بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما يقول إذا أذن المؤذن
حديث رقم- 208-
( صحيح ) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك قال وحدثنا قتيبة عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حين سماع المؤذن أن يجاب ، ومن هذا الأمر أخذت الظاهرية أن متابعة المؤذن واجبة ، فمن ترك المتابعة فقد أثم .
بينما الجمهور يرون استحباب ذلك بناء على حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما ) ولم يأمر الآخر بالمتابعة ، فدل على عدم الوجوب ، وهناك أحاديث أخر لعلها تأتي معنا وتبين رجحان قول الجمهور – إن شاء الله تعالى .
ومن الفوائد :
الرد على من قال من العلماء إن المؤذن يتابع نفسه ، فإن في هذا الحديث بيانا لما يجب على المؤذن وبما يندب إليه السامع ومن الفوائد:
أن الإجابة تكون من حين السماع ، خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من إنه إذا سمع الأذان في نصفه مثلا أو في ثلثه الأول يقولون يأتي بأوله ثم يتابع ، والصواب عدم استحباب ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق المتابعة على السماع وإن لم يسمع إلا في الثلث أو في المنتصف فيتابعه من حين ما سمعه .
ومن الفوائد :
أنه لو رأى إنسانا يؤذن على بعد ولا يسمعه فلا عبرة بحاله أو يسمع صوتا ولا يفهم كلامه وهو يعرف أنه يؤذن ويسمع صوتا لكنه لم يتحقق من الجمل ، فلا يجتهد في المتابعة .
ومن الفوائد :
أن المسلم يتابع المؤذن ، سواء كان مؤذنا واحدا أو اثنين أو ثلاثة ، لأنه عمم ، فإذا فرغت من متابعة المؤذن فسمعت مؤذنا آخر يشرع في الأذان فالسنة في حقك ألا تقتصر على متابعة الأذان الأول بل تتابع في الأذان الثاني .
ومن الفوائد :
أن المتابعة تكون عقيب فراغ المؤذن من الجملة فلا يتقدم أو لا يتوافق معه ولا يتأخر عنه ، بل من حين ما ينقطع صوته بالجملة يتابع ، لأن الفاء هنا للترتيب والتعقيب ( فقولوا )
ومن الفوائد :
أن ما يقوله المؤذن يتابع بنص الصيغة وبنفس الجملة ، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء حتى في الحيعلتين ، فلو قال المؤمن ( حي على الصلاة ) تقول ( حي على الصلاة ) بناء على هذا الحديث .
والصواب أنه في الحيعلتين يقول ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) لما ورد في صحيح مسلم من حيث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ) إلى أن قال ( فإذا قال المؤذن حي على الصلاة قال أحدكم لا حول لا قوة إلا بالله ) إذاً يستثنى من ذلك الحيعلتان .
ومن ثم فإن قول المؤذن في أذان صلاة الفجر ( الصلاة خير من النوم ) الصواب أن يقول ( الصلاة خير من النوم ) ولا يقول ( صدقت وبررت ) أو ما شابه ذلك من هذه الجمل ، فلم يرد حديث صحيح ينص على أن قول ( الصلاة خير من النوم ) لها متابعة خاصة كالحيعلتين ، بل إن التثويب يكون كنظير قول ( الله أكبر وأشهد أن لا إله إلا الله ) .
ومن الفوائد :
أن متابعة المؤذن في الأذان الأول لصلاة الجمعة مستحبة لأنه ثابت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم في عهد عثمان رضي الله عنه ، فيكون أذانا شرعيا .
ومن الفوائد :
بيان فضل المؤذن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية ذكر اسمه مع أنه لو قال ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول ) لفهم ، لكن لما قال ( المؤذن ) مع أن هذا الموضع موضع اختصار ، ما ذكره إلا لمزية وفضل ، لأنه لما رفع صوته بهذه الكلمات التي تدل على توحيد الله عز وجل وعظمته ، كان له من المنقبة أن يذكر اسمه وأن يصرح به .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث وارد مورد الأذان المباشر ، أما إذا كان أذان غير مباشر وإنما هو مسجل وقد يكون المؤذن قد أذن منذ سنين طويلة أو كان في عداد الموتى، فإن المتابعة لا تستحب له ، لأنه ليس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أذان مسجل ، فيكون هذا الأذان الذي يتابع هو الأذان الذي يرفع مباشرة .
باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا
حديث رقم -209-
( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا أبو زبيد وهو عبثر بن القاسم عن أشعث عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال : إن من آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا )
من الفوائد :
ما ذهب إليه بعض العلماء من تحريم أخذ الأجرة على الأذان ، فبعضهم عمم فقال سواء كانت مشترطة أو لم تكن مشترطة ، وبعضهم فصل في هذا فقال إن كان مشترطا فإن هذا الحديث يصدق عليه ، وأما إذا لم يكن مشترطا فإن الحديث لا يصدق عليه .
والصواب من هذا الخلاف الذي هو كثير بين العلماء ، أن ما جُعل من بيت مال المسلمين جعلا يأخذ عليه المؤذن أجرا أو الإمام أو القاضي أو المدرس في الحرم المكي أو الحرم المدني أو ما شابه ذلك فإنه جائز ، لأنه من بيت مال المسلمين ، ولأن فيه تفريغا لذلك الشخص لإقامة هذه الشعيرة ، فلا بأس أن يأخذ على ذلك ، وإلا لتعطلت مصالح الأمة ، ولو أنه أراد ألا يأخذ شيئا وما يأخذه من جعل يصرفه ، فهذا شيء يعود إليه ، لكن من حيث الجواز جائز .
باب ما يقول الرجل إذا أذن المؤمن من الدعاء
حديث رقم – 210 –
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن الحكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع المؤذن ” وأنا أشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه ” )
من الفوائد :
أن بعض العلماء قال : إن في ثنايا الأذان إجابة ، فيجاب المؤذن في ثنايا الأذان ، فإذا بلغ الشهادتين يقول ( وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنا أشهد أن محمدا رسول الله ) كما جاءت بذلك رواية في مسلم ، بينما الروايات الأخرى لم تذكر هذا بدون ( الواو ) وبدون ( أنا ) ومن ثم استحب بعض العلماء أن تقال هذه الجملة من الذكر ، لكن متى تقال ؟
تقال بعد الشهادتين ، كما ورد عند ابن خزيمة .
بينما قال بعض العلماء : ليست هناك إجابة في ثنايا الأذان وإنما هي بعد الفراغ من الأذان ، لأن قوله عليه الصلاة والسلام ( من قال حين يسمع ) أي من حين يجيب ، فإن السماع يطلق ويراد منه الإجابة ، فقول المصلي ( سمع الله لمن حمده ) سمع هنا بمعنى أجاب ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ( وأعوذ بك من دعاء لا يسمع ) مفسر في رواية أخرى ( وأعوذ بك من دعوة لا يستجاب لها )
فالأمر محتمل في هذا وفي هذا .
ومن الفوائد :
أن على المسلم أن يستحضر بقلبه ما يقال من هذه الألفاظ الطيبة العظيمة ، فكأنه قد أحضر قلبه ولسانه وسمعه وكيانه كله فقوله لهذه الجملة دلالة على أنه مع هذه الجمل وأن متدبر لمعانيها .
باب منه أيضا
حديث رقم -211-
( صحيح ) حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي وإبراهيم بن يعقوب قالا حدثنا علي بن عياش الحمصي حدثنا شعيب بن أبي حمزة حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة )
من الفوائد:
أن قول المجيب بعد المتابعة ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ) من حيث الظاهر أنه يقولها من حين ما يسمع ، وليس بعد الفراغ من الأذان ، ولكن الروايات الأخرى تدل كما عند مسلم على أن المقصود بعد الأذان لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم سلوا لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ) فهذه الجملة وردت بعد الفراغ من الأذان ، وإذا تبين هذا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من قال حين يسمع النداء )
إذا تبين أن هذا يكون بعد الفراغ من الأذان قوَّت هذه الجملة ما ذهب إليه العلماء الآخرون الذين قالوا ( وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ) أنها تكون بعد الأذان وليس في ثنايا الأذان .
