الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (186) قوله تعالى ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك ) الجزء (2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (186) قوله تعالى ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك ) الجزء (2)

مشاهدات: 467

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(186)

قوله تعالى ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك ) الجزء (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال تعالى :{ وجعل منهم } :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ مَن ] :  سبق الحديث عنها بأنواعها .

{ وجعل منهم القردة } :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولم يقل:  وجعلهم قردة .

فتكون { من } هنا للتبعيض ، وهؤلاء هو أصحاب السبت ،

وأصحاب السبت ذكر الله عز وجل قصتهم في سورة البقرة ، وفي سورة الأعراف وأشار إليها في آخر سورة النحل .

{ وجعل منهم } :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ولذا قال عز وجل في سورة البقرة  :

{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ }

قال :

{ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

وقال عز وجل في سورة الأعراف :

{ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

فإن الله عز وجل حرم عليهم الصيد في يوم السبت ، فابتلاهم الله عز وجل فكانت الأسماك لا تأتي عند الشاطئ إلا يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتي

{ وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم }

بلوى وامتحان وفتنة فماذا صنعوا  ؟

نصبوا شباكهم يوم الجمعة وتركوها حتى تأتي الحيتان    يوم السبت فإذا مضى يوم السبت وجاء يوم الأحد أخذوا     هذه الحيتان

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلون محارم الله بأدنى الحيل ))

 وهؤلاء لما اعتدوا في السبت حولهم وسيرهم جل وعلا قردة ،

وأي قردة  ؟

خاسئين كما في سورة البقرة .

ثم إنهم حرموا يوم الجمعة ففرض عليهم يوم السبت على أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى :

{ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ }

يعني فرض عليهم يوم السبت لما اختلفوا في يوم الجمعة

وللمفسرين أقوال تحت هذه الآية .

وهذه القردة الموجودة في هذا العصر ليست من نسل هؤلاء الذين مسخوا .

ولذا جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام :

(( إن الله لم يجعل لمسخ نسلا وكانت القردة قبل ذلك ) )

فما يوجد الآن ليس من نسل أولئك الذين مسخوا قردة وإنما هم خلق آخر .

والمسخ على صورة القردة من باب الجزاء من جنس العمل  :

فإنهم لما غيروا باطنهم غير الله عز وجل ظاهرهم بما يشبه صورة الآدمي وليس آدميا ، وهي القردة .

والمسخ على صورة القردة  :

قد يشير إلى أن هذه القردة محرمة الأكل وهي بالفعل كما ذكر ابن عبد البر أن العلماء أجمعوا على أن القرد لا يجوز أكله ولا بيعه .

وكلمة القردة :

ــــــــــــــــــــــــ

اتخذ منها بعض المفكرين الغربيين أو من حدا حدوهم ممن طمس الله على بصيرته اتخذوا منها فكرة وهي أن أصل بني آدم كانوا قدرة فتطور بهم الحال كما زعموا إلى أن بلغوا مرحلة الآدمي .

ولا يدرى ربما يتوصلون بفكرهم الفاسد أن ينتقل الآدميون إلى جنس الملائكة ، ومثل هذه الفكرة فكرة كفرية متبنيها كافر .

والمقر بها كافر والمؤيد لها كافرــــــــــــــــ لم  ؟ 

لأنها تخالف صريح القرآن وما خالف صريح القرآن فاعتبر واعتد به فإنه كفر بالله عز وجل ــــــــــــــــــــــــــــــ لم  ؟

لأن أصل بني آدم كما ذكر عز وجل ليس قردة وإنما أصل بني آدم هو آدم عليه الصلاة والسلام وقد خلق من تراب ،

قال عز وجل { والخنازير } :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال بعض المفسرين :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن المسخ على صورة الخنزير هو حاصل لليهود كما هو حاصل لهم على صورة القردة .

ويؤثر هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما :

من أن المسخ على صورة القردة للشباب ، وأن المسخ على صورة الخنزير هو للشيوخ ،

والمشهور /  :

ــــــــــــــــــــــــ

أن المسخ على صورة القردة واقع لليهود

وأن المسخ على صورة الخنزير واقع على  النصارى الذين كفروا بالمائدة ، الذين طلبوا من عيسى عليه السلام أن يسأل الله عز وجل أن ينزل عليهم مائدة من السماء :

{ قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ }

قالوا :

فإنهم قد كفروا بها فمسخهم الله عز وجل خنازير ،

والذي يظهر أنها في اليهود لأن الله عز وجل قال :

