الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (80) حديث ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (80) حديث ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له )

مشاهدات: 461

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (80 )

حديث ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له  )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وله عن عقبة بن عامر مرفوعا : (( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ))

وفي رواية : (( من تعلق تميمة فقد أشرك ))

الشرح :

ــــــــــــ

ثلّث المصنف بذكر حديث عقبة :

فقال : (( وله )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

والضمير يرجع إلى الإمام أحمد

يعني : أخرج هذا الحديث الإمام أحمد

وهذا من باب الاختصار أن يأتي بالضمير اختصارا

عن (( عقبة بن عامر )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو : عقبة بن عامر الصحابي المشهور ، من أفاضل الصحابة ومن فقهائهم

(( مرفوعا )) :

ـــــــــــــــــــــــــــ

هذه الكلمة يؤتى بها للاختصار ، بمعنى أن عقبة بن عامر رفعه للنبي عليه الصلاة والسلام

وكلمة ” مرفوع ” :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ يمكن أن يكون الراوي سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام

ـــ ويمكن أن يكون سمعه من صحابي

ـــ ويمكن أن الرسول عليه الصلاة والسلام حدثه بهذا

ـــ ويمكن أن يكون حدثه مع جماعة أو في ملأ

والمرفوع ينقسم إلى قسمين :

ــــ مرفوع حقيقة

ــــ ومرفوع حكما

فالمرفوع حقيقة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أن يقول الصحابي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

أو قال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم

أو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

والمرفوع حكما :

ـــــــــــــــــــــــــ

فله صيغ ، من بينها :

كأن يقول الصحابي كما جاء في سنن أبي داود :

قال علي : ( ( من السنة أن يخفي المصلي التشهد ))

هذا يعد مرفوع حكما

ومن الصيغ :

أن يقول : (( فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ))

كقول أسماء : (( نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ))

من بين الصيغ :

أن يقول : (( فعلنا كذا والقرآن ينزل )) :

كما قال جابر : (( كنا نغزل والقرآن ينزل ))

ومن المرفوع حكما :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن يخبر الصحابي بما ليس للرأي فيه مجال :

كأن يقول : (( سيكون في المستقبل كذا ، سيكون في القيامة كذا ))

فإن الصحابي عدل ، ولا يمكن أن يتجرأ على أن يقول شيئا لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

لكن العلماء يشترطون : أن لا يكون هذا الصحابي قد عُلم بالأخذ من بني إسرائيل ” كابن عباس ”

فإذا أخبر بشيء ينظر في هذا الحديث فلربما أخذه من بني إسرائيل

فقوله : (( من تعلق تميمة )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” من ” اسم شرط

وأسماء الشرط تفيد العموم ، فيدخل في هذا الذكر والأنثى، والكبير في السن والعاجز والمريض والصحيح

فهذا شامل

وقوله : (( تعلق )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أبلغ من قوله من علق ؛ لأن هذه العبارة توحي بأنه وضع هذا الشيء لمعتقد دفعه إليه ، وإلا فقد يكون الإنسان معلقا لشيء دون هذا المعتقد ، ومن ثم فإنه خارج عن موضوعنا

فكلمة  (( تعلق )) تدل على أن فيها جذبا لا يكون في كلمة (( علق ))

فلو أن الأب علق هذا الشيء على واحد من أبنائه الصغار فإن هؤلاء الصغار لا يلامون وإنما الملامة تكون على من علّق

وقوله : (( تميمة )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التميمة بمفرداتها وحروفها كانوا يتفاءلون بها لأنها من باب تمام الشيء

لكن التفاؤل لا يكون إلا بما أباحه الشرع لا بما حرمه

ولذ1 :

ـــــــــــــــ

لما قصدوا هذه التمائم المحرمة لكي تتمم أمورهم العقاب ــــــــــــ ما هو ؟

(( فلا أتم الله ))

معاملة له بنقيض قصده

ولو قال قائل : ما معنى التميمة ؟

التميمة :

عبارة عن خرز يصنعونها لكي يضعونها على أنفسهم وعلى صبيانهم وعلى دوابهم خيفة من العين

ولا ينحصر الحكم على هذه الخرز ، بل هي شاملة لكل ما وضع من أجل دفع العين أو دفع الضر حتى ولو كان من حصى أو من خشب أو من مسامير

ولذا نكّرها النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث قال : (( من تعلق تميمة )”)

والمقرر في أصول الفقه : أن النكرة في سياق الشرط تعم ؛ لأن عندنا ” من  ” اسم شرط

فهذا أسلوب شرط

هذا الأسلوب ذكر فيه كلمة ” تميمة “

هذه الكلمة نكرة فتكون شاملة

ومن هنا يستدل بهذا الحديث على أن التمائم بجميع أنواعها لا تجوز سواء كانت من خرز أو من الخشب أو نحو ذلك

