الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (102)
باب من الشرك النذر لغير الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرع المصنف في ذكر عبادة أخرى إذا صرفت لغير الله ، صار صارفها مشركا بالله شركا أكبر
هذه العبادة هي عبادة النذر
ــــ والنذر في اللغة : الإلزام
وأما في الاصطلاح : هو إلزام المكلف نفسه عبادة لم تكن واجبة عليه في أصل الشرع
وذلك كأن يقول : ” نذر عليَّ أن أصلي ركعتين “
فهاتان الركعتان لا تجب عليه من حيث الأصل الشرعي ، لكن بنذره صارت هذه الصلاة فرضا عليه
ـــ والنذر : أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يأتي بخير ، وقال : (( إنما يُستخرج به من البخيل ))
ومن ثم :
فإن بعض العلماء قال : ” يكره عند النذر ، فيكره للمسلم أن ينذر ابتداء
ومال بعض العلماء إلى التحريم
وهذا ما يظهر في كلام شيخ الإسلام :
وذلك كقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ))
ــــ وإذا حصل النذر فإن هذا النذر لا يعدو أن يكون نذر الله أو أن يكون نذرا لغير الله
فإن كان نذرا لله فينظر في حكمه من حيث الأصل ، و من حيث ما بعد هذا الأصل :
” فمن حيث الأصل ” :
أن عقده مكروه أو محرم
” وأما ما بعد هذا العقد” :
فينظر إلى هذا النذر ، لأن النذر بعد عقده ينقسم إلى عدة أقسام :
1 ـــ القسم الأول : نذر الطاعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا نذر طاعة لله فإنه يجب عليه الوفاء به لما سيأتي معنا من حديث عائشة : (( من نذر أن يطيع الله فليطعه ))
فإذا نذر عبادة فإنه يجب عليه أن يوفي بها وهذا هو رأي الجمهور خلافا لأبي حنيفة رحمه الله إذ يقول : ” إن هذا النذر إذا كان على عبادة ليست واجبة في أصل الشرع فلا يلزم الوفاء بها :
مثال ذلك :
ـــــــــــــــــــــ
ــــ نذر صلاة فيجب الوفاء بهذا النذر :
لأن الصلاة واجبة من حيث أصل الشرع
ـــ إذا نذر صياما وجب عليه الوفاء به ، لأن الصيام قد جاءت نصوص بوجوبه كصيام رمضان
ـــ لو نذر اعتكافا فإن هذا النذر لا يجب الوفاء به على مذهبه رحمه الله
لِمَ ؟
لأن الاعتكاف ليس واجبا من حيث الأصل ، فالاعتكاف سنة
2 ـــ النوع الثاني من أنواع النذر ” نذر المعصية ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك كأن ينذر فعل معصية : كشرب الدخان أو سماع الغناء
أو النظر إلى المرأة الأجنبية
أو ينذر ترك واجب كان ينذر أن يترك صلا الظهر
أو ينذر كأن يترك صيام رمضان
فهذا نذر معصية
فإذا نذَرَ نذْرَ معصية فإنه لا يجب الوفاء به ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ))
ـــ وهل تجب عليه كفارة ؟
قولان لأهل العلم :
ـــ قال بعض العلماء :
لا تجب عليه كفارة ؛ وذلك لأن عدم وجوب الكفارة تدعوه إلى أن يدع هذا النذر ، فإذا ألزم نفسه بالكفارة دعته نذره إلى أن لا يدع هذا النذر المحرم
ـــ والقول الآخر :
إنه يجب عليه الكفارة
والمراد من الكفارة في النذر : كفارة اليمين المذكورة في كتاب الله عز وجل :
وذلك بان يعتق رقبة
أو أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم
هذا على التخيير
فإذا لم يجد واحدة من هذه الخصال فإنه يعدل إلى صيام ثلاثة أيام متتابعات
القول الثالث :
ـــ تجب عليه الكفارة :
وذلك لأن نذره منعقد :
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ))
ولم يقل : ” ومن نذر أن يعصي الله فلا نذر له “
ومما يدل على وجوب الكفارة قول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في بعض السنن قال : (( لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين ))
