شرح ثلاثة الأصول موسع
أنواع العبادة وأدلتها
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله :
(( وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل : الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر المصنف أمثلة متنوعة على العبادة
وإذا نظر طالب العلم الى هذه الأمثلة وجد أنها هي الأعمال التي يحبها الله جل وعلا
وهو ذكر هذه الأمثلة مجملة ثم هو يأتي عليها مفصلة واحدة تلو الأخرى
فهنا أتى بها في موضع الإجمال ثم في نهاية ذكر هذه الأمثلة قال : كلها لله لا يجو ز أن تصرف هذه العبادات لغيره
وقوله :
والدليل قوله تعالى :
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } الجن18
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا دليل على أن العبادات لا يجوز صرفها لغيره جل وعلا
قال : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } الجن18
قوله : (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ))
للمفسرين فيها قولان :
وكلاهما حق ولا تعارض بينهما
قال بعض المفسرين :
إن المساجد هنا هي أعضاء السجود
وأعضاء السجود سبعة
اليدان
القدمان
الركبتان
الجبهة مع الأنف
فهذه الأعضاء أعضاء السجود لا يجوز لأحد أن يسجد بها لغير الله جل وعلا
ولذا :
لشرف هذه الأعضاء إذا أخرج الله من شاء أن يخرجه من النار يعرفهم المسلمون الذين شفعوا لهؤلاء عند الله بمواضع السجود فلا تصيبها النار
يخرجون من النار ضبائر ضبائر قد أصبحوا فحما ما عدا مواضع السجود ثم يلقون في نهر فيحيون
القول الآخر :
أن المساجد لله يعني :
مواضع العبادة
لا يجوز في هذه المواضع أن يتعبد فيها لغيره جل وعلا
فيجب أن تستغل هذه الأماكن لعبادته ولطاعته
إذاً :
لما كانت هذه المساجد سواء على التفسير السابق أو هذا التفسير اللاحق لما كانت لله الواجب هنا ألا ندعوا مع الله أحدا
(( وأن المساجد لله ))
ما الثمرة ؟
(( فلا تدعوا مع الله أحدا ))
وقال : (( لا تدعوا )) هنا نهي
وقال : (( أحدا ))
و(( أحدا )): نكرة في سياق النهي فتعم أي شخص
فلا يجوز أن يدعى مع الله أحد : لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دونهما
فيجب ان يصرف هذا الدعاء كله لله
هنا :
المساجد وهو تنبيه وتحذير أن نقع فيما وقعت فيه اليهود والنصارى كانوا إذا أتوا إلى مواضع عبادتهم أشركوا معه غيره
والدعاء نوعان وسيأتي توضيح لهذا :
دعاء عبادة
ودعاء مسألة
وهنا في هذه الآية نهي عن أن يصرف هذا الدعاء بنوعيه لغيره جل وعلا
فدعاء العبادة مثلا :
كالصلاة والزكاة أو الصوم
هي دعاء لكنه دعاء عبادة
كيف كان دعاء عبادة ؟
دعاء عبادة بلسان الحال
فحينما صليت
حينما صمت
حينما زكيت
بفعلك هذا كأنك تدعو الله أن يخلصك من النار وأن يدخلك الجنة
دعاء المسألة واضح كأن تقول :
اللهم ارزقني
اللهم عافني
اللهم اشفني
وقوله :
((فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمع هنا بين قوله : ” مشرك كافر ” من باب التأكيد
والشرك والكفر قد يطلق أحدهما على الآخر
فيصح أن تقول لمن أشرك : كفر
ولمن كفر : أشرك
لكن إن شئتم إلى أن نصل إلى التفريق بينهما :
فالشرك :
عبادة الأوثان مع معرفة الله
وأما الكفر :
فهو الإنكار والجحود
إنكار الله إنكار لعبادته
فيكون بهذا التفريق : الكفر أعم
ومما يدل على أن الشرك يصح أن يطلق عليه كفر والعكس :
قول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : (( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ))
وأيضا قوله :
(( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))
والكفر أنواع :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ كفر جحود وتكذيب :
وهذا ككفر فرعون :
قال تعالى :
((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ))
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً } الإسراء102
هذا هو كفر التكذيب والجحود
النوع الثاني من أنواع الكفر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كفر الإباء والاستكبار
ككفر إبليس
وهذا كما قال ابن القيم : ” وهذا كفر غالب أعداء الرسل يعرفون الحق ولا يمتثلون به “
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } البقرة34
النوع الثالث من أنواع الكفر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كفر الإعراض :
وهو أن يعرض عن هذا الدين
لا يتعلمه ولا يعمل به ولا يصدقه ولا يكذبه وهذا يمكن أن يمثل له بكفر أبي طالب
النوع الرابع من أنواع الكفر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كفر الشك :
وهو أن يشك في هذا الدين
قال تعالى : ((بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ))
النوع الخامس :
كفر النفاق :
والنفاق نوعان :
نفاق اعتقادي :
وهو المراد به هنا :
أن يبطن الكفر ويظهر الإسلام
النفاق الثاني :
نفاق عملي لا يصل إلى الكفر ولكنه بريده
هذا النفاق العملي المذكور في حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ))
هذا النفاق العملي بريد وسبيل إلى الكفر الاعتقادي
والمتأمل في كتاب الله في الآيات التي ذكر فيها المنافقون يجد أن هذه الخصال
وهي خصال النفاق العملي موجودة في المنافقين
ولذا :
عدَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشرك بالله أول ناقض من نواقض الإسلام : الشرك بالله
وأما بالنسبة إلى الشرك وأنواعه فيبدو أن هذا ذكر في مقدمة هذا المتن
الشاهد من هذا :
أن هذه العبادات إذا صرفت لغيره جل وعلا فصارفها مشرك بالله جل وعلا
وقوله : (( والدليل قوله تعالى :
{وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }
المؤمنون117
هذا دليل أيضا على أن صرف هذه العبادات لغيره كفر به جل وعلا
وقوله :
((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ))
من هنا : اسم شرط تعم أي شخص دعا غير الله : ذكرا أو أنثى صغيرا كبيرا حقيرا وضيعا
((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ))
يعني : لا دليل ولا حجة له في دعاء غير الله عز وجل
قال : ((فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ))
ما هو هذا الحساب ؟
أجمل هنا
وقد قال جل وعلا في آيات أخرى :
((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ))
قال : ((لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ )) :
هل يمكن أن يقال من ظاهر هذه الآية أن الإنسان لو كان لديه برهان له أن يدعو غير الله ؟
وهل يمكن أن يوجد برهان وحجة على أن دعاء غير الله جائز ؟
لا
وإنما في هذا التقييد تحقير وتوبيخ لهؤلاء وتشنيع بفعلهم
لماذا ؟
لأنه لا حجة أبدا
الحجة على أن العبد واجب عليه صرف العبادة لله
ولبيان حال من أنهم أشركوا مع الله غيره وليس على شركهم هذا حجة أو برهان فهذا تشنيع وتبكيت وتحقير وضلال من هؤلاء
وهذا يرد في كتاب الله كثيرا
فهنا جاءت هذه اللفظة
والمراد منها : بيان واقع هؤلاء
قال : ((إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ))
إذاً :
دعاء غير الله عز وجل حكمه انظر إلى آخر الآية قال (( إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ))
حكم على من دعا غير الله بالكفر وبعدم الفلاح
ثم أيضا لم يقل : إنهم لا يفلحون
وإنما قال : (( إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ))
للفائدة التي ذكرناها لكم :
وهي :
بيان أنهم كفار
الفائدة الثانية :
أن كل كافر مصيره إلى الخذلان وأن الفلاح بعيد عنه
فليس الحكم مختصا فقط وهو عدم الفلاح ليس مختصا بمن دعا غير الله بل كل كافر فليس من المفلحين
وقوله :
وفي الحديث : (( الدعاء مخ العبادة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذاً :
نخلص من الآية :
على أن الدعاء : عبادة :
من صرفه لغير الله فقد أشرك بالله شركا أكبر
وأتى المؤلف هنا بدليل من السنة المطهرة على أن الدعاء عبادة
وإذا كان الدعاء عبادة فصرفه لغير الله شرك
قلنا :
الدعاء بنوعيه :
دعاء العبادة
ودعاء المسألة
قال عليه الصلاة والسلام : ((الدعاء مخ العبادة ))
ورد في حديث آخر:
(( الدعاء هو العبادة ))
واللفظ السابق المكتوب هنا هو موضع مقال بين العلماء في قبوله ورده
ولكن الحديث الذي هو صحيح ولا غبار عليه : ((الدعاء هو العبادة ))
ومخ الشيء :
هو صفاؤه ورأسه
فصفوة الشيء مخه
ولا نقول : لبه
حتى لا يقال : إن في الدين لبا وقشورا
كالعبارة الدائرة أن في الدين لبا وقشورا
وهذه الكلمة لا يجوز أن يتفوه بها المسلم
خلاصة الشيء مخه
قال : ((الدعاء هو العبادة ))
لم يقل : (( الدعاء العبادة ))
لو قال : (( الدعاء العبادة )) لصح
لكن لما أتى بهذا الضمير وهذا الضمير يسمى عند النحويين بضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين
هذا يسمى بضمير الفصل
ما الفائدة منه ؟
يفيد التوكيد والحصر
فهنا :حصر للعبادة بأنها دعاء وأن الدعاء عبادة
فهذا دليل على أن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغيره
فائدة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعاء العبادة متضمن لدعاء المسألة :
من صلى فهنا دعا الله دعاء عبادة
وضمن هذه العبادة دعاء المسألة والعكس
دعاء المسألة مستلزم لدعاء العبادة
الكفار يدعون الله في الشدة :
((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ))
فما الذي يلزمهم؟
أن يدعو الله دعاء عبادة
يلزمهم حينها أن يدعو الله دعاء عبادة
ويلزمهم أن يأتوا بما اوجب الله عليهم
[ فمن أتى بدعاء العبادة فقد تضمن دعاء المسألة ، ودعاء المسألة مستلزم لدعاء العبادة ]
وقوله :
والدليل قوله تعالى :
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } غافر60
هذا دليل آخر على أن الدعاء عبادة
((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ))
يعني :عن دعائي
فآخر الآية مبين لما في صدر الآية
فهنا جعل هذا الدعاء عبادة قال : ((إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ))
يعني : عن دعائي ((سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) غافر60
والدعاء شأنه عظيم
وهو جل وعلا يحب أن يدعى ويسأل
ولذا صح عنه عليه الصلاة والسلام : (( من لم يسأل الله يغضب عليه )))
حتى إن العلماء استنبطوا فائدة من أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا سُئل عن شيء أتى الجواب مصدرا بقل
((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ))
((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ))
((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ ))
((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ ))
بينما في الدعاء لم يأت بكلمة قل لماذا ؟
لأن الله قريب من عباده
((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ))
وهذا يدل على شرف هذا الدعاء
((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))
أيدعو الإنسان ولا يستجاب له هنا فائدة :
وهي أن الله جل وعلا إذا وعد لا يخلف
ولكن إن دعوت ولم يستجب لك فاعلم بأن هناك خللا
إما أن يكون هذا الداعي ساهيا أو آكلا للحرام
فإذا توفرت أسباب الدعاء بحيث يكون القلب حاضرا خاشعا موقنا بإجابة الله ملحا في الدعاء وانتفت موانعه بأن يجتنب الحرام ، استجيب له
إذاً لماذا تتخلف الاستجابة ؟
إما لعدم توفر السبب
أو لعدم انتفاء المانع
((إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ))
يعني :صاغرين أذلاء محتقرين
لم يدخلوا جهنم وكفى، لا بل في ذل وحقارة وهوان