أو التمائم التي تكون من القرآن كما لو وضع آية الكرسي في لوح ، وعلق هذا اللوح على صدره لكي تحفظه

فهذا الحديث قاطع في هذا الحكم

وهذه المسألة تأتي معنا في الباب الآتي : (( باب ما جاء في التمائم والرقى ))

لكن لنستحضر هذا الحديث حينما نأتي عند تلك المسألة

وقوله : (( فلا أتم الله له )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الجملة جملة طلبية

والجملة الطلبية هنا هي ” جواب الشرط “

وإذا كانت الجملة طلبية فلابد أن يأتي بالفاء

فلا يصح أن يقال : ” من تعلق تميمة لا أتم الله له “

فجواب الشرط إذا كان جملة طلبية فإن الفاء لابد أن يقترن بها

وقوله : (( فلا أتم الله له )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلنا كما سبق : معاملة له بنقيض قصده

لو قال قائل :

هذه الجملة هل هي خبرية أم طلبية ؟

ولتعلم أن الطلبية عند النحويين تختلف عنها عند البلاغيين

فهنا (( فلا أتم الله له “))

هل هي عند أهل البلاغة طلبية : بمعنى أنها دعاء أم أنها خبرية بمعنى أنها خبر ؟

محتمل أن تكون الجملة خبرية :

بمعنى : أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن من تعلق تميمة فإن الله لا يتم له أمره

ويحتمل أن تكون طلبية:

فيكون هذا السياق دعاء من النبي عليه الصلاة والسلام على من علق تميمة لأن النبي عليه الصلاة و السلام يدعو بعدم التمام على من علق تميمة .

والجملة الخبرية في هذا المقام أبلغ من الطلبية

لم ؟

لأن الشيء المخبر عنه من الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه واقع لا محالة

فكونه عليه الصلاة والسلام يخبر أن الله لا يتم أمر هذا الرجل فإنه واقع

بينما لو كانت طلبية يحتمل أن يستجاب دعوة النبي عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن لا تستجاب ، وإن كان الغالب في دعوته أن تستجاب

ولذا قال النبي – كما عند مسلم : (( سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ، ومنعني الثالثة ))

ويستفاد من هذه الجملة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن من توكل على الله وفوض أمره إليه واعتقد أن النفع منه جل وعلا وأن دفع الضر منه جل وعلا فإن أمره في تمام

وهذا يؤخذ من مفهوم الحديث : (( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ))

يفهم من ذلك أن من ترك التمائم تقربا إلى الله فإن أمره في تمام

وهذا واضح من قوله تعالى : ((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ))

وقوله : (( من تعلق ودعة فلا ودع الله له )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول في :  ” من ” و” تعلق ” كالقول في ” من  وتعلق ” في  الجملة الأولى

(( من تعلق ودْعة )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويصح أن تقول : (( من تعلق ودَعة ))

فيصح الوجهان

ولو قال قائل : ما هي الودْعة ؟

قال بعض العلماء : هي أحجار بيض تستخرج من البحر

وقيل : هي أحجار تشبه الأصداف تكون في البحر

كانوا يستخرجونها ويعلقونها على أنفسهم وعلى صبيانهم ظنا منهم أنها تدفع الضر أو تزيل العين

وقوله : (( ودْع )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

نكرة في سياق الشرط فتعم :

أي ودعة

وقوله :(( فلا ودع الله له )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول فيها كالقول في جملة (( فلا أتم الله له )) سواء بسواء

ومعنى : (( فلا ودع الله له )) أي لم يجعله الله جل وعلا في دعة وسكون وراحة معاملة له بنقيض قصده

فهو قد وضعها من أجل أن تطمئن وأن ترتاح ، وأن تسكن نفسه فيعاقب بنقيض قصده فلا يكون أمره في تمام ولا في سكون ولا في دعة

وما جرى من حديث عند جملة : (( فلا أتم الله له )) يجري هنا

فمثلا  عندكم الفاء فيقوله : (( فلا ودع الله له )) لأن الجملة طلبية عند النحويين

وهل هذه الجملة طلبية أو خبرية عند البلاغيين ؟

وأيضا أن من ترك هذه الودعة توكلا على الله عز وجل فإن الله يعوضه بالسكون والدعة والراحة

وفي رواية : (( من تعلق تميمة فقد أشرك )) :

من تعلق مرت معنا

وذلك القول في تميمة

وكلمة ” أشرك ” جاءت مطلقة

فهل هو الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر ؟

جـــ / إن كان في تعليقه لها معتقدا أنها مؤثرة بذاتها فهو مشرك أكبر ، وإن كان يعتقد أنها سبب فهو شرك أصغر