الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (78) قوله تعالى ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (78) قوله تعالى ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله )

مشاهدات: 467

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 78 )

قوله تعالى ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى : ((قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ  ))

الشرح :

ـــــــــــــــــ

هذه الآية إنما هي في سياق الرد على المشركين الشرك الأكبر .

فلماذا عمد المصنف أن يأتي بنص في الشرك الأكبر مع أن الباب في أصله عن الشرك الأصغر ؟

فالجواب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن العلماء يستدلون بالنصوص الواردة في الشرك الأكبر على الشرك الصغر

ومما يدل على ذلك ما سيأتي معنا من أثر ” حذيفة “لما رأى رجلا في يده خيط ، فاقل : ما هذا ؟

قال : من الحُمَّى

فقطعه ثم استدل بقوله تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }

وسيأتي معنا في عرض هذه الأبواب في شرحها ما يدل على أن المصنف يذكر نصوصا في الشرك الأكبر يستدل بها على الشرك الأصغر

ولو قال قائل :

ـــــــــــــــــــــــ

ما الشاهد والمناسبة في ذكر هذه الاية تحت هذا الباب ؟

ما علاقتها بلبس الحلقة والخيط ونحوهما مع أنها في الشرك الأكبر ؟

الجواب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن هؤلاء المشركين الشرك الكبر جعلوا هذه الأصنام سببا لدفع البلاء أو رفعه فأنكر عز وجل عليهم وجعلهم مشركين .

فكذلك من جعل سببا لم يجعل الله سببا فهو داخل تحت الشرك

فقوله تعالى : (( قل )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم

وقوله : (( أفرأيتم )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بمعنى أخبروني

وهذا باب تفسير الشيء بلازمه

فإنه يلزمك إذا رأيت الشيء أن تخبر عنه

فإذا طلبت منك إخبار عن شيء رأيته فإنك قادر على الإخبار

فالرؤية تستلزم الإخبار

ولذا :

ــــــــــ

يفسر السلف المعية العامة بعلمه

وهذا من باب تفسير اللازم :

قال عز وجل : ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ))

ترون في كتب التفسير : أي بعلمه

ليس معنى هذا أنه جل وعلا مختلط بعباده تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فهو في العلو مستو على العرش بائن من خلقه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى : ((ما تدعون من دون الله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما : ــــــــــ هنا موصولة فتعم أي مدعو من دون الله عز وجل .

وذلك لأن الأسماء الموصولة تفيد العموم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى : (( تدعون )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء هنا مطلق يشمل :

دعاء المسألة

ودعاء العبادة .

ودعاء المسألة ودعاء العبادة سبق إيضاحها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى : ((إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ))

لو قال قائل :

ـــــــــــــــــ

تأملْ معنى هذه الجملة من هذه الآية قال : ((إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ )) ولم يقل : (( إن أُريد بي ضر ))

يتضح هذا بالأمثلة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرك لا ينسب إلى الله ، ولا شك أن الضر شر

ولذا في دعاء الاستفتاح الطويل من حديث علي رضي الله عنه عند مسلم ، قال : (( والشر ليس إليك ))

بمعنى : أنه لا ينسب إليك

وليس معنى ذلك أنه ليس بخالقه عز وجل :

الله خالق كل شيء :

خالق للخير

وخالق للشر

وحينما يخلق الشر لا يخلقه لذاته ، وإنما يخلق الشر باعتبار خيرات متعددة

فحينما ينزل الضر بشخص فيه فوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من بين هذه الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أن من نزل به هذا الضر يتذكر ويتعظ ، فيعود إلى الله ، فقد يكون متغرطسا فيتواضع

هذه خيرية ، ومن الخيرية أن من رأى هذا المتكبر قد نزل به هذا الضر فأعجزه تذكر وأناب ورجع إلى الله .

ومن بين هذه الخيرية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذا الضر إذا نزل بالعبد تزداد درجاته أو تكفر عنه سيئاته

ــــ فالشر لا ينسب إلى الله :

ولذا ماذا قال أيوب ؟

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }

فتى موسى ماذا قال ؟

((وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ))

وقال تعالى في قصة يوسف : ((فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ))

وقال تعالى : ((وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ ))

لكن لما ذكر الخير قال : ((أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ))

ذكر الرب في مقام ذكر الخير لكن في مقام ذكر الشر لم يذكر ــــــــ لم ؟

تأدبا مع الله فلا ينسب إليه الشر

فلماذا ذكر هنا لفظ الجلالة مع انه في مقام الضر ، قال : ((إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ))

ماذا نقول ؟

نقول : ” إن هذه الآية جاءت في سياق التحدي ، وإظهار عجز الآلهة ، فكان من المناسب أن يصرح بلفظ الجلالة فيتبين للعبد أن دافع الضر هو الله ، وان الآتي بالخير هو ” الله “

مثيل لهذه الآية في مقام التحدي :

