الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (145) باب (ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (145) باب (ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو)

مشاهدات: 466

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس( 145)

باب (ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بــــاب :

[[ ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين]] :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما جاء:

يعني من النصوص الواضحة التي دلت على أن سبب كفر بني آدم وتركهم لدينهم هو الغلو في الصالحين

وقوله : (( سبب )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

السبب في اللغة  : ” هو ما يتوصل به  إلى الشيء “

فكل شيء توصلت به إلى شيء هو سبب

قال تعالى عن ذي القرنين :

{فَأَتْبَعَ سَبَباً }

وقال تعالى :

{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }

فهذه الآية معناها : أن أمر النبي عليه الصلاة والسلام ثابت ولا اضمحلال له ، ومن لم يرض بهذا كما هو حال الكفار فليأخذ سببا : يعني حبلا ثم ليربطه في السماء

يعني : في سقف البيت ثم ليختنق به فليمت غيظا فإن الله عز وجل مكمل دين النبي عليه الصلاة والسلام وناصره

وهذا على أحد القولين

والقول الآخر : فليمدد بسبب إلى السماء أي فليصعد إلى السماء الحقيقية ، وليقطع عن النبي عليه الصلاة والسلام الوحي الذي مصدره هو السماء

الشاهد من هذا :

ـــــــــــــــــــ

أن السبب من حيث اللغة : ما يتوصل به إلى الشيء

أما من حيث الاصطلاح :

فإنه عند علماء الأصول : أصول الفقه وهم يتحدثون عن الأحكام الوضعية

والأحكام الوضعية المراد منها : التي وضعها الشارع فبمجرد وجودها يوجد الشيء

بخلاف الأحكام التكليفية :

الواجب ، والمستحب ،والمحرم ، والمكروه ، والمباح

فهذا يتحدث عنه علماء الفقه

لكن أصول الفقه يتحدثون عن الأحكام التكليفية لكن المصب عندهم هي الأحكام الوضعية يعني : التي وضعها الشارع

والفقهاء يتحدثون عن الأحكام الوضعية ، لكن حديثهم  منصب على الأحكام التكليفية أكثر.

مثال ذلك :

ملك النصاب سبب لوجود الزكاة

فمتى ما وجد ملك النصاب وجدت الزكاة بقطع النظر عن الاعتبارات الأخرى :

فعندنا : السبب

وعندنا : الشرط

وعندنا : المانع

وعندنا : الرخصة

وعندنا : العزيمة

هذه يتحدث عنها علماء أصول الفقه

وحديثهم في الفقه .

لكن تعريفهم للسبب قالوا : هو ما يلزم من وجوده وجود ، ويلزم من عدمه العدم

فمثالنا :

ملك النصاب

يلزم من وجوده: وجود الزكاة

ويلزم من عدمه : عدم الزكاة

وقد يكون للسبب حكمان :

قد يترتب على السبب الواحد :

إما حكم كما هو في مثالنا

وإما أن يترتب عليه حكمان

مثال ذلك :

طلوع الفجر الثاني يترتب عليه حكمان :

ــ منع الأكل للصائم

ــ وأداء صلاة الفجر

فهذا هو التعريف للسبب عند علماء الأصول

وقوله : (( كفر )) :

ــــــــــــــــــ

الكفر :

من حيث اللغة :

هو الستر والتغطية

ولذا يطلق على المزارع كافرا

قال تعالى :

((كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ))

يعني : أعجب الزراع نباته

سُمي بهذا الاسم لأن المزارع يغطي ويستر الحب والبذر بالتراب

وقوله : (( بني آدم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بني آدم :

سبب  : اسم أن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على أخره ، وهو مضاف وكفر مضاف إليه

وكفر مضاف ، وبني : مضاف إليه مجرور

فيكون إعراب ” بني ” مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم

كما سلف معنا ” بنون “

و ” آدم “ أيضا مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة ، لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة

فهو ثلاثي متحرك الوسط

و ” بنو آدم “ يشمل الذكور والإناث

و (( تركهم )) :

ــــــــــــــــــــــــ

الواو عاطفة  ، وتركهم معطوفة على ما سبق

يعني : وسبب تركهم

تركهم : مضاف إليه ، وهو مصدر

والمصدر : الاسم المنصوب الذي يكون من ثلاثي الفعل :

تقول : ضرب ــــــ يضرب ــــــــ ضرباً

ضربا هو المصدر

ترك ــــ يترك ــــ تركاً

أكل ـــــــ يأكل ـــــــــــ أكلا

فهذا هو المصدر

فإذا  وافق المصدر فعله من حيث الحروف

فهو مصدر :

