الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (10) قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ( 1 )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (10) قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ( 1 )

مشاهدات: 416

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 10 )

قوله تعالى :

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء: 23] الجزء الأول

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم ذكر رحمه الله قوله تعالى :

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]

قوله تعالى : { وَقَضَى } بمعنى : وصّى .

ولتعلم : أن أعظم ما يفسر به القرآن أن يفسر بالقرآن ، فإذا استفرغ طالب العلم وقته وتفكيره في التأمل والتدبر في كتاب الله عز وجل وجد أن كثيراً من الآيات فُسرت بآيات أخرى .

فمعنى { وَقَضَى } أي وصى .

وصى بماذا ؟

وصى بعبادته عز وجل وحده وبالإحسان إلى الوالدين ، قال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } [العنكبوت: 8] ، كما في سورة العنكبوت ، وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } [لقمان: 14] كما في سورة لقمان ، وقال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15]

إذن ثلاث آيات ابتدأت هذه الآيات بقوله : {وَوَصَّيْنَا }

فيكون معنى { وَقَضَى }  أي وصى .

ولو زادها الإنسان فقال : ” وصى وشرع وأمر ” فلا بأس بذلك .

قوله تعالى :  { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ  }

هل هذا القضاء المذكور في هذه الآية واقع من جميع الناس ؟

الجواب :

لا ، وهنا قد يرد إشكال ، ومضمون هذا الإشكال أن الله عز وجل ذكر في آيات كثيرة أن قضاءه نافذ  ، في مثل قوله تعالى : { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47] وقوله تعالى : {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] وقوله عليه الصلاة والسلام – وهي زيادة عند الطبراني زيادة صحيحة كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : (( كان عليه الصلاة والسلام يقول بعد الفراغ من الصلاة : ” اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت “ الزيادة  ” ولا راد لما قضيت .

فبماذا يجاب على هذا الإشكال ؟

ذُكر في هذه النصوص أن قضاءه نافذ ، وذُكر في هذه الآية أنه قضى بعبادته عز وجل وحده وبالإحسان على الوالدين ولم يتم من جميع الناس ؟

فما الجواب عن هذا الإشكال ؟

الجواب :

أن قضاء الله عز وجل نوعان :

الأول : قضاء كوني : وهو ما ذكر في النصوص السابقة .

الثاني : قضاء شرعي : وهو ما ذكر في مثل هذه الآية التي نحن بصدد الحديث عنها .

 

 

 

وهناك فرق بين القضاءين :

فالقضاء الكوني : إذا قضاه الله عز وجل يلزم وقوعه ، وقد يكون فيما يحب جل وعلا أو فيما يكره .

وأما القضاء الشرعي : فلا يلزم وقوعه ، ولكنه يكون فيما أحبه الله جل وعلا .

فقولنا في القضاء الكوني يلزم وقوعه :

مثاله قوله تعالى : {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } [الإسراء: 4]  الآية ، وقد وقع هذا الإفساد

وقولنا فيما يحب أو فيما يكره :

مثاله : فيما يكره هذه الآية

{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } [الإسراء: 4]

وهذا الإفساد مكروه أو محبوب ؟ مكروه .

ولذا قال عز وجل :  {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } [البقرة: 205]

فقوله عز وجل :  { وَقَضَى رَبُّكَ }

لتعلم : أنه ما من شيء يحدث في هذا الكون مما يلائم الإنسان أو مما لا يلائمه لتعلم أنه بقضاء الله وقدره :

فالكفر ، المعاصي ، الأمراض ، الصحة النعمة ، الطاعات ” كل ذلك بقضاء الله عز وجل وقدره :

قال عز وجل : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49] وقال عز وجل : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الزمر: 62]

ولا يتعارض هذا القول مع قوله عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح من حديث علي رضي الله عنه عند مسلم ، من بين ما قال عليه الصلاة والسلام : ( والخير بيديك والشر ليس إليك )

فلا يدل هذا على أن الشر ليس من مخلوقات الله ، بل هو من خلقه وقضائه وقدره .

وأيضا لا يتعارض مع القنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي قال : ( وقني شر ما قضيت )

وذلك لأن الشر لا يُنسب إلى الله عز وجل تأدبا ، ولذا قال فتى موسى عليه السلام : { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63] أضاف النسيان إلى الشيطان تأدباً مع الله عز وجل .

وقال عز وجل عن أيوب عليه السلام :  {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] وقال تعالى : {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] وقال تعالى في سورة يوسف : {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42]وقال عز وجل في سورة الجن : {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10] لم يقولوا ” وأنا لا ندري أشر أراد الله بأهل الأرض “

والآيات في  هذا المعنى كثيرة .

