الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (14) قوله تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } (3)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (14) قوله تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } (3)

مشاهدات: 513

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 14 )

قوله تعالى :

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } [النساء: 36]

الجزء الثالث

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36]

الحق التاسع : {وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: 36]

وابن السبيل : هو ” المسافر “

والسبيل ” هو ” الطريق ” وأضُيف المسافر إلى الطريق لأنه ملازم له :

كما يقال : ” طير الماء ” مع أنه يبيض ويفرخ في غير الماء  ، لكنه أضُيف إلى الماء لملازمته له .

وكحديث النبي عليه الصلاة والسلام على توجيه بعض العلماء :

قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة ولد زنى )

والمراد: من هو ملازم للزنى ، وليس المراد ولد الزنى ، لقوله عز وجل :  { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]

وابن السبيل : أمر الله عز وجل بالإحسان إليه لحاجته إلى الرحمة والعطف ؛ وذلك لبعده عن أهله ووطنه ، ولذا جعله عز وجل أحد الأصناف الثمانية المستحقين للزكاة ، قال عز وجل في سورة التوبة  : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]

وجعل جل وعلا لهم نصيبا في الفيء : كما مرّ في الآية السابقة في سورة الحشر : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [الحشر: 7]

وأيضا جعل لهم عز وجل نصيبا من خمس الغنيمة :

كما في سورة الأنفال : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] وقد جاء الأمر بإعطائه أمر مصرحا في قوله عز وجل في سورة الإسراء { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26]

الحق العاشر : {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 36]

وهم الأرقاء : سواء كانوا عبيدا أم إماء ، وذلك لحاجتهم إلى الإحسان ؛ فإنهم مملوكون مستضعفون ، ولذا قال جل وعلا في بيان صورة من صور الإحسان إليهم : {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } ثم قال – وهو موضع الشاهد {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } [النور: 32]

فإذا طلب الرقيق الزواج فليزوجه سيده ، فهذا من الإحسان إليه .

ومن صور الإحسان :

أن الرقيق إذا رغب أن يخلص رقبته من الرق فطلب من سيده أن يكاتبه على مبلغ من المال ، فعلى سيده أن يدعه للعمل لتحصيل هذا المال ، قال عز وجل : {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } [النور: 33] .

بل ومن صور الإحسان :

أنه إذا وفّى دين مكاتبته يعطيه السيد جزءاً من هذا المال ، واختلف العلماء في تحديده ، قال عز وجل : {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } [النور: 33] .

ومن صور الإحسان :

ألا يكرههن على الزنا ، ولذا كان لعبد الله بن أبي بن سلول كان له جاريتان ، يرغمهما على الزنا لتحصيل المال ، وهنّ يكرهنّ ذلك ، قال عز وجل : {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ } أي الزنا { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] .

والإسلام حثّ على تقليل الرق ؛ ولذا جعل عز وجل في كفارة القتل الخطأ تحرير الرقبة ، فقال عز وجل : { فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] .

وكذا في كفارة الظهار كما في سورة المجادلة ، وكذا في كفارة اليمين كما في سورة المائدة ، وكذا في كفارة الجماع في نهار رمضان .

وقد قال عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح البخاري – : ( إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تلكفوهم فإن كلفتموهم فأعينوهم )

وهذا إن دل فيدل على عظم هذا الإسلام ورحمته بالإنسان .

 

 

ثم قال عز وجل : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36] فيه لإثبات صفة المحبة لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته ، خلافا للمعطلة الذين نفوا صفاته جل و علا ، والذين قالوا : إن محبته للعبد إرادته للثواب أو هي الثواب ، وسيأتي حديث بإذن الله شامل عن الأسماء والصفات فيما عقده المؤلف رحمه الله من أبواب تتعلق بتوحيد الأسماء والصفات .

قوله تعالى : { مُخْتَالاً فَخُوراً }

{ مُخْتَالاً } : أي متكبرا في أفعاله .

{ فَخُوراً } : متكبرا في أقواله .

ومناسبة ختام هذه الآية بقوله عز وجل : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

مناسبتها – والعلم عند الله – أن هذه الآية ذكرت حقه عز وجل وحق خلقه ، فمن لم يفِ بهذه الحقوق أو اعتدى عليها فإن فيه كِبرا ، والدليل : أنه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال : ( لا يدل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقيل : يا رسول الله ، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فقال عليه الصلاة والسلام :إن الله جميل يحب الجمال ) ثم حصر الكبر إما على حقه عز وجل وإما على حق خلقه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( الكبر بطر الحق ) يعني دفع الحق ، وهذا هو حق الله جل وعلا ( وغمط الناس ) أي احتقارهم وازدراؤهم ، وهذا هو حق الخلق.

 

 

وقوله تعالى : : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36]  يُفهم منه : أنه يحب المتواضعين ، لأنه إذا أبغض المختال الفخور أحب المتواضعين ، وهذا المفهوم جاء مصرحا في قوله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]

ثم إن قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36]   هذا عام ، فكل صور الخيلاء بغيضة إلى الله جل وعلا ، ولذا قال تعالى :  {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا } [الإسراء: 37] .

وقال عز وجل في وصية لقمان لابنه : {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } [لقمان: 18، 19] .

وأثنى جل وعلا على عباده في مشيتهم ، فقال : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } [الفرقان: 63]

لكنَّ هذا العموم تخرج منه صورتان كما صح بذلك الحديث عنه عليه الصلاة والسلام ، إذ قال عليه الصلاة والسلام ( إن من الخيلاء ما يحبه الله ، وإن من الخيلاء ما يبغضه الله ، فالخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في الصف ) أي في الحرب لكي يشعر الأعداء بأنه غير مبالٍ بهم ( واختيال الرجل عند الصدقة )

ومعنى ( اختيال الرجل عند الصدقة ) : أي أنه ينفق إنفاقاً لوجه الله جل وعلا في صورته يشبه صورة من ينفق خيلاء ومراءةً .