الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (74) قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباـ ومن الناس من يتخذ)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (74) قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباـ ومن الناس من يتخذ)

مشاهدات: 535

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(74)

قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباـ ومن الناس من يتخذ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

الشرح :

ــــــــــــ

قوله : ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ ))

الحَبر : ـــــ بفتح الحاء

ويصح ” الحِبر ” :

” وهو المتبحر في العوم

ولذا يقال للعالم المجتهد : ” هذا بحر “

فالأحبار هنا : ” أي العلماء “

وقوله : ((وَرُهْبَانَهُمْ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ أي ــــــ العباد

وهذه الآية لا نطيل الحديث فيها ـــــــــ لم ؟

لأن المصنف ذكرها تحت باب ” من أطاع  العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذوهم أرباب من دون الله “

فالحديث عن هذه الآية يطول ، وهذا ليس موضعا لها ، وإنما ذكرها المصنف لسبب يتعلق بتفسير التوحيد : ” شهادة أن لا إله إلا الله   …. ” لكننا نأتي عليها سريعا

فقوله :  ((مِّن دُونِ اللّهِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي من غير الله

((أَرْبَاباً )) :

ـــــــــــــــــــ

يعني شركاء ونظراء وأمثال يساونهم مع الله ،

وهذا هو ما يذكره أهل النار من الأسى والحسرة إذا كبكبوا فيها ــــــــ ماذا يقولون ؟

{إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }

وقوله : ((وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني واتخذوا المسيح بن مريم

والعلماء كما نقل ابن حجر في الفتح يقولون : ” إذا أطلق المسيح فالمراد منه المسيح عيسى بن مريم “

وإذا أريد الدجال فغنه يقيَّد فيقال : (( المسيح الدجال ))

وسمي المسيح بهذا الاسم لمعان متعددة :

قيل : لأنه خلق ممسوحا

وقيل : لأنه يمسح على المرضى فيشفيهم الله

وهناك أقوال أخرى يأتي الحديث عنها في بابها إن شاء الله

و((  مَرْيَمَ )) :

ـــــــــــــــــــــــــ

ليست نبية وإنما هي أم عيسى ، وهي صديقة :

قال تعالى : ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ))

فالصحيح من قولي العلماء :

” أنه لا يوجد في الأنبياء نبية ، إنما كل الأنبياء ذكور :

قال تعالى:((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم ))

ولو كانت نبية لوصفها جل وعلا بالنبوة في مقام المدح والثناء لأن مقام النبوة أعلى من مقام الصديقية :

ولذا قال تعالى مبينا فضل الأنبياء ثم من يليهم من الصديقين :

قال : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }

ثم قال تعالى : }  وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

ما علاقة هذه الآية بالباب ؟

علاقتها :

ـــــــــــــــ

أن مَن أطاع غير الله في تحليل الحرام أو تحريم الحلال فهو مشرك

وأن من أطاع الله في تحريم ما حرم ، وتحليل ما أحل دون أن يصرف شيئا من ذلك إلى غيره فهو التوحيد

ولذا :

ـــــــــــ

قال عز وجل مبينا أن طاعة غير الله في تحليل الحرام أو تحريم الحلال مبينا انه شرك :

قال : {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

إذ كانوا يقولون من وسوسة الشيطان يقول شياطين الإنس للمسلمين أتأكلون ما تقتلونه بأيديكم ولا تأكلون ما قتله الله : ((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ))

يعني في تحليل الميتة التي هي محرمة : ((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ))

ولو قال قائل :

ــــــــــــــــــــــ

لم يظهر في الآية بيان لتحليل الحرام او لتحريم الحلال ، إنما الآية نصها : ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ))

فأين التحليل ، وأين التحريم ؟

فالجواب عن هذا :

ــــــــــــــــــــــــ

إن المرتبة الثانية في تفسير كتاب الله : ” تفسير القرآن بالسنة ” فإن هذه الآية فسرت في حديث ” عدي بن حاتم ” في المسند،  وسنن الترمذي :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قرأ هذه الآية على عدي ، قال : يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم ؟

يعني : لا نركع لهم ولا نسجد لهم

فقال عليه الصلاة والسلام : (( أليسوا إذا حرموا ما احل الله تحرمونه ، وإذا أحلوا ما حرم الله تحلونه ؟ ))

قال : ” بلى “

قال : (( فتلك عبادتهم ))

والحديث يستفيض بنا عن شاء الله عن هذه الآية في بابها :

لكن المقصود :

ـــــــ أن من أطاع غير الله في تحليل الحرام او تحريم الحلال فهو مشرك

فدل على أن التوحيد هو أن تخلص الطاعة لله في تحليل ما أحل ، وتحريم ما حرم ، ولا تصرف شيئا من ذلك لغيره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى :

((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الآية ذكرها المصنف هنا لتفسير التوحيد ، وإلا فقد عقد لهاب بابا كاملا سيأتي معنا عن شاء الله تعالى :

باب قوله تعالى : ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ ))

نأتي على طرف يسير منها على عجالة

ثم نبين المقصود من ذكر هذه الآية تحت هذا الباب ، وأما الاستفاضة في هذه الآية فيكون في موضعها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً ))  :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَن :ـــــــ هنا للتبعيض أي بعض من الناس وفريق منهم يتخذ من دون الله أندادا

الند : ـــــــ هو النظير والمثيل والشبيه

((يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في هذه الجملة قولان لهل العلم :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقال بعضهم :

ــــــــــــــــــــــ

يحبونهم كحب الله : أي أن الكفار يحبون الله ويحبون معه أصنامهم

وقال آخرون :  أن هؤلاء الكفار يحبون ألهتهم فقط دون ان يشركوا معها محبة الله :

ولذا قال تعالى : ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ))

فمعنى هذه الآية ينبني عليها ما سبق فيكون معنى : ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ )) على الرأي الأول : أن محبة المؤمنين  خالصة

وقال بعض العلماء :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هؤلاء الكفار يحبون آلهتهم في السراء

أما في الضراء فإنهم يتبرءون منها : ((وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ))

حتى قيل :

ـــــــــــــ

” إن العاصفة إذا حلت بهم رموا بأصنامهم في البحر والتجئوا إلى الله “

فهو يحبون أصنامهم في حالة السراء دون حالة الضراء

أما المؤمنون : فإنهم يحبون الله في جميع أحوالهم في السراء  والضراء

فلو قلنا بالرأي الثاني : لكان وضع هذه الآية تحت هذا الباب بعيد

لكن المعنى الأول :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو لا يرجحه شيخ الإسلام

يكون له في هذه الاية متعلق قوي ، فيكون السبب لإيراد هذه الآية تحت هذا الباب : ” أن من أحبّ الله ، وأحب معه غيره فهو مشرك “

فدل على أن إخلاص المحبة لله التوحيد

فقوله : ((يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا تنديد لمن أحب أحدا كمحبته لله ،

فما ظنكم من أحب غير الله أكثر من الله ؟

هذا أعظم

ما رأيكم من أحب غير الله ولم يحب الله ؟

هذا أعظم وأعظم

وأخشى أن يطول بنا الحديث في هذه الآية

والآية لها موضعها