الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (57) قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (57) قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به )

مشاهدات: 413

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 57 )

قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أول نص ذكره المصنف رحمه الله قال :

وقول الله عز وجل :  (( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))

وقول الله عز وجل :

قول الله :  سبق معنا الحديث عن كلامه عز وجل وأنه صفة من صفاته ، فله في صفة الكلام ما يليق بجلاله وعظمته

وقوله : ” عز “ من أسمائه عز وجل : ” العزيز “

والعزيز كما قال ابن القيم رحمه الله : ” له ثلاثة معانٍ :

المعنى الأول : القوي

المعنى الثاني : الممتنع الذي لا يُنال بسوء

المعنى الثالث : الغالب

فالمخلوق عزته ناقصة :

فقد يكون قويا ، ويغلب

وقد يكون قويا غالبا وينال بسوء

أما عزة الله عز وجل فهي عزة كمال لكماله فهو القوي الغالب الممتنع الذي لا ينال بسوء

وكلمة : ” جل “

ــــــــــــــــــــــــــــ

أي عظم

وصفة الجلالة ثابتة لله عز وجل في نصوص كثيرة :

قال عز وجل : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }

أما الآية التي نحن بصدد الوقوف عند معناها وفوائدها فيستفاد منها عدة فوائد :

وهذه الفوائد يمكن أن يصاغ لها عنوان : فيقال : (( خطورة الشرك ))

فمن خطورته ما يأتي :

أولا :

ـــــــــ

أن الشرك ظلم ، قال عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }

فقال الصحابة كما في الصحيحين : (( يا رسول الله ، أينا الذي لا يظلم نفسه ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : ألم تسمعوا إلى قول لقمان : ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))

وإنما كان الشرك ظلما لأنه في حقيقته ليس للنفس فيه كتعلق بخلاف الذنوب ، فإن العبد يضعف أمام شهوته ، ولذته .

أما الشرك : فأين اللذة فيه من حيث أصله وطبيعته ؟

حتى لا يقول قائل : ” هناك من يستفد أموالا وراء الشرك كدعوة الأولياء والموتى ، فلما لم يكن له متعلق بالنفس فهو حض ظلم وجور”

الأمر الثاني :

ـــــــــــــــــــ

في بيان خطورة الشرك :أنه لا يُغفر ، قال عز وجل كما ذكر المصنف هنا :((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ))

وهل تشمل هذه الآية الشرك الأصغر ؟

بمعنى : هل يكون صاحب الشرك الصغر تحت المشيئة أم أنه لا يكون تحت المشيئة ، وإنما يدخل النار فيعذب ثم يكون مصيره إلى الجنة .

قولا الجماهير أنه لا يدخل،  وأن حكمه كحكم الكبائر

وتردد  شيخ الإسلام رحمه الله :

فمرة يقول كقول الجمهور .

ومرة يقول : إنه يدخل النار ابتداء ، ولا يكون تحت المشيئة لكن مآله إلى الجنة .
فالقولان يتفقان على أن مصير صاحب الشرك الأصغر إلى الجنة
  .

لكن الخلاف : هل يمكن أن يغفر له بفضله عز وجل أم أنه لابد أن يصلى النار ؟

ومما يقوي قول شيخ الإسلام رحمه الله : أن الله عز وجل قال هنا: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ))

فكلمة : ” أن يشرك “ تسمى عند النحويين بـ ” أن المصدرية ” والفعل المضارع مع أن المصدرية تُسبكان إلى مصدر ، فيكون المعنى : إن الله لا يغفر إشراكا به

وإشراكا نكرة جاءت في سياق النفي بقوله : (( لا يغفر ))

فـ ” لا ” نافية ، والمقرر في علم الأصول أن النكرة في سياق النفي تعم ، فيكون هذا الحكم عاما في الشرك الأكبر والأصغر

ومن ثم فإن الشرك بجميع أنواعه خطر

والشرك الأصغر هو قسيم الشرك الأكبر

وبعض العلماء يقول : يقول : ” إن الشرك الخفي قسم ثالث “

لكن الصحيح أن الشرك الخفي يدخل ضمن الشرك الأصغر.

