الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس (85 )
حديث (من تعلق شيئا وُكل إليه )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
وعن ” عبد الله بن عُكيم ” مرفوعا :
( من تعلق شيئا وُكل إليه ))
رواه أحمد والترمذي
الشرح :
ــــــــــــــــــ
عبد الله بن عكيم :ــــــــــ هو الجهني
وقد اختلف في سماعه من النبي عليه الصلاة والسلام أم لم يسمع ؟
وقد أدرك زمانه
ولو قيل : إنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون حديثه من قبيل مراسيل الصحابة ، ومراسيل الصحابة مقبولة
ــــــــــــــــــــــــ
مرفوعا :
ــــــــــــــ
أي : إلى النبي عليه الصلاة والسلام
وسبق معنا بيان الفرق بين المرفوع حقيقة ، وبين المرفوع حكما
ـــــــــــــــــــ
فقوله : (( من تعلق )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” مَنْ “ ـــــــ اسم شرط ، وهي تفيد العموم
(( من تعلق )) مر معنا الحديث عنها عند قوله : (( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ))
وكلمة :” تعلق ” تشمل ما علقه الإنسان على نفسه أو علقه على غيره كصبيانه
ثم إن التعبير بقوله : (( تعلق )) ولم يقل (( من علق )) فيه فائدة :
تلك الفائدة :
ـــــــــــــــــ
أن ” تعلق ” توحي بأن هناك إقبالا وتوجها إلى هذا المعلق ، فكان قلب هذا الرجل أو هذا الإنسان قد تعلق بهذا الشيء المعلق
وقوله : (( شيئا )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا يوضح ما جاء في مفهوم النصوص الأخرى ، وفي أصول الفقه : ” النص إذا جاء لبيان الواقع أو لغالب الفعل الذي يكون فيه أهل ذلك العصر يكون لا مفهوم له ”
فمثلا :
ـــــــــــــ
مرّ معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلا ، وفي يده حلقة من صفر
قلنا : ” عن هذا النص لبيان الواقع فلا يخرج ما عداه
فلو علق خيطا أو علق حلقة من حديد فإن الحكم باق
هذا أخذناه من ماذا ؟
أخذناه من دلالة المفهوم
هذا المفهوم الوارد في النصوص نطق به هذا الحديث
ففي أصول الفقه : ” فيه منطوق ، ومفهوم “
منطوق : ـــــــ هو منطوق الحديث
المفهوم : ـــــــ هو ما يفهم من الحديث
فجاء هذا التصريح بان من علق شيئا أي شيء ؛ لن شيء نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم ،
إذا علق خيطا أو حبلا أو وضع خشبة أو خرزا أو حديدا أو نحاسا فإن الحكم باق
ــــ ما جواب الشرط ؟
لأن اسم الشرط يتطلب جوابا
جواب الشرط : ” وكل إليه “
فلو قلت : ” من تعلق شيئا ” وسكتَّ ما فُهم السياق
فلما قال : ” (( وكل إليه )) هذا هو جواب الشرط
فعاقبة من تعلق شيئا أن يوكل إليه
بمعنى : أن يفوض إليه ، وأن يكون موجها إليه ، ويتخلى عنه الله عز وجل
ومن تخلى الله عنه ووكله إلى نفسه أو وكله إلى غيره فإن عاقبته إلى خسار
ولذا :
ــــــــــــ
النبي عليه الصلاة والسلام أرشد ” فاطمة ” رضي الله عنها أن تقول عند كل صباح ومساء : (( اللهم يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ))
وكونه يقول : (( وكل إليه ))
يعني : يوكل إلى هذا الشيء ، وهذا الشيء الذي يوكل إليه قد لا يكون حريصا على مصلحتك أكثر من حرص نفسك على مصلحتك
فإذا كانت النفس لو وكل إليها الإنسان خسر فمن باب أولى لو وكل إلى غير نفسه .
ويستفاد من هذه الجملة :
ـــــــــــــــــــــــ
وجوب تعلق القلب بالله لأن هذا النص جاء في سياق الذم فيفهم منها أن من تعلق بالله كفاه :
قال تعالى : ((وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ))
ويستفاد منها :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن من تعلق شيئا فإن الإيمان قد زال منه ، إما أن يزول الإيمان كله بحسب اعتقاده ، وإما أن يزول كمال الإيمان
ما الدليل ؟
قال تعالى )): وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))
ففهم أن التوكل هو سبيل المؤمنين ، وان من لم يتوكل ليس بمؤمن
ويستفاد منها :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن حاجة القلب إلى الله حاجة ضرورية لا يستغني العبد عن ربه طرفة عين ، وأنه كلما نقصت هذه الحاجة ، وقلّ الالتجاء والاعتماد على الله كلما خسر العبد .