ــ فنذر الطاعة يجب الوفاء به سواء كان هذا النذر مطلقا أم معلقا :
مثال المطلق :
ـــ لو قال : نذر عليّ أن أصلي ركعتين
فيجب الوفاء به
مثال المعلق :
ـ لو قال : ” إن شفى الله مريضي فنذر عليّ أن أصلي ركعتين
“
فإذا شفى الله مريضه فيجب عليه أن يوفي بهذا النذر
3 ــ النوع الثالث من أنواع النذر : (( نذر اللجاج والغضب )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك أن تدعوه نفسه إلى أن ينذر إما لحث نفسه ، وإما لمنعها ، وإما لتصديق كلامه ، وإما لتكذيب كلام غيره :
كما لو قال : إن لم يكن ما أخبر به صحيحا فنذر عليّ أن أصوم شهرا كاملا
أو قال من باب حث النفس قال : ” إن لم أدع هذه المعصية فلأصومن شهرا كاملا “
ثم وقع في هذه المعصية
فإن هذا هو نذر اللجاج والغضب
ولا يلزم أن يكون فيه خصام أو غضب أو لجاج إنما الذي يلزم أن يكون فيه ترغيب أو منع أو تصديق أو تكذيب
فإذا حصل هذا النذر فإنه مخير بين أمرين :
ــ إما أن يفعل هذا المنذور
ــ وإما أن يكفر كفارة يمين
و يستدل له بحديث (( لا نذر في غضب ، وكفارته كفارة يمين ))
4 ــ النوع الرابع :” النذر المباح ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك أن ينذر على شيء مباح ، كأن يقول : نذر عليّ أن لا ألبس هذا الثوب
فأراد أن يلبسه فله أن يلبسه ، ويكفر كفارة يمين
وله أن لا يلبسه
وهذا هو القول الراجح من أن عليه كفارة يمين إذا خالف هذا النذر
وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه لا كفارة عليه ، وشأنه رحمه الله في هذا القول كشأنه في قوله : ” من أن نذر المعصية لا كفارة عليه “
ويستدل بما جاء في صحيح البخاري :
(( أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلا قد قام في الشمس ولم يستظل ، فقال عليه الصلاة والسلام : من هذا ؟
قالوا : هذا أبو إسرائيل ، نذر أن يصوم ، وان يقوم ، وان لا يستظل ، وان لا يتكلم
فقال عليه الصلاة والسلام ” (( مروه فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتم صومه ))
فقال رحمه الله (( إن النبي لم يذكر كفارة ))
ونحن نقول :
ــــــــــــــــــــــ
إن عدم ذكرها في هذا الحديث لا يدل على إسقاطها
فوجوبها من طريق آخر
5ــ النوع الخامس : (( النذر المطلق )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كأن ينذر نذرا مطلقا ولم يسم ، كأن يقول : ” نذر عليّ ” ويسكت
فإذا قلنا : ما هو هذا النذر الذي عليك ؟
قال : قلت هذه الكلمة : نذر عليّ
فماذا أصنع ؟
فنقول : عليك كفارة يمين
ويستدل عليه العلماء بقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( كفارة النذر إذا لم يُسم كفارة يمين ))
6 ـــ القسم السادس : نذر المكروه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كأن ينذر طلاق زوجته : فإن الطلاق في أصله مكروه
أو أن ينذر أن يأكل بصلا أو ثوما
فهذا النذر في أصله مكروه
وبالتالي : فإنه مخير بين فعل المكروه أو بين أن يكفر كفارة يمين
، وهو الأولى ، ويدع فعل المكروه
ــ وهذه الأقسام المذكورة في جملتها كفارة يمين ، وذلك لأن الكفارة ترقع هذا الخلل الحاصل من هذا الناذر
بينما النذر لغير الله لا كفارة فيه ، وذلك لأن الذنب الذي اقترفه أعظم من أن يكفر كفارة يمين .
ومن ثم فإن عليه أن يتوب إلى الله ،ويدع هذا النذر
فمثال النذر لغير الله :
أن يقول : نذر عليه أن يذبح للنبي عليه الصلاة والسلام
أو يقول : نذر عليه أن يذبح للولي الفلاني
فهذا قد صرف عبادة النذر لغير الله فيكون مشركا بالله شركا أكبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