الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (18) قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}(4)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (18) قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}(4)

مشاهدات: 437

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 18 )

قوله تعالى :

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151]

الجزء الرابع

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام: 151] الآيات .

ثم قال تعالى مفردا الوصية العاشرة بآية مستقلة :

 { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153]

” الواو ” هنا واو عاطفة ، فهي معطوفة على ما سبق ، فكل ما سبق هو ” صراط الله عز وجل ” إما بدلالة التصريح أو بدلالة الإشارة .

فيكون موضع ” أنّ ” في موضع نصب بالفعل المتقدم : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ }

فيكون المعنى : ” واتلو أن هذا صراطي مستقيما “

فقوله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا }  

المشار إليه ما سبق .

وقوله تعالى : { صِرَاطِي }

ويأتي صراط الله عز وجل – كما قال ابن القيم يرحمه الله في مدارج السالكين – يأتي مضافا كما هاهنا :

فـ ” صراط ” مضافة إلى ” ياء ” المتكلم

أو يأتي مُحلا بـ ” الألف واللام ” كقوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] 

وهذا الصراط قد يضاف إلى الله عز وجل كما في هذه الآية .

وقد يضاف إلى عبادة المتقين كما في سورة الفاتحة : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7]

فإضافته إليه عز وجل باعتبار أنه هو الصراط الوحيد الموصل إليه جل وعلا .

وإضافته إلى عبادة المتقين باعتبار أنهم هم السالكون له ، والسائرون عليه

وقد وضَّح عز وجل : أن الامتثال بهذا الصراط ،  والسير عليه نعمة منه عز وجل كما في سورة الفاتحة :  {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7]

وقد بيَّن عز وجل من هم الذين سلكوه كما في سورة النساء : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } من هم ؟ { مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء: 69] وقد وضَّح عز وجل :  أنه لا طريق للعبادة إليه جل وعلا من هذا الطريق :، فقال عز وجل : {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41]

أي أنه لا وصول إليه عز وجل إلا بهذا الطريق

وإنما لم يقل : ” هذا صراط إليّ مستقيم “

وإنما قال : {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41]  لأن على تفيد الاستعلاء ، فمن سار على هذا الصراط فإنه في علو ، وفي مقام رفيع ، ولذا تجدون الفرق بين طريق المتقين ، وطريق الضالين تجدون أن الأسلوب يتغير ، فيكون الأسلوب في طريق المتقين بصيغة ” على ” لعلوهم بينما ” الضالين ” بـ ” في لانغماسهم في هذا الضلال .

قال عز وجل : { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] .

وقال عز وجل عن الضالين : {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110].

وباختصار أتت هاتان الأداتان في آية واحدة ، قال عز وجل : {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] .

وقد أوضح عز وجل أنه هو جل وعلا على صراط مستقيم :

قال هود عليه الصلاة والسلام : {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] لأن كل أقواله وأفعاله عز وجل عدل ، ليس فيها جور ، وكل أخباره صدق .

وقد أوضح عز وجل : أن الرسول عليه الصلاة والسلام يهدي إلى هذا الصراط : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] .

وقوله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا }

{ مُسْتَقِيمًا }

إعرابه : حال ، أي حالة كون هذا الصراط معتدلاً مستقيماً لا اعوجاج فيه ، فدل هذا على أن هناك صراطاً معوجاً ، وقد أوضح ذلك في سورة النحل { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ } [النحل: 9]

ويلزم من استقامة الصراط ان يتصف بثلاثة أوصاف :

1ـــ أن يكون واسعاً

2 ــــ أن يكون سهلاً

3ـــ أن يكون قريباً

وهذه الصفات موجودة في صراط الله عز وجل :

فهو يسع كل الخلق ، وهو سهل على من سهله الله عليه  ، وهو قريب : أي يقربك من الله عز وجل .

ثم قال تعالى : { فَاتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 153]

هذا من باب التأكيد ، وإلا فلو قيل لعاقل : هذا صراط وطريق واسع سهل قريب من الله عز وجل ، لدعاه عقله ورشده إلى أن يتبعه ، ولذا جاء الأمر تأكيدا { فَاتَّبِعُوهُ } .

ولما ذُكر أنه صراط مستقيم أوضح في هذه الآية الطرق المعوجة ، ولما كان الأمر كما هي القاعدة الأصولية : [ الأمر بالشيء نهى عن ضده ] نهى عن اتباع هذه الطرق المعوجة ، اقرأ ما بعدها قال :

{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]

فهذا نهي .

وقال هنا : { السُّبُلَ } .

وقال عز وجل  في سبيله – كما فسّر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد : قال : (” خط النبي عليه الصلاة والسلام خطاً مستقيما ثم خط خطوطاً عن يمين هذا الصراط وعن شماله ، ثم قال هذا سيبل الله ، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان ثم قرأ {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } )

ولذا سبيل الله يفرد لأنه طريق واحد ، أما سبل الشياطين فتُجمع لأنها متفرقة غير مجتمعة .

ولو قال قائل : ما تقولون في قوله تعالى : {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16] 

فجاء طريق الله مجموعا : ” سبل ” ؟

فالجواب: أنها مضافة إلى السلام ، فلما قال : { سُبُلَ السَّلَامِ} لم يعد هناك تعارض .

لو قال قائل : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69]

فجمع السبل هنا مع أننا قلنا : إن سبيل الله عز وجل يُفرد

فإن الجواب عن هذه الآية كالجواب عن الآية السابقة : لأنه جل وعلا أضاف السبل إليه قال : { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }

فهي كالآية السابقة لأن قوله تعالى : {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16] 

فسر السلام بأنه هو الله عز وجل ، لأن من أسمائه السلام كما ذكر عز وجل في آخر سورة الحشر ، والقرآن يفسر بعضه بعضا .

ثم قال تعالى : { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }

يُفهم من هذا : أن من حاد عن سبيل الله عز وجل فإن الشياطين تتلقفه وتستقبله .

ولذا فليكن المسلم على حذر من أن يعصي الله عز وجل ، فلربما استمرأ المعصية فولدت معصية أخرى حتى يطبع على قلبه من حيث لا يشعر ، كما قال عليه الصلاة والسلام – عند الترمذي – ( إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب واستغفر صقل منها )

يعين مُسح قلبه فيصبح نظيفا كالمرآة إذا نظفت ( وإن زاد زادت حتى يُغلف بها قلبه ، وذلك هو الران الذي ذكره الله عز وجل في كتابه : ( {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } )

وقال عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم – : ( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تعود القلوب على قلبين : أبيض وأسود ) ثم ذكر صفات القلب الأسود ، قال : ( مربادَّا كالكوز مجخيا ، لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه )

( مربادَّا ) : مثل المنشفة كلما مسح بها كلما ازدادت اتساخا .

ثم قال : ( كالكوز مجخيا ) : مثل الكأس إذا قلبته انسكب ما فيه ، ومن ثَم لا يدخله شيء لأنه منتكس

ثم قال تعالى : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

أي لتتقوا .

وفي الآية الأولى ختم بقوله : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  }

وفي الآية الثانية ختم بقوله : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

وفي الآية الثالثة ختم بقوله : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

واختلاف هذا الختام يدل على – كما قال بعض المفسرين – على أنه متى عقل تذكر ، وإذا تذكر خاف ، ومن ثَمَّ اتقى ، ولذا تناسب ترادف هذه الجمل .

ثم إن هذه الآيات المذكورة في سورة الأنعام :

قال بعض العلماء : هي الآيات المحكمات في قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } [آل عمران: 7]

ولكن الصحيح أن قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } [آل عمران: 7] أشمل وأعم مما ذكروه .

ومناسبة إيراد هذه الآية تحت هذا الباب : أن التوحيد هو وصية الله عز وجل .