الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (143) حديث (لما حضرت أبا طالب الوفاة )(4)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (143) حديث (لما حضرت أبا طالب الوفاة )(4)

مشاهدات: 478

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس (143 )

حديث (لما حضرت أبا طالب الوفاة ) الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تتمة حديث : “ابن المسيب ” عن أبيه قال:

لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده : عبد الله بن أبي أمية ، وأبو جهل

فقال له : (( يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ))

فقالا له : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟

فأعادها عليه النبي عليه الصلاة والسلام فأعادا

فكان آخر ما قال : هو على ملة عبد المطلب

فأبى أن يقول : ” لا إله إلا الله “

فقال النبي عليه الصلاة والسلام “ (( لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك ))

فأنزل الله عز وجل :

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

وأنزل في أبي طالب :

((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ))

ومسائل على : باب قول الله تعالى :

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

www.albahre.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله :

وأنزل الله عز وجل : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

وقوله تعالى : ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” ما “ من حيث اللغة نافية ، وهذه الجملة ترد كما قال بعض العلماء : ترد في كتاب الله على معنيين :

المعنى الأول :

ــــــــــــــــ

أن يراد بها النفي ، فنفى حصول هذا الشيء ووجوده :

وذلك كقوله تعالى :

((مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ))

ففيه نفي أن يقع منهم إنبات للشجر

المعنى الثاني :

ــــــــــــــــــــــــ

أنها ترد بهذه الصفة في صورة النفي لكن المراد منها النهي كما في هذه الآية

فيكون قوله : ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ )) نهي من الله أن يفعل النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنون هذا الشيء المنهي عنه 0

ــ ومجيء الإنشاء في صورة الخبر :

أن النفي خبر : كأنك إذا أخبرت  :

ـــ إما أن تخبر عن شيء مثبت ،

ـــ وإما عن شيء منفي

فهذه الآية في صورة الخبر لكن المراد منها الإنشاء وهو :

[ النهي ]

ومن هذا يكون الغرض من هذا التثبيت والتأكيد ولكأن الأمر قد فرغ منه

(( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى ))

كأن هذا الامتثال لترك المنهي عنه قد حصل ، فيكون فيه حض وحث للمسلم أن لا يفعل هذا الشيء

((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جمع جل وعلا النبي عليه الصلاة والسلام مع المؤمنين في هذا الحكم

والجمع لا يدل على أن إفراد أحدهما بالذكر يدل على تخصيصه بالحكم

وإنما إن جاء الخطاب للنبي لعيه الصلاة والسلام فهو له ولأمته ، وإن جاء الخطاب للمؤمنين فيكون للنبي عليه الصلاة والسلام ولأمته ما لم يأت دليل يخصه عليه الصلاة والسلام

فيكون هذا الذكر من باب التأكيد على هذه القضية المهمة ،  وهي قضية الاستغفار للمشركين

فلا يصح ولا ينبغي أن يقع استغفار ودعاء بالرحمة من النبي عليه الصلاة والسلام أو من المؤمنين لهؤلاء الكفار

  • ـــ ووصفهم بالإيمان : وهذا يقتضي أن من علامات الإيمان أن لا يُدعى للكفار، وذلك لأن الإيمان يقتضي الامتثال بترك هذا المحظور
  • ثم إن الوصف بالإيمان يزيدنا فائدة :

وهي أن ترك هذا المنهي عنه تقربا إلى الله عز وجل مما يزيد الإيمان

وقوله:(( أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستغفار هو : طلب المغفرة

فلا يجوز أن تطلب المغفرة من الله عز وجل لهؤلاء الكفار

والتنصيص على الاستغفار لا يخرج ما سواه مما هو من حيث الإطلاق يدخل في معنى الاستغفار

وذلك كالترحم عليهم : فسواء دعي لهم بالمغفرة أو بالرحمة فإن هذا من المنهي عنه

و ” أن “ أداة نصب

و ” يستغفروا “ فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة

و ” واو الجماعة “ ضمير مبني في محل رفع فاعل

والتنصيص على [ الاستغفار ] يخرج بعض الأشياء مثل :

ـــ الدعاء لهم بالهداية فهذا جائز

فيجوز أن يُدعى لهم بأن يهديهم الله عز وجل ، ولأن الدعاء لهم بالهداية من قبيل دعوتهم بلسان الحال

فإن النبي عليه الصلاة والسلام قام بوسائل متعددة في الدعوة إلى الله من أجل ان يهتدي هؤلاء

ففعله يسعى فيه إلى أن يدخل هؤلاء في هداية الله .

ــ وهل يجوز أن يُدعى لهم بزيادة في المال والرزق ؟

جـ / الأصل أنه لا يجوز

وذلك لأن مطلب المسلم أن يضعف هؤلاء ، لكن لو كان المقصود من هذا الدعاء أن يستفيد المسلمون فلا بأس:

وذلك كالذميين :

فإن ” ابن عمر ” دعا لذمي فقال : اللهم أكثر ماله “

فلما قيل له في هذا ، قال : (( إنه أكثر في دفع الجزية )) فيكون المسلمون قد استفادوا في هذا ، وإلا فالأصل أنه يُدعى على هؤلاء بقلة الموال ، والعتاد فيُدعى عليهم بأن تضعف قوتهم

ـــ والنهي عن الاستغفار يدخل فيه من باب أولى في التحريم يدخل فيه محبتهم وموالتهم

ــ فإذا كان الاستغفار الذي نطق به اللسان ، وقد تجرد القلب من محبتهم وموالتهم يكون هذا الاستغفار محرما