وأما من الأحاديث :

فمنها : قوله عليه الصلاة والسلام : ( الرؤيا من الله والحلم من الشيطان )

لأن الحلم مزعج ، فنُسب إلى الشيطان ، بينما الرؤيا خير ، فنسبت إلى الله عز وجل ، مع أن الكل من الله عز وجل

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( التثاؤب من الشيطان )

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة

الأمر الثاني : أن الله عز وجل لا يخلق إلا خيرا ، إما خيرا باعتبار ذاته ، وإما خيرا باعتبار غيره، فمثلا  ” الصحة خير لذاتها “

والمرض هو خير باعتبار غيره ، كيف ؟

إذا نزل هذا المرض بشخص قد يُحدث عنده توبة أو عِبرة وعظة للناس

فإذن : لا يخلق الله عز وجل إلا خيرا :

إما خيرا بذاته

أو خيرا باعتبار غيره

إبليس شر ، ولكن خلقه الله عز وجل لحكمة وخير ، من بينها : أن يظهر ويتبين الكفار فيحصل الجهاد ، ويحصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تحصل التوبات ، الدعوات إلى الله عز وجل  ، ونحو ذلك .

فلا يظن ظانّ أن هناك شيئاً يكون بغير قضائه عز وجل وقدره ، خلافاً للقدرية الذين ضلوا في هذا الباب ، وسيأتي باب كامل – إن شاء الله – في الحديث عن هذه الفئة الضالة ، في باب ” ما جاء في منكري القدر”

فالمرض شر للمخلوق لكنه قد يكون خيرا لمخلوقين آخرين  ، أو يكون شراً لهذا المخلوق من وجه ، ما هو هذا الوجه ؟

عدم ملائمة هذا الشيء له  ، لكنه خير له من وجه آخر وهو أن ينكسر وأن ينطرح بين يدي الله عز وجل .

والواقع يشهد بهذا ، كم من شخص ظالم متكبر لما نزل به المرض تذكر ما له وما عليه ، فأحدث له هذا المرض توبة ، وهذا لا شك انه خير ، ولذا قال عز وجل :  {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] وقال عز وجل  {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]

ولذا قال عليه الصلاة والسلام للحسن في تعليمه في قنوت الوتر قال : ( وقني شر ما قضيت )

ولم يقل : ” وقني شر قضائك ” لأن قضاءه جل وعلا خير ، لكن الشر في المقضي ، وقد يكون شرا له باعتبار وجه دون وجه آخر .

ولذا المؤمن قضاء الله جل وعلا له خير ، لاءمه أو لم يلائمه ، كما قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم :  ( عجبا لأمر المؤمن : عن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ؟، وليس ذلك إلا للمؤمن )

وواجبنا تجاه القدر : إذا نزل أن نؤمن به ونرضى بقضائه وقدره عز وجل ، وندفعه بالأسباب ، ومن أعظم الأسباب : ” الدعاء ” كما قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يرد القدر إلا الدعاء ) وكذلك في الحديث السابق  ( وقني شر ما قضيت )

والحديث عن القدر له باب خاص به يكون الحديث فيه أوسع إن شاء الله تعالى .

قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ }

الرب: هو المالك المدبر

{ وَقَضَى رَبُّكَ }

قضى ربك ـ بماذا ؟

{ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ }

ما المأمور به ؟

عبادة الله عز وجل ، وأتى بكلمة ” الرب ” ليدل على أن من يستحق العبادة ” من هو رب “

والخطاب في كلمة { وَقَضَى رَبُّكَ } للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ }

لم يقل ” وقضى ربك ألا تعبد إلا إياه “

{ رَبُّكَ } مفرد {  تَعْبُدُواْ } جمع ، فلماذا هذا التغاير ؟

يستفاد من هذا التغاير ما يأتي :

أولا :  أن هذا أسلوب لتنبيه السامعين ، ولذا عند البلاغيين ما يسمى بــ ” الالتفات “قد يكون السياق في بدايته سياق خطاب ، ثم يُختم بسياق غيبة ، أو يكون السياق سياق تكلم ثم يختم بسياق خطاب أو غيبة ، وفائدة ذلك تنبيه السامعين ، فإذ تنبه تأمل وتمعن وتدبر .

ثانيا :  أن الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم موجه لأمته ، فما أُمر به عليه الصلاة والسلام فالأمة مأمورة به إلا إذا وُجد دليل يخصصه عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر ، والأدلة في هذا كثيرة :

منها قوله عز وجل : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] وقوله تعالى :  {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ} [التحريم: 1، 2]

ولم يقل قد فرض الله لك .

قوله تعالى : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ} [الأحزاب: 1، 2] كل هذا بصيغة الإفراد ، ما الذي بعدها ؟

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [الأحزاب: 2] وهذه قاعدة .