ومن الفوائد :
أن كلمات الأذن تدل على التوحيد ولذلك وصفها بأنها ( تامة ) أما ما عداها من الكلمات الأخرى كالشرك والمعاصي فإنها كلمات ناقصة بل باطلة .
ومن الفوائد :
أن وصفه للصلاة بأنها ( قائمة ) إما باعتبار ما سيكون أي الصلاة التي ستقام أو أنها ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تنسخ .
ومن الفوائد :
أن معنى ( الرب ) قد يطلق ويراد منها الصاحب أي صاحب الدعوة التامة ، لأن هذه الكلمات ليست مخلوقة ، إلا إذا قيل بأن ( رب هذه الدعوة التامة ) باعتبار حركة لسان وشفتي المؤذن ، فهذه الحركة من مخلوق الله سبحانه وتعالى ، أما هذه الكلمات التي تقال فليست مخلوقة .
ومن الفوائد:
أن الوسيلة بينت في رواية مسلم بأنها ( درجة في الجنة عالية لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو )
والفضيلة ليست هي الوسيلة كما ذهب إليه بعض العلماء ، فالصواب أنها درجة أخرى يرتفع بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على الخلائق .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هنا الكلمات التي ذكرت في كلام الله ( وابعثه مقاما محمودا ) في آية الإسراء {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }الإسراء79، قال ( وابعثه مقاما محمودا ) ولم يأت بأل ( وابعثه المقام المحمود ) ولذلك أنكرها النووي وقال ” لم تأت بأل ” ورد عليه ابن حجر رحمه كما في الفتح وقال ” قد وردت وثبتت ” فيصح بأل وبحذفها .
ومن الفوائد :
أن المقام المحمود بين في إحدى الروايات بأنه الشفاعة ، ولكن جاءت أحاديث أخرى دلت على أنها ليست محصورة في الشفاعة ، فأصح الأقوال في المقام المحمود أنه ” كل مقام يحمد فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوما القيامة ” ومن أعظم المقامات المحمودة التي يحمد عليها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشفع للخلق يوم القيامة الشفاعة الكبرى ، لكي يأتي الله سبحانه وتعالى ويقضي بين عباده حينما يعتذر كل نبي عن هذا الأمر ، فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول ( أنا لها أنا لها )
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا يعارض به شيخ الإسلام في رأي قد قاله هو أن طلب الدعاء من الغير مكروه ، فعورض رحمه الله بهذا الحديث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب من الأمة أن تدعو الله له ، لكنه رحمه الله أجاب فقال طلب الدعاء من الغير مكروه إلا إذا كان هذا الطالب يريد الخير للمطلوب منه كما يريده هو ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الأمة أن يدعو له بهذا الدعاء حتى ينال هذه المرتبة لأن في ذلك خيرا لهم ، فليس محصورا هو عليه الصلاة والسلام في هذا الفضل ، ولذا قال ( إلا حلت له شفاعتي )
باب ما جاء أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة
حديث رقم -212-
( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع وعبد الرزاق وأبو أحمد وأبو نعيم قالوا حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة )
من الفوائد :
بيان وقت من أوقات إجابة الدعاء ،فينبغي للمسلم أن يحرص عليه ، وهو الوقت الذي يكون بين الأذان والإقامة فله فضل كبير ، فيغتنم المسلم في هذا الوقت ما يريده وما يرغب أن يتحقق له من خير الدنيا أو خير الآخرة ، وليس هذا محصورا فيمن هو في المسجد ، بل من كان خارج المسجد فإن هذا الحديث يصدق عليه ، لكن كلما كان الإنسان حاضرا للمسجد عند الأذان أو بعد الأذان كان أحرى أن يحرص على هذا الدعاء وكان أحرى أن يستجاب له ، لأنه قلبه يكون حاضرا ، لكن إن لم يتيسر للإنسان أن يحضر مبكرا لعذر ما فإنه لا يفوت على نفسه هذا الفضل الكبير .
