الشيخ زيد البحري الدرس ( 98 )باب شروط الصلاة ( 20) ( حكم لبس الثوب المعصفر والمزعفر للرجال )

الشيخ زيد البحري الدرس ( 98 )باب شروط الصلاة ( 20) ( حكم لبس الثوب المعصفر والمزعفر للرجال )

مشاهدات: 663

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن والتسعونمن الفقه الموسع

كتاب الصلاة – باب سَتر العورة

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــ

من مسائل اللباس:

مسألة: أيجوز لبس الثوب المعصفر والمزعفر للرجال؟

وإنما خُص الرجل في هذه المسألة لما سيأتي معنا من أحاديث تدل على جوازه للمرأة، وأنه يجوز للمرأة ان تلبس المعصفَر والمزعفر، أما هنا ايجوز ان يلبسه الرجل أم لا؟

اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: يجوز لُبس المفصفر والمزعفر، ويتسدل على ذلك بما يأتي:-

  • ما جاء عند أبي داود ان ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي ﷺ يصبغ لحيته وثيابه)
  • ما جاء عند أبي داود من فعل ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتليء ثيابه )
  • وهذا مما قد يستدل به لهم، ما جاء عند ابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( أن النبي ﷺ نهى عن المفدم ) فسره سهيل الراوي عن ابن عمر رضي الله عنهما بأنه المشبع صفرة، بمعنى: الذي تناها في صفرته، ووجه الاستدلال من هذا الحديث: أن النهي انما هو فيما تناها اصفرارا، بدليل أن الراوي عن النبي ﷺ ابن عمر رضي الله عنهما، وهو رضي الله عنه كان يصبغ ثيابه، ولذا في الحديث السابق عند أبي داود ( وكانت -أي الصفرة- أحبَّ شيء إليه حتى كان يصبغ عمامته )
  • الدليل الرابع: ما جاء في مستدرك الحاكم ( أن النبي ﷺ لبس ثوبين مصبوغين بالزعفران )
  • ما جاء في معجم الطبراني من حديث أم سلمة قالت: ( صنع النبي ﷺ إزارا ورداء بزعفران )
  • أن ابن عباس قال: ( إن أبهج شيء الى النفس الصفرة، مستدلا بقوله تعالى { صفراء فاقع لونها تسر الناظرين )
  • ما جاء عند ابن ماجه من حديث قيس بن سعد قال ( أتانا النبي ﷺ فاحضرنا له ماء فاغتسل فأتيته بملحفة فيها زعفران، فرأيت الصفرة في عكنه ) أي في عكن بطنه.

ـــــــــــــــــــــــــ

القول الثاني: أنه يحرم على المحرم دون المحل:

 ويتسدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين قول النبي ﷺ في حق المحرم:

” لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانُ “

ووجه الاستدلال أن النبي ﷺ قد خص المُحرِم دون المُحِل، فَفُهِمَ مِن هذا الحديث أنه حلال على المحل حرام على المحرم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الثالث: أنه محرّمٌ على البدن دون اللباس:

 ويستدلون على ذلك بما جاء عند أبي داود قول النبي ﷺ:

” لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ ” الذي هو الزعفران،

ووجه الاستدلال: أن النبي ﷺ خَصَّ البدن دون الثياب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الرابع: أنه محرّمٌ ويُستثنى من ذلك المتزوج:

 وهذا ظاهرُ تبويب البخاري رحمه الله، قال: [باب الصفرة للمتزوج]، واستدل بما جاء في الصحيحين:

  أن النبي ﷺ رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر من صفرة فسأله، فقال: إني قد تزوجت، فسكت ﷺ. وسكوته إقرار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الخامس: أنه يُكره العصفر والمزعفر للرجال كراهة تنزيه: ولعل أدلتَهم الجمع بين الأدلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول السادس/ أنه يحرم على الرجال، ويستدلون على ذلك بما يأتي:-