وسيأتي في الحديث الذي أورده المصنف رحمه الله : (( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ))

الأمر الثالث المبين لخطورة الشرك :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الشرك افتراء وكذب

وأي افتراء ؟

افتراء عظيم

قال عز وجل : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }

وقال عز وجل عن أصحاب الكهف : {هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً }

الأمر الرابع :

ـــــــــــــــــــــ

أن الشرك ضلال

وأي ضلال ؟

ضلال بعيد : قال عز وجل : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

الأمر الخامس :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن الشرك يحرم دخول الجنة ويوجب الخلود في النار :

قال عز وجل : ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))

الأمر السادس :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن المشرك تنقص الله عز وجل إذ عدل به المخلوق ، وكفى بهذا الإثم إثما

قال عز وجل : ((ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ))

الأمر السابع :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الشرك منافي للحكمة التي من أجلها خلق المخلوق :

قال عز وجل : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

الأمر الثامن :

ـــــــــــــــــــــــ

أن الشرك إذا وقع في الأرض واضمحل التوحيد كله خرب العالم وقامت الساعة :

قال عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله ))

الأمر التاسع :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن الشرك يهلك صاحبه هلاكا لا محيص له عنه :

قال عز وجل :  }وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

فحال المشرك في الهلاك كم سقط من السماء : إما أن تخطفه الطير قبل أن يقع ، وإما أن يسقط فيتناثر فتذروه الرياح ، والهلاك له محقق

الأمر العاشر :

ــــــــــــــــــــــ

أن فيه إرضاء للشيطان :

قال عز وجل :{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

وقال عز وجل عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام :{يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً }

وعبادة الأصنام هي عبادة الشيطان :

ولذا قال في آية أخرى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

الأمر الحادي عشر :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن المشرك ينحط قدره فتكون البهائم أفضل منه :

قال عز وجل : (( أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ))

الأمر الثاني عشر:

ـــــــــــــــــــــــــ

أن الشرك هو عين الجهل في عظمة الله ، وعين السفه  ، وعدم حسن التصرف :

قال عز وجل : {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ))

وقال عز وجل: ((وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً))

وليس هناك علم لهؤلاء ، ولذا قال عز وجل :{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ }

قال عز وجل :{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

وأخطاره كثيرة تزيد عن هذا الحد ، وعن هذا العدد عند التأمل ، ولكنها إطلالة سريعة ليقف المسلم على خطورة الشرك ، ولتكن هذه الأمور منطلقا له في التدبر والتأمل في النصوص ليعرف مكمن خطورة الشرك :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله عز وجل : (( إِنَّ اللّهَ )):

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن : من أدوات التوكيد تؤكد هذا الحكم : من ان الله لا يغفر الشرك .

والشرك كما سبق هو : ” صرف شيء من العبادة لغير الله “

وله معنى آخر سبق إيراده ومن أراد الوقوف عليه فليراجعه فيما سبق .

وقوله عز وجل : ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))

في هذا رد على المعتزلة الذين قالوا : ” إن صاحب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين منزلتين ” فيقولون: ” ليس بمؤمن ولا كافر”

وهذا عين التناقض فليس هناك إلا إسلام وكفر

ورد عليهم : بأن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار، فيقولون حكمه في الدنيا في منزلة بين منزلتين : لا مؤمن ولا كافر ، وأن منزلته في الآخرة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها .

وفيه رد على ” الخوارج ” :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهم يتفقون مع المعتزلة في أن صاحب الكبيرة مخلد في نار جهم .

ويفترقون معهم في حكم الدنيا فيقولون : هو كافر  تجري عليه أحكام الكفرة :

وفي قوله عز وجل : ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ )) رد على هاتين الطائفتين .

ولا يدخل في هذا المشرك التائب ، لأن المشرك التائب مغفور له بصريح القرآن :

قال عز وجل : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

فمن تاب قبل موته فلا جناح عليه ولا حرج :

قال عز وجل : ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69} ))

ثم قال عز وجل مستثنيا التائبين :(( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ))

وهذا التبديل :

قيل ” إنه تبديل عوضي :

بمعنى : أن الله عز وجل يسهل له عمل الطاعات ، فتكون هذه الطاعات هادمة لتلك السيئات فتكثر حسناته .

وقد قال عليه الصلاة والسلام:(( وأبتع السيئة الحسنة تمحوها ))

وقال عز وجل : ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ))

وقيل : ” إنه تبديل حسي ، وهو الأقرب لأمرين :

الأمر الأول :

ـــــــــــــــــــــ

أن الأصل في التبديل هو التبديل الحسي

الأمر الثاني :

ــــــــــــــــــــــ

ورد حديث يحسنه الألباني رحمه الله :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إن أهل السيئات ليتمنون أنهم ازدادوا منها  ))

لقوله عز وجل : ((فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ))

وليس معنى هذا أن يبيح الإنسان لنفسه ارتكاب السيئات ، وإنما هذا تفضل من الله عز وجل على العصاة وبلسم لهؤلاء المرضى :

كقوله عليه الصلاة والسلام : (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ))

ففيه تقرير بان ابن آدم عرضة للوقوع في الزلل ، فمن وقع فلا ييأس من روح الله ، ولا يقنط من رحمته عز وجل

وليست هذه الآية خاصة بالشرك ، بل إن الكفر الأكبر قرين الشرك .