ومن الفوائد :
فضل الأذان والإقامة ، لأن الله سبحانه وتعالى جعل بينهما وقتا فاضلا ، ويدل هذا الحديث على فضل صلاة الجماعة لأنه لا ينادى إلا لحضور صلاة الجماعة ، هذا هو المعهود ، فدل على أن صلاة الجماعة لها فضل ، ولذلك لو أن أحدا تحدث عن فضل صلاة الجماعة يمكن أن يذكر هذا الحديث في ضمن فضائل صلاة الجماعة .
باب ما جاء كم فرض الله على عباده من الصلوات ؟
حديث رقم -213-
( صحيح )حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال : فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الصلوات خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسا ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين )
من الفوائد :
أن الصلوات لها منزلة كبيرة إذ فرضت من فوق سبع سموات من الله على النبي صلى الله عليه وسلم بدون واسطة ، وهذا يدل على فضل الصلاة .
ومن الفوائد :
أن الإسراء وقع قبل الهجرة ، والصلاة مفروضة ليلة الإسراء ، وقد نزل جبريل في اليوم التالي وصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر ، قيل قبل الهجرة بثلاث سنين على المشهور ، ومعلوم أن الأذان لم يشرع إلا بعد الهجرة ، فدل على أن الصلوات التي كانت تفعل قبل الهجرة ما كان يؤذن لها .
ومن الفوائد :
أن الصلوات الخمس أول ما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم كانت خمسين صلاة ، لكن نبي الله موسى عليه السلام له فضل بعد الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ، فإنه لما مر به النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسله التخفيف فقد عالجت بني إسرائيل ) يعني جربتهم ، وهذا يدل على أن صاحب الخبرة والمجرب ليس كغيره ، فاستفاد النبي صلى الله عليه وسلم من إرشاد وتوجيه موسى عليه السلام فرجع ، فما زال الله سبحانه وتعالى يخففها عليه خمسا خمسا ، حتى بلغت خمس صلوات ،فمر النبي صلى الله عليه وسلم بموسى وقال ارجع إلى ربك فاسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك ) وصدق عليه الصلاة والسلام خمس صلوات الآن يعجز عنها ( قال إني استحييت من ربي ، فنودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ) ولكن الله سبحانه وتعالى لكرم منه وفضل هذه الصلوات الخمس كأنها خمسون صلاة ، معلوم أن الحسنة بعشر أمثالها ، ولا يدخل هذا معنا ، فالصلوات الخمس عبارة عن خمسين صلاة ، كأننا نؤدي خمسين صلاة ، خمسون اضربها في عشرة ، الحسنة بعشر أمثالها وقد يضاعف الله عز وجل أكثر وأكثر ، إذاً خمسمائة صلاة ، فلا يقل إنها خمس في الفعل وخمسون في الأجر بناء على أن الحسنة بعشر أمثالها – كلا – هذا جانب آخر .
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى قد يختبر عباده ويأمر عباده بشيء لينظر أينفذون أولا ينفذون ؟ وهذا محله القلب ، لأن العبرة ليست بالفعل فقط ، لا شك أن فعلك للخير مطلوب ، لكن العبرة على ما في القلب ، ولذلك قد يتعاظم العمل الصالح بناء على ما في القلب من تعظيم الله ، ولذلك نسخ الأمر بفعل خمسين صلاة قبل أن يفعل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما صلى خمسين صلاة ، وهذا يقولون [ النسخ قبل الفعل ] وكذلك الله سبحانه وتعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه فلما أسلما وانقادا لأمر الله ، قال تعالى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات107، ففي مثل هذه الآية عن إبراهيم عليه السلام وفي مثل هذا الحديث نأخذ فائدة حينما نتكلم عن أعمال القلوب، ولذلك ماذا قال تعالى ؟ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }الملك2 وليس أكثر عملا .