{ وجعل منهم القردة والخنازير }

والخنازير معطوفة على القردة ، والأصل في العطف هو التغاير لكن المعطوف والمعطوف عليه يجمعان في حكم نقول : جاء زيد وعمر

فعمر ليس زيد ، فهما متباينان لكنهما اتفقا في الحكم وهو المجيء ،

والسياق هو سياق اليهود ،

لكن التفريق في كون القردة مسخ للشبان والخنازير مسخ للشيوخ لا دليل عليه ،

ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله وكذلك ابن كثير وغيرهما من العلماء يقولون :

“إن ما ذكر عن بني إسرائيل ثلاثة أنواع :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوع الأول :

ــــــــــــــــــــــــ

أن يأتي في شرعنا ما ذكره هؤلاء فيكون مقبولا لا باعتبار ما نقلوه هم لكن باعتبار شرعنا

النوع الثاني:

ــــــــــــــــــــــ

أن يأتوا بما يخالف الشرع فإنه مردود لأن الاعتبار والاعتداد بشرعنا

النوع الثالث:

ــــــــــــــــــــ

وهو الذي لم يأت شرعنا لا برده ولا بقوله فهذا يصدق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم

كما عند البخاري :

(( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ))

ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله :

” يذكره بعض المفسرين استئناسا لا اعتمادا وتركه أولى

لكن من نقله وتلقاه من الصحابة كابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فإنهم تلقوه من أجل جواز ذلك من النبي عليه الصلاة والسلام :

(( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ))

ولذا إذا قال الصحابي قولا مما لا مجال للرأي فيه :

فإنه يكون في حكم المرفوع حكما شريطة ألا يكون هذا الصحابي قد عرف بالأخذ عن بني إسرائيل فإنه يتوقف في شأنه حتى ينظر هل هو ثابت أم غير ثابت .

[ قلت ]:

لو نظر الإنسان إلى حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي في صحيح البخاري لو نظر إليه لوجد أن ما يذكر في توجيه الناس والإفادة من الوقت أن ما يذكر من الشرع كافً وغنية

ـــــــــــــــــــ لم ؟

لأنه قال عليه الصلاة والسلام في الجملة الأولى:

(( بلغوا عني ولو آية ))

تجد أن الحديث صدر أول ما صدر بأن يكون التوجيه والذكر في الحديث بالشرع ، لكن لو ذكر استئناسا مما لم يأت الشرع برده أو قبوله فلا بأس بذلك ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في رواية أخرى قال :

(( إذا حدثتكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ))

ـــــــــــــــــــــــ لم ؟

لأنهم قد يكذبون فيكون ما ذكروه حق ، ويصدقون فيكون ما ذكروه باطلا ، والمسخ على صورة الخنزير يفيدنا بأن الخنزير محرم

وتحريم الخنزير ثابت بالكتاب وبالسنة  :

قال تعالى :

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير}

وذكر اللحم من باب الغالب وإلا فإن جميع أعضاء وأجزاء الخنزير محرمة .

ثم قال عز وجل :

{ وعبد الطاغوتَ } :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه القراءة المعروفة وهي قراءة جمهور القراء ،

حمزة يقرأ :{ وعَبُدَ الطاغوتِ } .

الفرق بينهما التشكيلة على الباء :

فمن فتح الباء نصب الطاغوت ومن ضم الباء كسر الطاغوت ، وهذه فيها أربع وعشرون قراءة لكن السبعية منها هاتان القراءتان :

[ عبَد – وعبُد ] .

فـ { عبَد الطاغوتَ } :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[عبدَ ]: فعل ماضي ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو

الطاغوتَ : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره .

وأما { عبُد الطاغوتِ } :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[عبُد] : اسم ، ليس فعلا وهو مضاف والطاغوت مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.

[والطاغوت] : تعريفه مر معنا في الآية السابقة .

لمَ لم يقل جل وعلا :

” وجعل منهم القردة والخنازير ومنهم عبد الطاغوت  ؟ لماذا لم يعد منهم مرة ثانية مع طول الفاصل ؟

فلما لم يعد مع طول الفاصل دل على أن هناك فائدة :

يقول شيخ الإسلام رحمه الله :

لم يعد من أجل أن هذه الأوصاف لموصوف واحد ،

من هم الموصوفون بهذا  ؟

اليهود .

فلو أعاد ( من ) فلربما انقدح في الذهن أن هذه الطائفة طائفة أخرى .

لو قال قائل :

قال عليه الصلاة والسلام :

(( أنزل القرآن على سبعة أحرف ))

هذه السبعة الأحرف اختلف فيها العلماء اختلافا كثيرا

ما المراد منها  ؟

الجواب /  :

ـــــــــــــــــــــ

المرجح من كلام المحققين كشيخ الإسلام رحمه الله على أن هذه الأحرف بمثابة اللغات التي لا تناقض في معناها .