فالكفر المخرج عن الملة لا يغفره الله عز وجل :

ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم مبينا ان الشرك والكفر شقيقان وقرينان :

قال : (( بين الرجل  والشرك والكفر ترك الصلاة ))

وقال عليه الصلاة والسلام : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))

ويستفاد من قوله : ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))

أن على المذنب ألا يأمن مكر الله عز وجل ، وأن عليه أن يحذر من الذنوب ، ولا يكن كالمنافق الذي وصفه ابن مسعود رضي الله عنه – كما عند البخاري – وقد وصف قبله المؤمن ، فقال : ” إن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يخاف أن قع عليه ، وأما المنافق فيرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار “

وذلك لأن الإنسان ضعيف ، لا يستطيع أن يتحمل اليسير من عذاب الله :

قال عز وجل : {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمي في النار غمسة ،- وهي غمسة واحدة – فيقال : يا ابن آدم هل مر بك نعيم قط ؟  ، فيقول : لا يارب ))

فأنسته هذه الغمسة الواحدة ما مر به من نعيم

ومع ذلك فإن عذبه الله عز وجل فبعدله : ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ))

((وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ))

وإن عفا عنه فبفضله ، ومع ذلك فالتوحيد مرتقى عظيم :

قال النبي عليه الصلاة والسلام :(( لكل نبي دعوة مستجابة قد دعا بها،  أما دعوتي فادخرتها شفاعة لأمتي ، فهي نائلة إن شاء الله من لم يشرك بالله شيئا ))

فإذا كان هذا التحذير الرباني لخطورة الشرك في هذه الآية ، وهي المناسبة لإيراد المصنف لها تحت الباب

فإن كان هذا الشرك فبهذه الخطورة فواجب على المسلم أن يحرص على توحيده وألا يجعل التوحيد محلا للمساومة

فما يُطرح الآن من دعوات لتقريب الأديان بعضها إلى بعض كفر صراح مخالف للتوحيد :

قال عز وجل : (( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ))

قال عز وجل :  {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ {

وقال عز وجل : {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }

وقال عز وجل : (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6} ))

لما قالوا : اعبد ألهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله …)) ـــــــــــ هذا شرط ، أن يكفر بجميع ما يعبد من دون الله ، ولا مقاربة بين النصرانية والإسلام ولا بين اليهودية والإسلام : (( وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله عز وجل ))

كيف يكون هذا ؟

النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما عند مسلم : (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار ))

ولذا ذكر بعض المفسرين : ” أن بعض من أسلم من اليهود أرادوا أن يقرءوا في قيام الليل شيئا من التوراة ، فأنزل الله عز وجل : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ))

الكفر كفر فلا يُمَيَّع الدين بهذه الدعوات ، وذلك لأن هؤلاء من اليهود والنصارى لن يرضيهم هذا : ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ))

قال عز وجل :{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء {

قال عز وجل :{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً {

والنصوص في هذا المعنى كثيرة ، ولا تخفى على المسلم

وهناك فائدة :

ـــــــــــــــــــــ

فيه إثبات المشيئة لله عز وجل : (( لمن يشاء ))

وأن مشيئته عز وجل نافذة :

قال عز وجل : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ ))

قال عز وجل : {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }

قال عز وجل : ((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ ))

قال عز وجل : ((وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ ))

وقد ضل في مشيئة الله عز وجل ” القدرية ” الذين نفوا أن يكون لله مشيئة في أفعال العباد

والحديث عن هؤلاء والرد عليهم يأتي في باب : ” ما جاء في منكري القدر “

ويأتي الحديث هناك مفصلا عن المشيئة

والفائدة هنا :

ـــــــــــــــــ

إثبات المشيئة لله عز وجل ، وأن مشيئته نافذة : (( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ))

ولا يمكن أن يحصل شيء في هذا الكون إلا بمشيئته عز وجل .

ولذا فالمشيئة من مراتب القدر ، فمن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر

ومن لم يؤمن بالقدر فإنه كافر لأنه أنكر أصلا من أصول الإيمان .

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن الذنوب تتفاوت ، فليست في درجة واحدة :

قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ))

فدل على أن هناك صغائر ، وأن هناك كبائر ، وان هناك أكبر الكبائر .

والبعض قد فسر : (( ما دون ذلك لمن يشاء ))

ما سوى ذلك ، وليس بصحيح

لو قيل بهذا لخرج من الآية الكفر المخرج عن الملة ، وإنما المراد بـ ” دون ” هنا ـــــ ” الأقل “