باب في فضل الصلوات الخمس
حديث رقم – 214-
( صحيح ) حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر )
من الفوائد :
أن ما ورد من فضائل في الأذان في مغفرة الذنوب ، أو في بعض الجمل في الأذان ، أو ما ورد في تكفير الذنوب ما بين الجمعة والجمعة الأخرى أن هذا التكفير يقصد منه تكفير الصغائر ، لأنه قال : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ) وفي رواية ( ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ) شرطية أن يسلم الإنسان من الكبائر .
قد يقول قائل : أصلا بمجرد أن يدع الكبائر تكفر عنه السيئات ، فلا فضل لما ذكر في هذا الحديث ، قال تعالى {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً }النساء31 ؟
فيقال : إذا تركت الكبائر كفرت الصغائر ، لكن هذه الأعمال هي أكثر من سبب ، وكلما كثرت الأسباب على الشيء كلما كان أقوى في دفعه ،وإلا فعندنا مثلا صيام يوم عرفة يكفر سنتين ، عاشوراء يكفر سنة ، فمثل هذه الأسباب – كما قال ابن القيم رحمه الله – إذا توافرت كانت أقوى ، ولذلك إذا لم يوجد للإنسان صغائر ولا كبائر أصبحت هذه الأعمال درجات وحسنات ، فإن لم توجد صغائر ولكن وجدت كبائر فإنه يرجى – كما قال النووي رحمه الله – يرجى أن يخفف شيئ من هذه الكبائر ، فتصور لو أن عندك أسبابا متعددة في تكفير الصغائر وليس عندك صغائر وعندك كبائر لو كان هناك سبب واحد فربما يعجز هذا السبب عن تخفيف ذنب هذه الكبيرة ، لكن إذا توافرت هذه الأسباب وكثرت كانت أدعى في تكفير الكبيرة .
باب ما جاء في فضل الجماعة
حديث رقم -215-
( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة )
حديث رقم -216-
( صحيح ) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده بخمسة وعشرين جزءا )
من الفوائد :
أن صلاة الجماعة لها فضل ، تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة ، وفي رواية ( بخمسة وعشرين ضعفا ) وفي رواية ( بخمسة وعشرين جزءا ) وفي رواية ( بخمس وعشرين صلاة )
يقول ابن حجر رحمه الله ” المعنى متقارب ولعل هذا من باب التفنن في العبارة لإبراز فضل صلاة الجماعة .
إذاً الصلاة الواحدة في الجماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة فيما لو صلى الإنسان وحده فإنه لا تكتب له إلا صلاة واحدة
وورد ( بخمس وعشرين ) ورد هذا وورد هذا ، أكثر الرواة على أنها ( خمس وعشرون درجة ) وبعض العلماء ينفي ما زاد فيقتصر على خمس وعشرين درجة.
والصواب أن هذه ثابتة وأن هذه ثابتة ، ويكون التوفيق بينهما من وجوه متعددة ذكرها ابن حجر رحمه الله في الفتح ولكن أذكر أقربها :
من بين هذه الوجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيما أخبر أولا بخمس وعشرين درجة ثم تفضل الله سبحانه وتعالى وزاد الأمة باثنتين فأصبحت سبعا وعشرين درجة .
الوجه الثاني :
أن هذا يختلف باختلاف حال المصلي من حين الإتيان مبكرا ، من حيث الخشوع ، من حيث السكينة ، من حيث الوقار ، فتتفاوت الدرجة بتفاوت ما في قلب هذا المصلي .
ولعل هذا هو الأقرب والعلم عند الله .
ومن الفوائد :
الرد على من قال إن من صلى صلاة الفرض في بيته أو وحده فإن صلاته لا تصح ، لأن صلاة الجماعة شرط من شروط صحة الصلاة ، وهذا القول ليس بصحيح ، يرده هذا الحديث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بينهما مفاضلة ، فأثبت أن لصلاة الفذ فضلا لكنه ليس كفضل من صلى صلاة الجماعة ، فتكون صلاته حينها صحيحة لكنه وقع في الإثم لتخلفه عن صلاة الجماعة .