ترك ــــ يترك ــــ تركاً

أنبت ــــــ  ينبت ــــ إنباتا

هذا مصدر

فإذا لم يتوافق المصدر مع فعله ، فليس مصدرا إنما هو :

[ اسم مصدر ] :

أنبت ــــ ينبت ــــــ إنباتاــــــــــ هذا مصدر ــــــ  لم ؟

لأن الإنبات يوافق الفعل أنبت

لكن : أنبت ــــ ينبت ــــ نباتا ـــــــــــــ لم يوافق الفعل وذلك لعدم وجود الألف فيصبح اسم مصدر

فقوله : (( وتركهم دينهم )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر يتطلب مفعولا به ، ولذلك المفعول به هو ” دينهم “

لما نُصب دينهم ؟

لأنه مفعول به للمصدر الذي هو ” الترك ” وهذا المصدر مضاف على فاعله

لأن المصدر :

ـــ إما ان يضاف إلى فاعله

ـــ وإما ان يضاف إلى مفعوله

وهنا من باب إضافة المصدر إلى فاعله

وإذا أردت أن تعرف فحوِّل المصدر إلى فعل مضارع مقرون بأن المصدرية

تركهم /ـــــــــ يعني : أن يتركوا دينهم

كما قال تعالى :

(( ولولا دفع الله الناسَ ))

دفع مصدر مضاف إلى الله

والله مضاف إليه من باب إضافة المصدر إلى فاعله

الأصل : ولولا أن يدفع الله الناس

فهنا من باب إضافة المصدر إلى فاعله

قال : (( هو الغلو )) :

ـــــــــــــــــــــــــــ

هو : ضمير فصل يفيد التوكيد والحصر

فكأن السبب الوحيد هو ” الغلو “

وهذا من فوائد ضمائر الفصل : أنها تفيد التوكيد

(( الغلو في الصالحين )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغلو: هو مجاوزة الحد في الثناء إما مدحا وإما قدحا

فقد تثني على شخص بمدح وتتجاوز الحد فهذا ” غلو

في المدح

وقد تثني على الإنسان بالشر وتتجاوز الحد في هذا فهذا غلو في القدح

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام لما مرت به جنازة أثنوا عليها خيرا ، فقال : ((” وجبت ” )) لما مرت به جنازة أخرى أثنوا عليها فقال : (( وجبت ))

فدل على أن الثناء ممكن أن يكون في المدح ،  ويكون في القدح .

قال : (( هو الغلو في الصالحين )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والصالحون : هم عباد الله عز وجل الذين قاموا بحق الله وحق العباد

ولذا قال تعالى :

((وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))

فإنهم عملوا صالحا

فكانت صفاتهم بهذا العمل الصالح الصلاح

والصالحون كما قلنا : هم كل من قام بحق الله عز وجل أو بحق العباد

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر – في حديث ابن مسعود رضي الله عنه – التشهد :

(( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ))

قال :

(( فإنها تصيب كل عبد في السماء والأرض ))

ولماذا كان الغلو في الصالحين سببا رئيسا لكفر بني آدم ؟

الجواب :

لأن الصالحين تألفهم وتحبهم القلوب فيأتي الشيطان ويصور لهم هذه المحبة بصورة الغلو المفضي إلى رفعتهم فوق منزلتهم

فإنه صور هذه المحبة التي في قلوب الناس لهؤلاء الصالحين بصورة غير الصورة الحقيقة فزادوا في هذه المحبة إلى أن بلغوا هؤلاء وأوصلوهم منزلة الكفر

ولو قال قائل :

ما علاقة هذا الباب بالأبواب السالفة .؟

فالجواب عن هذا :

أن المصنف رحمه الله لما ذكر البراهين والأدلة الساطعة على بطلان عبادة ما سوى الله بين السبب الذي به وقع كثير من الناس في الشرك

فهنا بيان للسبب

ما سبق :

بيان أن الشرك قد وقع

وقد أسبقه بأبواب فيها عبادات صرفت لغير الله فأصبح صارفه مشركا بالله شركا أكبر:

من الذبح

من النذر

من الاستغاثة

من الاستعاذة

ثم لما ذكر البراهين في بطلان هذه العبادة بين سبب صرف تلك العبادات لغير الله  عز وجل

ما سبب وقوع الناس في الشرك ؟

الغلو في الصالحين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