ولذا فصل رحمه الله كما في الفتاوى فذكر أن هذه القراءات السبع ليست هي الأحرف السبعة وإنما كل هذه القراءات راجعة إلى حرف واحد من هذه الحروف السبعة .

وهو الحرف الأخير الذي يتوافق مع العرضة الأخيرة التي عارض فيها جبريل نبينا عليه الصلاة والسلام وهو حرف قريش .

ولذا قال عثمان رضي الله عنه :

” إذا اختلفتم مع زيد فاكتبوه على لغتكم “

فيقول رحمه الله :

” إن هذه القراءات ومعها ما يتممها من الثلاث حتى تصبح القراءات العشر عند من يدركها يقول لا تناقض بين هذه القراءات العشر من حيث المعنى .

فيقول هي ثلاثة أنواع أي القراءات :

النوع الأول :

ـــــــــــــــــ

ما اختلف لفظه واتفق معناه

وذلك كقول ابن مسعود رضي الله عنه : هلم ، تعال ، أقبل ، اختلف اللفظ والمعنى اتفق .

النوع الثاني :

ـــــــــــــــــــــــــ

ما اختلف لفظه واتفق معناه من وجه دون آخر .

مثاله / :

يَكذِبون ، يُكذبون .

اختلف اللفظ واتفق المعنى من وجه دون وجه فيكون هذا النوع من باب الآيات التي يفسر بعضها بعضا فلربما تكون هناك آية في كتاب الله عز وجل .

وهناك آية أخرى إذا ضممتها مع هذه الآية اكتمل المعنى فاتفقتا من وجه إذا ضمتها واختلفتا من وجه آخر .

النوع الثالث :

ــــــــــــــــــــــــــ

ما اتفق لفظه ومعناه .

وذلك حاصل  :

كالإمالة والترقيق لبعض الحروف  :

فبعضهم يرقق هذا الحرف وبعضهم يفخم هذا الحرف

فيقول : اتفق اللفظ واتفق المعنى .

لو قال قائل : ما سبب هذه القراءات السبع  ؟ :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجواب /  :

ــــــــــــــــــــــ

القرطبي رحمه الله في تفسيره يقول :

[ إن عثمان رضي الله عنه لما جمع المصحف نسخ منه سبع نسخ كل نسخة فيها قراءة فتبناها كل إمام في مصرٍ من الأمصار]

لكن غيره من العلماء وهذا يظهر من كلام شيخ الإسلام رحمه الله يقول :

” إن هذه القراءات حاصلة بسبب عدم التشكيل والتنقيط للمصاحف في عصر الصحابة لأنهم كانوا لا يشكلون ولا ينقطون المصاحف لأنهم لا يلحنون ،وإنما شُكلت المصاحف في عصر التابعين عند بعضهم .”

 وليس معنى هذا أن من شاء أن يأتي بقراءة فله ذلك ،

يقول : لا .

فهذه القراءات حصلت بسبب عدم التشكيل والتنقيط لكنها مأثورة

ولذا قال زيد بن ثابت رضي الله عنه :

” القراءة سنةٌ مأثورة لا يجوز لأحد أن يقرأ برأيه يأخذها الآخر عن الأول  “.

قال تعالى { وعبد الطاغوت } :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلنا : إن عبَد فعل ، وعبُد اسم ، لكن هل هو جمع أم مفرد  ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجواب / :

ــــــــــــــــــ

يقول العلماء :

”  إنه ليس جمعا لأنه ليس على وزن من أوزان الجموع لا على جموع القلة ولا على أوزان جموع الكثرة وإنما هو على وزن فعُل ، وما كان على وزن فعُل فإنه يراد منه التكثير “

كما تقول : يقُض

وعلى هذا فتكون كلمة عبُد : أي كثُرت عبادتهم ،

بمعنى  :

أنهم بلغوا في عبادة الطاغوت المبلغ العظيم ، وهذا من باب الذم .

لو قال قائل :

ــــــــــــــــــــ

عبُد وعبَد ، على أي نوع من الأنواع الثلاثة التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله   ؟

الجواب / :

ـــــــــــــــــــ

 النوع الثاني الذي هو /  :

اتفق لفظه واختلف معناه من وجه دون وجه آخر ،

ولذلك إذا قرأت :

{ عبَد الطاغوتَ } كان لها معنى { عبُد الطاغوت } كان لها معنى ، لكن إذا جمعتهما فكأن هاتين القراءتين بمثابة آية مع آية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