والصواب أن صلاة الجماعة واجبة ، وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنها شرط من شروط صحة الصلاة ، فإذا لم يأت إليها الإنسان فإن صلاته لا تصح إلا إذا كان قد منعه عذر فإن منعه عذر – كما قال رحمه الله – فإن صلاته صحيحة إذا صلاها وحده .
باب ما جاء فيمن سمع النداء فلا يجب
حديث رقم -217-
( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد هممت أن آمر فتيتي أن يجمعوا حزم الحطب ثم آمر بالصلاة فتقام ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بإحراق من تخلف عن صلاة الجماعة ، لأن سبب هذا الحديث أن النبي صلى الله عيه وسلم لما رأى غيابا من البعض ذكر هذا الحديث ، فكونه يهم عليه الصلاة والسلام بإحراقهم بالنار لا يدل هذا إلا على أن صلاة الجماعة واجبة لأنه ( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) فما هم به من هذا الإقدام يدل على وجوب صلاة الجماعة .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إن صلاتهم باطلة ، فدل على أن صلاة الفذ صحيحة .
ومن الفوائد :
أن التخلف عن صلاة الجماعة لما فيه مصلحة أعظم لا بأس به ، إذاً ما يفعله بعض منسوبي الهيئات من ترك الصلاة جماعة ثم الصلاة بعد ذلك جماعة وحدهم لا يلامون على ذلك ولا يعاب عليهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد هم أن يأمر أحدا فيؤم بالناس وأن يذهب هو .
إذاً ما ترك صلاة الجماعة إلا لما هو أفضل ، فلا يعتب على هؤلاء لأنهم يريدون بذلك مصلحة عامة .
ومن الفوائد :
الرد على من قال من العلماء إن الصلاة جماعة في البيوت كافية عن الحضور إلى المسجد ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت أن هناك عددا يصلون في البيوت ومع ذلك ما أقرهم ،ولذا ما أتت به عبارة بعض فقهاء الحنابلة أنه يمكن أن يصلي في بيته ولو مع امرأته وتحصل له الجماعة ، فهذا ليس بصحيح ، يمكن ذلك لو أن الإنسان تخلف لعذر أو ليست عنده جماعة وصلى بامرأته أو بأبنائه .
ومن الفوائد :
الرد على من زعم أن صلاة الجماعة سنة ، كيف تكون سنة وقد هم أن يعاقبهم .
ومن الفوائد :
الرد على من قال إن صلاة الجماعة فرض كفاية ، فلو كانت فرض كفاية لكانت كافية بهؤلاء الحاضرين .
فلم يبق إلا قول واحد وهو الصواب أنها واجبة وجوبا عينياً على كل شخص .
حديث رقم – 218-
( ضعيف الإسناد ) قال مجاهد : وسئل بن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة قال هو في النار )
باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة
حديث رقم – 219-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا يعلى بن عطاء حدثنا جابر بن يزيد بن الأسود العامري عن أبيه قال : شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف قال فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال علي بهما فجئ بهما ترعد فرائصهما ، فقال ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة )
من الفوائد :
أن إعادة الصلاة في الوقت المنهي عنه جائز ، لأن هذين الرجلين قد صليا في رحالهما يعني في منازلهما ، وهذه الصلاة هي صلاة الفجر ، فإعادة صلاة الجماعة مرة أخرى في الوقت المنهي عنه كأن تكون صلاة فجر أو صلاة عصر فلا بأس به ، خلافا لمن منع ذلك ، فهذا الحديث يرد عليه .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي هيبة ، ليس عنفا – كلا – إنما هيبة لأن الله سبحانه وتعالى قد يعطي بعض الناس هيبة من غير أن يكون عنيفا ، فأتي بهذين الرجلين تُرعد فرائصهما ، يقول الشراح هي ” لحمة تكون بين الكتف والجنب إذا خاف الإنسان رعدت هذه الفرائص ” فخافا وهابا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن أتاهم توجيه نبوي شريف لتدارك ما وقعا فيه من خطأ ، وكان ذلك في مسجد الخيف بمنى ، ومسجد الخيف معروف ، وقد ورد في فضله حديث صحيح ( أنه صلى فيه سبعون نبيا ) ولذلك من حج ينبغي له أن يأتي إلى هذا المسجد وأن يصلي فيه إن تيسر له وإلا يصلي مع من معه .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء الذين قالوا بأن صلاة الجماعة سنة استدلوا بهذا الحديث ، فإن هذين الرجلين قد صليا في رحالهما ولم ينكر عليها عليه الصلاة والسلام فدل على استحباب الحضور لصلاة الجماعة .