قال تعالى – في سورة الأحزاب – : ((قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله تعالى : ((((إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستفاد من هذا إثبات صفة الإرادة لله

وإرادة الله تنقسم إلى قسمين كما سلف معنا في قضاء الله :

القسم الأول :

ــــــــــــــــــــ

إرادة كونية قدرية :

بمعنى : ــــــــ أن ما أراده جل وعلا ، وما شاءه فإنه يقع سواء كان خيرا أم شرا

لكن الشرك لا يخلقه لذاته ، وإنما يخلقه لحكمة ولخيرية يعلمها عز وجل

ولذا يقول العلماء : ” إن الإرادة الكونية القدرية بمعنى المشيئة “

فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن

والإرادة الكونية القدرية تكون فيما يحبه الله ، وفيما لا يحبه .

فإذا صلى العبد فهذا حاصل بإرادته الكونية القدرية

وإذا عصى العبد فإن معصيته حاصلة بإرادته الكونية القدرية لأنه لا يقع شيء ، ولا يتحرك متحرك ، ولا يسكن ساكن إلا بإرادته عز وجل  .

النوع الثاني :

ـــــــــــــــــــــــ

من أنواع الإرادة : ” الإرادة الشرعية الدينية ” ولا تكون إلا فيما يحبه :

أراد منك أن تصلي

أراد من عباده أن يصوموا

فمن لم يصم فقد أراد به جل وعلا إرادة كونية قدرية ، لكن لو أنه أعان هذا العبد ، فصلى ، وصام حصلت الإرادتان : الإرادة الكونية القدرية

والإرادة الشرعية الدينية .

فالإرادة الكونية القدرية يلزم منها الوقوع ، فما أراده الله تكون قدرا  و كونا يقع محبوبا له أو لم يكن محبوبا

وأما الإرادة الدينية فقد تقع وقد لا تقع

وتجتمع الإرادتان في المؤمن المطيع

فإذا صلى وصام فقد أراد منه جل و علا الإرادة الشرعية الدينية لأن لم يصل من تلقاء نفسه إنما صلى بإرادته جل وعلا الكونية القدرية فأعانه على هذا العمل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( بضر )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الضر : ـــــــ نكرة في سياق لأن الشرط شرطية فتعم أي ضر ، فما أنزله من ضر ، ولو قل ولو صغر فلا أحد يستطيع أن يرده

وهذا مضمون حديث النبي عليه الصلاة والسلام كما أوصى ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( يا غلام إني أعلمك كلمات ))  إلى أن قال : (( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوكم بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك ، وغن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( هل هن كاشفات ضره )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنى هذا : أن ما قدره الله فنزل على العبد ، لن تستطيع هذه الأصنام ولا غيرها أن ترفعه أو أن تزيله

والكشف : ـــــــــــ هنا في الآية يشمل الرفع والدفع

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام ماذا كان يقول ؟ : (( إني لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ))

وهو  النبي عليه الصلاة والسلام

ولو قال قائل :

ـــــــــــــــــــــ

هل هذا الكلام مخصوص به هذه المعبودات أم أنه شامل لجميع الخلق ؟

لا شك أن الجواب شامل لجميع ، ولذا قال تعالى في أول سورة فاطر : ((مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : ((أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان الستة ـــــ لم ؟

لأنه يتعلق بالخير والشر

قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل كما عند مسلم : (( الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وان تؤمن بالقدر خيره وشره ))

كما سيأتي معنا في باب منكري القدر من بينها حديث : ” عبادة ” قال : (( واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله : ((قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ  )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا ختمت الآية بهذا ؟

((قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ  ))

ختمت الآية بهذا حتى يتعلق قلب العبد بربه ، وأنه هو كافيه  ولذا قال تعالى : ((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ))

ولذا قال : ((قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ )) يعني أن الحسب والكفاية من الله .

ومما يدل على أن الحسب هو الكفاية : قوله تعالى عن أهل الجنة ، قال :

{جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً }

يعني : إعطائهم إعطاء كافيا :

كما لو أعطيت الرجل عطاء فقال : ” حسبي ” يعني : قد اكتفيت ، فالذي يكفيك همك هو الله

ولذا أمر نبيه أن يقول : ((قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ))

ثم بيَّن ما هي هذه الحسبية ؟

((عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ   ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــ و” عليه ” : جار ومجرور :

الأصل : (( يتوكل المتوكلون على الله ))

وعندنا في البلاغة أن من أدوات الحصر تقديم ما حقه التأخير ، وتأخير ما حقه التقديم ـــــــ ” من باب الحصر “

فما فائدة هذا الحصر ؟

فائدة : أن تجعل هذا التوكل على الله وحده لا على غيره ، وأن من توكل على غيره ليس بمؤمن

وسيأتي معنا باب قوله : ((عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ))

فدل على أن التوكل هو الإيمان ، وأن من لم يأت بالتوكل فليس بمؤمن