فمن باب أولى أن تكون هناك محبة لهؤلاء الكفار

فلا يجوز أن تبقى ذرة من محبة في قلب المسلم لهؤلاء

فكيف تُحب من أبغضه الله ؟

أين صدق المحبة ؟

أين المحبة الخالصة أن تحب من يبغضه محبوبك ؟

وقوله : (( للمشركين )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ المشركون ] هنا يدخل كل من كفر بالله عز وجل سواء كان هذا الكفر عن شرك أو عن كفر محض : كترك الصلاة أو عن نفاق أو لعدم الإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام كاليهود والنصارى فإنهم داخلون تحت هذه الكلمة

فلا يجوز أن يُدعى بالمغفرة لكل خارج عن ملة الإسلام سواء كان من المشركين أم من المنافقين أم من اليهود أم من النصارى

[ ومن الفوائد ] تحت قوله (( للمشركين )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستفاد منه عن طريق المفهوم :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه يجوز أن يدعى للمسلم ولو عمل من العظائم ما عمل ما لم يعمل كفرا يخرجه عن ملة الإسلام

ومن ثم : فإنه يُدعى لكل مسلم سواء كان تقيا أم كان عاصيا حتى ولو أتى بعظائم ما لم يأت بذنب مكفر

فإنه يدخل تحت حكم المشركين لأنه مشرك

ولذا : لو تُوفي إنسان نعلم أن عليه ذنوبا  كثير فيجوز أن يُدعى له

ولذا : يصلى على كل مسلم سواء كان برا أم فاجرا ، والصلاة عليه في ضمنها دعاء :

قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ))

وقوله : ((وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” أولي “ خبر كان منصوب وعلامة نصبه الياي لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، ولم يقل ” أولو ” وذلك لأنه نصب هنا

فقوله : ((وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : ولو كانوا ذوي قربى لهذا المستغفر

و [ هذه الجملة يراد منها الاحتراز ] :

فإن المحبة الطبيعية قد تقتضي بأن يُدعى لهذا القريب بالمغفرة ، وذلك لدواعي المحبة الطبيعية أو محبة القرابة

فلما جاءت هذه الجملة اُحترز من أن يفهم هذا المفهوم

فإن الآية لو جاءت : (( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ))

لظُنّ أن لذوي القربى حقا

فجاء التأكيد لإزالة هذا المفهوم الذي قد يُفهم من هذه الآية

ومن ثم : فإن النهي إذا كان منصبا في حق القريب فغير القريب من باب أولى

وقوله :((مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : من بعد ما تبين أنهم ماتوا على الكفر

ــ كيف يتبين لهم أنهم ماتوا على الكفر ولا يعلم بهذا إلا الله عز وجل ؟

هذا يؤكد ما قررناه من أن الأحكام في الدنيا تُجرى على ظواهرها

فقوله :((مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : من بعد ما تبين أنهم ماتوا على الكفر

ـــ أيدري أحد أمات هؤلاء على الكفر أم وفقهم الله للهداية فتابوا ؟

لا أحد يدري

فنقول :

ــــــــــــــــ

إن مثل هذا مرده إلى الله عز وجل وذلك في اليوم الآخر فيجازى كل شخص بما عمل

أما نحن فإننا إذا لم نر عملا يدل على دخول هذا الشخص إلى الإسلام فمات على ما كان عليه نحكم عليه بأنه كافر وتُجرى عليه أحكام الكفر : فلا يُغسل ولا يكفن ولا يُصلى عليه ، ولا يورث ، ولا يدعى له بالمغفرة

وقوله : (( من بعد ما تبين )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا التقييد وهو ” التبين “ مرتبط بحكم له تطبيق في الواقع وهو ” الاستغفار للمشركين ”

ومن ثم :

فإن هذا التبين إذا كان متعلق بهذا الحكم وهو الحكم في الظاهر فيه دلالة على أننا لا نحكم بالأحكام التي تتعلق بالباطن من حيث : لعنه بعد وفاته

فإنه لا يجوز أن يلعن ـــــــــــــ لم ؟

لأنه لا يدرى أمات على الكفر أم مات على الإسلام، لكن أحكامنا نحن التي أمر الله بها أن نتعامل بها مع الكفار نقوم بها

أما القضايا الأخرى التي تتعلق بأمر الآخرة فإنه لا مصلحة لنا نحن المكلفين في البحث عنها : مات على الكفر من حيث الباطن أم مات على الإسلام لا فائدة تعود لنا كمكلفين في التطبيق

لكن الأحكام الظاهرة تفيدنا نحن المكلفين

وذلك : كالتغسيل والتكفين والصلاة عليه والترحم عليه

فلا يجوز مثل هذا

ــ أما ما كان أمره إلى الله بما سيكون في الآخرة فإننا لو علمنا أنه مات على الإسلام أو مات على الكفر بما يتعلق بالآخرة ما الذي سيفيدنا في واقعنا ؟

لن يفدنا شيئا

ولذلك لا نبحث عن هذه الأشياء

سؤال / هل الاستغفار للمشركين من الكبائر أم من الصغائر ؟

الجواب :

ــــــــــــــــــ

الاستغفار للمشركين من الولاء لهم ، ومعلوم أن الولاء للمشركين وعدم التبرؤ من الكبائر

وقوله : (( وأنزل الله في أبي طالب قوله عز وجل : ((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وسبق الحديث عنها :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