  • ما جاء في الصحيحين ( نهى النبي ﷺ عن التزعفر) وهذا شاملٌ للثياب والبدن.
  • ما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر بن العاص: أن النبي ﷺ رأى عليه ثوبين معصفرين فزجره وقال: هذا من ثياب الكفار” وفي رواية أخرى قال ﷺ: فَقالَ: ” أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بهذا؟ ” فَفُهم أن هذا ليس لباسا للرجل، وإنما هو لباسٌ للمرأة، وجاء عند أبي داود قوله ﷺ: ” ” أَفَلاَ كَسَوْتَهُ بَعْضَ أَهْلِكَ “
  • ما جاء عند أبي داود أن عمارا قال ( قدمتُ على أهلي وقد تشققت يداي ) أي: من البرد والماء، فخلقوني بزعفران، فقدمت على النبي ﷺ فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام، ولم يرحب بي فقال: اغسل عنك هذا، قال: فذهبتُ فغسلته وبقي فيه رَدْعٌ ) يعني: بقية ( فسلمتُ عليه فلم يرد علي السلام ولم يرحب به وقال: اغسل عنك هذا، فقال: فذهبت فغسلته فأتيته، فسلمت عليه فسلم علي ورحب بي، وقال: إنّ المَلائِكَةَ لَا تَحْضُرُ جَنازَةَ الْكافِرِ بِخَيْرٍ وَلَا المُتضَمخَ بالزَّعْفَرَانِ وَلَا الجُنبَ “.
  • ما جاء عند الطبراني أن عمر رضي الله عنه كان يزجُرُ عن لُبسِه ويقول: ” دعوا هذا للنساء ” فدل على أنه ليس لباسا للرجال وانما هو من ملبوسات النساء.

وهذا هو القول الراجح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبعد عرض الأقوال، نستعرضُ ما استُدل به لكل قول:

أما الرد على القول الأول القائل بالجواز:

فدليلهم الأول:

ما جاء عند أبي داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما من فِعل النبي ﷺ، فإن هذا الحديث قال عنه الالباني: صحيح الإسناد، ولم يقل صحيح، ولعل الوَجه في هذا: أن الذي جاء في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ” ان النبي ﷺ كان يصبغ بالصفرة، فأنا أحب ان أصبغ بها ” ومن ثم فإن قوله:

 ( ولم يكن شيء أحب اليه من الصفرة ) قال بعض العلماء: إنه النبي ﷺ.

 وقال بعض العلماء: إنه ابنُ عمر رضي الله عنهما.

والذي يظهر: أنه لابن عمر، لمَ؟ لأن رواية البخاري ذكر أن النبي ﷺ ( كان يصبغ بالصفرة، وأنا أحب أن أصبغ بها ” هذا قولُ ابنُ عمر رضي الله عنهما يبين مرجع الضمير: إلى أنه إليه، لا إلى النبي ﷺ.

 أما دليلهم الثاني: وهو فِعل ابن عمر، فإنه مقبول وحُجّة لو لم يأتِ ما يعارضه مِن قول أبيه وهو عمر رضي الله عنه كما في معجم الطبراني، ومن باب أولى أنه عارَض قول النبي ﷺ في الأحاديث الصحيحة التي هي أصح مِن الحديث الذي ذَكره أبو داود إن سُلِّمَ بصحته.

 

أما دليلهم الثالث:( نهى النبي ﷺ عن المُفَدَّم ) فإنه لا يُستدل به مع صحة الحديث، والسببُ في ذلك:

 أن بعض الشراح فسره بأنه المُشبَعُ حُمرَةً ليس المشبع صفرة، ولكن ما فَسّر به الراوي عن ابن عمر مقدم على ما فسر به الشارح الذي السندي فقد فسره في شرحه لسنن ابن ماجه بأنه المشبع حمرة؛

وباتالي/ فإننا نقول: لا يستدل به أيضا على جواز المعصفر ولو عَصفرةً قليلة، لم؟

لأن الأحاديث الأخرى جاءت بالتحريم، فيكونُ هذا النهي من باب التأكيد الشديد على ما تناها في لون الصفرة.

أما دليلهم الرابع: ماء جاء في مستدرك الحاكم ( أن النبي ﷺ لبس ثوبين مصبوغين بالزعفران ) فإنه حديث ضعيف، والضعيف لا تقوم به حجة،

أما دليلهما الخامس: ما جاء عند الطبراني من حديث ام سلمة قالت:(صنع النبي ﷺ إزارا ورداء بزعفران ) فإنه حديث ضعيف.

اما دليلهم السادس: ما جاء عن ابن عباس أنه قال ( أن أبهج شيء الى النفس الصفرة ) فإنه قول له على وجه العموم ليس على وجه الخصوص في اللباس، فقد تكون هذه الصفرة في الحائط وقد تكون على الزوجة وقد تكون على الأخت.

أما دليلهم السابع: وهو ماء جاء عند ابن ماجه من حديث قيس بن سعد قال ( أتانا رسول الله ﷺ فاحضرنا له ماء فاغتسل فأتيته بملحفة فيها زعفران، فرأيت الصفرة في عُكْنِه ) أي عكن بطنه؛ فيقال: هذا حديث ضعيف، ولو صح فإنه ليس عن قصد فلربما جَهِلَ ﷺ موضع هذه الصفرة من هذه الملحفة.

 

سؤال/ كيف يستدل به مع أن المسح بالملحفة ليس داخلا في اللبس؟

الجواب: قال رأيت الصفرة في عكنه، فالصفرة على جسده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما الرد على قول إنه جائز للمُحِل دون المُحرِم، فنقول:

 ان الأحاديث التي أوردناها أوضحت بأنها محرمة على المحل، وانما خص المحرم من باب ان المحرم منهي عن الطيب، والزعفران نوع من أنواع الطيب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما الرد على القول الثالث القائل بتحريمه على البدن دون اللباس: وهو قول المالكية

 مستدلين بما عند أبي داود: ” لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ “

 فإن هذا الحديث ضعيف، ولو صح فإن ما جاء في الأحاديث الأخرى من نهي النبي ﷺ عن التزعفُر مقدم على ما جاء في سنن أبي داود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 أما الرد على القول الرابع القائل بجوازه للمتزوج:

مستدلين بقصة عبد الرحمن بن عوف، فإن ابن حجر رحمه الله قال: لا يستدل بهذا على إباحته للمتزوج، لأن هذا مما حصل من المرأة عند جماعها أو عند معاشرتها مما لا قَصدَ للرجل فيه، فإنه حاصل من المرأة وليس من الرجل، وسبقه في ذلك النووي، وذلك لأن الزعفران من طيب النساء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما الرد على القول الخامس القائل بالكراهة، ويستدلون بالجمع بين الأدلة، فيقال:

 لو ان الأحاديث التي جاءت بالإباحة لو أنها صحيحة، لتوجه ان يقال بالكراهة، ولتوجه ان يقال إنه خاص بالنبي ﷺ، لأن فِعله اذا عارض قوله ولم يمكن الجمع فإن النهي يحمل على التحريم، والاباحة على خصوصيته ﷺ، لكن القول بالكراهة أولى من القول بالتخصيص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيكون القول الراجح هو: التحريم.

 

فخلاصة القول: إن المعصفر والمزعفر لا يجوز للرجال وعلى هذا القول بتحريمه على الرجل:

 هل العلة رائحتُه؟ أم العلة لونُه؟

فإن كانت العلة هي الرائحة فلا إشكال.

وإن كانت العلةُ اللون: فإنه يحصل إشكال في لُبس ما هو أعظم منه لونا وهو الأحمر:

 أيجوز لُبس الرجل للثوب الأحمر أم لا يجوز؟

ج/ اختلف العلماء في هذه المسألة، والأقوال فيها سبعة، لكنني أورد من الأقوال ما عليه الدليل اختصارا، لأن القولَ الذي لا دليل له لا حاجة الى ذِكْرِه.

القول الأول: يحرم لُبس الأحمر على الرجال ويستدلون على ذلك بما يأتي:-

  • جميعُ الأدلة التي جاءت بتحريم لُبس المعصفر والمرعفر، وذلك لأن المعصفر والمزعفر يميل إلى الحمرة مع الاصفرار، فالأحمرُ من باب أولى، لأن القاعدة الشرعية [ أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين ] فيكيف إذا كان أحدهما أعظم، وهذا حاصلٌ في مسألتنا.
  • ما جاء عند البخاري: نهى النبي ﷺ عن المياثر الحُمُر، والمياثر: هي أكيسة توضع على رَحلِ البعير، يحصل بها لراكبها الأُنس والراحة.
  • ما جاء عند أبي داود ( أن رجلا لبس ثوبا أحمر فسلم على النبي ﷺ فلم يرد عليه السلام للبسه لهذا الثوب الأحمر )
  • ما جاء عند أبي داود ( أن النبي ﷺ دخل على زوجِه زينب رضي الله عنها، وهي تصبغ بالحمرة فغضب ﷺ وخرج، فلما وارت الثياب دخل ﷺ)
  • ما جاء عند أبي داود ( أن النبي ﷺ مر على نفر مِن أصحابه وعلى إبلهم أكيسة حمراء، فغضب ﷺ من ذلك، فعلموا سببَ غضبه وأزالوا هذه الأكيسة )
  • ما جاء في مستدرك الحاكم قول النبي ﷺ: ” إِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ؛ إنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ “

 وهذا القول الأول يميل إليه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

القول الثاني: أنه يجوزُ لُبس الثوبِ الأحمر، ويختاره ابنُ باز رحمه الله،

 ويستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:-

  • ما جاء في الصحيحين من حديث البراء، ( أنه رأى النبي ﷺ وعليه حُلّةٌ حمراء )
  • ما جاء عند أبي داود ( أن النبي ﷺ خطب بمنى حَجة الوداع وعليه بُرْدٌ أحمر، وعليٌّ أمامَه يُبَلِّغُ عنه ) أي: ينقل بصوت رفيع كلام النبي ﷺ للناس.
  • ما جاء عند ابي داود من حديث بريدةَ رضي الله عنه أنه قال: ” خطبنا رسول الله ﷺ، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران، فنزل النبي ﷺ فأخذهما وصعد بهما وقال: { إنما أموالكم وأولادكم فتنة }
  • ما نقله بعض الشراح، من أن بعض الصحابة قد لَبِسَ الثيابَ الحمراء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الثالث: أنه يحرم الأحمر الذي تناها حُمرةً

ويستدلون بما جاء عند ابن ماجه من حديث ابن عمر ( نهى النبي ﷺ عن المفدم ) على القول بأنه المشبع حمرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الرابع: يكره لبس الأحمر، جمعا بين الأدلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذًا/ ما هو القول الراجح؟

وقد ذكَرنا أدلةَ كلِّ قول، فنأتي على هذه الأدلة وما يدور حولَها من تعليقات أو ملحوظات:

 

 فنأتي على أدلة القول الأول القائل بتحريم لبس الثوب الأحمر على الرجال:

دليلهم الأول: وهو قياس الأحمر على المعصفر والمزعفر الذي جاءت به الأدلة الكثيرة فأنه يجاب عنه بما يأتي:-

  • أن مسألة المعصفر والمزعفر ليست مسألة وفاق وإجماع حتى يُقاسَ عليها، وانما هي مسألة خلاف سبق ذِكْرُها.
  • أن المعصفر والمزعفر حُرِّم مِن أجل لونه أم من أجل رائحته؟

 فإن قيل: من أجل رائحته فلا اعتداد بهذا القياس، وان قيل: أنه حرم للونه فإن له وَجها، ووجهه:

 أن هذا قد يدخل في قياس الأولوي، وهو أن المعصفر والمزعفر لونُه يميل إلى الاحمرار، فيكونُ الأحمر من باب أولى في حكم التحريم، وبالتالي يُنظَر: أهذا المعصفر والمزعفر حُرِّمَ للونه أم لرائحته؟

الجواب/ أنه محرم للأمرين كليهما، لأنه ليس هناك دليلٌ ينص على أنه محرم على أحدهما دون الآخر، بل إن عموم الادلة تقضي بالتحريم سواءٌ كان للون أم للرائحة، بدليل ما مر معنا من أحاديث، فإن المتأمل فيها يجد أن النبي ﷺ لم يفرق بين اللون وبين الرائحة، وإن كان في اللون أظهر من الرائحة، وذلك ان المزعفر لونه أظهرُ من رائحته، وهو طِيبُ النساء، والغالبُ في طيب النساء ما قاله النبي ﷺ:

” طيبُ المرأةِ ما ظَهَرَ لونُه وخَفِيَ رِيحُه “

ولاسيما المعصفر، وليس لنا إدراكٌ بماهية هذا المعصفر، إنما هي مادةٌ تُصبَغُ بها الأثواب، لكن المزعفر فيه  رائحة من الروائح الزكية لكن اللون فيه أظهر من هذه الرائحة، ولذا النبي ﷺ في قصة عبد الرحمن بن عوف إنما نظر إلى اللون، وفي قصة عمار بن ياسر نظر الى اللون إذ قال: ” بقي فيه ردع ” أي: بقية،

 ومما يدل ويؤكد على ان اللون أظهر من الرائحة:

 أن النبي ﷺ كان يصبغ بها، وكان الصحابة يصبغون بها: من أجل الرائحة ام من أجل اللون؟                              ج/ من أجل اللون، لأنه فيه تغييرا للشيب.

 وكذلك ما سبق معنا من حديث عائشة وامِّ سلمة، أن النبي ﷺ أمرهما بأن يتخذا مِن المُحَلّق ما كان من فضة وأن يصفرا بزعفران، مما يدل على أن العلة في المعصفر والمزعفر أظهر في اللون من الرائحة.

 إذاً/ على القول يُستدل بهذه الأحاديث على تحريم الأحمر، لولا مجيء الأحاديث الأخرى التي استدل بها المجوزون.

ـــــــــــــــــــــــــ

أما دليلهم الثاني: ما جاء عند البخاري: نهى النبي ﷺ عن المياثر الحُمُر،

 فيجاب عنه: بأن الدليل أخص من المدلول، وهذه قاعدة عند العلماء، إذا أرادوا أن يُناقشوادليلا استدل به الأخرون، فالدليل أخص من المدلول، فإن هذا الدليل انما جاء في المياثر وأنتم استدللتم بهذا الدليل الخاص في تحريم المياثر الحمُر على جميع الألبسة الحمراء، فالدليل أخص من المدلول، فيقولون: نحن نسلم لكم بالنهي عن المياثر الحمر لأن النص خصصها، أما ما عداها فلا يدخل تحت هذا النهي.

ـــــــــــــــــــــــــ

 

أما دليلهم الثالث: ما جاء عند أبي داود أن رجلا لبس ثوبا أحمر فسلم على النبي ﷺ فلم يرد عليه السلام للبسه لهذا الثوب الأحمر، فإنه حديث ضعيف ولو صح لكان فيصلا في الموضوع.

ـــــــــــــــــــــــــ

أما دليلهم الرابع: ما جاء عند أبي داود: أن النبي ﷺ دخل على زوجته زينب وهي تصبغ بالحمرة…الحديث) فإنه حديث ضعيف ولو صح لكان فيصلا في الموضوع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما دليلهم الخامس: ما جاء عند أبي داود ان النبي ﷺ مر على نفر من أصحابه وعلى إبلهم أكيسة حمراء فغضب….الحديث ) فإنه حديث ضعيف، ولو صح لكان فيصلا في الموضوع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما دليلهم السادس: ما جاء في المستدرك، ان النبي ﷺ قال ( اياكم والحمرة، فإن الشيطان يحب الحمرة ) فإنه حديث ضعيف أيضا، ولو صح لكان فيصلا في الموضوع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد يقول أصحاب هذا القول القائلين بالتحريم، قد يقولون:

إن مجيء هذه الأحاديث المتنوعة يجبر بعضُها بعضا، مما يجعل للحديث أصلا، ولاسيما اذا ضُمّت اليه الأدلة السابقة من التنصيص على الحمر في المياثر، ومن النهي عن المعصفر والمزعفر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما أدلة القول الثاني القائلين بالجواز:

فدليلهم الأول: ما جاء في الصحيحين من حديث البراء ( أنه رأى النبي ﷺ وعليه حلة حمراء )

فهذا الحديث أجاب عنه ابن القيم، وقال: إن بعض المنتسبين للعلم لَبِس الثياب الحمراء ظنا منهم أن هذا من الاقتداء بسنة النبي ﷺ في فِعلِه، وليس لهم دليلٌ في هذا، -كما قال رحمه الله – وذلك لأن الحُلّة هي التي اختلط بها لونٌ آخَر غيرُ اللون الأحمر، فهي حلة حمراء فيها خطوطٌ سود، وما كان غالبا فيه اللون الأحمر فيصدق أن يوصف عليه بأنه أحمر، كما تقول: هذا شماغٌ أحمر، مع أن فيه لونا أبيض، لكن باعتبار الأكثر قيل إنه أحمر.

 

ورد الشوكاني على ابن القيم رحمهم الله، كما في نيل الأوتار، فقال: لا يسلم لابن القيم قولُه، لم؟

لأن الصحابي أعرفُ بالأحمر من غيره، فلو كان أحمرَ به لونٌ آخَر لَذَكَره، فإن كان هذا معنى الحلة الحمراء في اللغة فليس في كتب اللغة ما يعضد قولَ ابن القيم، وإن كان معنى الحلة الحمراء مأخوذا من الحقيقة الشرعية، فالحقائقُ الشرعية لا يؤتى بها عن طريق الدعاوي وانما من طريق الدليل.

وأقول: إن ما ذَكَره الشوكاني ليس قويا مِن كل وجه للاعتبارات الاتية:

  • أن ابن القيم لما ذكر قال أنها معروفةٌ عند أهل اليمن عُرفا ولغةً، ومعلومٌ أن الالبسة إنما يؤتى بغالبها من اليمن، ولذا لَبِسَ النبي ﷺ قِطرْيًّا وَضَعَه على عاتقه، والقِطرِيّ: نوعٌ مِن اللباس فيه أعلام حمراء.
  • أن قوله بأن الصحابي أعرف بلغته، نقول: نعم هو أعرف بلغته، ومن معرفته بلغته ما يسمى بالتغليب، فإنه يَغَلّب الأكثر على الاقل، فقال: أحمر من باب التغليب.

ـــــــــــــــــ

أما دليلهم الثاني: ما جاء عند أبي داود: ان النبي ﷺ خطب بمنى حجة الوداع وعليه بُرْد أحمر، وعليٌّ أمامَه يبلغ عنه ” فإنه حديثٌ صحيح وهو من أقوى الادلة، وذلك لأن فِعله ﷺ في آخِر حياته، فيكون هذا دليلا لهم على جواز لبس الثوب الأحمر إن سَلِّمَ بأنه أحمرُ خالص، فإذا لم يُسَلّم لهم على قاعدة ابن القيم فإنه لا يعد دليلا، لكن المشكلة هنا أن ابن القيم رحمه الله إنما خَص الحُلّة، قال: فالحلةُ الحمراء معروفة عند أهل اليمن لغة وعرفا، لكن هذا البُرد يحتاج فيه إلى توضيح ومناقشة، إن كان فيه خطوطٌ أخرى غير الأحمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما دليلهم الثالث: ما جاء عند أبي داود من لبس الحسن والحسين، القميصين الأحمرين وهما يعثران”

 فإنه حديث صحيح، وهو أيضا قوي كالدليل السابق، لان القميص الذي يُلبس هو أحمر يعرف من حيث اللغة ومن حيث عرف الناس بأنه الأحمر الذي ُخلط آخر كما هو الشأن في الحلة الحمراء، إذا سُلِّمَ لابن القيم رحمه الله ما ذَكَرَه، لكن الدليل السابق أقوى منه من حيثيةٍ واحدة وهي:

 أن هذين من الصغار، وقد يرخص للصغار ما لا يرخص للكبار بما استثناه الشرع، لأن القلم لم يجر عليهم، وإذا قيل بهذا كان هذا الدليل حُجّة للشافعية الذين قالوا بجواز إلباس الصغير ما يحرُمُ على الكبير من الذهب والحرير، إلا اذا قيل بجواز لُبس الأحمر فإنه لا استدلال لهم بهذا الحديث.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أما دليلهم الرابع: وهو ما نقل عن بعض الصحابة من لبس الثوب الأحمر:

 قد يكون هذا جاريا على قاعدة ابن القيم رحمه الله، هذا إن صَح ما نُقِلَ عنهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما أدلة القول الثالث القائل بتحريم ما تناها حمرته.

استدلالا بما عند ابن ماجه: (نهى النبي ﷺ عن المفدم ) فإنه قول له وجاهة،

لكن يُعكر عليه أن الراوي عن ابن عمر فسره: بالمتناهى في الصفرة،

 وفسره السندي رحمه الله: بأنه المتناهى في الحمرة،

 ولا شك أن تفسير الراوي أقرب من تفسير غيره، ومِن ثَم فإنه:

إما أن يقال بجواز لُبس الأحمر بشتى وأنواع درجات الحمرة فيه، استدلالا بتفسير الراوي، بأن الحديث خاصٌّ بالمعصفر والمزعفر،

وإما أن يستدل به على تحريم الأحمر بشتى أنواعه، ويعكر عليه بأن القاعدة تقول ( إن الدليل أخصُّ من المدلول ) فإن النهي هنا عن الأحمر المتناهي، أما ما كان أقل فإنه لا يدخل

 ( ويجاب عن هذا: بأنه إن كان على قول من يقول بأنه المعصفر فلا يلزم منهأان ما دونه من درجات العصفرة والزعفرة أنه مباح لما سبق، فكذلك الشأن هنا، فيكون الأحمر بشتى درجاته ولو قَل محرما بناء على أن العلة هي اللون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وأما القول الرابع القائل بالكراهة: فلعله من باب الجمع بين الأدلة، فيكون النهي عندهم من باب التنزيه وأن فِعل النبي ﷺ من باب بيان الجواز.

ــــــــــــــــــــــــــــ

هذه هي أدلةُ كلِّ قول، والمسألة قد ذَكَرْتُها في ملخص فقه العبادات، وقلنا فيها بالتحريم بناء على متابعة ابن القيم وابن عثيمين، لكن بعد هذه البحث يجد الانسان نفسه عاجزا عن قول إنه محرم، وعاجزا عن قول إنه مباح، وذلك لأن الأدلة متعارضة، لاسيما وأن الأحاديث التي جاء فيها الضعف قد يَجبُرُ بعضُها بعضا، وبالنظر الى ما ذُكِر مِن علة تحريم المعصفر والمزعفر أن اللون فيه اظهر من الرائحة،

 والذي أرى: أن الإنسان يتورعُ عن هذا، ويحتاط، ولا يُقدِمُ على لُبسِه، والعلمُ عند الله.

 

ولْتعلم: أنه لو قيل بتحريم الاحمر إنما هو في اللباس، أما في غيره فلا يظهر نزاعٌ بين العلماء، لأن النبي ﷺ قد دخل في قُبّةٍ حمراء من أدَم، والقبة شبيهةٌ بالخيمة، فالنبيُّ ﷺ دخل فيها،

وهذا يدل على الجواز في غير اللباس، أما في اللباس فكما سمعتم، ولذا بوب البخاري: [باب القبة الحمراء] أو نحوا من هذا التبويب.

 

سؤال/ وهل الحكم في المعصفر والمزعفر خاصا باللباس؟

الجواب / نعم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