع الخلق بعلمه ، بتولي شؤونهم ، بتدبير أرزاقهم ، لكنه في علوه قد استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته ، فهذه هي المعية العامة لجميع الخلق .

النوع الثاني : معية خاصة ، وهي معيته – سبحانه وتعالى – لعباده المتقين المحسنين ، وتقتضي هذه المعية التأييد والنصرة والحفظ وما شابه ذلك من معاني المعية الخاصة .

( وقوله تعالى: ) دليل ثاني على الإحسان ( { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{217} الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ{218} وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ{219} إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{220} ) .

هذه الآية أمر – سبحانه وتعالى –  النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه ، وهذا التوكل الحاصل على مرأى من الله عز وجل ، وهذه الآية تدل على المرتبة الثانية من مراتب الإحسان { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } في ذهابك ، في إيابك ، في شؤونك كلها { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }.

( وقوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } يونس61 ) .

فأخبر – سبحانه وتعالى – أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكون في شأن من أي الشؤون التي يعملها ، وما يتلو من كلام الله سبحانه وتعالى إلا والله سبحانه وتعالى شهيد على هذا العمل { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } وتمارسونه .

ثم قال رحمه الله :

( والدليل من السنة ) على الإحسان ، أم على مراتب الدين الثلاثة ؟ على مراتب الدين الثلاثة ( الإسلام والإيمان والإحسان ) .

( والدليل من السنة :  حديث جبريل المشهور ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواء الشعر ، لا يُرى عليه أثرُ السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، قال : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : أخبرني عن الإيمان ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، قال : أخبرني عن الإحسان ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، قال : أخبرني عن الساعة ، قال : ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل ، قال: أخبرني عن أماراتها ( يعني علاماتها ) قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان ، قال : فمضى فلبثنا مليا ، فقال يا عمر أتدرون من السائل ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ) .

هذا الحديث وهو حديث جبريل عن عمر رضي الله عنه ، فيه فوائد كثيرة ولكنني أذكر شيئا منها :

من الفوائد :

أن جبريل عليه السلام أتى في صورة التعمية وإخفاء نفسه عن الصحابة ، لم ؟ لأنه غريب ، وإذا كان غريبا فسيكون مسافرا ، والمسافر بطبيعة الحال في ذلك العصر يُرى عليه شعث الرأس ، يرى عليه الغبار ، يرى عليه اتساخ ملابسه ، لكن هذا الرجل غريب ومع ذلك غريبٌ أمره ، ومما يدل على ذلك أنه قال ( يا محمد ) ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنه لا يحق لهم أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا محمد ) وإنما يقولون ( يا رسول الله ) أو ( يا أيها النبي ) ولا يجوز في حقهم أن يقولوا ( يا محمد ) ثم إن هذا الرجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدقه ، ومعلوم أن السائل جاهل ، فكيف يسأله ويخبره بالجواب ثم يصدقه ، فدل على أن لديه علما ، ولذلك عَجِبَ الصحابة رضي الله عنهم من أمره ، ومما يدل على أنه أخفى نفسه أنه فعل شيئا غريبا إذ ( وضع يديه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية ( وضع يديه على فخذيه وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ) وهذا يدل على عدم التواضع لمن تطلب عنده العلم ، لأنه ليس من المناسب أن تضع يديك على فخذي العالم ، فهذا من باب التعمية أيضا .

ومن الفوائد :

وهي فائدة فقهية ، استدل بعض العلماء على أن الفخذ ليس بعورة ، إذ لو كان عورة لما جاز لجبريل عليه السلام أن يضع كفيه على فخذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسألة طويلة ومحلها في باب الفقه.

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجواب يفصل في الموضوع ، لما سأله عن الساعة قال عليه الصلاة والسلام ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) بمعنى أن كل سائل وكل مسؤول لا يعلم بوقت يوم القيامة.

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن علامات الساعة ، وهذه العلامات المذكورة في الحديث هي العلامات الصغرى ، قال ( أن تلد الأمة ربتها ) بمعنى أن السادة يطئون الإماء فينتج من هذا الوطء أولاد ، فيكون الولد حرا لأنه تبع لأبيه ، وتكون الأنثى المولودة حرة ( أن تلد الأمة ربتها ) لأن الأمة رقيقة ، ومن العلامات ( أن ترى الحفاة ) يعني من لا يلبس النعال ( العراة ) الذي عرى جسمه من اللباس ( العالة ) يعني الفقراء (العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان ) كل منهم يسعى إلى أن يكون بنيانه أطول من الآخر .

ومن الفوائد :

أن معنى ( فلبثنا مليا ) يعني زمنا .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن جبريل عليه السلام أتى ليعلمهم الدين ، فما هو الدين المذكور هنا ؟ ( الإسلام والإيمان والإحسان ) .