الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (118) قوله تعالى (أيشركون ما لا يخلق شيئا ) (2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (118) قوله تعالى (أيشركون ما لا يخلق شيئا ) (2)

مشاهدات: 464

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (118)

 قوله تعالى ( أيشركون ما لا يخلق شيئا ) الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ((وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا هو البرهان الرابع على عجز الآلهة :

فإذا كانت هذه الآلهة لا تنصر نفسها فمن باب أولى أن لا تنصر غيرها

وتقديم الأنفس هنا من باب : ” تقديم المفعول به على الفعل والفاعل “

والأصل : ” ولا ينصرون أنفسهم “

فتقديم المفعول به الذي حقه التأخير يدل على ” التوكيد ” التوكيد والحصر الذي يُحصر فيه عجز الآلهة فإذا كانت لا تقدم لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا

فهذا دليل مؤكد على ضعفها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمصنف رحمه الله لم يقل ” الآيات ” هكذا في جميع النسخ

لو قال : الآيات لكان أحسن لأن السياق مازال متحدثا عن البراهين القطعية في ضعف هذه الآلهة ولأهمية ما بعد هذه الآيات لما تدل عليه من براهين نُعرِّج عليها تعريجا يسيرا

فقوله : ((وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} ))

ثم قال : ((وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ{193} ))

قيل : ” إن هذه الآية في شأن الكفار سواء دعوتموهم أم لم تدعوهم فلن يهتدوا “

كما قال: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ{6} خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ  ……….. الآية ))

وكقوله : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} ……… الآيات ))

وهذه الآيات نزلت في أقوام معينين من الكفار

سبق في علم الله أنهم لن يؤمنوا

وقال شيخ الإسلام  ” إنهما ليستا بخاصة ” كما ذكر ذلك في الفتاوى

ونظيرها أيضا قوله تعالى – على احد وجوه التفسير : ((وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ))

إن دعوته أو لم تدعوه فهو باق على حاله شأنه كشأن الكلب

القول الآخر :

ـــــــــــــــــــــــ

وهو المعنيّ معنا هنا :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا يمنع أن يدخل القول الأول ولكن السياق يدل على رجحان القول الثاني :

قال تعالى : ((وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ ))

هذا فيه دليل على ضعف هذه الآلهة .

فهذه الآلهة لو دعيت ما استجابت

ولذا قال :((سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ{193} ))

لأنهم لا يسمعون ولا يعقلون

قال تعالى : ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ{69} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ{70} قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ{71} قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{74} ))

ثم قال مبينا برهانا آخر على عجز هذه الآلهة وضعفها وعلى غياب عقول هؤلاء : ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ))

وهذا يؤكد رجحان القول الثاني لن الآية التي قبل هذه الآية وهي آية : ” (( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ )) عن الأصنام

ثم هذه أيضا عن الأصنام :

((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{194} )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيما تزعمون أنها آلهة

ولذا قال : ((عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني مسخرون منقادون ، حتى وهي أصنام أو أحجار أو أشجار

ولذا قال : ((وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ))

وقال عز وجل : {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } تسخير وتذليل

وقال تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

ــــ ثم ذكر برهانا آخر :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو أن هؤلاء العابدين أفضل من هؤلاء المعبودين  ، فكيف أنتم أيها العابدون تعبدون من انتم أفضل منهم ؟

قال تعالى : ((أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ))

ـــ أنتم فيكم هذه الجوارح ، وهذه الجوارح عارية عن هذه الأصنام فكيف تعبدونها ؟!

إذاً انتم أفضل من هذه المعبودات

برهان آخر :

ــــــــــــــــــــــ

((قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحداهم أن يأتوا وشركاؤهم فيكيدون النبي عليه الصلاة والسلام

فلما لم تحصل مكيدة ولا ضرر دل أيضا على ضعف هذه المعبودات

ثم قال عز وجل :

ــــــــــــــــــــــ

((إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{196} )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلما انتهت الآيات مبينة البراهين في ضعف وعجز وحقارة هذه المعبودات وتحدي النبي لهم ولأصنامهم قال : ((إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ ))

ولاية خاصة : هو الذي ينصره عز وجل

إذاً هذه الآلهة لا تستحق أن تعبد ــــــــــــــ لم ؟

لأنها لا تنصر عابديها ولا تنصر نفسها

لكن الذي ينصر عابديه هو الذي يستحق العبادة :

ولذا قال : ((إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{196} ))

ثم أكَّد ما ذكره مسبقا لكن بصيغة أخرى وبأسلوب آخر :

قال : ((وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ{198} :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والقول فيها كالقول في الآية السابقة : ((وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ{193}))

قيل : إنها في المشركين :

يعني :

ـــــــــــــــــ

أن هؤلاء المشركين لو دعوتموهم لن يسمعوا فقد أغلق الله أسماعهم كما قال :{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

((صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ))

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }

وقال :

((مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ))

عندهم سمع ، وعندهم بصر ولكنهم لا يرغبون أن يسمعوا ولا أن يبصروا

وقال تعالى : ((وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً ))

لكن العمى ليس هو عمى البصر ، إنما هو عمى القلب :

((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ))

القول الآخر :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنها في الأصنام :

((وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ )) ـــــــــــــــ لم ؟

لأنها جمادات

ــــــــــــــــــــــــ ((وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النظر هنا : ليس على هذا القول ليس هو النظر الحقيقي ، وإنما نظر مقابلة

كما لو قلت : داري تنظر إلى دارك

يعني : داري تقابل دارك

فهؤلاء المعبودات من الأصنام ((وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ))

بل قال عز وجل في سور يونس مبينا ضعف وعجز هذه الآلهة ، قال : {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }

ثم قال ، وهو موضع الشاهد : {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى {

من هو الذي عبادته حق ؟

الذي يهدي إلى الحق أم الذي لا يهتدي إلا إذا هُدي ؟!

فهذه الأصنام لا يمكن أن تهتدي إلى مكان إلا بهداية عابديها بنقلهم لها من مكان إلى آخر

ــــ فهذه إمرارة سريعة على هذه الآيات التي بينت ضعف وعجز وحقارة هذه الأصنام

والأدلة كثيرة في كتاب الله عز وجل ، ولكن ما ذكر بمثابة القاعدة والأساس والأصل الذي ينطلق منه طالب العلم ليتأمل كتاب الله عز وجل ، والازدياد بمعرفة هذه الآيات بتدبر كتاب الله جل وعلا

(( ملحوظة )) :

ــــــــــــــــــــــــــ

لو نظرنا إلى ما ذكر في الباب السابق :

ذكر فيه قوله تعالى : ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ ………….. الآية )) :

قال : ((مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” مَن “ هنا يقول عنها البلاغيون هي للعاقل

لكن هذه الآية التي مرت معنا جاء فيها السياق بـ ” ما ” التي لغير العاقل : ((أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ))

فكيف التوفيق ؟

كيف تُجعل هذه الآلهة مرة عاقلة ، ومرة غير عاقلة ؟

الجواب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أنها في الأصل غير عاقلة ،ولذا جاءت هذه الآية بذكر ” ما ” التي لغير العاقل

وأما مجيء ” من ” التي هي للعاقل في قوله : ((مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ ))

هذا من باب التنزل مع هؤلاء ، فإنها لما دعوها جعلوها بمثابة العقلاء :

فيقال : هذه الآلهة التي جعلتموها بمثابة العقلاء أين هي منكم ؟

أين هي من دعائكم ؟

أين هي من فعلكم ؟