تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثالث والخمسون من حديث 450- 453

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثالث والخمسون من حديث 450- 453

مشاهدات: 420

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثالث والخمسون

من حديث  450- 453 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله في :

باب ما جاء في بناء المساجد

حديث رقم – 450 –

( ضعيف ) حدثنا رجاء بن المرجى ثنا أبو همام الدلال محمد بن محبب ثنا سعيد بن السائب عن محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العاص : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم )

من الفوائد :

أن هذا الحديث ضعيف ، ومعناه دلت عليه نصوص أخرى من حيث الجملة ، وإذا كان كذلك فإن بناء المساجد في المواطن التي عُبد فيها غير الله عز وجل يكون جائزا ، ولذا أمر صلوات ربي وسلامه عليه أن يبنى مسجد الطائف في المكان الذي كان فيه طواغيتهم ، يعني البيت الذي كانت فيه الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله عز وجل ، ويقرر هذا ويؤكده ما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى من أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجده في مقبرة كانت للمشركين ، وكان فيها قبور المشركين ، ومعلوم أن المشركين عند القبور لهم عبادات تصرف لغير الله عز وجل ، فدل هذا الحديث من حيث الأصل على أن بناء المساجد في الأماكن التي عُبد فيها غير الله عز وجل جائز، ولذلك لو أقيمت مساجد في أمكنة كنائس أو في بِيَع فلا إشكال في ذلك .

حديث رقم – 451-

( صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى وهو أتم قالا ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن صالح ثنا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره : أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن والجريد قال مجاهد وعمده من خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عَمَدَه – قال مجاهد – عُمُدَه خشبا وغيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وجعل عُمُده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج قال مجاهد وسقَّفه الساج )

قال أبو داود : القصة الجص .

من الفوائد :

أن المساجد يجب ألا يبالغ فيها ، فنحن إذا نظرنا إلى بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا أن البناء كان متواضعا ، ما صفة بناء مسجده صلى الله عليه وسلم ؟

مبني من اللبن والجريد  ، والجريد يؤخذ من النخل ، وهو العصا الذي به أوراق النخل ، فبني باللبن وبالجريد ، فكان بناء مسجده صلى الله عليه وسلم بناء متواضعا ، فسقِّف الجريد ووضعت له الأعمدة وهي السواري من جذوع النخل ووضع مع الجريد اللبن وهو التراب الذي يخلط مع ماء ، وكان السقف قريبا من الرؤوس كما أخبر بذلك ابن عباس ر رضي الله عنهما عند أبي داود ، فمضى الأمر على ما هو عليه على هذا البناء المتواضع ومر عهد أبي بكر رضي الله عنه فكان أمره على ما كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئا ، ولعل عدم زيادته إما لأن أبا بكر رضي الله عنه كان مشغولا بمحاربة أهل الردة وبمانعي الزكاة أو لأنه لم تفتح عليه فتوح كثيرة حتى يوسع المسجد أو لأن عمره رضي الله عنه كان قصيرا بالنسبة إلى من جاء بعده ، فأتى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووسعه ولذلك أخبر رضي الله عنه من أنه لو وسعه حتى بلغ صنعاء لكان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، يحصل من ذلك أن الأجر المضعف يبقى على ما هو عليه وهو أن الصلاة فيه بألف صلاة مما في سواه ، يعني ما زيد في الحرمين من زيادة بناء فإنه يتبع الأصل ويكون الأجر هو هو من غير نقصان ، لكنه رضي الله عنه غير فيه شيئا واحدا وهو أنه أعاد تجديد الأعمدة لأنها كانت من الخشب وقد نخرت وبليت فغيرها من نفس ما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر أبي بكر رضي الله عنه ، فمضت السنون حتى أتى عثمان رضي الله عنه ، ومع أن عمر رضي الله عنه كثرت عنده الفتوحات مع ذلك لم يفعل فيه شيئا اللهم إلا أنه أعاد الأعمد وزاد في سعتها ، ثم لما جاء عهد عثمان رضي الله عنه كثرت الفتوحات في عصره أكثر  من عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكثر الخير في الأمة وكثرت أموال الدولة فاجتهد عثمان رضي الله عنه وزاد في سعته وغير في أصل بنائه ، فجدَّده رضي الله عنه فجعل الحجارة المنقوشة وجعل فيه الخشب الناعم الذي هو الساج ، وجصصه ، والجص لونه أبيض ، فالمراد ( بالقصَّة ) الجص التي يطلى به الجدر يكون أبيض ، قال العلماء إن عثمان رضي الله عنه زاد هذه الزيادة ووضع هذه الحجارة المنقوشة ووضع هذه الخشب إنما وضعها وضعا لا يخرجه عن الحكم الشرعي ، يعني لم يخرجه هذا التزين إلى المباهاة وإلهاء المصلين ، مع أن هناك من الصحابة رضي الله عنهم من أنكر عليه في هذا ، ولكل اجتهاده .

ونحن نقول بناء المساجد يجب ألا يبالغ فيها حتى لا تصبح محل مباهاة ، لو زينت بما لا يصل إلى المباهاة وإلهاء الناس فلا إشكال في ذلك ، ونحن حينما نرى مساجد هذه العصور نجد أنها مختلفة تمام الاختلاف عما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، ثم قضية الزخرفة وقضية التزيين تختلف من عصر إلى عصر ، يعني هذه الأشياء التي في جامعنا مع أننا نراها أشياء لا تخرج إلى المباهاة ، هذه لو كانت في عصورهم لكانت مخرجة حالها عن الحكم الشرعي إلى المباهاة ، فهي تختلف باختلاف العصور ، أهم شيء أن البناء لا يخرج الإنسان إلى المباهاة وألا يكون فيه إشغال للمصلين ، وإلا هذه الفرش وما فيها من خطوط هذه لو صلى أناس فيها ما ألهتهم عن صلاتهم ، لأنهم اعتادوها ، بل اعتادوا ما هو أحسن منها ، فأصبح المظهر عندهما اعتياديا ، بينما النبي صلى الله عليه وسلم قال  في شأن الخميصة وهي كساء له خطوط قال ( اذهبوا بها فإنها ألهتني في صلاتي آنفا وائتوني بأنبجانية أبي جهم )

ومن الفوائد :

أن اللغة العربية بتغيير وتحريك حركات يتغير المعنى ، هنا ضبط ( عُمُده ) و ( عَمَدَه ) فإن قلنا بالضم دل على أن هذا هو الاسم ، يعني هذه العمد لها صفة ، وإذا قلنا ( عَمَدَه ) الآن أصبح فعلا ، يعني هناك من عمده ، يعني الشخص الذي وضع الأعمدة ، مثاله ( سُقُفه ) فالصفة راجعة إلى السقف ، لكن ( سقَّفَه ) يعني هناك من قام بتسقيفه .

وهذا يدل على عظمة اللغة العربية فإنه بتغيير بعض الحركات يتغير المعنى إلى معنى آخر .

حديث رقم – 452-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن فراس عن عطية عن بن عمر : أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل أعلاه مظلل بجريد النخل ثم أنها نخرت في خلافة أبي بكر فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل ثم أنها نخرت في خلافة عثمان فبناها بالآجر فلم تزل ثابتة حتى الآن )

من الفوائد :

هذا الحديث ضعيف ومما يضعفه أن نخور الجذوع إنما حصلت في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما مر معنا في الحديث السابق ولم تحصل في زمن أبي بكر رضي الله عنه ، فأبو بكر رضي الله عنه لم يغير شيئا من بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا .

حديث رقم – 453-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدين سيوفهم فقال أنس فكأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وإنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل قال أنس وكان فيه ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب وكان فيه نخل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه حجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:

   اللهم لا خير إلا خير الآخرة   فانصر الأنصار والمهاجرة   )

من الفوائد :

أن أول قدومه صلوات ربي وسلامه عليه نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فمكث فيه أربع عشرة ليلة ، وقد قاموا بإكرامه رضي الله عنهم .

ومن الفوائد :

أن بني النجار من الخزرج ، لأن الأنصار قبيلتان الأوس والخزرج  ، وبنو النجار من الخزرج ، وبنو النجار هم أخوال جد النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب ، فله فيهم نسب ، وكانوا يملكون حائطا ، وكان هذا الحائط في مكان مناسب لأن يقام فيه مسجده عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن الأرض كلها مسجد ، وذلك كان عليه الصلاة والسلام يصلي قبل أن يبنى المسجد صلي في أي مكان تدركه فيه الصلاة ، حتى لو أدركته في مرابض الغنم صلى فيها ، والتأكيد على مرابض الغنم يخرج معاطن الإبل ، وقد مرت معنا هذه المسألة من أن الصلاة لا تجوز في مبارك ومعاطن الإبل .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من بني عمرو بن عوف أردف معه أبا بكر رضي الله عنه ، ومعلوم أن أبا بكر رضي الله عنه لما أتى ، أتى ومعه راحلته ، لأنه جلس يعلف راحلتين أربعة أشهر استعدادا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل فقال هي لك يا رسول الله ، قال لا ، بالثمن ، فاشتراها النبي صلى الله عليه وسلم منه ، فأبو بكر معه راحلته ، والراحلة تطلق على المركوب من الإبل سواء كان ذكرا أم أنثى ، ومعلوم أن راحلته عليه الصلاة والسلام هي العضباء ( والعضباء والقصواء والجدعاء )

هل هي أسماء لمسميات ثلاث ؟ الأظهر أنها لواحدة .

وهل بها هذه العيوب ؟ الجواب لا .

فلماذا ركب معه أبو بكر رضي الله عنه ولم يأت براحلته ؟

يقال :

إما لأن راحلته تركها في بني عمرو لعذر ، لمرض بها أو لغرض آخر .

وإما أن يكون قد أرسلها إلى أهله في مكة .

وإما أن تكون باقية لكنه أراد أن ينال شرف الركوب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكي يظهر النبي صلى الله عليه وسلم فضل أبي بكر وأنه هو الخليفة من بعده ، لأن قدومه للمدينة هو تهيئة للدولة الإسلامية ، ولا شك أن في هذا إكراما لأبي بكر رضي الله عنه ، وحُق له أن يكرم رضي الله عنه فمناقبه كثيرة جدا .

ومن الفوائد :

أنه عليه الصلاة والسلام جعل الأمر موكولا إلى الله عز وجل فحيثما وقفت هذه الدابة وقف ، ولذا وقفت عند فناء دار أبي أيوب رضي الله عنه ، والفناء هو المكان الذي يكون عند باب الدار ، ومعلوم قصة أبي أيوب وكيف استضاف النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه حق الإكرام  .

ومن الفوائد :

أنه أمر بني النجار أن يبيعوه هذا الحائط ، أهو أرض محاطة بجدران أم هو حائط بمعنى البستان ؟

نقول هو بستان  بدليل أنه ذكر النخل ،فذكر النخل يدل على أنه بستان ، وسيأتي معنا رواية ( الحرث ) دل على أنها مهيأة للزراعة .

وكان هذا الحائط به خِرَب ، ويصح خَرِب ، يصح الوجهان ، يعني فيه أماكن خربة بالية ، وفي هذا الحائط قبور مجموعة من المشركين ، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يشتريه منهم .

ومن الفوائد :

أنه قال ( ثامنوني ) هذا يدل على جواز المماكسة المسماة عندنا ( بالمكاسرة ) يعني تكاسر شخصا ، فإذا قال لك بمائة ريال ، تكاسره ، فهذه المماكسة جائزة في الشرع .

فلما قال عليه الصلاة والسلام ( ثامنوني ) دل على أن أحق من حدد السعر هو صاحب السلعة ، قال ( ثامنوني ) يعني اذكروا لي ما تريدونه من أجرة تجاه هذا الحائط .

ومن الفوائد :

أن هؤلاء تبرعوا من أنفسهم بهذا المكان ابتغاء الأجر من الله عز وجل ، ولذلك جاء في الصحيحين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضل الأنصار قال ( خير دور الأنصار دور بني النجار ) في معظم الأحاديث ، جاء في بعضها تقديم بني عبد الأشهل على بني النجار ، لكن الأكثر تقديم بني النجار على بني عبد الأشهل ، فدل على أنها ميزة لهؤلاء .

لكن هل طابت أنفسهم ببيعه بمقابل أجرة أم بدون مقابل ؟

أهل السير يقولون بمقابل ، ولكن الأحاديث الواردة تدل على أنهم طابت به أنفسهم من غير مال .

وللحديث تتمة إ

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الثالث والخمسون

من حديث  450- 453 ( 1 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله في :

باب ما جاء في بناء المساجد

حديث رقم – 450 –

( ضعيف ) حدثنا رجاء بن المرجى ثنا أبو همام الدلال محمد بن محبب ثنا سعيد بن السائب عن محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العاص : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم )

من الفوائد :

أن هذا الحديث ضعيف ، ومعناه دلت عليه نصوص أخرى من حيث الجملة ، وإذا كان كذلك فإن بناء المساجد في المواطن التي عُبد فيها غير الله عز وجل يكون جائزا ، ولذا أمر صلوات ربي وسلامه عليه أن يبنى مسجد الطائف في المكان الذي كان فيه طواغيتهم ، يعني البيت الذي كانت فيه الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله عز وجل ، ويقرر هذا ويؤكده ما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى من أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجده في مقبرة كانت للمشركين ، وكان فيها قبور المشركين ، ومعلوم أن المشركين عند القبور لهم عبادات تصرف لغير الله عز وجل ، فدل هذا الحديث من حيث الأصل على أن بناء المساجد في الأماكن التي عُبد فيها غير الله عز وجل جائز، ولذلك لو أقيمت مساجد في أمكنة كنائس أو في بِيَع فلا إشكال في ذلك .

حديث رقم – 451-

( صحيح ) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى وهو أتم قالا ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن صالح ثنا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره : أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن والجريد قال مجاهد وعمده من خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عَمَدَه – قال مجاهد – عُمُدَه خشبا وغيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وجعل عُمُده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج قال مجاهد وسقَّفه الساج )

قال أبو داود : القصة الجص .

من الفوائد :

أن المساجد يجب ألا يبالغ فيها ، فنحن إذا نظرنا إلى بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا أن البناء كان متواضعا ، ما صفة بناء مسجده صلى الله عليه وسلم ؟

مبني من اللبن والجريد  ، والجريد يؤخذ من النخل ، وهو العصا الذي به أوراق النخل ، فبني باللبن وبالجريد ، فكان بناء مسجده صلى الله عليه وسلم بناء متواضعا ، فسقِّف الجريد ووضعت له الأعمدة وهي السواري من جذوع النخل ووضع مع الجريد اللبن وهو التراب الذي يخلط مع ماء ، وكان السقف قريبا من الرؤوس كما أخبر بذلك ابن عباس ر رضي الله عنهما عند أبي داود ، فمضى الأمر على ما هو عليه على هذا البناء المتواضع ومر عهد أبي بكر رضي الله عنه فكان أمره على ما كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئا ، ولعل عدم زيادته إما لأن أبا بكر رضي الله عنه كان مشغولا بمحاربة أهل الردة وبمانعي الزكاة أو لأنه لم تفتح عليه فتوح كثيرة حتى يوسع المسجد أو لأن عمره رضي الله عنه كان قصيرا بالنسبة إلى من جاء بعده ، فأتى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووسعه ولذلك أخبر رضي الله عنه من أنه لو وسعه حتى بلغ صنعاء لكان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، يحصل من ذلك أن الأجر المضعف يبقى على ما هو عليه وهو أن الصلاة فيه بألف صلاة مما في سواه ، يعني ما زيد في الحرمين من زيادة بناء فإنه يتبع الأصل ويكون الأجر هو هو من غير نقصان ، لكنه رضي الله عنه غير فيه شيئا واحدا وهو أنه أعاد تجديد الأعمدة لأنها كانت من الخشب وقد نخرت وبليت فغيرها من نفس ما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر أبي بكر رضي الله عنه ، فمضت السنون حتى أتى عثمان رضي الله عنه ، ومع أن عمر رضي الله عنه كثرت عنده الفتوحات مع ذلك لم يفعل فيه شيئا اللهم إلا أنه أعاد الأعمد وزاد في سعتها ، ثم لما جاء عهد عثمان رضي الله عنه كثرت الفتوحات في عصره أكثر  من عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكثر الخير في الأمة وكثرت أموال الدولة فاجتهد عثمان رضي الله عنه وزاد في سعته وغير في أصل بنائه ، فجدَّده رضي الله عنه فجعل الحجارة المنقوشة وجعل فيه الخشب الناعم الذي هو الساج ، وجصصه ، والجص لونه أبيض ، فالمراد ( بالقصَّة ) الجص التي يطلى به الجدر يكون أبيض ، قال العلماء إن عثمان رضي الله عنه زاد هذه الزيادة ووضع هذه الحجارة المنقوشة ووضع هذه الخشب إنما وضعها وضعا لا يخرجه عن الحكم الشرعي ، يعني لم يخرجه هذا التزين إلى المباهاة وإلهاء المصلين ، مع أن هناك من الصحابة رضي الله عنهم من أنكر عليه في هذا ، ولكل اجتهاده .

ونحن نقول بناء المساجد يجب ألا يبالغ فيها حتى لا تصبح محل مباهاة ، لو زينت بما لا يصل إلى المباهاة وإلهاء الناس فلا إشكال في ذلك ، ونحن حينما نرى مساجد هذه العصور نجد أنها مختلفة تمام الاختلاف عما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، ثم قضية الزخرفة وقضية التزيين تختلف من عصر إلى عصر ، يعني هذه الأشياء التي في جامعنا مع أننا نراها أشياء لا تخرج إلى المباهاة ، هذه لو كانت في عصورهم لكانت مخرجة حالها عن الحكم الشرعي إلى المباهاة ، فهي تختلف باختلاف العصور ، أهم شيء أن البناء لا يخرج الإنسان إلى المباهاة وألا يكون فيه إشغال للمصلين ، وإلا هذه الفرش وما فيها من خطوط هذه لو صلى أناس فيها ما ألهتهم عن صلاتهم ، لأنهم اعتادوها ، بل اعتادوا ما هو أحسن منها ، فأصبح المظهر عندهما اعتياديا ، بينما النبي صلى الله عليه وسلم قال  في شأن الخميصة وهي كساء له خطوط قال ( اذهبوا بها فإنها ألهتني في صلاتي آنفا وائتوني بأنبجانية أبي جهم )

ومن الفوائد :

أن اللغة العربية بتغيير وتحريك حركات يتغير المعنى ، هنا ضبط ( عُمُده ) و ( عَمَدَه ) فإن قلنا بالضم دل على أن هذا هو الاسم ، يعني هذه العمد لها صفة ، وإذا قلنا ( عَمَدَه ) الآن أصبح فعلا ، يعني هناك من عمده ، يعني الشخص الذي وضع الأعمدة ، مثاله ( سُقُفه ) فالصفة راجعة إلى السقف ، لكن ( سقَّفَه ) يعني هناك من قام بتسقيفه .

وهذا يدل على عظمة اللغة العربية فإنه بتغيير بعض الحركات يتغير المعنى إلى معنى آخر .

حديث رقم – 452-

( ضعيف ) حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن فراس عن عطية عن بن عمر : أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل أعلاه مظلل بجريد النخل ثم أنها نخرت في خلافة أبي بكر فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل ثم أنها نخرت في خلافة عثمان فبناها بالآجر فلم تزل ثابتة حتى الآن )

من الفوائد :

هذا الحديث ضعيف ومما يضعفه أن نخور الجذوع إنما حصلت في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما مر معنا في الحديث السابق ولم تحصل في زمن أبي بكر رضي الله عنه ، فأبو بكر رضي الله عنه لم يغير شيئا من بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا .

حديث رقم – 453-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدين سيوفهم فقال أنس فكأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وإنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل قال أنس وكان فيه ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب وكان فيه نخل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه حجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:

   اللهم لا خير إلا خير الآخرة   فانصر الأنصار والمهاجرة   )

من الفوائد :

أن أول قدومه صلوات ربي وسلامه عليه نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، فمكث فيه أربع عشرة ليلة ، وقد قاموا بإكرامه رضي الله عنهم .

ومن الفوائد :

أن بني النجار من الخزرج ، لأن الأنصار قبيلتان الأوس والخزرج  ، وبنو النجار من الخزرج ، وبنو النجار هم أخوال جد النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب ، فله فيهم نسب ، وكانوا يملكون حائطا ، وكان هذا الحائط في مكان مناسب لأن يقام فيه مسجده عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن الأرض كلها مسجد ، وذلك كان عليه الصلاة والسلام يصلي قبل أن يبنى المسجد صلي في أي مكان تدركه فيه الصلاة ، حتى لو أدركته في مرابض الغنم صلى فيها ، والتأكيد على مرابض الغنم يخرج معاطن الإبل ، وقد مرت معنا هذه المسألة من أن الصلاة لا تجوز في مبارك ومعاطن الإبل .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من بني عمرو بن عوف أردف معه أبا بكر رضي الله عنه ، ومعلوم أن أبا بكر رضي الله عنه لما أتى ، أتى ومعه راحلته ، لأنه جلس يعلف راحلتين أربعة أشهر استعدادا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل فقال هي لك يا رسول الله ، قال لا ، بالثمن ، فاشتراها النبي صلى الله عليه وسلم منه ، فأبو بكر معه راحلته ، والراحلة تطلق على المركوب من الإبل سواء كان ذكرا أم أنثى ، ومعلوم أن راحلته عليه الصلاة والسلام هي العضباء ( والعضباء والقصواء والجدعاء )

هل هي أسماء لمسميات ثلاث ؟ الأظهر أنها لواحدة .

وهل بها هذه العيوب ؟ الجواب لا .

فلماذا ركب معه أبو بكر رضي الله عنه ولم يأت براحلته ؟

يقال :

إما لأن راحلته تركها في بني عمرو لعذر ، لمرض بها أو لغرض آخر .

وإما أن يكون قد أرسلها إلى أهله في مكة .

وإما أن تكون باقية لكنه أراد أن ينال شرف الركوب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكي يظهر النبي صلى الله عليه وسلم فضل أبي بكر وأنه هو الخليفة من بعده ، لأن قدومه للمدينة هو تهيئة للدولة الإسلامية ، ولا شك أن في هذا إكراما لأبي بكر رضي الله عنه ، وحُق له أن يكرم رضي الله عنه فمناقبه كثيرة جدا .

ومن الفوائد :

أنه عليه الصلاة والسلام جعل الأمر موكولا إلى الله عز وجل فحيثما وقفت هذه الدابة وقف ، ولذا وقفت عند فناء دار أبي أيوب رضي الله عنه ، والفناء هو المكان الذي يكون عند باب الدار ، ومعلوم قصة أبي أيوب وكيف استضاف النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه حق الإكرام  .

ومن الفوائد :

أنه أمر بني النجار أن يبيعوه هذا الحائط ، أهو أرض محاطة بجدران أم هو حائط بمعنى البستان ؟

نقول هو بستان  بدليل أنه ذكر النخل ،فذكر النخل يدل على أنه بستان ، وسيأتي معنا رواية ( الحرث ) دل على أنها مهيأة للزراعة .

وكان هذا الحائط به خِرَب ، ويصح خَرِب ، يصح الوجهان ، يعني فيه أماكن خربة بالية ، وفي هذا الحائط قبور مجموعة من المشركين ، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يشتريه منهم .

ومن الفوائد :

أنه قال ( ثامنوني ) هذا يدل على جواز المماكسة المسماة عندنا ( بالمكاسرة ) يعني تكاسر شخصا ، فإذا قال لك بمائة ريال ، تكاسره ، فهذه المماكسة جائزة في الشرع .

فلما قال عليه الصلاة والسلام ( ثامنوني ) دل على أن أحق من حدد السعر هو صاحب السلعة ، قال ( ثامنوني ) يعني اذكروا لي ما تريدونه من أجرة تجاه هذا الحائط .

ومن الفوائد :

أن هؤلاء تبرعوا من أنفسهم بهذا المكان ابتغاء الأجر من الله عز وجل ، ولذلك جاء في الصحيحين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضل الأنصار قال ( خير دور الأنصار دور بني النجار ) في معظم الأحاديث ، جاء في بعضها تقديم بني عبد الأشهل على بني النجار ، لكن الأكثر تقديم بني النجار على بني عبد الأشهل ، فدل على أنها ميزة لهؤلاء .

لكن هل طابت أنفسهم ببيعه بمقابل أجرة أم بدون مقابل ؟

أهل السير يقولون بمقابل ، ولكن الأحاديث الواردة تدل على أنهم طابت به أنفسهم من غير مال .

وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

 

ن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .