الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس الخامس ـ [معنى كتاب التوحيد ـ أنواع التوحيد الثلاثة]

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس الخامس ـ [معنى كتاب التوحيد ـ أنواع التوحيد الثلاثة]

مشاهدات: 511

الشرح الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 5 )

[معنى كتاب التوحيد ـ  أنواع التوحيد الثلاثة]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال رحمه الله :  [  كتاب التوحيد ]

قول المؤلف : [ كتاب ]

مادة كتب يراد منها الجمع

كما لو قيل ” هذه كتيبة ” أي مجموعة من أفراد الجيش ، كما لو تقول ” كتبت بالقلم ” أي جمعت الحروف وصغت الكلام بالقلم .

فإذن مادة كتب من الجمع .

[ كتاب ]  على وزن فعال بمعنى مفعول فيكون كتاب بمعنى مكتوب ، فكأن هذه العبارة تقول ” هذا مجموع ما كتب أو ما وضع في هذا الكتاب من المسائل المشتملة على التوحيد ” فيكون المعنى هذا مجموع ما ذكر من مسائل في التوحيد .

قال : [ كتاب التوحيد ] كتاب : مضاف ، التوحيد : مضاف إليه

والأصل :  ” هذا كتاب التوحيد “

هذا :  اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ .

كتاب : خبر ، وهو مضاف والتوحيد مضاف إليه .

والإضافة هنا في كتاب التوحيد على تقدير حرف ( في)

فالإضافة كما سيأتي معنا إن شاء الله في متن الآجرومية لها ثلاثة أنواع تأتي على تقدير  ( من ) أو على تقدير ( في ) أو على تقدير ( اللام )

قولك  : ” هذا خاتم حديد ”  أي : هذا خاتم من حديد

قولك :   ” هذا قلم زيد  ”  أي : هذا قلم لزيد

قولك : ” هذا كتاب التوحيد ” أي : هذا كتاب في التوحيد

فالإضافة هنا على تقدير  ( في )

والتوحيد : مصدر وحَّد يوحد توحيدا

وتعريف التوحيد : هو إفراد الله عز وجل بالعبودية والربوبية والأسماء والصفات اللائقة به جل وعلا .

وهو ثلاثة أنواع على المشهور من التقسيم :

توحيد الربوبية و توحيد الألوهية و توحيد الأسماء والصفات

وهناك تقسيم آخر ذكره ابن القيم رحمه الله وكذا تبعه ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ، ولا مشاحة ولا اختلاف في هذا التقسيم  .

فإن شئت قلت : إن التوحيد نوعان :

النوع الأول : توحيد المعرفة والإثبات

النوع الثاني : توحيد القصد والطلب

فتوحيد المعرفة والإثبات : يدخل تحته توحيد الربوبية والأسماء والصفات

وتوحيد القصد والطلب  : يدخل في توحيد الألوهية .

وتوحيد المعرفة والإثبات تحدثت عنه آيات وسور ، ومن هذه السور على سبيل الاختصار {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] وإلا فهناك آيات في سور تحدثت عن هذا النوع ، ولكن خشية الإطالة نقتصر على أن من بين السور التي تحدثت عن توحيد المعرفة والإثبات سورة ” الإخلاص “

وأما توحيد القصد والطلب : فتحدثت عنه سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، ولذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن )

وقوله عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل ( حبك إياها أدخلك الجنة ) كما عند البخاري .

والأحاديث في فضلها كثيرة ، لكن الحديث الذي نريد نؤصله هنا ونقرره أنها تعدل ثلث القرآن.

توحيد القصد والطلب : قلنا يدخل فيه توحيد الألوهية ، ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وكذا الحديث السابق  ( أنها تعدل ربع القرآن )

وجاء ( أن قراءتها عند النوم براءة من الشرك )

فلو قال قائل :

لماذا عدلت هذه السورة ثلث القرآن والأخرى عدلت ربع القرآن ؟

فالجواب  :

أن سورة الإخلاص عدلت ثلث القرآن لأن القرآن يتحدث عن ثلاثة أشياء وهي :

[ قصص – أحكام – توحيد ]

فهي تحدثت عن أحد هذه الأثلاث وهو ” التوحيد “

وعدلت سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ربع القرآن :

لأن الحديث في القرآن يكون عن التوحيد وعن الدين وعند الدنيا ، والتوحيد نوعان نفي واثبات ، فتصبح القسمة رباعية [ دين – دنيا – إثبات توحيد – نفي للشرك ]

وهي نفت الشرك .

ولا تعارض بين قولنا في سورة الإخلاص [ قصص وأحكام وتوحيد ] وبين قولنا هنا تتحدث عن [ الدين والدنيا والتوحيد بركنيه ] فلا تعارض ، لأن قصص الأنبياء من الدين ، والأحكام المطلوبة من الناس إنما تكون في الدنيا .

فهذا هو التقسيم الذي ذكره ابن القيم رحمه الله ومن تبعه ، ولا تعارض بين هذين النوعين وحبذا إذ تحدث مع عامة الناس أن تذكر الأقسام الشهيرة حتى لا يلبس عليهم ، فيحدثون بما يعرفون .

فهاتان السورتان تحدثتا عن نوعي التوحيد الذي هو المعرفة والإثبات والقصد والطلب .

ولتعلم أن القرآن كله يتحدث عن التوحيد كما قال ابن القيم رحمه الله وتبعه ابن أبي العز الحنفي ، فكل ما في القرآن يتحدث عن التوحيد ، أي آية تتحدث عن التوحيد ، إما عن توحيد الربوبية  ، وإما عن توحيد الألوهية  ، وإما عن توحيد الأسماء والصفات

فالآيات إما أن تأمرك بالتوحيد ، أو تنهاك عن الشرك  ، أو تأمرك بفعل مكملات التوحيد من الصلاة والزكاة وسائر العبادات  ، وإما أن تنهاك عما يقلل أو ينقص هذا التوحيد  ، وإما أن تتحدث وأن تذكر جزاء الموحدين في الدنيا أو في الآخرة ، وإما أن تذكر عقاب الله جل وعلا للمشركين سواء في الدنيا أو في الآخرة .

فكل آية تتحدث عن التوحيد ، فمثلا قوله تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فيها توحيد ، فالمرأة إذا امتثلت هذا الأمر واعتدت فتكون مكملة لتوحيد ، وعلى هذا فقس ، فما من آية إلا وللتوحيد بها صلة وذكر .

 

أنواع التوحيد :

أولا : توحيد الربوبية : هو توحيد الله جل وعلا بأفعاله مثل ” الخلق – الرزق – الإحياء – الإماتة – إنزال المطر ”  وغير ذلك مما يتعلق بأفعاله عز وجل ، فمن اعتقد أن هناك خالقاً مع الله جل وعلا فهو مشرك بالله عز وجل شركاً في توحيد الربوبية ، من زعم أن هناك من ينزل المطر غير الله جل وعلا فهو مشرك بالله عز وجل في توحيد الربوبية .

وتوحيد الربوبية لم ينكره أحد إنكارا قلبيا وإنما أنكر باللسان مع اليقين به في القلب ، وذلك كفرعون فإنه قال {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وقال : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات: 24] فهو أنكر بذلك بلسانه لا بقلبه

ولذا قال تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [النمل: 14] فبسبب الظلم والعلو جحدوا بهذا التوحيد وإنما هذا الجحد بألسنتهم ، وكما قال عز وجل {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ } [الإسراء: 102] حتى من يقول بالتشريك وذلك كالفرقة المجوسية التي تعتقد بأن لهذا الكون ربَّين هما النور ، الظلمة ، هناك طائفة قديمة تزعم بأن هناك ربين خالقين هما النور والظلمة ، فحتى هؤلاء لا يجعلون هذين الربَّين على زعمهما لم يجعلوهما في مرتبة واحدة ، فهم يفضلون النور على الظلمة ، يقولون إن الخالق لهذا الكون النور والظلمة ، فالنور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر ، ويقولون أن النور موجود ، والظلمة في أصلها عدم ، حتى اختلفوا هل هذه الظلمة قديمة أم محدثة

 

 

وتوحيد الربوبية :

وهكذا سائر أنواع التوحيد لابد فيه من النفي والإثبات ، إثبات مثلا الخلق لله عز وجل ونفيه عما سواه ، فيكون الاعتقاد مثلا :

لا خالق إلا الله  ، لا رازق إلا الله  ، لا رب إلا الله  ، ولذا قال عز وجل جامعا بين النفي والإثبات في توحيد الربوبية قال : {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3] وهذا استفهام خرج عن معناه الأصلي – كما هو مقرر عند أهل البلاغة – ويراد من هذا الاستفهام التحدي والنفي ، فهو استفهام مشرب بالنفي يراد منه التحدي ، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3] الجواب ” لا أحد “

لو قال قائل : إن الله عز وجل ذكر في كتابه أن هناك خالقين معه أو أن هناك خالقين يخلقون كما في قوله تعالى { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] فما الجواب ؟

يؤخر الجواب حتى نأتي عند قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .

إذن توحيد الربوبية هو ” إفراد الله عز وجل بأفعاله “

النوع الثاني من أنوع التوحيد : هو ” توحيد الألوهية ”

ويسمى : ” توحيد العبادة ” فإذا قيل توحيد الألوهية فباعتبار الخالق عز وجل ، وإذا قيل توحيد العبادة فباعتبار المخلوق .

وتوحيد الألوهية هو :إفراد الله عز وجل بأفعال العباد “ مثل : الصلاة – الصيام – الزكاة – النحر – الحج ……إلخ

فالعبادات التي يقوم بها العبد لا يكون فيها موحداً إلا إذا أخلص بها الله عز وجل ، فلو أن إنساناً مثلا سجد لشخص فهو مشرك ، في أي نوع من أنواع الشرك ؟ في توحيد الألوهية ، ولو أن شخصاً قال لشخص سبحانك ، فهذه عبادة صرفت لغير الله ، فهو مشرك في توحيد الألوهية .

وتوحيد الألوهية : لابد فيه من النفي والإثبات ” لا إله إلا الله “

لا إله : نفي لجميع ما يعبد من دون الله عز وجل  .

إلا الله : إثبات العبادة لله عز وجل .

وهذا التوحيد هو التوحيد الذي من أجله أنزلت الكتب وأرسلت الرسل ، ولذا كل رسول يأتي يقول لقومه {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف: 59] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25].

وهذا التوحيد لا يصح أن يعرَّف كما عرَّفه المتكلمة يعني أهل الكلام عرَّفوه بتعريف ، فقالوا ” لا قادر على الاختراع إلا الله ” وهذا تعريف لتوحيد الربوبية وليس تعريفاً لتوحيد الألوهية ، وقد أنكر عليهم ابن القيم رحمه الله وفي هذا التعريف قصور بينه وبين تعريف الكفار ، فكفار قريش يقولون لا خالق إلا الله ، وهؤلاء يقولون في توحيد الألوهية لا قادر على الاختراع إلا الله ، وفرق بين العبارتين لأن من خلق فقد تم خلقه وفرغ منه ، بينما القادر قد يكون قد يكون قد خلق وقد يكون لم يخلق بعد ، فهناك فرق بين العبارتين ، فكفار قريش أحسن منهم إيماناً وتعبيراً في توحيد الربوبية ، لأن هذا التعريف ” لا قادر على الاختراع إلا الله ” هو تعريف لتوحيد الربوبية .

وهذا التوحيد – وهو توحيد الألوهية – قد أنكر وكفر به ، ولذا جاء القرآن بإلزام من وحَّد الله توحيد ربوبية  ألزموا بأن يوحد في توحيد الألوهية .

ولذا عبارة العلماء يقولون : ” إن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ” أي من أقر بأن الله هو الرب الخالق المدبر الرازق فيلزمه أن يعبد الله عز وجل ، ولذا قال تعالى – كما مر معنا في القواعد الأربع – {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ } [يونس: 31] هم أقروا بما مضى فيما يتعلق بتوحيد الربوبية ، هنا ألزموا { فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ } [يونس: 31] والآيات في ذلك كثيرة جداً ، قال تعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22] فهذا إلزام آخر { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

بل إن أول آية في كتاب الله عز وجل تدل على ذلك قال تعالى  : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة: 2] فالحمد من أفعال العباد وهو ومما يتعلق بتوحيد الألوهية ، ولذا قال بعدها {رَبِّ الْعَالَمِينَ } كأن الجملة تعليلية ، لماذا نحمده ؟ لأنه رب العالمين ، والآيات في هذا الأصل كثيرا جدا .

فـتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ، ولذا قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } هذا يتعلق بتوحيد الربوبية { ثُمَّ رَزَقَكُمْ } يتعلق بتوحيد الربوبية { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } كذلك { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } كذلك ، ثم قال عز وجل { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ } ؟ الجواب : لا ، كيف عرف أن الجواب يكون لا ؟ قال في ختام الآية { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40

إذن من له هذه الأفعال العظيمة الجليلة هو الذي يستحق أن يعبد فالخلق والرزق والإماتة والإحياء هذه تلزمك إذا أقررت بأن المنفرد بها هو الله جل وعلا يلزمك هذا الإقرار وهذا الاعتقاد بأن تعبد الله عز وجل .

فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ، كذلك ” توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية “ فمن عبد الله عز وجل فما عبده إلا لأنه يقر ويعتقد ويوقن بأنه هو الرب الخالق المدبر .

النوع الثالث من أنواع التوحيد : ” توحيد الأسماء والصفات “

وهذا التوحيد لابد فيه أيضاً من النفي والإثبات ، ولذا آية الكرسي عظمت لأنها تحدثت عن التوحيد بركنيه النفي والإثبات .

فالإثبات في هذا النوع : أن تثبت ما أثبته الله عز وجل أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف

والنفي هو : أن تنفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات مع إثبات كمال الضد .

مثال على جانب الإثبات :

قال تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5]  تثبت صفة الاستواء

مثال  على جانب النفي :

قال تعالى : {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [ق: 29]  نفى عز وجل عن نفسه الظلم ، هنا ننفي عن الله عز وجل الظلم مع إثبات كمال الضد ، كيف ؟ نقول إن الله جل وعلا لا يظلم لكمال عدله ، ولابد من إثبات كمال الضد، وأما ما لم تأت النصوص بإثباته ولا بنفيه فهنا لا نثبته ولا ننفيه من حيث اللفظ كقول المتكلمين هل الله جسم أو ليس بجسم ؟

فنقول : ” لا نثبت ولا ننفي ” لماذا ؟ لأن الشرع لم يأت لا بإثبات ولا بنفي ، أما من حيث معنى هذه الصفات التي ذكرتموها فإن كان صحيحاً قبل ، وإن كان غير صحيح فيرد – هذا من حيث المعنى – فإن كان مرادكم أن الله جسم بمعنى أن له ذاتاً ذات أوصاف تليق بعظمته فهذا المعنى مقبول ، وإن أردتم بهذا غير ما ذكرناه فهو مردود .

فهذه إمرارة سريعة على هذه الأنواع وسيأتي لهذا مزيد بسط في موضعها إن شاء الله جل وعلا .