والصواب – كما أسلفنا – أن صلاة الجماعة واجبة وجوبا عينيا ، فلعل هذين الرجلين قد حصل لهما من العذر ما حصل ، ومثل هذا النص يعتبر من المتشابه فلا تترك تلك الأحاديث المحكمة الكثيرة التي جاءت بوجوب حضور صلاة الجماعة من أجل حديث واحد أو من أجل حديثين ، فلو أخذنا بهذا الحديث أبطلنا تلك الأحاديث الكثيرة ، وهذا ليس مرادا في الشرع ، بل إن الراسخين في العلم الموفقين هم الذين يلحقون المتشابه بالمحكم ويجمعون بينهما حتى يكون الكل محكما لا تناقض فيه ولا تعارض .
ومن الفوائد :
أن الإعادة هنا تكون في مسجد جماعة ، فلو أعيدت صلاة أخرى في غير المسجد فإن هذا الحديث لا ينطبق عليها ، وإن كانت هناك أحاديث وردت بالإطلاق دون تحديد مسجد جماعة ،ولكن يحمل المطلق على المقيد فتكون تلك الأحاديث المطلقة مقيدة بهذا الحديث ، فلو أقيمت مثلا في استراحة بقطع النظر عن صواب هؤلاء من خطئهم أو من عذرهم أو من عدم عذرهم ، صليت في مسجد ما فأتيت فوجدت الناس يصلون في استراحة ، فهذا الحديث – كما قال الشوكاني رحمه الله – لا ينطبق على هذه الصورة ، بناء على ما ذكرنا .
ولو قال قائل : إن الأحاديث الأخرى أطلقت وهذه الصلاة فيها خير فلا إشكال في ذلك ، فالأمر في ذلك واسع .
ومن الفوائد :
ضعف ما ورد من أن الصلاة الأولى هي صلاة النفل وأن الثانية هي صلاة الفرض ، فإن هذا الحديث هو الصحيح وتدل عليه أحاديث أخرى من أن الصلاة الأولى التي يوقعها الإنسان هي صلاة الفرض وأن الثانية هي النافلة ، خلافا لمن فرق فقال لو صلاها منفردا كانت له نافلة ، ولو صلاها جماعة كانت له فريضة ، فالصواب أن الصلاة الأولى على أي حال وقعت أنها هي الفرض وأن الثانية هي النفل .
ومن الفوائد :
أن الإنسان يحرص تمام الحرص على وحدة الأمة ،لأنه من غير المناسب واللائق أن تصلى الصلاة في المسجد وإذا بشخص أو شخصين منعزلين عن الناس ، فهذا لا يتناسب ، ومن ثم فإن هذه المصلحة أصبحت عذرا في حمل وتوجيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تصلى الصلاة في يوم مرتين ) لكن لوجود هذه المصلحة فلا يتعارض مع هذا الحديث .
سؤال : هل أمرهما بالإعادة واجب ؟
الجواب : الذي يظهر أن الحديث للوجوب .
سؤال : هل يأثم بعدم إعادتها ؟
الجواب : إذا أراد ألا يصلي فلا يدخل المسجد ، فيمكن أنه يؤثم من جهة أنه خالف الجماعة لا أنه ترك هذه الصلاة لأن ذمته برئت بفعل الصلاة الأولى .