ولذا لو أتانا شخص فقال : ” هذا الأمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته “

فنقول له : ائتِ بالدليل ؛ وذلك لأن الأصل اشتراك النبي عليه الصلاة والسلام وأمته في الأحكام إلا إذا دلّ دليل على تخصيصه عليه الصلاة والسلام ، كما أن الخطاب الموجه لأمته موجه له عليه الصلاة والسلام إلا ما دل الدليل على تخصيصه عليه الصلاة والسلام ،  قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم يخاطب الصحابة 🙁 اعلموا أنه لن ينجو احد منكم بعمله )فظنوا أنه ليس داخلا ( فقالوا   ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال :  ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل )

قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ  }

أصلها : ” أن ، لا ” وقلنا : إنَّ ” أن ” لها أحوال متعددة ، ففي قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ }

قلنا : إنَّ ” أن ”  في هذه الآية تفسيرية .

هنا نوعها مصدرية , ما الذي أدرانا ؟

أن الفعل الذي بعدها منصوب بها وعلامة نصبه حذف النون ، لأنه من الأفعال الخمسة ، أصلها : ” لا تعبدون ”  فدل على أنَّ ” أن ” هنا مصدرية ناصبة .

ويصح أن تكون تفسيرية ، باعتبار معنى القول موجود في ” قضى “

وتكون ” لا ” ناهية جزمت الفعل المضارع بعدها ، وعلامة جزمه حذف النون .

وأما القول بأنها ” زائدة ” فبعيد لأن القاعدة في الزيادة أنها تأتي بعد لما ، وأمثلة على : ( أن ) الزائدة بعد ” لما ” ، قوله تعالى : { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف: 96] وقوله تعالى : { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} [القصص: 19]  وقوله تعالى : { وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } [العنكبوت: 33]

قوله عز وجل : { أَلاَّ تَعْبُدُوا }

فائدتها :

أن النبي عليه الصلاة والسلام عبد لا معبود ، وأنه مربوب لا رب فليس من له من خصائص الألوهية شيء

قوله : { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ  }

قلنا : إن  ” أن ” مصدرية بعدها حرف ” لا ” ، و” لا ” نافية

ثم جاء بعدها كلمة : ” إياه ” وهي كلمة إثبات ، فاستُفيد من هذا :  أن توحيد الألوهية باعتبار المعبود عز وجل ، ويصح أن يقال توحيد العبادة باعتبار العابد ، فتوحيد الألوهية ركناه : نفي ولإثبات “

أين النفي هنا ؟

( لا تعبدوا )

أين الإثبات ؟

( إلا إياه )

ففيه نفي للعبودية مطلقا ثم لإثباتها لله عز وجل وحده .

والتوحيد لا يكون توحيدا إلا بنفي وإثبات ، لأن النفي لوحده نفي محض ، والإثبات لوحده لا ينفي المشاركة ، يتضح هذا بالمثال :

لو قلت : ” لا إله ” وسكت ، ففيه نفي محض لجميع المعبودين

ولو قلت : ” الله إله “

ما نفيت مشاركة غيره في الألوهية ، فهناك من يزعم أن هناك ألهة غير الله عز وجل .

فإذا أردت التوحيد الخالص فلابد من النفي والإثبات فتقول ” لا إله إلا الله “

ولذا يقول عز وجل في آيات كثيرة :

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] أضاف كلمة ” واحد ” لنفي عبادة ما سواه ، ولم يقل ” وإلهكم إله “

ومثله قوله تعالى : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]

وعندنا أن التوحيد ثلاثة أقسام :

1ــــ توحيد الألوهية

2ــ توحيد الربوبية

3ــ توحيد الأسماء والصفات

لابد في جميع  هذه الأنواع النفي الإثبات

نأتي إلى توحيد الأسماء والصفات :

لا يكون موحدا في هذا النوع إلا بالنفي والإثبات ، فننفي عنه عز وجل صفات النقص ، ونثبت له صفات الكمال

ولذا قال عز وجل : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11]هنا نفي ، انتهت الآية ؟ لم تنتهِ ، ثم قال : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]هذا هو الإثبات .

قوله عز وجل : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ } هذا إثبات ، ثم أتى النفي  { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } .

قوله تعالى : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]  هنا إثبات ، أين النفي ؟ اقرأ ما بعدها { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } [البقرة: 255]

كذلك توحيد الربوبية :

مع أنهم مقرون به ، لكن لابد فيه من النفي والإثبات ، والدليل قوله عز وجل :  {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3] فهنا استفهام تقريري يراد منه النفي {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3]

هم مقرون بالخلق .

فيكون الجواب : لا خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض .