الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (38)حديث( يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به)(1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (38)حديث( يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به)(1)

مشاهدات: 437

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 38 )

حديث ( يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به) الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : (( قال موسى :  يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به :

قال  : يا موسى قل لا إله إلا الله

قال :  يا رب كل عبادك يقولون هذا

قال  : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ))

رواه ابن حبان والحاكم وصححه .

الشرح :

أدرج المصنف رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

فأبو سعيد الخدري /  :

هو الصحابي الجليل سعد بن مالك بن سنان الأنصاري مشهور بكنيته وكنيته أبو سعيد  ، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في أحد فاستصغره وهو صحابي وكذلك أبوه صحابي وهو من المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية .

عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  :

كلمة ( عن  )  :

إذا ذكرت في السند فهي ما تسمى برواية  ” العنعنة “

ورواية العنعنة في السند مقبولة إذا كان الرواي ثقة غير مدلس ، فإن كان مدلسا فإن الحديث لا يصح لعنعنته إلا إذا كان هناك طريق آخر صرح فيه بالسماع.

وهناك من العلماء السابقين من هو مدلس .

الشاهد من هذا :

أن الإنسان قد يكون إماما ومعروف بالصلاح والخير لكن عنده تدليس .

والتدليس أنواع  :

لكن بجملته أن يسقط الراوي عمن روى عنه إما لصغر سنه فيكون شيخه أصغر منه أو مثيله في السن فيسقطه أو انه يريد أن يتعدد شيوخه هذا بجملته والتدليس في أصله حرام  ، ومحله في علم الحديث

قال : (( قال موسى )) :

هو موسى بن عمران وهو كليم الرحمن وقد جاء في كتاب الله عز وجل أنه كلمه الله عز وجل : { وكلمه ربه }

{ وكلم الله موسى تكليما } وتكليمه عز وجل لموسى لم تكن مرة واحدة فإن الله عز وجل كلمه لما رجع من مدين { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا } إلى  أن قال { فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين }

وكلمه الله عز وجل بعد ذلك :{ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك}

ولموسى عليه الصلاة والسلام من الفضائل الشيء الكثير فهو أفضل أنبياء بني إسرائيل .

وصفته كما أخبر النبي بأنه : ” آدم يعني أسمر وأنه طويل وأنه نحيف وأنه غير جعد يعني سبط الشعر”

وما ورد بأنه جعد فأصح القولين فيها كما قال النووي رحمه الله :

أن هذه الجعودة هي جعودة جسمه  .

وهو من أولي العزم من الرسل وهم خمسة على أصح الأقوال : [ نوح – إبراهيم – موسى – عيسى – نبينا عليهم الصلاة والسلام ]

قال عز وجل :{ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم }

وقال عز وجل:{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل }

ولذا قال عز وجل عن آدم  :{ ولم نجد له عزما }

وقال عز وجل :{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى }

وقد أوذي عليه الصلاة والسلام كثيرا فصبر ولذا قال الله عز وجل عنه :{ يا أيها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها }

وقال عليه الصلاة والسلام : (( رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ))

فله جاها كما أن عيسى له جاه قال عز وجل:{ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا وفي الآخرة }

وأفضل أولي العزم من الرسل النبي عليه الصلاة والسلام ثم إبراهيم ثم موسى واختلف العلماء في نوح وعيسى أيها أفضل ؟

وأما حديث لا تفضلوا بين الأنبياء :

فهو محمول على وجوه عدة ، من بينها :

 إذا كان هذا التفضيل يفضي إلى التنقص بالمفضول أو يؤدي إلى التعصب والحمية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(( قال موسى : يا رب .)) :

كثير ما يدعو الأنبياء والصالحون باسم ” الرب عز وجل” وهذا يدل على أن الربوبية كما سبق نوعان :

  • ربوبية عامة لجميع الخلق ، يربيهم ويغذيهم ويتولى شؤونهم جل وعلا ودخل فيها الفاجر التقي
  • ربوبية خاصة ، بأوليائه من الرسل والصالحين يربي ويغذي قلوبهم بالإيمان والطاعة وهي الربوبية الخاصة ولذا في كتاب الله عز وجل كثيرا ما يدعا باسم الرب قال تعالى :{ الذين يقولون ربنا إننا أمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار }

{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا }

{ ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما }

والنصوص في هذا كثيرة

 والسنة إذا ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يسلم ويصلى عليهم وقد جاء حديث حسنه الألباني رحمه الله:(( إذا ذكر الأنبياء فسلموا عليهم فإنهم بعثوا كما بعثت ))

والذي يظهر لي : ” أن التسليم سنة وليس بواجب بينما الصلاة على النبي واجبة “

والدليل على أنها ليست واجبة لغيره من الأنبياء :

أنه عليه الصلاة والسلام يذكر بعض الأنبياء ولا يصلي ولا يسلم عليهم قال موسى كما هنا في قوله : (( قال موسى ))

ولم يقل: ” قال موسى عليه الصلاة والسلام  “

فيجب أن يصلى عليه متى ذكر فقوله عليه الصلاة والسلام : (( البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( رغم أنف أمريء ذكرت عنده ولم يصل علي ) )

قال عز وجل :{ يا  أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }

والأمر يقتضي الوجوب

وهذا الوجوب :

قال بعض العلماء : ” يكفي فيه أن يصلى عليه مرة واحدة في العمر “

ولكن الصواب :

أن الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام واجبة متى ذكر ولكن إن ذكر في المجلس عدة مرات فهل يكتفى بواحدة   أم لابد من تكرار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بتكرار ذكره ؟

قال بعض العلماء : ” يكفي في المجلس الواحد أن يصلى عليه مرة واحدة لقوله عليه الصلاة والسلام: ( ( ما من قوم يجلسون مجلسا لا يذكرون الله تعالى فيه ولا يصلون فيه على النبي إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان ذلك المجلس عليهم ترة ))

يعني حسرة وندامة

والصواب  :

أنه يصلي عليه كلما ذكر لو في المجلس الواحد لقوله عليه الصلاة والسلام :(( البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي ))

ولحديث : (( رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل علي ))

وأما الحديث الذي استدل به فليس فيه التنصيص على الصلاة عليه عند ذكره وإنما فيه الأمر بألا يقوم أهل المجلس عن مجلسهم إلا وقد ذكروا في ثناياه الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام

(( قال : يا رب علمني ))

قوله : (( علمني )) :

 هذه صيغة أمر وسبق بيان صيغ الأمر وهي أربع صيغ    صيغة أفعل

الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر

اسم فعل الأمر

المصدر النائب عن فعل الأمر

وهنا على صيغة افعل والأمر عند البلاغيين هو طلب الفعل من المخاطب على وجه الاستعلاء هذا في أصله ولكن قد يخرج عن هذا المعنى لوجود القرائن كما هنا فهل يمكن أن يوجه موسى عليه السلام طلبه إلى الله على وجه الاستعلاء  ؟

لا يمكن

فإذن هذه صيغة أمر خرجت عن وضعها الأصلي ويراد منها الدعاء

وكلمة (( علمني  )):

يستفاد منها أن الإنسان مهما ارتفعت درجته وكثر علمه في حاجة إلى العلم ولو طال به الزمن في الطلب ولذا أمر الله عز وجل النبي أن يقول { رب زدني علما } حتى الأنبياء في حاجة ماسة إلى العلم والعلم ليس له وقت محدد فوقته ينتهي بانتهاء حياة الإنسان ولا يظن عالم أو متعلم انه سيقف في يوم من الأيام بنيل علم من العلوم

قال : علمني شيئا أذكرت وأدعوك به )

فموسى سأل الله عز وجل شيئا وهذا الشيء يتضمن ذكره عز وجل ودعاءه ،  فدل على أن الذكر غير الدعاء ولذا يفصل العلماء :

 فيقولون :  أفضل الذكر قراءة القرآن ثم الذكر ثم الدعاء

ولكن قد يطلق الذكر ويكون دعاء  ، أما عند الاقتران فلكل له معنى يخصه كالفقير والمسكين والكسوف والخسوف .

(( قال : قل  يا موسى ))

القائل هو الله عز وجل  :

وفيه إثبات صفة القول لله عز وجل وسبق معنا انه يتكلم عز وجل بصوت يسمع وبحروف ومعاني متى شاء كيفما شاء بما يليق بجلاله وعظمته

وقد قال البيهقي رحمه الله في كتابه الأسماء والصفات : ” إن القول والكلام عبارتان عن معنى واحد والقول هنا من الله عز وجل فيه رد على هؤلاء وأنه لو كان معنا في الأزل لسمعه موسى  كله في مرة واحدة ولا تكون هناك حاجة أن يسأل الله عز وجل في مواطن متعددة “

وأيضا يستفاد منه :

أن كلامه عز وجل بما تقتضيه مشيئته وفيه رد على من قال انه معنا وحروف في الأزل وفيه أن الله عز وجل كلم موسى أكثر من مرة

(( قال : قل  يا موسى ))

يا موسى /  :

نداء وفيه بيان أن الكلام نوعان :

إما مناجاة

وإما مناداة

فالمناجاة  : ” بصوت خفيض “

والمناداة  : ” بصوت رفيع “

 فثبت له عز وجل نوعا الكلام ، من المناجاة والمناداة فالمناداة كما هنا قال يا موسى والمناجاة كما قال عز وجل:{ وقربناه نجيا }

(( قال : قل يا موسى : لا إله إلا الله )) :

وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد وسبق بيان شيء من فضائلها وهذه الكلمة هي كلمة  التقوى كما أنها هي كلمة التوحيد قال تعالى عن أصحاب النبي :{ وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها }

قال جمهور المفسرين هي كلمة لا إله إلا الله .