بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب الرجل يستيقظ من منامه ، هل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ؟
حديث رقم 393-
( صحيح ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده ” )
من الفوائد :
أن المسلم منهي عن إدخال يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ، وهل هذا النهي للتحريم ( فلا يدخل ) وفي رواية ( فلا يغمس ) هل هذا النهي للتحريم أم للكراهة ؟
بعض العلماء يرى أن هذا النهي للكراهة ، ومعلوم أن القاعدة في الأصول تقول [ إن الأصل في النهي هو التحريم ما لم يصرفه صارف ]
فقالوا إن هذا النهي صرف من التحريم إلى الكراهة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده ؟ ) فهذا توهم وليس يقينا ، فلا نلزم أحدا ولا نؤثم أحدا إذا خالف هذا الحديث، لأن هذا من باب الاحتياط ، وقالوا هذا القول باعتبار أن الحكم متعلق بالماء من حيث الطهارة ومن حيث النجاسة .
والصواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لحكم الماء ، ومن ثمَّ فإن ما ذكروه من هذا الصارف مردود ، فيكون القول الراجح أن النهي للتحريم .
وعلى العلة التي ذكروها وهي أن الحكم يتعلق بتوهم النجاسة ، فلربما وقعت يده في نجاسة فلوثت هذا الماء ، فبناء على ما ذكروه من هذه العلة قال بعضهم إن النجاسة إذا كانت متيقنة فإنها تغسل مرة إذا زال أثرها ، أما إذا كانت النجاسة غير متيقنة فإن الاحتياط أن تغسل ثلاث مرات ، وكما أسلفنا أن هذه العلة لا يلتفت إليها وليس من الوجوب أن يغسل الإنسان نجاسة قد توهم فيها .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث ورد بألفاظ مغايرة عن هذا اللفظ ، ففي إحدى الروايات ( إذا استيقظ أحدكم من نومه ) وكلمة ( من نومه ) تدل على العموم سواء كان نوم ليل أو نوم نهار ، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المسلم منهي عن إدخال يده في الإناء إذا استيقظ من نوم ليل أو من نوم نهار .
بينما الرواية التي معنا ( إذا استيقظ أحدكم من الليل ) وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء من أن هذا الحكم متعلق بنوم الليل ، أما نوم النهار فليس بلازم إن احتاط فحسن وإن لم يفعل فلا جناح عليه ، لكن من قال إن الحكم يعم نوم الليل والنهار قال إن ذكر كلمة ( الليل ) هنا من باب التغليب ، لأن غالب نوم الإنسان أن يكون بالليل ، والقاعدة في الأصول تقول [ إن النص إذا جاء لبيان الغالب فلا مفهوم له ] بمعنى أن كلمة ( الليل ) لا تخرج النهار لم ؟ لأن الغالب من الإنسان أن ينام في الليل .
والأقرب أن الحكم متعلق بنوم الليل فقط ، لم ؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في نهاية الحديث ( فلا يدري فيم باتت يده ) وفي رواية ( أين باتت يده ) فالعلة أنه لا يدري أين باتت يده ؟ فإن قيل لو وضعها في قفاز وربط هذا القفاز ربطا محكما أيدخل في هذا الحكم ؟ قالوا نعم يدخل ، فليست العلة إذاً النجاسة ، إنما العلة أن هناك شيئا قد يؤذي ابن آدم غير النجاسة ، ما هو؟ يقول شيخ الإسلام رحمه الله إن النهي بسبب إيصال الشيطان الأذى لابن آدم إذا نام ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) والبيتوتة في اللغة العربية بالليل وليست بالنهار ، ومما يؤكد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، يقول هذا ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) فدل على أن الشيطان يعقد على قافية رأس ابن آدم ثلاث عقد أين ؟ بالليل ، ولذا قال ( عليك ليل طويل فارقد )
ومما يؤكد هذا أنه قاله هنا ( فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده ؟ ) والبيتوتة تكون بالليل .
ويؤكد هذا أيضا ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذُكر له أن رجلا نام الليل كله حتى أصبح ) فماذا قال صلى الله عليه وسلم ؟ قال ( ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه )
ولو قال قائل : على هذا العلة التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله ، لو أن شخصا وضع يده في قفاز محكم ، أيلزم بهذا الحكم ؟ نعم يلزم ، لم ؟ لأن الشيطان له قدرة نافذة على ابن آدم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فإذا كان له نفوذ في البلد ألا يكون له نفوذ في هذا القفاز ؟ بلى يكون له نفوذ .
وإن احتاط الإنسان وغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء ثلاثا من نوم النهار فإنه خير له .
ومن الفوائد :
أن هذا الحكم يعم أي مكلف من ذكر أو أنثى ، أما الصغار فقد أخرجهم الفقهاء ، ولذلك لأن الشيطان لا يحرص على غير المكلفين ، هذا باعتبار ما ذكره شيخ الإسلام من العلة ، فالمكلف لا يلزم بهذا .
ومن الفوائد :
أن هذه الرواية ذكر فيها ( فلا يدخل ) وفي رواية ( فلا يغمس ) ففهم من ذلك أنه لو أدخل جزءا من يده أو أدخل يده كلها شمله الحديث .
والمقصود من اليد ( الكف ) لأن اليد إذا أطلقت في لسان الشرع ، فإنها تدل على الكف ، أما إذا قيدت بحد فعلى ما قيدت به .
ومن الفوائد :
أنه ذكر غسل اليدين ( مرتين أو ثلاثا ) وهذا شك ، وإلا فقد جاء اليقين بأنها ثلاث كما ورد عند مسلم رحمه الله ، التنصيص على ثلاث .
ومن الفوائد :
أن العلة التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله يؤخذ منها أن المستيقظ من النوم لو لم يغمس يده في الإناء وإنما فتح صنبور الماء – كما هو المعمول به عندنا في هذا الزمن – على رأيه أيمكن أن يبدأ مباشرة بالمضمضة والاستنشاق ؟ أم نقول لابد من غسل اليدين ثلاثا ؟ أو أنه استيقظ من نومه وأراد أن يأكل مثلا ، أو أن يلامس شيئا رطبا ، هل له ذلك أم لابد أن يغسل يده ؟
الذي يظهر أنه لابد أن يغسل يده ، ولو لم يدخلها في الإناء ، لأن الأذى حاصل .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء – كما ذكر الصنعاني رحمه الله في سبل السلام – أخرج الأواني الكبيرة ، فقالوا إن الأواني الكبار ” الحياض ” تخرج من هذا .
والصواب العموم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم قال ( الإناء ) فيشمل الصغير والكبير ، بل إن ابن عمر رضي الله عنهما كما صح عنه لما ذكر هذا الحديث وسئل رضي الله عنهما عن الحياض الكبيرة أتدخل في هذا أم لا ؟ فقال رضي الله عنهما منكرا على السائل ( إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث فاسمع وأطع ) ففهم من ذلك أن هذا الحكم يؤخذ على عمومه في أي إناء صغر أم كبر .
ومن الفوائد :
أن العلة منصوصة هنا ، ومعلوم أن العلة يمكن أن تكون مستنبطة ويمكن أن تكون منصوصا عليها كما هنا ، وإذا نص على العلة فلا يلتفت إلى العلل الأخرى إلا إذا كانت تلك العلل مؤيدة للعلة التي ذكرها الشرع .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث دليل لشيخ الإسلام رحمه الله في التفريق بين النوم الكثير والنوم القليل ، فإن العلماء اختلفوا في النوم هل ينقض الوضوء أم لا ؟ هل ينقض مطلقا بمجرد أن ينام أو ينقض الكثير منه دون اليسير ؟ خلاف بين العلماء ، الصحيح جمعا بين الأدلة أن النوم الكثير ينقض الوضوء ، والقليل لا ينقض ، لكن ما ضابط النوم القليل؟
بعض العلماء قال هو النوم الذي يكون من القاعد المتمكن من مقعدته أو من القائم ، أما إذا كان مضطجعا فإن وضوءه ينتقض ، وسيأتي مزيد لهذا إن شاء الله تعالى ، ومر معنا في السنن الأخرى ، شيخ الإسلام رحمه الله يقول إن النوم الكثير هو الذي يذهب معه شعور الإنسان ، هو في نوم لكن شعوره باقي، يسمع ضوضاء وأصواتا ولكنه لا يفهم ما يقال عنده ، هذا هو ضابط النوم القليل عند شيخ الإسلام رحمه الله ، ما الدليل ؟ قال الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده ؟ ) فدل على أن النوم نوم قليل ، فلو كان يدري فإن وضوءه لا ينتقض ، وأن هذا الحكم لا يدخل فيه ، فإذا نام نوما يسيرا على ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله هل يلزم بهذا الحكم ؟
الجواب : لا .
سؤال : إذا استيقظ من نومه ولم يجد ماء هل يتيمم عن غسل يده ؟
الجواب : الصواب أنه لا يتيمم لأنه ليس بحدث فالتيمم إنما شرع للحدث ولا حدث هنا .
حديث رقم – 394-
( صحيح ) عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها )
من الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق الغسل ، بينما في الحديث السابق قيد الغسل بمرتين أو ثلاث مرات ، والصواب الثلاث .
حديث رقم – 395-
( منكر بزيادة ” ولا على ما وضعها ” وهو ” صحيح في ” م ” دونها ) عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها )
من الفوائد :
أنه قال ( الوَضوء ) والمقصود منه الماء ، لأن ( الوُضوء ) بالضم هو الفعل .
ومن الفوائد :
أن ذكر الوضوء هنا من باب الغالب .
حديث رقم – 396-
( صحيح ) عن الحارث قال دعا علي بماء فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع )
من الفوائد :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحكم بقوله كما سبق وسن هذا بفعله ، وتواصى به الصحابة رضي الله عنهم وتناقلوه ، فهذا علي رضي الله عنه فعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون هذا الحكم قد نُص عليه من طريقين في السنة من طريق القول ومن طريق الفعل .
سؤال : معنى حديث ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) ؟
الجواب :
للعلماء فيه قولان : قال بعض العلماء المقصود من ذلك المبالغة في شدة وكثرة وساوسه ، فكما أن الدم يتكاثر في ابن آدم فكذلك وسوسة الشيطان تتكاثر فيه ، فعليه أن يسد هذا الباب وأن يحذر منه .
وقال بعض العلماء هو على ظاهره ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فله نفوذ في البدن بقدرة الله عز وجل .