تعليقات على سنن ابن ماجه ( 18 ) من حديث ( 312-316 )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 18 ) من حديث ( 312-316 )

مشاهدات: 386

تعليقات على سنن (  ابن ماجه  )

 ( الدرس الثامن عشر    )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب كراهية مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين

حديث رقم – 312-

( حسن صحيح ) حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن رجاء المكي عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه ليستنج بشماله )

من الفوائد :

أن بعض الفقهاء يعنونون على باب الخلاء بباب ” الاستطابة ” لأن الحديث ورد بمثل هذا ، كما في حديثنا هنا .

ومن الفوائد :

أن الاستنجاء سمي استطابة لأن به يطيب المحل الذي يخرج منه الغائط .

ومن الفوائد :

أن الدين الإسلامي دين يحث على النظافة وعلى التطهر والتطيب ، ولا غرو فقد قال سبحانه تعالى { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222 .

ومن الفوائد :

أن الأحايث الأخرى بينت أن النهي منصب على الاستنجاء باليمين ، وهنا صرح تصريحا واضحا بأن الجواز يكون باليد الشمال .

ومن الفوائد :

أن الاستطابة المذكورة هنا تؤكد إنما هو بشيء يحول بين هذا الغائط وبين يدي الإنسان ، فإذا مس النجاسة من غير حائل يعني من غير ماء أو من غير حجارة فإن النهي باقٍ ، سواء كان بيمينه أو بشماله ، وقد ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح من أنه لا يجوز لأحد أن يمس النجاسة لا بيمينه ولا بشماله ، اللهم إلا في حالة الاستنجاء أو في حالة الاستجمار فهذا يكون بالشمال .

ومن الفوائد :

أن مفهوم المخالفة معتبر في الشرع ، وهذا دليل على مفهوم المخالفة ، فإن الأحاديث الأخرى نهت عن الاستنجاء باليمين ، ففهم منها أن الاستنجاء بالشمال جائز ، وجاء هذا مصرحا في هذا الحديث ، فدل هذا على أن مفهوم المخالفة معتبر من حيث الشرع .

باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرِّمة

حديث رقم – 313-

( حسن صحيح ) حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا لكم مثل الوالد لولده أعلمكم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها وأمر بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة ونهى أن يستطيب الرجل بيمينه )

من الفوائد :

أن الرسول بمقام الوالد لنا ، وذلك في مقام التربية والتوجيه ، فإن الوالد واجب عليه أن يوجه  أبناءه لما فيه خيره وصلاحهم حتى فيما يمكن أن يستحيى منه مثل أمور الخلاء ، ولذا صدَّر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث هذا بقوله ( إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ) لكي يبين أن الوالد لا يستحي من ذكر ما قد يستحيى منه في توجيه أبنائه .

وأما بالنسبة إلينا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة الوالد في التوقير والاتباع فحقه علينا أن نوقره وأن نتبعه كما أن الله سبحانه وتعالى جعل زوجاته – رضي الله عنهن – أمهات لنا { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }الأحزاب6 ، وفي قراءة غير سبعية لكن يؤخذ بها في الأحكام ( وهو أبٌ لهم ) فهو بمثابة الأب لنا عليه الصلاة والسلام ، من باب ما ذكرنا بالنسبة إليه وبالنسبة إلينا .

أما من حيث النسب فلا ، قال تعالى { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40 .

ومن الفوائد :

أن على الأب أن يحرص تمام الحرص على تربية أبنائه ، فإن الوالد يجب عليه وجوبا شرعيا أن يتفقد أولاده وأن يعلمهم .

ومن الفوائد :

تحريم استقبال واستدبار القبلة حال قضاء الحاجة .

ومن الفوائد :

أن ذكر ” الغائط ” هنا وفي الأحاديث الأخرى ، الغائط في أصل اللغة هو المكان المطمئن من الأرض في الفضاء ، ثم استعير إلى الخارج من ابن آدم ، فقوله ( إذا أتيتم الغائط  فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ) استدل بهذا بعض العلماء على أن النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة إنما هو في الفضاء ، لأنه ذكر هنا إتيان الغائط وهو المكان المطمئن المنخفض من الأرض ولا يكون إلا في الفضاء ،فدل على أن الحكم محصور في الصحراء دون البنيان .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الاستجمار بثلاثة أحجار ، فدل على أن ما دون ذلك لا يجزئ ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء كالحنفية إذ قالوا إن المقصود هو الإنقاء ، فلو أنقى بحجر واحد اكتفي به ، ولكن التنصيص على هذا العدد يدل على أنه مطلوب شرعا حتى ولو أنقى محل الغائط بحجر أو حجرين .

ومن الفوائد :

الرد على ابن حزم رحمه الله إذ قال في الأحاديث التي جاءت ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار ) قال الدون يعني ما سوى الثلاثة ، فلا يحق للإنسان أن يستجمر بما زاد على الثلاثة ، لأن ” دون ” بمعنى ” غير ” وهذا الحديث يرد عليه ، لأن هذا الحديث أتى بهذه العبارة وهي الأمر بثلاثة أحجار ولم يذكر كلمة ” دون ” .

ومن الفوائد :

أن الروث لا يجوز الاستجمار به ، وما هو الروث ؟

قال بعض العلماء : هو رجيع الدواب من غير ابن آدم .

وقال بعض العلماء : هو رجيع الحي مطلقا سواء كان من آدمي أو غيره ، فإن قيل إن الروث هو ما خرج من الحي مطلقا فلا إشكال في ذلك .

لكن لو قلنا إن الروث خاص بالحيوان دون ابن آدم ، أتكون عذرة ابن آدم أداة للتطهر ؟

الجواب ولا شك في ذلك ( لا )

فعلى هذا القول يقال إن التنصيص على رجيع الحيوان في النهي يدخل من باب أولى عذرة ابن آدم لأنها أخبث .

ومن الفوائد :

أن ( الرِّمة ) قيل هو العظم البالي ، والعظم البالي المتفتت لا يحصل به تطهير فكيف ينص عليه ؟

وبعض العلماء قال : إن الرِّمة هو العظم مطلقا .

فإن قيل هو العظم مطلقا فلا إشكال في ذلك من أن النهي جاء في العظام كلها ، لكن إن قيل إن الرِّمة هو العظم البالي ، فكيف ينص عليه مع أنه لا يمكن أن يطهر ؟

قال بعض العلماء : لأنه إذا نهي عن العظم البالي الذي لا يحصل معه إنقاء ، فالعظم الذي يمكن أن يحصل مع إنقاء من باب أولى .

حديث رقم – 314-

( صحيح ) حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن زهير عن أبي إسحق قال ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء فقال ائتني بثلاثة أحجار فأتيته بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هي رجس )

من الفوائد :

أن النهي عن الاستجمار بالروث ذكرت علته هنا وهي الرجسية ، وفي رواية ( هذا ركس ) فالركس والرجس بمعنى واحد .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا للحنفية القائلين أن ما دون الثلاث يكون مجزئا إذا أنقى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رمى الروثة اكتفى بالحجرين – هكذا قالوا .

لكن رد عليهم بأنه جاء في رواية عند الإمام أحمد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله ( أن يأتي له بحجر ثالث ) ثم لو لم تأت هذه الرواية فإن أمره عليه الصلاة والسلام في أول الأمر أن يأتي له بثلاثة أحجار كافي من أن يثني عليه بأمر آخر ، فالأمر الأول كافي ، هذا لو لم ترد رواية الإمام أحمد ، فكيف مع ورودها !

ومن الفوائد :

أن ( الروثة ) وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها رجس ، فيمكن أن يشكل علينا روث ما يؤكل لحمه ، فقد سبق وأن قلنا ” إن روث ما يؤكل لحمه طاهر ” فكيف يوصف بالرجسية ؟

الجواب : أنه جاء في بعض الروايات أن هذه الروثة ( روثة حمار ) فيكون النهي عن الاستجمار بالروث عاما ، فإن كان مما لا يؤكل لحمه فإنه نجس ، وإن كان مما يؤكل لحمه فهو طاهر ولكن الاستجمار به يلوثه على دواب إخواننا من الجن ، إذ جاء في رواية مسلم ( وكل بعرة علف لدوبكم )

ومن الفوائد :

أن المفضول لو خدم من هو أفضل منه فلا بأس بذلك ، ولا بأس أيضا أن يأمر الفاضل من هو دونه في الفضل بخدمته إذا كان المفضول يحب ذلك ويرغب فيه ولا يرى في ذلك بأسا ، لأن بعض الناس يحب أن يخدم من هو أفضل منه ، تقربا إلى الله سبحانه وتعالى ، وإلا فالأصل أن الإنسان يخدم نفسه بنفسه .

حديث رقم – 315-

( صحيح ) حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة ح و حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع جميعا عن هشام بن عروة عن أبي خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة ابن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع )

من الفوائد :

أن التنصيص على ثلاثة أحجار يؤكد ما قرر سابقا من أنه لا يكتفى بما هو دون الثلاثة .

ومن الفوائد :

أن اللغة العربية يمكن أن يطلق فيها لفظ ويراد منه معنى آخر ، كما لو قلت ” رأيت أسدا في المعركة ” هل الأسد يكون في المعارك ؟ أم المقصود وصف الرجل الشجاع بأنه أسد ؟

المقصود هو وصف الرجل الشجاع ، فهنا أطلق لفظ الأسد على الرجل ، هذا من أساليب اللغة العربية وإن كانوا يسمونه مجازا ، فهنا ورد مثل هذا ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس فيها رجيع ) يدفع توهم من قد يتوهم أنها ليست حجارة محضة معروفة ، فقد يقول قائل إن الحجر يمكن أن يكون المقصود به في هذا الحديث أنه هو الرجيع ، فلما جاء لفظ ( ليس فيها رجيع ) كان الحكم حكما قاطعا بأن المقصود هي الثلاثة الأحجار الحقيقية .

ومن الفوائد :

أن عذرة ابن آدم وعذرة الحيوان يطلق عليها رجيعا باعتبار أنها رجعت من حال إلى حال ، فبعد أن كانت طعاما تحول ورجع إلى شيء آخر  .

حديث رقم – 316-

( صحيح ) حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن الأعمش ح و حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة قال أجل أمرنا أن لا نستقبل القبلة ولا نستنجي بأيماننا ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئا للأمة إلا بينه ، وقد مر معنا ( إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ) ثم ذكر أشياء تتعلق بالخلاء .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يطلق عليه بأنه صاحب باعتبار أنه صحب الصحابة رضي الله عنهم وهم صحبوه ، ولذلك لما قالوا ( إن صاحبكم ) يقصدون بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ،ولم ينكر سلمان رضي الله عنه ذلك  .

ومن الفوائد :

أن ( الخِراءة ) المقصود منها ” آداب التخلي “

ومن الفوائد :

أن كلمة ( أجل ) أداة جواب ، مثل ” نعم ” .

ومن الفوائد :

أن سلمان رضي الله عنه رد عليهم ، ولكن هل رده هنا ردٌ  يتوافق مع سؤالهم أو لا يتوافق ؟

فإن كان لا يتوافق فإن هذا ما يسمى عند البلاغيين ” بأسلوب الحكيم ” مثل ما مثَّل البلاغيون بقوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ } سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لماذا الهلال أول ما يخرج يبدو صغيرا ثم يكبر ثم يصغر ؟

فلم يأت الجواب على وفق ما سألوه ، وإنما الجواب أنه عدل عن سؤالهم إلى ما هو أنفع لهم { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }البقرة189، فإن كان سلمان رضي الله عنه أجاب بجواب يخالف سؤالهم فهذا هو أسلوب الحكيم ، يعني ما كان ينبغي لكم أن تسألوا هذا السؤال وإنما كان عليكم أن تسألوا سؤالا يتوافق مع جوابي لكم لأن هذا هو الأنفع لكم .

وقال بعض العلماء : بل رد عليهم ردا مطابقا لسؤالهم فلا يكون هناك أسلوب حكيم ، يعني أجابهم إجابة صريحة ” ليس مثل هذا يستهزأ منه ” إذ لو كان يستهزأ منه ويسخر منه ما أشعنا هذا الأمر بينكم ، بل هو أمر طبيعي وليس بغريب .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء جعل النهي عاما ، فلا تستقبل القبلة حال قضاء الحاجة لا في الصحراء ولا في البيان .

ومن الفوائد :

النهي عن الاستنجاء باليمين ، بل جاء الرواية مصرحة ( وليستنج بشماله )

ومن الفوائد :

قوله ( ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ) هذه الجملة استدل بها ابن حزم رحمه الله على أنه لا يزاد على الثلاثة ولا ينقص عن الثلاثة  ، وقد مر الجواب عن ذلك .