الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (68)
حديث(لأعطين الراية غدا رجلا )الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قال : (( يفتح الله على يديه )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فبات الناس يدوكون ليلتهم
ـــ يدوكون فسرها المصنف : يخوضون ويتباحثون
(( يدوكون ليلتهم ))
البيتوتة في اللغة العربية لا تكون إلا بالليل
ومما دل على أنها لا تكون إلا باللي انه ذكر الليلة هنا فقال : (( فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ))
ـــــ و ” الناس ” هنا الصحابة
ومن ثم يجوز أن يطلق على البعض كلمة عموم فإن ” الناس ” يشمل كل الناس ، فأطلق هنا على الصحابة ، وهذا ما يسمى عند البلاغيين ” إطلاق الكل على البعض “
ولذا قال المنافقون كما في أو لسورة البقرة : ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ ــــــــ يعني : ” الصحابة ” ـــ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ))
وكذا قال تعالى : ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ))
الناس في الكلمة الأولى : هو : ” نعيم بن مسعود ”
((إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ )) أبو سفيان ومن معه
فجاز إطلاق الكل على البعض
ومن الفوائد من هذه الجملة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرص الصحابة على الخير ، ولذا فإنهم انشغلوا عن بشارة الفتح بمنقبة هذا الرجل ، فتمنى كل واحد منهم اغن يكون هو ذلك الرجل ، ولم يلتفت بقلبه إلى تلك البشارة ، وهي بشارة الفتح
وبشارة الفتح هي من خير الدنيا
فقدموا رضي الله عنهم خير الآخرة على خير الدنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( فلما أصبحوا غدوا على رسول الله ، كلهم يرجو أن يعطاها )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلما أصبحوا ــــــــ يعني الصحابة
(( غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم )) :
الغدو : ــــــــــ المراد منه مطلق السير هنا :
ففرق بين ” الغدو ، والرواح “:
الغدو ” ــــــــ هو أول النهار
أما الرواح : فهو بعد الزوال ، يعني من الظهر
لكن متى يكون هذا التفريق ؟
إذا اجتمعت هاتان الكلمتان
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( من غدا إلى المسجد او راح أعد الله له نزلا كلما غدا أو راح ))
فالغدو هنا : هو أول النهار
والرواح : هو آخر النهار
وقال تعالى : {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }
لكن إذا أتت مفردة فيراد منها مطلق السير سواء كان في أول النهار أم في آخره كما هنا :
(( فلما أصبحوا غدو على رسول الله صلى الله عليه وسلم ))
ونقول بهذا : لأنه جاء في الصحيحين :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال عن يوم الجمعة : (( من راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة )) الحديث :
لو أخذنا بالرواح على أنه هو آخر النهار لكان ذهاب الناس بعد الزوال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : (( فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلهم يرجو ان يعطاها ))
رجاء الخير يؤجر عليه العبد :
ولذا جاء عند الترمذي من حديث ” أبي كبشة الأنصاري ” :
قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما الدنيا لأربعة نفر :
رجل أتاه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، فهذا بأعظم المنازل
ورجل : أتاه الله علما ولم يؤته مالا فيقول : ” لو ان لي مالا لعملت به كعمل فلان ، فهما في الأجر سواء
ورجل : أتاه الله مالا ، ولم يؤته علما ،فهو يخبط فيه ، لا يصل فيه رحمه ، ولا يتقي فيه ربه فهو بأخبث المنازل
ورجل : لم يؤته الله مالا ولا علما فيقول : ” لو أن لي مالا لعملت به كعمل فلان ، فهما في الوزر سواء ))
ومن هنا فإن رجاء الخير وتمنيه يؤجر عليه العبد
لكن من خلال ما ذُكر من منقبة لـ ” علي ” رضي الله عنه هنا يدل على أن من عمل الخير ليس كمن تمناه
هما في الأجر سواء لكن الأمر يختلف :
ولذا : النبي صلى الله عليه وسلم قال – كما جاء في الصحيحين في حق من ذهب إلى المسجد قال : (( وذلك أنه إذا ذهب إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة كانت خطواته : إحداهما تحط عنه خطيئة ، والأخرى ترفعه درجة ))
بعض الصحابة يقارب يبن خطاه حتى تكثر الخطا ، فمن قارب بين خطاه فبلغت خطاه مثلا بلغت ألفا ليس كمن هو بعيد ولم يقارب الخطا فبلغت خطواته ألفا .
فهما في تحصيل الأجر سواء ، لكن الأجر يختلف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال : (( أين علي بن أبي طالب ؟ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” علي ” رضي الله عنه :
ـــــــــــــــــــ:
لم يكن موجود في أول ذهاب لنبي عليه الصلاة والسلام إلى خيبر :
وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من الحديبية إلى خيبر مكث في المدينة عشرين يوما ، ثم أُمر بان يخرج إلى خيبر ، فأُصيب ” علي ” في عينيه فبقي ، لكنه اشتاق ، فقال : ” أتخلف عن رسول الله ؟ ” فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أدركه
فقال عليه الصلاة والسلام : (( أين علي بن أبي طالب ؟ )) :
” علي بن أبي طالب ” لا يحتاج إلى تعريف لأنه معروف :
هو :
ـــــــــــ رابع الخلفاء الراشدين ، وهو صهر النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ، تزوج فاطمة رضي الله عنها
ـــــ وهو ابن عمه عليه الصلاة والسلام
ـــــ وأول من أسلم من الصبيان
ــــــ وهو الذي قاتل الخوارج، وحظي على منقبة عظيمة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قتال من قاتل الخوارج
وصفاته ومناقبه مشهورة
(( أين علي بن أبي طالب )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ ومما يستفاد هنا :
تفقد الراعي لأحوال رعيته ظ، لومن هم قريبون منه
فإن النبي عليه الصلاة والسلام افتقد عليا ، فقال : (( أين علي ))
وتفقده عليه الصلاة والسلام هو تفقد جاء ما يشبهه عن الأنبياء كسليمان قال تعالى : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ }
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي معه أبو هريرة كما جاء في الصحيحين فانخنس منه ( بمعنى : انه تسلل خفية ) فقال : (( أين كنت يا أبا هريرة ؟ ))
فقال : ” إني كنت جنبا فكرهت أن أجالسك “
فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن المؤمن لا ينجس ))
فالنبي عليه الصلاة والسلام سأل عن أبي هريرة أين ذهب
فهذه طريقة محمودة يحمد عليها الإنسان إذا كان معه رفيق فافتقده أن يتفقَّده .
فقيل : (( هو يشتكي عينيه )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان رضي الله عنه قد أصيب في عينيه برمد ، والرمد يمنع الرؤية عن الإنسان .
(( فقالوا : هو يشتكي عينيه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الشكوى أطلقها هذا القائل :
ولا يدرى ما المشتكى منه ؟
ما هو المشتكى منه ؟
ما هو طبيعة هذا المرض ؟
وما نوعه ؟
لكن ورد في بعض الروايات أنه هو : (( الرمد ))
(( فأرسلوا إليه فأتي به ))
أرسل النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في رواية مسلم أرسل ” سلمة بن الأكوع “
قال سلمة : فأتيت به أقوده
وهذا يدل على أن هذا المرض قد اشتد به إلى درجة ان لم يتمكن من أن يا وحده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( فأتي به فبصق في عينيه )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي بصق النبي صلى الله عليه وسلم في عيني ” علي “
(( ودعا له )) :
ــــــــــــــــــــــــــ
وفي هذا بيان فضل النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن الله جعل في آثاره المتعلقة بجسده جعل فيها خيرا وبركة
ولذا : الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتتلون على وضوء النبي عليه الصلاة والسلام
بمعنى : أنهم كانوا يتسابقون إلى ما تبقى من ماء الوضوء الذي توضأ به
والنبي عليه الصلاة والسلام قد جاءت أحوال وأحداث انه كان يتوضأ ، وينثر فضلة هذا الماء هذا الماء على بعض أصحابه فيشفى .
ويقال : ” إن مسيلمة الكذاب ” الذي ادَّعى النبوة يقال : إنه أوتي إليه بأحد أصحابه وقد اشتكى عينيه فبصق فيهما فكُف بصر هذا المصاب
(( فبصق في عينيه ودعا له )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيكون النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الدعاء وبين البصق
ولتعلم : أن دعوة الأنبياء في الغالب دعوة مستجابة ،” لكن ليس هذا على إطلاقه
ولذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما مر معنا قال “: ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ))
ومع ذلك وقعت عبادة الأصنام من ذريته : يعني : من سلالته
والنبي عليه الصلاة والسلام قال – كما عند مسلم : (( سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ))
فليس على كل حلا أن يستجاب لدعوة الأنبياء :
فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا وبصق في عيني ” علي “
وجاء عند ابن ماجة :
عن ” عبد الرحمن بن أبي ليلى ” قال :
” كنت أسمر مع علي، فكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء ، وثياب الشتاء في الصيف ، فقال لي بعض أصحابي : ” لو سألته لمَ يضع هذا ؟
قال فسألته : فقال رضي الله عنه : ” أُتي بي إلى النبي عليه الصلاة والسلام يوم خيبر ، وكنت أرمد ، فبصق في عيني ، وقال : (( اللهم أذهب عنه الحر والقر ))
قال : ” فما أحسست ببرد وحر من يومئذ ))
هذا الحديث أخرجه ابن ماجة ، وفيه مقال لبعض العلماء ، لكن الألباني رحمه الله يرى انه حديث ” حسن ”
وقد جاء عند البيهقي في الدلائل قال:”فما اشتكيت بعدها ”
وهذا من بركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم
وعند الطبراني قال : ” فما أرمتا ، ولا صدعت بعدها ”
يعني : ما أصيب بألم في عينيه
ــــ والتبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام قد جاء به السنة
وقد كان الصحابة يتبركون بآثاره عليه الصلاة والسلام حتى ولو بعد وفاته مما بقي من ” شعيرات أو أظفار أو ما شابه ذلك مما انفصل من جسمه فإنهم كانوا يتبركون بشعره “
ـــ وأما في هذا العصر :
فليس عندنا يقين أن هذا الشعر هو شعر النبي عليه الصلاة والسلام
والأصل في التبرك المنع لكن استثني من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام
ولذا ما يقال : ” إن هناك شعيرات في تركيا هي شعيرات النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز لأحد أن يتبرك بها “
لأنه لا يدرى أهي صدق أم كذب ؟
ثم إن المدة بعيدة : فكيف تبقى هذه الشعيرات مع طول هذه المدة ؟!
حتى لو قلنا إنها بقيت معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام ومنقبة له فإنه لا يجوز لنا أن نتبرك بهذه الشعيرات ، فلربما أن تكون شعرات منسولة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وليست له .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : (( فبرَأ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــ
ويصح أن تقول : (( فبَرئ ))
يصح الوجهان : برأ ــــــــ بفتح الراء
وبرئ ــــــــ بكسر الراء
يصح الوجهان
(( فبرَأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ))